رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ | بهم ورقاً عن زهره الروضُ يبسمُ |
جبابرة ٌ في الروع تعدو جيادهم | بهمْ فوق ما سحّ الوشيج المقوَّمُ |
تنوءُ بهم في ذُبّلِ الخطِّ أنْجُمٌ | سحائبها نقعٌ، وأمطارها دم |
ترحّلُ من آجامها الأسدُ خيفة ً | إذا نَزَلوا للرّعِي فيها وخَيّموا |
ترى كلّ جوّ من قناهم ونَقَعِهِمْ | يُكَوْكَبُ إن ساروا بهم وَيُعتّمُ |
فِصاحٌ غداة الروع عزّ سكوتهم | وألسنة الأغماد عنهم تُتَرجِمُ |
كأن بأيديهم إذا ضربوا الطلى | عزائمَهُمْ، لو أنَّها تتجسّمُ |
إذا ما استوَى فِعْلُ المنايا وفعلُهُمْ | بأرواح أبطالِ الوغى فهمُ همُ |
أعاريبُ ألقى في نتيجات حَيّهِمْ | لهم أعوجٌ ما يوجفون وشَدْقَم |
صحبتهم في موحشِ الأرضِ مُقفرٍ | به الذئبُ يعوي والغزالة ُ تَبْغم |
سقى الله عيناً عذبة الدمع أن بكتْ | حظاراً بها للجسم قلبٌ متيم |
بلادٌ تلاقيني الدّراريّ كلّما | طلعنَ عليها وهي عنهنّ نَوّم |
بأرضٍ يُميتُ الهمَّ عنك سرورها | ويمحو ذنوبَ البؤس فيها التنعّمُ |
وكم لي بها من خلّ صدقٍ مساعدٍ | مُهينِ العطايا، وهو للعِرْضِ مكرم |
يَفَيضُ على أيدي العفاة ِ سماحة ً | على أنَّهُ من نَجْدَة ٍ يَتَضَرّمُ |
إذا فرّتِ الأبطال كرّ، وسيفه | يُحِلّ بيمناه دمَ العلج، محرم |
يموجُ به بحره كأنَّ حبابَهُ | عليه دلاصٌ سردها منه يحكم |
ونحن بنو الثغر الذين ثُغُوُرُهُمْ | إذا عبَسَتْ حربٌ لهم تَتَبَسّمُ |
ومن حَلَبِ الأوداج يُغْذى فطينا | بِحَجْرٍ من الهيجاءِ ساعة َ يُفْطمُ |
لنا عَجُزُ الجيشِ اللّهامِ وَصَدْرُهُ | بحيثُ صدورُ السّمْرِ فينا تُحَطَّمُ |
يضاعفُ إن عُدّ الفوارسُ عَدُّنا | كأنَّ الشجاعَ الفردَ فينا عرَمرَم |
نؤخرُ للإقدامِ في كل ساقة ٍ: | تأخرُ ما يلقى الحتوفَ تَقَدُّم |
فإن كان للحرب العوان مُعوَّلٌ | علينا فما كلّ الكواكب تَرْجم |
وتنسجُ يوم الرّوعِ من نسج جردنا | علينا ملاءً بالقشاعم ترقم |
فمن كلّ مقدامٍ على أعوجية ٍ | بكراتها طيرُ الملاحم تلحم |
وطائرة ٍ بالذّمْرِ ملء عنانها | لها الفضلُ في شأو البروق مُسلَّم |
رمينا عداة َ الله في عُقْرِ دارهم | بعادية في غمرة الموت تُقْحَمُ |
تعومُ بها من بين العُلُوجِ مُظِلّة ً | كما حلّقَتْ فُتْخٌ على الجوّ حُوّم |
فمن حاملٍ من غير فحلٍ يُنيخُها | إذا وضعتْ في ساحل الروم صيْلَمُ |
ومنسوبة ٍ للحرب مُنْشأة ٍ لها | طوائرُ بالآسادِ في الماءِ عُوّم |
كأنَّ قسيّاً في مواخرها الّتي | يُفَرَّقُ منها في المقادم أسهمُ |
وترسلُ نِفْطاً يركبُ الماءَ مُحْرِقاً | كُمهلٍ به تشوى الوجوه جهنم |
مدائنُ تغزو للعلوجِ مدائناً | فتفتحُ قسرا بالسيوف وتَغْنَمُ |
ومتّخذي قُمْصِ الحديد ملابساً | إذا نكلَ الأبطال في الحرب أقدموا |
كأنهم خاضوا سراباً بقيعة ٍ | ترى للدّبا فيها عيوناً عليهمُ |
صَبَرْنَا لهمْ صَبْرَ الكرام ولم يَسُغْ | لنا الشهد إلاَّ بعدما ساغَ علقم |
فغادَر أفواهاً بهم هبرُ ضربنا | نواجذُها من مرهفاتٍ تُثَلَّم |
وإنَّ بأيدينا الحديدَ لناطقٌ | إذا ما غدا في غيرها، وهو أبكم |
وأجنحة ُ الراياتِ فينا خوافقٌ | كأنَ دمَ الأبطال فيهنّ عدمُ |
أمِنْ أبرقٍ بالدرار أوْمَضَ بارقٌ | كطائِشِ كفّ بالبنان يُسَلّم |
مَرَى من عيونٍ ساهرات مدامعاً | وكحّلَها بالنُّورِ والليلُ مظلم |
فيا عجَبَا من زورة ٍ زارَ طيفُها | جفُوناً من التهويمِ فيها تَوَهّم |
ألمّ بساقي عبرة ٍ حدَّ قفرة | بِمِنْسَمِ حرفٍ كلما بُلَ يُلْطَم |
وأهدى أريجاً من شذاها ودونها | لمقتحمِ الأهوال سهبٌ وخضرم |
وللصبح نورٌ في الظلامِ كما اكتسى | حميماً بطولِ الركضِ في الصدرِ أدهم |
أحنّ إلى أرضي التي في تُرابِها | مفاصلُ من أهْلي بَلينَ وأعظمُ |
كما حنّ في قَيْدِ الدجى بمُضِلة ٍ | إلى وطنٍ عودٌ من الشوق يُرْزِم |
وقد صَفِرَتْ كَفّايَ من رَيّقِ الصبا | ومني ملآن بذكرِ الصبا فم |