ألا هاج قلبي العام ظعنٌ بواكر
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ألا هاج قلبي العام ظعنٌ بواكر | كما هاج مسحوراً إلى الشوق ساحر |
سليمى وهندٌ والرباب وزينبٌ | وأَرْوى وليلى صِدْنَني وتُماضِرُ |
كواعب أترابٌ كأن حمولها | من النَّخلِ عُمْريُّ النخيلِ المَواقِرُ |
تعلّق ديباجٌ عليهنَّ باجلٌ | وعقلٌ ورقمٌ يملأ العين فاخر |
دخلن خدوراً فوق عيسٍ كنينة ً | كما كنست نصف النهار الجآذر |
من الهيف قد رقت جلوداً تصونها | وأَوْجُهها قد دَقَّ منها المَناخِرُ |
تلوث فروعاً كالعثاكيل أينعت | عناقيدُها وابيضَّ منها المحاجِرُ |
كُسْينَ من الألوانِ لوْنا كأنَّهُ | تَهاويلُ دُرٍّ يَقبلُ الطيبَ باهِرُ |
عِتاقٌ جوازي الحسن تُضحي كأنَّها | ـ ولو لم تُصِبْ طيباًـ لآلٍ عَواطِرُ |
إذا ما جرى الجادي فوق متونها | ومِسْكٌ ذكيٌّ جفّفتها المجامِرُ |
لَهُنَّ عيونُ العِين في صُوَرِ الدُّمى | وطرْفٌ ضعيفٌ يَسْتبي العَقْلَ فاتِرُ |
أبانت حصيداً عن يمينٍ وياسرت | وسارت وفيها عن رماحٍ تزاور |
فَظِلْتُ وفي نفسي همومٌ تنوبُني | وفي النفسِ حُزْنٌ مستسرٌّ وظاهِرُ |
عَساكرُ من وَجْدٍ وشَوْقٍ تنوبُني | إذا رفهت عني أتتني عساكر |
وإن قلت هذا حين يسلى حبائبي | أبى القلب أن يسلى الذي هو ذاكر |
فلو أن حياً مات شوقاً صبابة ً | لقام على أوصالي العام قابر |
عفت دمنة ٌ منهن بالجو أقفرت | كأنْ لم يَكُنْ فيها من الحيِّ سامِرُ |
تبدت بها الأرواح كل عشية ٍ | وغير آيات الرسوم الأعاصر |
وغيثٌ سماكيٌّ ركامٌ سحابه | دَلوحٌ من الوَسْميِّ بالماءِ باكرُ |
يبيت إذا أبدى بروقاً كأنها | سيوف زحوفٍ جردتها الأساور |
كأنَّ طُبُولاً فوقَ أعجازِ مُزْنِهِ | يُجاوبُها من آخِرِ الليلِ زامِرُ |
كأنَّ حنينَ وُلَّهٍ في سحابهِ | يُجاوبُها خُلْجٌ وَعُطفٌ جَراجِرُ |
لهُ زِبْرِجٌ: برق ورعدٌ كأنَّهُ | مزامير جونٌ هيجتها مزاهر |
فغيّر رسَم الدارِ من بَعْدِ عُرْفها | أجشُّ هزيمٌ يحفِشُ الأُكْمَ ماطرُ |
يَبيتُ يَصُبُّ الماءَ صَبّاً ويَنْتحي | لهُ نَزَلٌ فيه تُجَرُّ حَضاجِرُ |
فأزلق ورلاناً فبالأكم أعصمت | وقد زلقت من الضباب الجواحر |
كساها رياضاً كالعهون عشية ً | لها صبحٌ مثل الدرانيك ناضر |
إذا اكْتَهَلتْ واعتمَّ أزواجُ نبتها | نما بعده بقلٌ تؤامٌ وزاهر |
عفت غير ظلمانٍ كأن نعامها | إذا راعها رَوْعٌ إفالٌ نوافرُ |
بِها النُّؤيُ والمشجوجُ بالفِهْر أُسُّهُ | وآرِيُّ أفْراسٍ بِها وأياصِرُ |
وسُفْعٌ ضَبَتْ أنصافَها النارُ رَكَّدٌ | وأورقُ هاب كالحَمامة ِ داثِرُ |
فهيّجَ دمعي رَسْمُ دارٍ كأنَّهُ | وحي السلام فالدموع بوادر |
وحبك ما لا تستطيع طلابه | ومن لا يُجِدُّ الوصْلَ، داءٌ مُخامِرُ |
ويهماء يجري آلها فوق أكمها | كما فاض ماءٌ ألبس الأكم غامر |
إذا الشمس كانت قم رأسٍ سوية ٍ | وظلّتْ تُساميها الحرابي الخواطرُ |
تجشّمتُها حتى أَجوبَ سَرابَها | ومن يعْملِ الخيراتِ أو يُخطِ خالياً |
بناجية ٍ أجدٍ كنازٍ كأنها | إذا رُدَّ فيها الطَّرْفُ فحلٌ عُذافِرُ |
تمد الزمام والجديل إذا مشت | مواشكة ٌ غلباء كالبرج عاقر |
بأتلع كالجذع السوادي طوله | نفى الليفَ عَنْهُ والكرانيفَ ناجِرُ |
وطالَ شَواها ثُمَّ تَمَّ نَصيلُها | وقد طال منها خطمها والمشافر |
عَلَيْها من الفِتْيانِ جَوّابُ قَفْرة ٍ | وأبيضُ هنديٌّ من العُتْق باتِرُ |
وحلسٌ عليه نسعتان ونمرقٌ | وكورٌ علافيٌّ من الميس قاتر |
أقضي عليها حاجتي وأردها | مَنيناً كما رَدَّ المنيحَ المُخاطِرُ |
وتعجبني اللذات ثم يعوجني | ويسترني عنها من الله ساتر |
ويَزْجُرني الإسْلامُ والشيبُ والتقى | وفي الشِّيْبِ والإسلامِ للمرءِ زاجِرُ |
وقُلْتُ وقد مَرَّتْ حُتوفٌ بأهلِها: | ألا ليْس شيءٌ غير ربّي غابِرُ |
هو الباطن الرب اللطيف مكانه | وأول شيءٍ ربنا ثم آخر |
كريمٌ حليمٌ لا يعقب حكمه | كثير أيادي الخير للذنب غافر |
يُنيمُ حصادَ الزَّرْعِ بعدَ ارْتفاعِهِ | فَتَفْنى قُرونٌ وَهْوَ للزَّرْعِ آبِرُ |
ومن يعيَ بالأخبار عن من يرومُها | فإنّي بما قد قُلتُ في الشعر خابِرُ |
ألا أيها الإنسان هل أنت عاملٌ | فإنك بعد الموت لابد ناشر |
ألم تر أن الخير والشر فتنة ٌ | ذخائرُ مَجْزِيٌّ بهنَّ ذخائرُ |
فإنْ عُسْرة ٌ يوماً أضرّتْ بأَهْلِها | أتت بعدها مما وعدنا المياسر |
ونازلِ دارٍ لا يُريدُ فراقَها | سَتُظْعِنُهُ عمّا يُريدُ الجَرائِرُ |
ومن ينصف الأقوام ما فات قاضياً | وكل امرئٍ لا ينصف الله جائر |
يُعَذَّرُ ذو الدَّيْنِ الطلوبُ بِدَيْنهِ | وليس لأمر يظلنم الناس عاذر |