أقلِّبُ طرفي لا أرى غير منظرِ
أقلِّبُ طرفي لا أرى غير منظرِ | متى تختبره كان أَلأمَ مَخْبَرِ |
فلم أدرِ والأيامُ ذاتُ تغيُّر | أيذهبُ عمري هكذا بين معشر |
مجالسهم عاقَ الكريمَ حُلُولُها | |
أسفتُ على من ليس يرجى العودة | وكان يرى عوناً على كلّ شدة |
قضى الله أنْ يقضي بأقرب مدة | وأبقى وحيداً لا أرى ذا مودة |
من الناس لا عاش الومان ملولها | |
إذا الحُّر في بغداد أصبحَ مبتلى | وعاش عزيزُ القوم فيها مذللا |
فلا عجبٌ إنْ رمتُ عنها تحوُّلا | وكيف أرى بغداد للحرُّ منزلا |
إذا كانَ مفرَّ الأديم نزيلها | إلامَ المعالي يملك الرذل رقّها |
لقد كنت لم أحفل بأيام عرسها | ولم يتبدل شههمها بأخسّها |
فكيف بها إنْ سادها غيرُ جنسها | ويسطو على آسادها ابنُ عرسها |
ويرقى على هام السماك ضئيلها | |
عجبتُ لندبٍ ثابت الجأش مفضل | يرى بدلاً من أرضه بمبدّل |
ولم يك عن دار الهوان بمعزل | فما منزل فيه الهوان بمنزل |
وفي الأرض للحرِّ الكريم بديلها | |
سأركلها يا سعد كلّ معدّة | أجوبُ عليها شدة بعد شدة |
وإن مت ألفي البيد موتة وحدة | فلَلموتُ خيرٌ أن أقيمَ ببلدة |
يفوق بها الصيدَ الكرام ذليلها | |
فكم قرصتني من عدى ً بقوارص | هوابط من أرض المساوي شواخص |
ولاقيت صعب المرتقى غير ناكص | وأصعب ما ألقى رئاسة ناقص |
مستويه إن عدّت كثيرٌ قليلها | |
أنَبِّهُ طرف الحظّ والحظّ راقد | وأنهض للعلياء والجدّ قاعد |
وأنى أسودُ اليوم ولادهر فاسد | وما ساد في أرض العراقين ماجد |
من الناس إلاّ فدمها ورذيلها | |
بلاد بقوم قد سَعَوا في خرابها | فليس شرابٌ يرتجى من سرابها |
ولا لكريمٍ منزل في رحابها | فسر عن بلاد طوَّحت لا ترى بها |
مقيل كريم للعثار مقيلها | |
فليس عليها بعد هذا مُعَوَّلُ | ولا عندها للآملين مؤمَّل |
فيالك دار قد نبت بيَ منزل | بها الجود مذمومٌ بها الحرّ مهمل |
بها الشحّ محمودٌ فهل لي بديلها | |
وربَّ أخ للمجد في المجد آلفُ | له في ربوع الألأمين مواقفُ |
أقولُ له والقول كالسُّمِّ زاعف | ألا يا شقيق النفس عندي صحائف |
لقومٍ لئامٍ هل لديك قبولها | |
صحائف ذي غيظ على الدهر واجد | عليها طوى قسراً جوانح حاقد |
وأن لما يبدي لساني وساعدي | سأنشرها والهندوانيّ شاهدي |
وأذكرها والسمهريّ وكيلها | |
فمن مبلغ عني كلاماً ملخَّصا | أهان به عرض اللئيم وأرخصا |
أناساً يعيش الحرُّ فيهم منغَّصا | ولي كلمات فيهم تصدع الحصا |
وإني على وهني لما قد أمضّني | |
فكم مهمة ٍ قفرٍ طَوَيْتُ مشافها | بها كل هول لم يزل متشابها |
وواجهني ما لم يكن لي مواجهاً | عفا الله عني كم أجوب مهامها |
من الأرض يستفّ التراب دليلها | |
طويت قيافيها ذهاباً وجية ُ | أكان عناءً طيّها أم بليّة ً |
كمن يبتغيها منية ً أو منيَّة ٍ | لعلي ألاقي عصبة ً عبشمية ً |
فروع مناجيبٍ كرام أصولها | |
إذا نطقوا بالقول فالقول مُفْلِقُ | وإنْ حاولوا مجداً فعزم محلّق |
لهم أرج لم يكتتم فهم معبق | ينم بهم مجد رفيع ومنطق |
وينبي عن الخيل العتاق صهيلها | |
لقد طالما قد بِتُّ أطوي وأنطَوي | على مضضٍ أمست على الضّيم تحتوي |
فيا سعد قل لي إنْ نصحتَ فأرعوي | متى يلثم اللبات رمحي وترتوي |
سيوف بأعناق اللئام صليلها | |
أحِنُّ إلى يوم عبوسٍ عصبصبِ | يبل غليلي منجب وابن منجب |
فيا ليت شعري هل أرني بموكب | وحولي رجال من معدٍّ ويعرب |
مصاليت للحرب العوان قبيلها | |
شفاء لنفسي يا أميمة حشرجت | أو الساعة الخشنا إلى الأمر أحوجت |
فهل مثل آساد الشرى حين هيّجت | إذا أوقدوا للحرب ناراً تأججت |
مجامرها والبيض تدمى نصولها | |
كهولٌ وشبابٌ بآيّهم | ظفرنا رأينا كهلهم كفتيهّم |
حماة ٌ بماضيهم وفي سمريّهم | وبالسمر تحمي البيض شبان حيّهم |
وبالبيض تحمي السّمر قسراً كهولها | |
من القوم ما زالت تطبّق سحبهم | وفي عدم الجدوى تفارط صوبهم |
كرام بيوم الجدب يعرفُ خصبهم | يهشون للعافي إذا ضاق رحبهم |
وجوهاً كأسياف يضيء صقيلها | |
نماهم أبٌ عالي الجناب سميذع | وعن أصل زاكي العنصرين تفرعوا |
فإنّ يدّعوا العلياء كان كما ادَّعَوا | إلى خندقٍ ينمى علاهم إذا دُعوا |
ومن خير أقيالٍ إذا عُدَّ قيلها | |
فمن لي بأبيات يروقك وصفها | يُهان معاديها ويُكرَمُ ضيفها |
بحيث العلى والعزُّ مما يحضّها | وما العزّ إلاّ في بيوتٍ تلفّها |
عذارى وأبكارُ المطيّ حمولها | |
تلمّ بها إنْ داهمتها ملّمة | رجال مساعيها إلى المجد جمّة ٌ |
وإن هي زمّتها على السير أزمة | تحف بها من آل وائل غِلْمَة ً |
لهم صولة في الحرب عال تليلها | |
وإنّي لأشكو عصبة ً ما تطأطأت | لرشد وغنْ تدعَ إلى الرشد أبطأت |
لها الويل قد خَطّت ضلالاً وأخطأت | إلى الله أشكو عصبة قد تواطأت |
إلامَ المعالي الرذل رقّها | ويمنعها من ظلمه مستحقَّها |
ألا دعوة ٌ للمجد نَوْفُ صدقها | ألا غيرة ٌ تقضي المنازل حقّها |
وتوقظ وسنان التراب خيولها | |
عوادي بميدان الوغى لمفاخر | بكل نزاريّ على الموت صابر |
إذا أقْبَلَتْ من كلّ عوجاء ضامر | عليها رجال من نزارٍ وعامر |
مطاعين في الهيجا كريم قتلها | |
إذا نحن لم نحمد بحال ذهابنا | إلى شرِّ جيلٍ شرّهم قد أنابنا |
فَلِمْ لا نعاني حزننا واكتئابنا | كفى حزناً أنَّا نعنى ّ ركابنا |
تركت ديار اللّهو والعقل تابعي | وبدَّلْتُ سكناها بسكنى المرابع |
وما غرّني في الكون برق المطامع | إذا كانت العلياء حشو مسامعي |
يريني المعالي سفحها وطلوعها | |
لقد خاب مسعاها إليهم وبئس ما | تقحّمتْ الأمرَ الخطير تقحَّما |
تروح رواءً ترتمي أيَّ مرتمى | فترجع حَسْرى ظلّعاً شفّها الظما |
فيا ليتها ضلتْ وساءَ سبيلها | |
لئن كان صحبي كلُّ أروع يجتري | على كل ليث في الكريهة قَسوَر |
ترفَّعت عن رذل الصفات مصعّر | فلا ألوي للأنذال جيدي ومعشري |
بهاليل مستن المنايا نزولها | |
إذا لم يكن ظلٌّ خليَّاً من الأذى | تلذذتُ في حرّ الهجير تلذُّذا |
وبدّلت هذا بعد أن عفته بذا | رعى الله نفسي لم ترد مورد القذى |
وتصدى وفي ظلّ الهجير ظليلها | |
يرى المجدَ مجداً من أغار وأنجدا | ولم يُبْق في جَوْب الفدافد فدفدا |
إلى أنْ شكته البيد راح أو اغتدى | ومن رام مجداً دونه جرع الردى |
شكته الفيافي وعرها وسهولها | |
رجال المعاني بالمعاني منالها | مناها إذا ما حان يوماً نزالها |
هي المجد أو ما يعجب المجد حالها | وما المجد إلاّ دولة ورجالها |
أسودُ الوغى والسمهرية غيلها | |
ديار بها نيطت عليَّ تمائمي | وكان العلى إذ ذاك عبدي وخادمي |
فكيف أرى في اللهو لمعة شائم | إذا أبّرَقَتْ في السفح صوب الغنائم |
وشاق لعين الناظرين همولها | |
وعاوَدَني ذكرى دمشق وأهلِها | يروقك مرآه إذا كنت رائدا |
فكن لي على صوب الدموع مساعا | متى سمعت أذناك منّي رواعدا |
تصوب عزاليها وتهمي سيولها | |
ذكرتُ زماناً قد مضى في رحابها | سقته عيون المزن حين انسكابها |
لقد شاقني ظبيُ الكناس الذي بها | فكم مرة في بعدها واقترابها |
تشافت من الأرض الجراز محولها | |
فأنبتَتِ الخضراءُ محمرَّ وَرْدها | وفاخرت البيداء في وشي بردها |
ولما طغت في جزرها بعد مدِّها | سقى كلَّ أرضٍ صوبها فوق حدِّها |
فيا ليت شعري هل أرى بعد دارها | من الغبر الورديّ موقد نارها |
وهل ناشقٌ من رندها وعرارها | على أنّها مع قربها من مزارها |
تلوح لعيني في البعاد تلولها | |
قضيت بها عيشاً على الرغم ناعما | أرى صادحاً في صفحتيه وباغما |
فيوقظ من قد كان في الطيف حالما | ولم يستمع فيها عذولاً ولائما |
إذا كانت الورقاء فيه عذولها | |
فكم راكب فوق الكميتِ وسابقِِ | بحَلبَة مجراه غدا غيرَ لاحق |
إذا لمعت في الليل لمعة بارق | يذر عليه بالسنا ضوء شارق |
فكن مسعدي يا سعد حين انقضائها | متى نفرت جيرانها من فنائها |
وأقَفَرَ ذاك المنحنى من ظبائها | وحلّ سوادٌ في مكان ضيائها |
وما أعْطِيَتْ عند التوسل سولها | |
فما العيش إلا مُنْيَة ٌ أو مَنِيَّة | به النفس ترضى وهي حريّة |
فهذي برود نسجها سندسية | وما النفس إلاّ فطرة جوهرية |
يروق لديها بالفعال جميلها | |
ففيها يكون المرء شهماً معظما | لدى كل من لاقا يغدو مكرَّما |
فهذا تراه بالفخار معمّما | إذا المرء لم يجعل حلاها تحلّما |
فقد خاب مسعاها وضلَّ مقيلها | |
فألطف آثار الحبيب طلولها | وأنفسُ أطرار السيوف نصولها |
فهذي المزايا قلّ من قد يقولها | وأحسن أخلاق الرجال عقولها |
وأحسن أنواع النياق فحولها | |
كمال الفتى يحلو بحسن صفاته | فيزهو لدى الأبصار لطف سماته |
يفوق الفتى أقرانه في هباته | هل يقبل الإنسان نقصاً لذاته |
إذا كان أنوار الرجال عقولها | |
فلا العرض من هذا الفتى بمدنس | إذا حلّ في ناد بخير مؤسّسِ |
وهذا الذي قد فاز في كل أنفس | فكم أثمَرَتْ بالمجد أغصانُ أنفسِ |
يُؤرِقُني في ذكرهم حين يعرض | نسيمُ الصَّبا يسري أو البرق يومضُ |
أحبة قلبي حين صدّوا وأعرضوا | ويوحشني من بالرُّصافة قوّضوا |
ولي عبرات في الديار أجيلها | |
أرى جاهلاً قد نال في جهله المنى | كذا عالماً عانى على علمه العنا |
وذلك من جور الزمان وما جنى | ومن نكد الأيام أنْ يحرم الغنى |
كريمٌ، ويحظى بالثراء بخيلها | |
أراني وأنياقي لإلفٍ وصاحبي | إلى أصبو وتصبو لجانب |
فما بالنا لم نتفق في المذاهب | تحنُّ إلى أرض العراق ركائبي |
وصحبي بأرض الشام طاب مقيلها | |
فهل تسمح الأيام لي برجوعها | فأحظى بأحبابٍ كرامٍ جميعها |
لقد عاقني عنها نوى ً بنزوعها | وأخّرني عن جلّق وربوعها |
علائق قد أعيا البخاتي حمولها | |
لقد عادت الأيام تزهو بوصلها | وإشراق محياها وأبيض فعلها |
لأنتظر العقبى وربّي كفيلها | وعاندني ذكرى دمشق وأهلها |
بكاء حمامات شجاني هديلها | |
شجتني وما قلب الشجيّ كقلبها | ولم تحكِ من عينيّ منهلّ صوبها |
فما برحت من شجوها أو لجّها | تردد ألحاناً كأن الذي بها |
من الوجد ما بي والدموع أُذيلها | |
منازل أشواقي ومنشا علاقتي | وسكر صباباتي بها وإفاقتي |
حَلَفْتُ يميناً صادقاً جهد طاقتي | لئن بلّغتني رمل يبرين ناقتي |
عليّ حرام ظهرها ومشيلها | |
ولم أنسَ لا أنستُ في كلِّ ضامر | وقوفي على ربع الظمياء داثر |
بحسرة ملهوفٍ وصفقة خاسر | وكم لي على جيرون وقفة حائر |
له عبرات أغرقتهُ سيولها | |
ألَمْ تنظرِ الأرزاء كيف تعدَّدَتْ | وساعدت النحسَ الشقيَّ وأسعدت |
قعدنا وقامت أرذلونا فسُوِّدَتْ | وكم باسقاتٍ بالرُّصافة أقعدت |
على عجزها حيث استطال فسيلها | |
لقد نالها دنياً دنيُّ تجبّرا | فتاه على أشرافها وتكبّرا |
وكان أذلَّ العالمين وأحقرا | لحا الله دنياً نالها أحقرُ الورى |
وتاه على القوم الكرام فسولها | |
لعلّ خطوباً قد أساءت تسرّني | عواقبها حتى أراها بأعيُني |
سأحمل أعباء الخطوب وإنّني |