عفتِ الديارُ محلُّها فمُقامُهَا ( معلقة )
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
عفتِ الديارُ محلُّها فمُقامُهَا | بمنًى تأبَّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا |
فمدافعُ الرَّيَّانِ عرِّيَ رسْمُها | خلقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها |
دمِنٌ تَجَرَّمَ بعدَ عَهْدِ أنِيسِهَا | حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُهَا وحَرَامُهَا |
رزقَتْ مرابيعَ النُّجومِ وصابَهَا | ودقُ الرواعدِ جوْدُهَا فرهامُها |
منْ كلِّ سَارِيَة ٍ وغادٍ مُدْجِنٍ | وعشيَّة ٍ متجاوبٍ إرْزامُهَا |
فَعَلا فُرُوعُ الأيْهُقَانِ وَأطْفَلَتْ | بالجلهتين ظباؤهَا ونعامُها |
والعينُ ساكِنة ٌ على أطْلائِها | عُوذاً تَأجَّلُ بالفضَاءِ بِهَامُها |
وجَلا السُّيولُ عن الطّلُولِ كأنّها | زبرٌ تجِدُّ متونَها أقْلامُها |
أوْ رَجْعُ واشِمة ٍ أُسِفَّ نَؤورُهَا | كففاً تعرَّضَ فوقَهنَّ وشامُها |
فوقفتُ أسْألُهَا ، وكيفَ سُؤالُنَا | صُمّاً خوالدَ ما يُبينُ كلامُها |
عرِيتْ وكان بها الجميعُ فأبكرُوا | منها وَغُودرَ نُؤيُهَا وَثُمَامُها |
شاقتكَ ظُعْنُ الحيِّ حينَ تحمّلُوا | فتكنَّسُوا قُطُناً تَصِرُّ خِيَامُها |
من كلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ | زوْجٌ عليه كلَّة ٌ وفرامُهَا |
زُجَلاً كأنَّ نِعَاجَ تُوضِحَ فَوْقَهَا | وظِباءَ وجرَة َ عُطَّفاً آرَامُهَا |
حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ كأنها | أجْزَاعُ بِيشة َ أثْلُهَا وَرُضَامُهَا |
بلْ ما تذكرُ منْ نوارَ وقد نأتْ | وَتَقَطَّعَتْ أسْبَابُهَا وَرِمَامُهَا |
مُرِّيَّة ٌ حَلَّتْ بِفَيْدَ وَجَاوَرَتْ | أهْلَ الحِجَازِ فأيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا |
بمشارقِ الجبلين أو بِمُحَجَّرٍ | فَتَضَمَّنَتْهَا فَرْدَة ٌ فَرُخَامُهَا |
فَصُوَائقٌ إنْ أيْمَنَتْ فَمَظِنَّة ٌ | فيها وحافُ القَهْرِ أوْ طِلْخامُهَا |
فاقطعْ لُبانَة َ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ | ولَشرُّ واصلِ خُلَّة ٍ صَرَّامُها |
واحبُ المُجَامِلَ بالجزيلِ وصرمُهُ | باقٍ إذا ضلعَتْ وزاغَ قوامُهَا |
بِطَليحِ أسْفَارٍ تَرَكْنَ بقيَّة ً | منها فأحنقَ صُلْبُها وسنامُها |
وإذا تغالى لحمُها وتحسَّرتْ | وتَقَطَّعَتْ بعد الكَلالِ خِدَامُهَا |
فلها هبابٌ في الزِّمامِ كأنَّها | صهباءُ خَفَّ مع الجنوبِ جَهَامُها |
أو ملمِعٌ وسقَتْ لأحقبَ لاحَهُ | طَرْدُ الفُحول وَضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا |
يعلوُ بها حدبُ الإكامِ مسحَّجٌ | قَد رابَهُ عصيانُهَا ووحَامُها |
بأحِزَّة ِ الثَّلَبُوتِ يَرْبَأُ فَوْقَهَا | قَفْر المَرَاقِبِ خَوْفُهَا آرامُهَا |
حتى إذا سَلَخَا جُمَادَى ستَّة ً | جَزءاً فطالَ صِيامُهُ وَصِيَامُها |
رَجَعَا بأمرهما إلى ذي مِرَّة ٍ | حصدٍ، ونجحُ صريمة ٍ إبرامُهَا |
ورمى دوابرَهَا السَّفَا وتهيَّجَتْ | ريحُ المصايِفِ سَوْمُهَا وسِهامُهَا |
فتنازعا سَبِطاً يطيرُ ظلالُهُ | كدخانِ مُشْعَلة ٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا |
مشمُولة ٍ غلِثَتْ بنابتِ عرْفَجٍ | كَدُخَانِ نارٍ سَاطِعٍ أسْنَامُها |
فمضى وَقَدَّمَهَا وكانتْ عادة ً | منه إذا هِيَ عَرَّدَتْ إقدامُها |
فتوسَّطا عرضَ السَّريَّ وصدَّعا | مسجورة ً متجاوراً قُلاَّمُهَا |
محفوفة ً وسطَ اليراعِ يُظِلُّها | مِنه مُصَرَّعُ غَابة ٍ وقِيامُها |
أفَتِلْكَ أم وحْشِيَّة ٌ مسبوعَة ٌ | خذلتْ وهادية ُ الصِّوارِ قِوَامُها |
خَنْساءُ ضَيَّعَتِ الفَريرَ فلمْ يَرِمْ | عرضَ الشَّقائِقِ طوفُها وبغامُها |
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ | غُبْسٌ كواسِبُ لا يُمَنُّ طَعَامُها |
صَادَفْنَ منها غِرَّة ً فَأصَبْنَهَا | إنَّ المنايا لا تطيشُ سهامُهَا |
باتَتْ وَأسْبَلَ واكفٌ من ديمة ٍ | يروِي الخمائلَ دائماً تسجامُها |
يعدُو طريقة َ متنِهَا متواتِرٌ | في ليلة ٍ كَفَرَ النُّجومَ غَمَامُهَا |
تجتافُ أصْلاً قالِصاً متنبّذاً | بعجوبِ أنْقاءٍ يميلُ هُيَامُها |
وتُضيءُ في وَجْهِ الظلام مُنِيرة ً | كجمانَة ِ البحريِّ سُلَّ نظامُها |
حتى إذا انحسَرَ الظلامُ وَأسْفَرَتْ | بكرتْ تزلُّ عن الثَّرَى أزْلامُها |
عَلِهَتْ تَرّدَّدُ في نِهاءِ صَعَائِدٍ | سَبْعاً تُؤاماً كاملاً أيَّامُها |
حتى إذا يَئسَتْ وأسْحَقَ حَالِقٌ | لم يُبلهِ إرْضاعُها وفِطَامُها |
وتوجسَّتْ رزَّ الأنيسِ فَرَاعَها | عن ظهرِ غَيْبٍ، والأنيسُ سَقَامُها |
فَغَدَتْ كلا الفَرجَينِ تَحْسَبُ أنَّهُ | مَولى المخافة خلفُها وأمامُها |
حتى إذا يئسَ الرُّماة ُ وأرْسَلُوا | غضفاً دواجنَ قافلاً أعْصامُها |
فَلَحِقْنَ واعتكرتْ لها مَدْرِيَّة ٌ | كالسَّمهريَّة ِ حَدَّهَا وتَمَامُهَا |
لِتذَودَهُنَّ وَأيقنتْ إن لم تَذُدْ | أن قد أحمَّ مع الحتوفِ حمامُها |
فتقصدَتْ منها كَسابِ فضُرِّجتْ | بدمٍ وغودرَ في المَكَرِّ سُخَامُها |
فبتلْكَ إذْ رقَصَ اللوامعُ بالضُّحى | واجتابَ أردية َ السَّرَابِ إكامُها |
أقضي اللُّبانة َ لا أفرِّطُ ريبة ً | أو أن يلومَ بحاجة ٍ لُوَّامُهَا |
أوَلم تكنْ تدري نَوَارُ بأنَّني | وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُها |
تَرَّاكُ أمكنة ٍ إذا لم أرْضَهَا | أوْ يعتلقْ بعضَ النفوسِ حِمامُها |
بل أنتِ لا تدرين كم مِنْ ليلة ٍ | طَلْقٍ لذيذٍ لَهْوُها ونِدَامُها |
قَد بِتُّ سامِرَها، وغَاية تاجرٍ | وافيتُ إذ رُفِعَتْ وَعَزَّ مُدَامُها |
أُغْلي السِّباءَ بكلِّ أدْكَنَ عاتقٍ | أو جَوْنَة ٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها |
بصَبوحِ صافية ٍ وجذبِ كرينة ٍ | بموَتَّرٍ تأتالُهُ إبهامُهَا |
بادرتُ حاجتَها الدّجاجَ بسحرَة ٍ | لأعَلَّ منها حينَ هبّ نيامُها |
وغداة ِ ريحٍ قَدْ وزعتُ وَقَرَّة ٍ | إذ أصْبَحَتْ بيدِ الشَّمالِ زمامُها |
ولقَد حميْتُ الحيَّ تحملُ شِكَّتي | فرطٌ، وشاحي إذْ غدوتُ لجامُها |
فعَلوتُ مرتقباً عَلى ذي هَبْوَة ٍ | حَرِجٍ إلى أعلامِهِنَّ قَتَامُها |
حتى إذا ألْقَتْ يداً في كافرٍ | وَأجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُها |
أسْهلْتُ وانتصَبتْ كجذع منيفَة ٍ | جَرْدَاءَ يَحْصَرُ دونها جُرَّامُها |
رَفَّعْتُهَا طَرَدَ النَّعامِ وَشَلَّهُ | حتى إذا سَخِنَتْ وَخَفَّ عظامُها |
قَلِقَتْ رِحَالَتُهَا وَأسْبَلَ نَحْرُهَا | وابتلَّ من زَبَدِ الحمِيمِ حِزَامُهَا |
تَرْقَى وَتَطَعْنُ في العِنَانِ وتَنْتَحي | وِرْدَ الحمَامة إذ أجَدَّ حَمَامُها |
وكثيرة ٍ غُرَباؤهَا مَجْهُولَة ٍ | ترجَى نوافِلُها ويخْشَى ذامُها |
غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالذُّحُولِ كأنَّهَا | جنُّ البديِّ رواسياً أقدامُها |
أنكرتُ باطلَها وَبُؤْتُ بحقِّها | عندي، ولم يَفْخَرْ عليَّ كرامُها |
وَجزَورِ أيْسَارٍ دَعَوْتُ لحتفِها | بِمَغَالِقٍ مُتَشَابهٍ أجسامُها |
أدعُو بهنَّ لعاقِرِ أوْ مطفِلٍ | بذلَتْ لجيرانِ الجميعِ لحامُها |
فالضيفُ والجارُ الجنيبُ كأنّما | هبَطَا تبالَة َ مخصِباً أهْضَامُها |
تأوِي إلى الأطْنابِ كلُّ رذيَّة ٍ | مِثْلُ البَلِيّة ِ قَالصٌ أهدَامُها |
ويكلّلُونَ إذا الرياحُ تناوحَتْ | خُلُجاً تمدُّ شوارعاً أيْتَامُها |
إنّا إذا التقتِ المجَامِعُ لم يَزَلْ | منّا لِزَازُ عظيمة ٍ جَشّامُها |
وَمُقَسِّمٌ يُعْطِي العشيرة َ حَقَّهَا | وَمُغَذْمِرٌ لحقوقِها هَضَّامُها |
فضلاً، وذو كرمٍ يعينُ على النَّدى | سمحٌ كسُوبُ رغائبٍ غنّامُها |
مِنْ معشرٍ سنَّتْ لهمْ آباؤهُمْ | ولكلِّ قومٍ سُنَّة ٌ وإمامُهَا |
لا يَطبَعونَ وَلا يَبورُ فَعالُهُم | إِذ لا يَميلُ مَعَ الهَوى أَحلامُها |
فاقْنَعْ بما قَسَمَ المليكُ فإنّمَا | قسمَ الخلائقَ بينَنا علاَّمُها |
وإذا الأمانة ُ قُسِّمَتْ في مَعْشَرٍ | أوْفَى بأوْفَرِ حَظِّنَا قَسّامُهَا |
فبنى لنا بيتاً رفيعاً سمكُهُ | فَسَما إليه كَهْلُهَا وَغُلامُها |
وَهُمُ السُّعَاة ُ إذا العشيرة ُ أُفْظِعَتْ | وهمُ فوارِسُهَا وَهمْ حُكّامُها |
وهمُ رَبيعٌ للمُجَاورِ فيهمُ | والمرملاتِ إذا تطاولَ عَامُها |
وَهُمُ العَشيرة ُ أنْ يُبَطِّىء َ حاسدٌ | أو أن يميلَ معَ العدوِّ لئامُها |