أذا البدرُ يُطْوَى في ربوعِ البلى لَحْدا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أذا البدرُ يُطْوَى في ربوعِ البلى لَحْدا | أم الطوْدَ حطّوا في ثرى القبر إذ هُدّا |
كسوفٌ وهدٌّ تحسب الدهرَ منهما | لعين وأذن: ظلمة ً مُلِئَتْ رعدا |
تولّى عن الدنيا عليّ بن أحمدٍ | وأبقى لها من ذكره الفخر والحمدا |
حملنا على التكذيبِ تصديقَ نَعْيِهِ | وَسُدّتْ له الأسماعُ وانصرفت صَدّا |
وقال لمن أدّى المُصاب معنَّفٌ: | فظيعٌ من الأنباءِ جئتَ به إدّا |
إلى أن نعاهُ الدهر ملءَ لسانهِ | ومن ذا الذي يُخفي من الرزء ما أبدى |
هنالك خضنا في العويل ولم نَجِدْ | على الكره، من تصديق ما قاله بُدّا |
وقال الورى ، والأرضُ مائدة ٌ بهم، | أمِنْ سيرها في الحشر قد ذكرت وعدا |
أرى الشَرفَ الفهريّ يبكي ابنَ بيته | عليّا، أما يبكي فتى ً راضَعَ المجدا |
فيا معشرا حَثّوا به نحو قبره | مطيَّة َ حَتْفٍ فوقَ أيديهُمُ تُحدى |
حملتمْ على الأعواد من قدْ حملتمُ | فكلّ جلالٍ قد وجدتم له فقدا |
لقد دفعتْ أيديكم منه للبلى | يداً بجديد العُرفِ كانت لكم تندى |
تجمّعتِ الأحزانُ في عُقْرِ داره | وفرّقتِ الأزمان عن بابه الوفدا |
وسُدّ عن العافين مَهْيَعُهُمْ إلى | مكارمَ كانت من أناملهِ تُسدى |
فقلْ لبني أخفقَ سعيكم | فقد حَسَرَ البحرُ الذي لكمُ مَدّا |
وكم من ظباءٍ بعدما غارَ عزّهُ | حوائمَ في الآفاقِ تلتقطُ الوردا |
لتبكِ عليّاً همة ٌ كرمية ٌ | ثنى قاصدوا الركبان عن ربعها القصدا |
وملتحفٌ بالأثْرِ أصبح عارياً | من الفخرِ يوم الضّربِ إذ لبس الغِمدا |
وأسمرُ خطيّ أمامَ كعوبه | سنانٌ ذليقٌ ينفذُ الحلقَ السردا |
وحصداءُ فولاذية ٌ النسجِ لم تزلْ | من اللهذمِ الوقّادِ مطفئة ً وقدا |
وأجرَدُ يُبكي الجردَ يومَ صهيله | غدا مُرجلاً عنه فلم يَسدِ الجردا |
وداعٍ دعا للمعضلات ابنَ أحمدٍ | فليّنَ في كفيه منهنّ ما اشتدا |
وناهيكَ في الإعظامِ من ماجدٍ به | على الزمن العادي على الناس يُستعدى |
حياة ٌ تعمّ الأولياءَ هنيئة ً | وموتٌ زؤامٌ في مقارعة ِ الأعدا |
وقسورة ُ الحربِ الذي يُرجعُ القنا | رواعف تكسو الأرض من علق وردا |
وفيّ بنصح الملك ما ذُمَ رأيهُ | ولا حلّ ذو كيدٍ لإبرامه عقدا |
وما يستطير الحلم في حلمه ولا | يجاوز هزلٌ في سجيته الجدّا |
إذا عَلَمٌ بالنَّارِ أُعْلِمَ رأسُهُ | رأيتَ عليّاً منه في ليلة أهدى |
ألا فُجِعَتْ أبناءُ فهر بأروع | إذا انتسبوا عدّوا له الحسب العدا |
فلا قابلٌ هجرا، ولا مضمرٌ أذًى ، | ولا مخلفٌ وعداً، ولا مانعٌ رفدا |
إذا ما عدا معْ قُرَّحِ السَّبقِ فاتها | وجاء بفضل الشَّدِّ ينتهب المعدى |
وما قَصّرَ الله المدى إذ جرى به | ولا مدّ فيه للسوابق فامتدا |
ولكنْ حدودُ العِتْقِ تجري بسابقٍ | فلا طَلَقٌ إلاَّ أعَدّ له حدّا |
نماهُ من الأشراف أهلُ مفاخرٍ | يديرون في الأفواه ألسنة ً لُدّا |
إذا وقف الأبطالُ عن غمرة الردى | مشى بأسهُمُ نحو الحتوفِ بهم أُسْدا |
وتحسبهم قد سُرْبلوا من عِيابِهِمْ | سيوفاً، وسلّوا من سيوفهم الهندا |
فما عُدّ أهلُ الرأي والبأس والندى | وإن كثُروا إلا ووفّى بهم عدّا |
إذا جُمِعَتْ هذي السجايا لأوحدٍ | فما الحقُ إلا أن يراه الورى فردا |
فما ظنكم في وصفنا بمملّك | يكونُ عليٌّ ذو المعالي له عبدا |
عزيزٌ علينا أنْ بكته كرائمٌ | تذيبُ قلوباً في مدامعها وجدا |
يَنُحْنَ مع الأشجارِ نَوْحَ حمائِمٍ | تهزّ بها الأحْزانُ أغصانَها المُلدَا |
وكم في مديمات الأسى من خبيئة ٍ | مع الصّونِ أبقى الدّمعُ في خدّها خدّا |
فلو رُدّ من كف المنية ِ هالكٌ | بنوحٍ بناتٍ كانَ أوّلَ مَنْ رُدّا |
مضى بمضاءِ السيفِ جُربَ حدّه | فَأُبْفِي في أفعاله جاوَزَ الحدّا |
وما مات مُبقي أحمدٍ ومحمدٍ | فإنَّهما سدّا المكانِ الذي سدّا |
بنَى لهما مجدينِ يَحْيَى بِعزّة ٍ | وإن كان مجدٌ واحدٌ لهما هُدّا |
بَدا منهما حزمٌ يسيرٌ تَمَامُهُ | وقد يثقب النار الذي يقدح الزندا |
ومن لحظته عينُ يحيَى برفعة ٍ | فقد ركبَ الأيامَ واستخدمَ السعدا |
فيا ساكنَ القبرِ الذي ضَمّ تُرْبُهُ | شهيدا كأنَّ الموتَ كان له شهدا |
لئن فاحَ طيبٌ من ثراه لناشقٍ | ففخرُكَ فيه فتّقَ المسكَ والنّدّا |
وقيتَ جلال الخطب، ما جلّ خطبه، | وقمتَ كريم النّفسِ من دونه سدّا |
ورحتَ ببعضِ الرّوح فيك مودّعاً | بمؤنسة العوّادِ زُرْتَ بها اللّحدا |
رثيتك حزناً بالقوافي التي بها | مَدَحتُك وُدّا، فاعتقدت ليَ الودّا |
وما المدحُ إلاَّ كالثويّ نسامعٍ | ولكن بذكر الموت عادَ له ضدّا |
ودنياكَ كالحرباءِ ذاتُ تلوّنٍ | ومبيضّها في العين أصبحَ مسودا |
أردنا لكَ الدنيا القليلَ بقاؤها | وربّكَ في الأخرى أرادَ لك الخلدّا |
فلا بَرِحَتْ، من رحمة ِ الله دائباً | تزورُ ندى كفّيك، في قبرك الأندا |