متى لاح رسمُ الدار من طلل قَفْر
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
متى لاح رسمُ الدار من طلل قَفْر | فلي زفرة ٌ تذكو ولي عَبْرة ٌ تَجري |
ذكرت الهوى يوماً بمنعرج اللوى | ولا بد للمشتاق فيه إلى الذكر |
سقى الله عهداً في النعيم وحاجر | وجاد على أرجائها وابلُ القطر |
وحيّى بصوب المزن في الحيّ منزلاً | لي العذر فيه من رسيس الهوى العذري |
وأيامنا الّلاتي قَضَت باجتماعها | تصبَّبَ من عينيَّ ما ليس بالنزر |
وإنّي لمطويّ الضلوع من الجوى | على لاعج برحٍ احرَّ من الجمر |
كأنَّ التهاب البرق يُبرِزُ لوعتي | ويُبْرِزُ للأبصار ما كان في صدري |
ولم أدرِ ما هاج الحمام بنوحه | فهيَّجَ أشجان الفؤاد ولا يدري |
كأنّي به يشكو الفراق على النوى | ولا غاب عن أنفٍ ولا طار عن وكر |
أحبَّتَنا هل تذكرون ليالياً | لنا في الحمى كانت تعدُّ من العمر |
تطوف علينا الكأسُ من كفِّ أغيد | كما ذكر قرن الشمس في راحة البدر |
تحدِّثنا عن نار كسرى لعهده | قديمة ُ عهدٍ بالمعاصير بالعصر |
فحيّى بها أحوى من الغيد أبلجٌ | مُذاباً من الياقوت تبسم عن درّ |
وقلت لساقيها وريدك بالحشا | فقد زدتني بالراح سكراً على سكر |
بربِّك هلْ أبصرت منذ شربتها | ألذَّ لطيب العيش من قدح الخمر |
وندمان صدقٍ تشهد الراح أنَّهم | إذا سكروا أحلى من السكر المصري |
هنالك أعطينا الخلاعة َ حقَّها | وقمنا إلى اللّذات نعثر بالسكر |
إلى أنْ بدا للصبح خفقٌ بنوده | وطار غراب الليل عن بيضة الفجر |
وغارت نجوم الليل من حسن معشر | خلائقهم أبهى من الأنجم الزهر |
بَلَوْتُ الليالي عُسْرَة ً بعد يسرة | وكم ذقت من حلو المذاق ومن مر |
فما أبلت الأيام جدَّة َ عزمتي | ولا أخَذَتْ تلك الحوادث من صبري |
إذا لم تكن لي في النوائب صاحباً | فما أنتَ من خيري ولا أنتَ من شري |
وليس تفي مثل الصوارم والقنا | إذا عبثت أيدي المودّات بالغدر |
إذا أنا أنفيتُ الهوان بمنزلِ | تركت احتمال الضيم فيه إل غيري |
وما العزُّ في الدنيا سوى ظهر سابح | يقرّب ما ينأى من المهمة القفر |
سواءٌ لديه الوعرُ والسهل إنْ جرى | وَلَفَّ الرُّبا بالسَّهلِ والسَّهلُ بالوعر |
تعوَّد جوبَ البيد فاعتاد قطعها | فأنْجَدَ في نجد وأغوَرَ في غور |
عتيقٌ من الخيل الجياد كأنَّه | لشدته صخرٌ وما قدَّ من صخر |
وناصيته ميمونة منه أعْلَنَتْ | بأنَّ لها فيه مقدمة النصر |
وإنَّ جياد عندي هو الغنى | وليس الغنى بالمال والبيض والصفر |
وأشْهَبَ يكسوه الصباح رداءَه | كما أشرقَ الإسلام في ملَّة الكفر |
أبى أن يشقَّ اللاحقون غباره | فكالبرق إذ يهفو وكالريح إذ تسري |
إذا ما امتطاه رفعتٌ وجرى به | رأت أعيني بحراً ينوف على بحر |
أعدَّ له عند الشدائد عدَّة ً | وأرصده فيها إلى الكر والفر |
فتى المجد من أهل الصدارة في العلى | وليس محل القلب إلاّ من الصدر |
تناظرُ جدواه السحائب بالندى | وأنّى له جدوى أنامله العشر |
إذا جئته مسترفداً منه رِفْدَه | فنل منه ما تهوى من النائل الغمر |
وحسبُك من أيدٍ تدفَّق جَورُها | وناهيك من وجه تَهلَّل بالبشر |
كما سقت المزن الرياض عشية ً | فأصبحَ زهر الروض مبتسم الثغر |
بياض يدٍ تندى ومخضرّ مربع | تروق برغد العيش في الخطط الغبر |
وما زال موصول الصلات ودأبه | من البرّ أنْ يسديه برّاً إلى بر |
مكارمه لا تترك المال وافراً | وهل تركت تلك المكارم من وفر |
وما ادّخرت للدهر مالاً يد امرئٍ | يُعدُّ الثناءَ المحض من أنفس |
كما لم يَزَلْ يُرجى لكل ملمة | ويعرف فيه الأمن في مواطن الذعر |
ولا خير في عيش الفتى وحياته | إذا لم يكن للنفع يرجى وللضرّ |
له المنطق العذب الذي راق لفظه | رمى كل منطق من الناس بالحصر |
فلا ينطق العوراءَ سُخطاً ولا رضى ً | قريبٌ من الحسنى بعيدٌ من الهُجْر |
سواء إذا أثرى وأملَقَ جودُه | جواد على الحالين في العسر واليسر |
صبورٌ على الأيام كيف تقلَّبت | جليدٌ شديدُ البأس فيها على الدهر |
وقد أخْلَصَتْه الحادثات بسبكها | فكان بذاك السبك منخالص التبر |
إذا ما حَمِدْنا في الرجال ابن أحمد | فعن خالص في الود بالسر والجهر |
يعطّر أرجاءَ القوافي ثناؤه | وربَّ ثناءٍ كان أذكى من العطر |
نشرنا له الصُّحفَ التي كان طيُّها | على طيب ذات فيه طيبة النشر |
ولي في أبيه قبلَه وهو أهْلُها | محاسنُ أوصاف تضيق عن الحصر |
فيا أيّها المولى الذي عمَّ فضله | لك الفضل فاسمع إن تكن سامعاً شعري |
خدمتُك في حُرِّ الكلام مدائحاً | فقال لسان الحال يا لك من حر |
وقد راق شعري في ثنائك كلُّه | ألا إنَّ بعض الشعر ضرب من السحر |
فخذها منالداعي قصيدة أخرس | عليك مدى الأيام تنطق بالشكر |
تريني لدى علياك ما قد يسُّرني | وترفع قدري فيك يا رفعت القر |