رَعى مِن أخي الوجدِ طيفٌ ذماما
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
رَعى مِن أخي الوجدِ طيفٌ ذماما | فحلّلَ من وصلِ سلمى حراما |
تَحَمَّلَ منها بريّا العبير | ومنْ أرضها بأريج الخزامى |
تَعَرّضُهُ سُورُ قَصْرٍ فَطارَ | وَساوَرَهُ مَوْجُ بَحْرٍ فعاما |
مَشَى بالتواصلِ بَيْنَ الجفُونِ | وَدَاوَى السليمَ، وأهدى السلاما |
وَمَثّلَ للصّبّ في نومِهِ | ضجيعاً، إذا أرّقَ الصَبَّ ناما |
ومن صُوَرِ الفكر محبوبة ً | يعودُ عليلاً بها مستهاما |
لها عَنَمٌ في غُصُونِ البنان | يَعُلّ ندى أُقحوانٍ بشاما |
ترى نضرة َ الحُسنِ في خدّها | تَمَيّعُ ماءً وتُذّكَى ضِراماً |
ترنّحُ بالبدرِ غُصناً رطيباً | وترتجّ في السير دِعصاً ركاما |
فأمسيتُ منها بماءِ اللمى | أروّي أواماً، وأشفي سقاما |
حلا لي وأسكرني ريقها | فهل خامرَ الأري منهُ المداما |
تلاقتْ صواعدُ أنفاسها | فمازجَ منها السلوُّ الغراما |
ولا عَجَبٌّ أنَّ ضَمَّاتنا | جَبَرْنَ القلوبَ وَهِضْنَ العظاما |
بأرضٍ دحاها الكرى بيننا | ننالُ الأمانيّ فيها احتكاما |
فلا بَسَطَ الصبحُ فيها الضّياءَ | ولا قَبَضَ الليلُ عنها الظلاما |
فلو عاينَ الأمرَ حلَّ الجوادَ | وشدّ الحزامَ وسلّ الحساما |
وأقبلَ بالريحِ نحوَ السحابِ | يظنّ سنا البرق منها ابتساما |
ولما أتانا من الإنتباهِ | دخلنا له بالوصال المناما |
جعلنا تزاوُرَنا في الكرَى | فما نَتّقِي من مَلومٍ مَلاما |
ومرّتْ لطائفُ أرواحنا | بلغوِ الهوى حيثُ مرَتْ كراما |
وطامٍ كجيشِ الوغى لا تخوضُ | به غمرة ُ الموتِ إلاَّ اقتحاما |
تُباري عليه الدَّبورُ الصَّبا، | مُنَاقَضَة ً، والشمالُ النعامى |
إذا ما ارتمى فيه قَرْمُ الرّدى | ركبنا له وهو يرغُو سناما |
وردنا فُراتاً يُنيلُ الحياة | ومن كفّ يحيى انتجعنا الغماما |
لدى ملكٍ جادَ بالمكرمات | تلاقيه في كلّ فَضْلٍ إماما |
أشمُّ قديمُ تراثِ العُلى | يُراجِح بالحلم منه شَماما |
إذا قرّ في دستهِ جالساً | رأيتَ الملوكَ لديه قياما |
بنادٍ ترى فيه سمتَ الوقارِ | يزينُ عظيماً أبيّاً هُماما |
يقلل في الجفن عن اللحاظَ | ويبعث بالوزن فيه الكلاما |
تعلّمَ عِفّتهُ سيفهُ | فليس يُريقُ نجيعاً حراما |
وما زالَ دينُ الهدى في الخطوبِ | يشدّ عليه يديه اعتصاما |
ولا عَجَبٌ أنَّ صَرْفَ الزّمان | تُصرفُ يُسراهُ منه زماما |
أما مَهّدَ الملكَ يحيى ، أما | أراكَ لكلّ اعوجاج قواما |
أما نشأتْ منه سُحبُ النّدى | سواكبَ تهمي، وكانت جهاما؟ |
أما ذِكْرُهُ ذِكْرُ من يُتّقى | يداً، ويكون كلامٌ كِلاما؟ |
يبيد العدا بِلُهامٍ يريك | رداءً على منكبيه القتاما |
بعزمٍ يُجرّدُ منه السيوفَ | ورأيٍ يفوّقُ منه السهاما |
يعدّ من الصِّيد آبائهِ | كُفاة ً حُفاة ً وغُرّاً كراما |
مجالسُهُمْ في الحروبِ السروجُ | إذا قعدَ الموتُ فيها وقاما |
تُحمّرُ حِميَرُ ارضَ الوغى | وَتَفْلُقُ بالبِيضِ بَيْضاً وهاما |
تَكَهّلَ مُكُهُمُ والزمان | يُصَرَّفُ بين يديه غلاما |
وجيشٍ يجيش بأبطاله | كما ماجَ موجُ العباب التطاما |
بنقعٍ يُريكَ نجومَ السماء | إذا الجوّ منه على الشمسِ غاما |
إذا همّ بالفتكِ فيه الشجاعُ | وحامَ على نفسه الموتُ خاما |
غدا ابن تميم به قسوراً | وقد لبِسَ البدْرُ منه التماما |
فيا مَنْ تسامى بهمّاتِهِ | فنالَ بها للثريَّا مَصَاما |
ملأتَ الزمانَ على وُسعِهِ | أناة ً وبطشاً، فراضاً الأناما |
وحلماً مفيدا، وروعاً مبيدا، | وعيشاً هنيئاً، وموتاً زؤاما |
وقُضباً بضربِ الطّلى مقطرات | وَقُبّاً على الهامِ تعدو هياما |
جعلتَ لكلّ مقالٍ فعالاً | ولم تَحْتَقِبْ في صنيعٍ أثاما |
ليهنك عودة ُ عيدٍ مشى | إليك على جَمْرَة ِ الشوقِ عاما |
وأوْدَعَ في كلّ لحظٍ رنا | إليك، وفي كلّ لفظٍ سلاما |
وحجّ بربعك بيتَ العلى | وطافَ به لا يملّ الزحاما |
ومن لَثْمِ يمناك، لولا النّدى | رأى حجرَ الركن يُغشى استلاما |
حميتَ حمى المُلكِ بالمرهفاتِ | وَدُمْتَ له في المعالي دواما |