ألا طال التنظر والثواء
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
ألا طال التنظر والثواء | وجاءَ الصيْفُ وانكشف الغطاءُ |
وليسَ يقيمُ ذو شَجَنٍ مُقيمٍ | ولا يَمضي إذا ابتُغيَ المَضاءُ |
طوال الدهر إلا في كتابٍ | لمقدارٍ يوافقه القضاء |
ولا يعطى الحريص غنى ً لحرصٍ | وقد ينمي لذي الجود الثراء |
غني النفس ما استغنت غنيٌّ | وفَقرُ النفسِ ما عَمِرتْ شَقَاءُ |
إذا استحيا الفتى ونشا بحلمٍ | وسادَ الحيَّ حالفَهُ السَّناءُ |
وليس يسود ذو ولدٍ ومالٍ | خفيف الحلم ليس له حياء |
ومن يَكُ ذَا حَياً لم يُلْقِ بؤساً | يَنُخْ يوماً بِعَقْوتهِ البلاَءُ |
تعاوره بنات الدهر حتى | تثلمه كما انثلم الإناء |
فكُلُّ شَديدة ٍ نزلتْ بِحَيٍّ | سيأتي بعد شدتها الرخاء |
فَقُلْ للمتّقي حَدَثَ المنايا: | توقَّ، فليسَ ينفعُك اتّقاءُ |
ولا تك المصاب ، وأي حي | إذا ما مات يُحييهِ البكاءُ؟ |
وقُلْ للنفْسِ: من تُبقي المنايا؟ | فكلُّ الناسِ ليسَ له بقاءُ |
تعزي بالأسى في كل حي | فذلك حينَ يَنْفعُها العَزاءُ |
ستفنى الراسيات ، وكل نفسٍ | ومالٍ سَوْفَ يَبْلُغُه الفَناءُ |
يُعَمَّرُ ذو الزمانة ِ وهو كَلٌّ | على الأدنى وليس له غناء |
ويردى المرء وهو عميد حيًَ | ولو فادوه ماقبل الفداء |
إذا حانتْ مَنِيَّتُهُ وأوصى | فليس لنفسه منها وقاء |
وكلُّ أُخوَّة ٍ في الله تبقى | وليس يدوم في الدنيا إخاء |
أَصِبْ ذا الحِلْمِ منك بِسَجْل وُدٍّ | وصله ، لا يكن منك الجفاء |
ولا تصل السفيه ولا تجبه | فإن وصال ذي الخربات داء |
وإن فراقه في كل أمرٍ | وصرم حبال خلته شفاء |
وضيفك ما عمرت فلا تهنه | وآثِرْهُ وإن قلَّ العَشاءُ |
ولا تجعَلْ طعامَ الليل ذُخْراً | حذار غدٍ ، لكل غدٍ غداء |
وكل جراحة ٍ توسى فتبرا | ولا يَبْرا إذا جرحَ الهِجاءُ |
يؤثر في القلوب له كلومٌ | كداء الموت ليس له دواء |
وحوك الشعر ما أنشدت منه | فَيَنْفي سيّىء َ الاكفاءِ عَنْهُ |
كما يُنفى عن الحَدَبِ الغُثاءُ | |
غُثاءُ السَّيْلِ يضرحُ حَجْرتَيْه | تجلله من الزبد الجفاء |
من الشُّعراءِ أكْفاءٌ فُحولٌ | وفَرّاثونَ إنْ نطقوا أساؤوا |
فَهَل شِعران: شِعرُ غناً وحَكْمٍ | وشعرٌ لا تعيج به ، سواء ؟ |
فإنْ يكُ شاعرٌ يعوي فإنّي | وجدتُ الكلبَ يقتلُه العُواءُ |
وإن جَرِبَتْ بواطنُ حالبيهِ | فإنَّ العَرَّ يَشفيهِ الهِناءُ |
وقلت لمن أبث إليه سري | وينفعُني وإيّاهُ الخَلاءُ: |
ألا يا هندُ هل تُحيينَ مَيْتاً؟ | وهل لقروضنا أبداً أداء ؟ |
أحلأت النفوس لتقتليها | وهن إلى مناهلكم ظماء |
أديم صفاءها ويدوم عهدي | وإنْ طالَ التعاشُرُ والصفاءُ |
فإن يك أهلنا ناءوا وبانوا | وبان بها أقاربها وناءوا |
فقد أعْفو مَنازِلَها بِفَلْجٍ | وفي آيات دمنتِها امتحاءُ |
تراوحها من الأرواح هوجٌ | كأن نخيل تربتها هباء |
وكل مجلجلٍ دانٍ زحوفٍ | تشابه غيمه فيه استواء |
كأن على غواربه زحوفاً | لها لَجَبٌ يُصَمُّ به الدُّعاءُ |
كأن دفاف مأدبة ٍ وعرسٍ | ورجازٍ يجاوبه الحداء |
ونوح مآتمٍ وحنين عوذٍ | يجاوبُها من النَّعَمِ الرُّغاءُ |
على أعْجازهِ إذ لاحَ فيهِ | سيوف الهند أخلصها الجلاء |
إذا انسحَّتْ دلاءُ الماء منهُ | أمدته بسافكها الدلاء |
فليس حفيله كحفيل غيثٍ | ولا كمياهِهِ في الأرضِ ماءُ |
قرارُ الأرض ممّا صَبَّ فيها | لهُ حُبُكٌ مُوَكَّرة ٌ مِلاءُ |
فأقلعَ والشَّمالُ تحنُّ فيهِ | بكلٍّ قَرارة ٍ منها إضاءُ |
فأعْقبَ بقلُهُ نَوْراً تؤاماً | كَلَوْنِ الرَّقمِ حَطَّ به الفِلاءُ |
ونور البخترية والخزامى | وحنوته لبهجتها بهاء |
فقد جُنَّت كواكبُهُ جُنوناً | لها صبحٌ إذا ارتفع الضحاء |
إذا اغتبقت من الأنداء طلا | فإن صبوحها منها رواء |
فأوْحشَ رَبْعُها وعفت رِياضٌ | تولَّدُ في كواكِبها الظِّباءُ |
بِها سُفْعٌ مُوَلَّعَة ٌ هِجانٌ | هواملُ لا تطرِّدُها الضِراءُ |
كأن جلودها إذ بان عنها | نَسيلُ الصيف بالصيف المُلاءُ |
لهن جآذر نعست ، فنامت | عَواقدُ في سوالِفِها انثناءُ |
وعاناتٌ يطردها فحولٌ | نَواشطُ في أَياطِلِها انطواءُ |
تَرومُ حِيالها وتصُدُّ عنها | لواقحُ مِنْ صَعابتها الإباءُ |
فكلُّ هَجَنَّعٍ تحنو إليهِ | نقانقُ في بلاعِمِها الْتِواءُ |
كأنَّ ظهورَها حُزَمٌ أنابَتْ | بِها أُصُلاً إلى الحيِّ الإماءُ |
فعُجْتُ على الرسومِ فشوّقتني | ولم يكُ في الرسوم لنا جَداءُ |
فناجيت الرسوم فلم تجبني | وقد ناديت لو نفع النداء |
ودويً يصيح بها صداها | كَأَنَّ صِياحَهُ فيها مُكاءُ |
تفجع هامها والبوم أصلاً | كما صرخت على الميت النساء |
لأسراب القطا فيها عيالٌ | مُعَرَّسُها ومَجْثَمُها الفَضاءُ |
تَوائِمُ كالكُلى زُغُبٌ ضِعافٌ | تضمَّنها الأفاحصُ والعَراءُ |
تبص كأنها عجزٌ فوان | وقد بَثِرتْ وليس لها عِفاءُ |
كأنَّ بِهِنَّ زِرْنيخاً مَدُوفاً | بِها لَصِقاً كما لَصِقَ الغِراءُ |
إذا استسقت مطاعم أنهضتها | فولت من غرائزها النجاء |
موارِدُها مياهُ العِرق توّاً | وماءُ القُطْقُطانَة ِ والحِساءُ |
تراطن بينها بكلام عجمٍ | وَأَكْبرُ ما تهُمُّ بهِ الرَّحاءُ |
فخلَّفَتِ الدَّعاثِرَ ثُمَّ عَبَّتْ | لكل ثمالة ٍ منها سقاء |
متى تنهل قطاة ٌ من شروب | يكُنْ قُدّامَها منهُ ارتواءُ |
فأنهلت النفوس ، وفي الأدواى | أمامَ نُحورِها منْها امتلاءُ |
أداوى لا يبض الماء منها | ولَيْسَ لمَفْرَغٍ منها وِكاءُ |
فَصَبَّحتِ الفِراخ فأَنْهَلتْها | تغرُّ حوائماً فيها انحناءُ |
بِنازِحة ٍ ترى الثيران ظُهْراً | لكلِّ مُوَلّعٍ مِنها خِباءُ |
فخلَّفْتُ الأَباعِدَ مِنْ صُواها | بعنسٍ ما تخونها الخلاء |
مواشكة ٍ مقتلة ٍ ذمولٍ | وَقاحِ الخُفِّ ليس لها حِذاءُ |
كأن مؤثر الأنساع فيها | حجاج البئر خربها الرشاء |
تمد زمامها منه بسامٍ | مروحٍ ، في قوائمها اعتلاء |
تزيف كما مشت خرقاء زافت | تُعجِّلُها المَخيلة ُ والرِّياءُ |
أؤم بها من الأعياص ملكاً | أَغَرَّ كأنَّ غرّتَهُ ضِياءُ |
لأسمع من غريب الشعر غراً | وأُثني حَيْثُ يُنتضلُ الثَّناءُ |
يزيدَ الخَيْرِ وهو يزيدُ خيراً | وينمي كُلَّما ابتُغِيَ النماءُ |
ويَلْبَسُ حُلّة ً أَعْذَرْتُ فيها | عليهِ فوق مِئْزره الرِّداءُ |
إلى الشُمِّ الشَّمارِخ مِنْ قُريْشٍ | تجَوَّبَ عن ذوائبها العَماءُ |
قريشٌ تبتني المعروف قدماً | وليس كما بنيت لها بناء |
فَضَضْتَ كتائبَ الأزديِّ فَضّاً | بكبشِكَ وهو بُغيتُه اللقاءُ |
وعادتُهُ إذا لاقى كِباشاً | فَناطَحهُنَّ قتلٌ واحتواءُ |
يفلِّقُ بالسيوفِ شَرَنْبثاتٍ | ويَجْسُرُ كلّما اختُضِبَ اللواءُ |
أبرت عدوهم وعفوت عفواً | به حقنت من الناس الدماء |
سمكت لهم - بإذن الله - ملكاً | كما سمكت على الأرض السماء |
وأحيَيْتَ العطاءَ وكانَ مَيْتاً | ولولا اللهُ ماحَيِيَ العَطاءُ |
ففي كل القبائل من معد | ومن يمنٍ له أيضاً حباء |
وصَلْت أخاك فهو وليُّ عهدٍ | وعند الله في الصلة الجزاء |
نُرجّي أنْ يكونَ لَنا إماماً | وفي ملك الوليد لنا الرجاء |
هشامٌ والوليد ، وكل نفسٍ | تُريدُ لكَ الفَناءَ لكَ الفِداءُ |
فناء أبيك مأهولٌ خصيبٌ | إذا لم يُغشَ في المحل الفِناءَ |
عِداتُكَ لا يُخافُ الزهدُ منها | إذا ما خان بالعِدَة ِ اللقاءُ |
وأنت ابن الخلائف من قريشٍ | نَمَوْكَ وفي عداوتِهِمْ إباءُ |
وعاتكة التي ورثت كريزاً | وحرباً ، فالكرام لها حواء |
عقيلة من تكرم من قريشٍ | لها خَشَعَتْ من الكَرَمِ النساءُ |
وعودك من أعالي النبع فرعٌ | رفيعٌ لا يوازيه السَّراءُ |
فكل مناقب الخيرات فيه | حَنيكُ العقل آزرهُ الفتاءُ |
إمامُ الناسِ لا ضَرَعٌ صَغيرٌ | ولا قحمٌ يثلمه الذكاء |
على الأعياصِ عِنْدَكَ حينَ تُعفى | لَمُمْتَدِحٍ من الثَّمنِ الغَلاءُ |
ومختبطن من بلدٍ بعيدٍ | عَبَأْتَ لَهُمْ سِجالَك حينَ جاؤوا |
كَشَفْتَ الفَقْرَ والإقْتارَ عَنْهُم | فَنالوا الخيرَ وانكشفَ الغِطاءُ |
فَعِيصُك خيرُ عِيصٍ في قُريشٍ | وهم من كل سباتٍ براء |
أولاك السابقون بكل خيرٍ | إذا كذبَ المسبَّقة ُ البِطاءُ |
وخير المتهمين بنو الأعاصي | كما خير الجبال بها حراء |