أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : أجد من الابتلاء ما لا أطيق... فكيف أكون صابرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وأنا أجد من الابتلاءات ما ﻻ أطيق، فمرة ﻻ أستطيع الصبر فأبكي وأجزع وأحس أني على وشك الاعتراض، ثم استغفر وأحمد الله، ومرة أصبر وأحمد الله وأظل أبكي أريد أن يرجع الله لي ما أخذه مني، وأنا أعلم أنه أخذه لحكمة، لكن أدعو وﻻ يرجعه الله، وفي الحالتين تسوء حالتي النفسية وأعجز عن تناول الطعام، وأصاب بأمراض عضوية من كثرة الحزن، وعندما أبدأ أستفيق أتعرض لابتلاء جديد، وكل مرة يكون الابتلاء أشد من السابق، ويكون الشيء الذي حرمني الله منه أعز علي من الذي قبله، وأكون متعلقة به أكثر.
قدر الله كله خير -والحمد لله- لكن ليس في وسعي تحمل ابتلاءات أكثر، فكلما أرسل الله شيئاً من عنده ظننته تعويضا على ابتلاء سابق، وأول ما أتعلق به يأخذه مني، مع أن الله هو الذي أرسله، ويكون هذا ابتلاء جديدا، يقولون ما بين خير وخير مسافة مرهقة تسمى الابتلاء، لكني أجد أن هذا الخير ظاهره الخير وباطنه ابتلاء، فهذا الخير الذي رزقني الله به سيحرمني منه بعد فترة، وهكذا يحدث دوماً، ﻻ أعلم كيف أصبر دون حزن لأحقق الثواب من عند الله، لأني على يقين أن الذي حرمني الله منه كان شراً، ورزقني به اختبارا للصبر.
جزاكم الله، خيراً وجعله الله في ميزان حسناتكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونشكر لك التواصل المستمر، ونتمنى أن تتذكري أن الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من أركان الإيمان، وأن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ونسأل الله أن يجعلنا ممن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، واعلمي أن الرضا بقضاء الله وقدره ركن الإيمان الركين، هو سبب للطمأنينة والسعادة، والعاقل يُدرك أن الله تبارك وتعالى يبتلي الإنسان فمن رضي فله الرضا، وأمر الله نافذ، ومن سخط فعليه السخط، وأمر الله نافذ.
لذلك عودي نفسك التماسك عند أقدار الله تعالى مهما كانت -والحمد لله- أنت على علم بأن الإنسان لا يدري من أين يأتيه الخير، فالخير أحيانًا يأتي في صورة شر، بل هناك خير لا يُدركه الإنسان، فأحيانًا يأتي للإنسان ابتلاء لينال درجة عند الله ما كان لينالها إلا بصبره على البلاء، والإنسان عندما يقع في بعض الأزمات يُكثر اللجوء إلى الله تعالى فيجد في ذلك حلاوة وطعمًا، فإذا انقضت هذه المصيبة نسي اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والله تبارك وتعالى يبتلي في هذه الدنيا من يُحب ومن لا يُحب، والبلاء ينزل، والناس أمام البلاء أنواع:
طائفة كانت على الخير –أو إنسان كان على الخير– فيزداد بالبلاء ثباتًا وصبرًا وإيمانًا، وينال منازل –كما قلنا– ما كان لينالها إلا بصبرٍ على البلاء، لأن الله يقول: {إنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
وطائفة ثانية كانوا على الغفلة، فلما جاء البلاء رجعوا إلى الله كما قال:{لعلهم يضَّرعون}، يرفعون أكفَّ الضراعة إلى الله، وهذه حكمة عظيمة جدًّا، وهؤلاء أيضًا على خير، فإنهم بهذا البلاء يعودون إلى الله تبارك وتعالى وينيبون إليه ويتضرعون إليه، وهذا مطلب عظيم {لعلهم يرجعون}.
أما الطائفة الثالثة -والعياذ بالله- فهم الذين كانوا على الغفلة، ثم جاء البلاء وما ازدادوا بذلك إلا بُعدًا، لا يفهمون البلاء، ويأتي الشيطان بعدد من التأويلات، قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا}، هذا المفروض، {ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} فلا يشعرون بموعظة، ولا يشعرون بألم، ولا يتأثرون بموت حبيب، ولا تؤثر فيهم الزلازل والفواجع -والعياذ بالله-، وهؤلاء كما قال الحسن البصري: هم كالحمار، لا يدري فيم ربطه أهله ولا فيم أرسلوه؛ لأن هذه الابتلاءات مواعظ مرسلة من الله تبارك وتعالى، قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم}، فلم ينتفعوا بالموعظة ولم يفهموها وزين لهم الشيطان أعمالهم رغم قبحها، فهم يقولون: (هذا جاءنا ونحن أفضل من كذا) بدلاً من أن يعودوا إلى أنفسهم ويتوبوا وينيبوا إلى الله تبارك وتعالى.
وعليك أن تُدركي أن البكاء وأن الجزع لا يرد شيئًا من هذه المصائب والابتلاءات، لكنه يمكن أن يزيد ذنوب الإنسان ويزيد الآلام عليه؛ ولذلك المؤمنة ينبغي أن ترى سعادتها في مواطن الأقدار، كما قال عمر بن عبد العزيز، فترين السعادة فيما يُقدره الله تبارك وتعالى، والحق أن الإنسان لا يرى من البلاء إلا وجهًا واحدًا، وإلا فكم من منحةٍ جاءت في شكل محنة، وكم من نعمة جاءت في شكل مصيبة، لمَّا صبر عليها أهلها ارتفعوا عند الله تبارك وتعالى درجات.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، واعلمي أن الله إذا حرم شيئًا يعطي أشياء، وأن المؤمن ينبغي أن يتعلق قلبه بالله ويحبه، ولا يحب هذه الأشياء والنعم التي تأتي، فإن الإنسان إذا أحب النعم ونسي المُنعم قد يبتليه الله تبارك وتعالى في ذلك، فاجعلي حبك لله، ورضاك بالله، واشكريه على ما أولاك، وتجنبي هذا اليأس وهذه المشاعر السالبة، فإن الشيطان يريد أن يشغلك عن الشكر بهذا اليأس والقنوط والتخوف من المستقبل الذي ما كُلفنا بالنظر فيه، فإذا نزلت نعمة فافرحي بها، وإذا جاءت مصيبة فاصبري واحتسبي، واستمعي إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عجبًا لأمر المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).
نسأل الله أن يرزقنا وإياك الإيمان، والرضا بقضاء الله مالك الأكوان، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
أريد تفسيرا لكل ما يحدث لنا! | 1506 | الأحد 14-06-2020 05:54 صـ |
هل كل شيء يحدث له غاية؟ | 6280 | الاثنين 30-03-2020 06:05 صـ |
ما الذي يجعلني أتبع الدين بدون قيود؟ | 2532 | الثلاثاء 24-03-2020 05:50 صـ |
كيف أتقبل فشلي في اختبار القرآن؟ | 5334 | الأحد 22-12-2019 12:29 صـ |
كيف أجمع بين الرضا والدعاء؟ | 4754 | الثلاثاء 09-04-2019 07:03 صـ |