هذا ابتداءٌ له عند العلى خبرُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
هذا ابتداءٌ له عند العلى خبرُ | يُحْكَى فَيُصْغِي إليْهِ الشُّهْبُ والبَشَرُ |
كأنهُ وهو من متنِ الصبا مثلٌ | من كل قُطرٍ منَ الدنيا له خبرُ |
ما استحسن الدهر حتى زانه حسن | وأشرقت في الورى أيامُهُ الغرر |
شهمٌ له حين يرمي في مناضلة ٍ | سهمٌ مواقعه الأحداقُ والثغر |
لو خصّ عصر شباب من سعادته | بلحظة ٍ لم ينله الشيب والكبر |
ملكٌ جديد المعالي في حمى ملك | ماضٍ كما طُبع الصمصامة الذكر |
لقد نهضتَ بعبءِ الملكِ مضطلعاً | به ظهيراك فيه السعد والقدرُ |
فإن نصرت على طاغٍ ظفرتَ به | فما حليفاك إلاَّ النصر والظفر |
وإن خَفَضْتَ عُداة َ الله أو خُذلوا | فأنت بالله تستعلي وتنتصرُ |
أصبحت أكبر تعطي كل مرتبة | حقّاً وسنّكَ مقرُونٌ بها الصغر |
يُخْشَى حُسامَك مغْمُودا فكيف إذا | ما سُلْ للضربِ وانْهَدّتْ بهِ القَصَر |
وليس يعجبُ من بأس مخايله | من مقلتيكَ عليها يشهد النظر |
والشبل فيه طباع الليث كامنة ٌ | وإنَّما ينتضيها النَّاب والظفر |
إنّ البلاد إذا ما الخوفُ أمرضها | ففي أمانك من أمراضها نُشر |
وما سفاقس إلا بلدة ٌ بعثتْ | إليك عنها لسانَ الصدق تعتذر |
وأهلها أهلُ طوعٍ لا ذنوب لهم | إني لأقسم ما خانوا وما غدروا |
وإنما دافعوا عن حتف أنفسهم | إذ خَذّمَتْهُمْ به الهندية ُ البتر |
ضرورة ٌ كان منهم ما به قُرفوا | وبالضرورة عنهم نكبَ الضررُ |
وقد جرى في الذي جاءوا به قدرٌ | ولا مَرَدّ لما يجري به القَدَر |
وما على الناس في إحسان مملكة ٍ | إذا تشاجرَ فيه المدّ والحَسَر |
كلٌّ لعلياكَ قد كانت حميّتُهُ | مؤكّدا كلّ ما يأتي وما يذر |
وهم عبيدُكَ فاصفحْ عن جميعهُمُ | فالذنْبُ عند كريم الصفح مُغْتَفِرُ |
بَكَوْا أباك بأجفانٍ مؤرَّقة | أمْوَاهَهُنّ من النّيران تنفجر |
ورحمة ُ الله تترى منهم أبداً | عليه ما كرّت الآصال والبكر |
حتى إذا قيلَ قد حاز العلى حسنٌ | مَدّوا إلى أحْمَدَ الألحَاظَ وانتظروا |
وقبّلوا من مذاكي خيله فرحاً | حوافراً قد علا أرساغها العفرُ |
مالوا عليها ازدحاماً وهي تَرْمَحُهُمْ | فكمْ بها من كسيرٍ ليس ينجبرُ |
شوقاً إليهم ومحضاً ممن وفائهمُ | لم يَجْرِ في الصّفْوِ من أخلاقه كدر |
أبوك مَدّتْ عليهم كفُّ رأفته | منها جناحاً مديدا ظلَّه خَصِر |
حَدتْ لهم في قوام الأمر طاعتُهُ | حدّاً فما وَرَدُوا عنه ولا صدروا |
وألفَ اللهُ في الأوطانِ شملهمُ | فنُظّموا في المغاني بعدما نثروا |
وأنتَ عدلٌ فسرْ فيهم بسيرته | فالعَدْلُ في المُلْكِ عنه تُحْمد السير |
أنتمْ مُلوكُ بني الدّنْيا الذين بهمْ | تَرْضٍى المنابِرُ والتيجانُ والسرر |
أعاظمٌ من قديم الدهر مُلْكُهُمُ | ترى المفاخرَ تستخذي إذا افتخروا |
من كل مقتحمٍ في الحرب معتزمٌ | |
ذمرٌ له في ضمير الغمدِ ذو شطبٍ | كأنه بارقٌ يسطو به قمرُ |
"شمسُ العداوة حتى يُستقاد لهم | وأعظم الناسِ أحلاماً إذا قد رأوا" |
إليك طَيّبَ روضُ المدح نَفْحَتَهُ | لمّا تفتّح فيه بالندى زهرُ |
يجوبُ منه ذكي المسك كلّ فلاً | طيباً ويعبرُ منه العنبرُ الذفر |
كأنَّ زُهْرُ الدراري فيه قد نُظِمَتْ | كما تنظّمُ في أسلاكها الدررُ |
يا من تضاعفَ فيضُ الجودِ من يدهِ | كأنَّما البحرُ من جَدْوَاهُ مختصر |
إني نأيتُ وحظي حطَّ منزلة ً | كأنما طول باعي عاقهُ قصرُ |
وقد نُسيتُ وذكري لا خفاءَ به | والمسكُ يُطوى ونشرٌ منه ينتشرُ |
وقد بعثتُ رثاءً في أبيك، ولي | حزنٌ عليه فؤادي منه ينفطر |
وما بدا لي من جودٍ أمرتَ به | عينٌ، تفوز به عيني، ولا أثر |
وكفّكَ المزنُ تسْقِي من دَنَا ونأى | وليس من غيرِ مُزْنٍ يرتجى المطر |
بقيت للدين والدنيا وأهلهِما | وَمُدّ في رتب العليا لك العمر |