هل أقالَ الحِمامُ عثرة حيٍّ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
هل أقالَ الحِمامُ عثرة حيٍّ | أم عدا سهمهُ فؤاد رَميِّ |
هلْ أدامَ الزّمانُ وَصْلَ خليلٍ | فوفَى ، والزّمانُ غيرُ وفيّ |
وهو كالفكر بين غشّ عَدُوٍّ | لبنيه، وبين نُصحِ وليّ |
قد رأينا حالاً نؤولُ إليها | ووعظنا بحالنا الأوليّ |
غير أنّا نرنو بأعينِ رشدٍ | كُحِلَتْ من هوَى النفوس بغيّ |
أين ما كان خلقه من ترابٍ | لم يكنْ بدءُ خلقه من منيّ |
واغتذى عند مولد الروح فيه | من ثُديّ الحياة ِ أوّلَ شيّ |
قد دُفِعْنَا إلى حياة ٍ وموْتٍ | ونشورٍ إلى الإلهِ العَليّ |
ودوام البقاءِ في دار أخرى | ومجازاة ُ فاجرٍ وتقيّ |
كم مليكٍ وسوقٍ وشُجاعٍ | وجبانٍ وطائغٍ وَعَصِيِّ |
نشرَتْهُمْ حياتهمْ أيّ نشرٍ | وطواهُمْ حِمامُهُمْ أيّ طيّ |
فهمُ في حشا الضريح سواءٌ | ولقد كان ذا لذا غَيْرَ سِيِّ |
لك يا من يموتُ شخصٌ وفيءٌ | ثم شخصٌ في القبر من غير فَيّ |
أيُّ فْيء لم يصيرُ تراباً | مُحِيَتْ مِنْهُ صورَة ُ البَشَريّ |
كيفَ تنجو على مَطِيَّة ِ دُنْيا | وهي تَشّحُو بالجانِبِ الوحْشِي |
تطرحُ الراكب الشديد شموساً | وركوبُ الشموس فعل غبيّ |
غُرّ مَنْ ظنّ أن يصافي دهراً | وهو للأصفياءِ غيرُ صفيّ |
كلّ لاهٍ عمّا يطيل شجاه | يملأ العينَ من رقادِ خليّ |
والرّدى يشملُ الأنامَ ومنه | عرضيّ يجيءُ من جَوْهريّ |
ومميتُ الحراكِ من سكونٌ | مظهرٌ فعلهُ بسرٍّ خفيّ |
وهو يرمي قوائمَ الأعصم الضِّر | بِ ويلوي قوادمَ المضرَحيِّ |
لا يهابُ الحِمامُ مَلكاً عظيماً | يجتبي يوم جوده بالحبيّ |
ينطقُ الموتُ من ظباه فَيَمْضِي | خيرُ وسميّ رحمة ٍ وَوَليّ |
لا ولا مُرْهَفَ المُدى بين فَكّيْ | باطشِ البرثَنيْنِ وَرْدٍ جَريّ |
ومتى هابَ موقداً نارَ حربٍ | فارساً في المُضاعَفِ الفارسيّ |
للرّدينيّ منه ريٌّ مُعَادٌ | من نجيع العدا كحرف الدّويّ |
أيّ رزءٍ جارتْ به الريحُ في الما | ءِ وأفشتهُ من لسانِ النعيّ |
ومصابٍ أصابَ كلّ فؤادٍ | في ابن عيد العزيز عبد الغني |
قائدٌ قادَهُ إلى الموْتِ عِزّ | باقتحامٍ كهلٍ وعزمٍ فتيّ |
فارسُ الماءِ والثرى والفتى المحـ | ـضُ والمروءة الأريحيّ |
ورثَ العزّ من أبيه كشبلٍ | أخذَ الفتكَ عن أبيه الأبيّ |
جمرة ُ البأس أخمدت عن وقود | بنفوس العداة من كلّ حيّ |
وحسامُ الجِلاد فُلّ شباه | بشبا الموت عن قراع الكميّ |
حاسرٌ درعه، تضَرُّمَ قلبٍ | خافقٍ في حشا فتًى شَمّريّ |
يتقّي حدّ سيفه كلّ علج | يجيبكِ الماذيّ في الآذيّ |
مقبلاً لا مولياً بالأماني | عن كفاحِ العِدا وبالسمهريّ |
وكأنّ الإتاءَ مال عَلَيه | يوم مَدّوا إليه سُمَر القنيّ |
سلبُوا سَيْفَهُ وفيه نجيعٌ | منهمُ كالشقيق فوق الأتيّ |
ورأوْا كل مُهْجَة ٍ منهمُ سا | لتْ على صَدْرِ رُمْحِهِ الزاعبيّ |
زُوّدوا كل ضربة ٍ منه كالأخدو | دِ تُردي وطعنة ٍ كالطويّ |
كلّ نارٍ كانتْ من الغزو تذكى | خمِدتْ في حسامِه المَشّرَفي |
صافحَ الموتَ والصفائحُ غَضْبَى | وَلَغَتْ منه في دماءِ رَضيّ |
مُشْعراً بالسيوف كالهدي تُهدى | كلّ حورية ٍ إليه هَديّ |
فهو نعم العروسُ حشوَ ثيابٍ | قانئاتٍ من كلّ عِرقٍ ضَريّ |
طيبُهُ من نجيعه، وهو مسكٌ | في عِذارِيْ مُهَذَّبٍ لَوْذَعِيّ |
يا شهيدا في مشهد الحرب مُلقى | وسعيداً بكلّ علجٍ شقيّ |
وَسخياً بنَفسِهِ للعوالي | في رضى الله فعلُ ذاكَ السخيّ |
كمْ ضروبٍ ضاربته وجليدٍ | وقريبٍ طاعنتهُ وقصيّ |
وأخي وفضة ٍ كأمٍ ولودٍ | ما أصابتكَ من بنات القسيّ |
كَمْ صَديقٍ بكاكَ مثلي بدَمعٍ | طائعٍ من شؤونه لا عصي |
تذرف العينُ منه جرية َ ماءِ | تطأُ الخدّ وهي جمرة ُ كيّ |
وثكالى يندبنَ منكَ بحزنٍ | خيرَ ندبٍ مُهذَّبٍ ألمعيّ |
حاسراتٍ ينُحنَ في كلّ صُبحٍ | بلّه دمعها وكلّ عشيّ |
ليس يدري امرؤ أجَزّ نواصٍ | كانَ منهنّ أم حصادُ نصيّ |
سُوّدتْ بالمداد بيضُ وجوه | فهي في كلّ برقعٍ حبشيّ |
ولبسنَ المسوحَ بعد حريرٍ | شرّ زيٍّ أرتكَ من خيرِ زِيّ |
كلّ نواحة ٍ عليكَ حشاها | حَشْوُهُ منك كلّ داءٍ دَويّ |
يتلقّى بنفسجُ اللطمِ منها | ذابلَ الوَرد فوْق وردٍ جنيّ |
يا خليلاً أخلّ بي فيه دهرٌ | لوفاءِ الأحرار غير وفيّ |
أنْتَ بالموْت غائبٌ، ومثالٌ | في ضمير الفُؤادِ منك نجييّ |
وإن أرضاً غودرتَ فيها لتهدي | ريحها منك عَرفَ مسكٍ ذكيّ |
فسقى شلوك الممزقَ فيها | خبرُ وسميّ رحمة ٍ وَوَليّ |
لم أكنْ إذ نَظَمْتُ تأبينَ مَيْتٍ | لكَ أختارُهُ على مَدْحِ حَيِّ |
أنا أبكي عليكَ ما طال عمري | شَرِقَ العين من دموع بريّ |
وستبكيكَ بعد موتي القوافي | في نياح من لفظها معنويّ |