نَخْطُو وَمَا خَطوُنا إلاّ إلى الأجَلِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
نَخْطُو وَمَا خَطوُنا إلاّ إلى الأجَلِ | وننقضي وكأَن العمر لم يُطل |
وَالعَيشُ يُؤذِنُنَا بالمَوْتِ أوّلُهُ | وَنَحنُ نَرْغَبُ في الأيّامِ وَالدّوَلِ |
يأتي الحمام فينسى المرء منيته | وَأعضَلُ الدّاءِ ما يُلهي عَنِ الأمَلِ |
ترخي النوائب من أعمارنا طرفاً | فنستعز وقد أمسكن بالطول |
لا تَحسَبِ العَيشَ ذا طُولٍ فتركبَه | يا قُرْبَ ما بَينَ عُنقِ اليَوْمِ وَالكَفَلِ |
نروغ عن طلب الدنيا وتطلبنا | مدى الزمان بأرماح من الأجلِ |
سلّى عن العيش أنّا لا ندوم له | وهوَّنَ الموت ما نلقى من العلل |
تدعو المنون جباناً لا عناء له | مخلاَّءً عن ظهور الخيل والإبل |
ويسلم البطل الموفي بسابحة | مشيا على البيض والأشلاءِ والقلل |
يقودني الموت من داري فأتبعه | وقد هزمت بأطراف القنا الذبل |
وَالمَرْءُ يَطْلُبُهُ حَتْفٌ، فيُدرِكُهُ | وقد نجا من قراع البيض والأسل |
لَيسَ الفَنَاءُ بِمَأمُونٍ عَلى أحَدٍ | وَلا البَقَاءُ بِمَقْصُورٍ عَلى رَجُلِ |
يبكي الفتى وكلام الناس يأخذه | وَالدّمعُ يَسرَحُ بَينَ العُذرِ وَالعَذَلِ |
وَفي الجُفُونِ دُمُوعٌ غَيرُ فائضَة ٍ | وفي القلوب غرام غير متصل |
تعز ما اسطعت فالدنيا مفارقة | والعمر يُعنِقُ والمغرور في شغل |
ولا تشكَّ زمانا أنت في يده | رَهْنٌ فَما لكَ بالأقدارِ مِنْ قِبَلِ |
عاد الحمام لأخرى بعد ماضية | حَتّى سَقَاكَ الأسى عَلاًّ على نَهَلِ |
من مات لم يلق من يحيا يلائمه | فكن بكل مصاب غير محتفل |
وَكُلُّ بَاكٍ عَلى شَيْءٍ يُفَارِقُهُ | قَسراً، فيَقتَصُّ من ضِحكٍ وَمن جذلِ |
ما أقرب الوجد من قلب ومن كبد | وَأبعَدَ الأنسَ مِنْ دارٍ وَمن طَلَلِ |
العَقلُ أبلَغُ مَنْ عَزّاكَ من جَزَعٍ | وَالصّبرُ أذْهَبُ بالبَلْوَى مِنَ الأجَلِ |
سقى الإله تراباً ضم أعظمها | مجلل الودق جروراً على القلل |
ولا يزال على قبر تضمنها | بَرْقاً يَشُقّ جُيوبَ العارِضِ الهَطِلِ |
وَكُلّما اجتَازَ رَيْعَانُ النّسِيمِ بِهِ | لم يوقظ الترب من مشي على مهل |
يا أرْضُ! ما العذرُ في شخصٍ عصَفتِ به | بين الأقارب والعواد والخول |
أرَدْتِ أنْ تَحجُبَ البَيداءُ طَلعَتَهُ | ألمْ يكُنْ قَبلُ محجوباً عَنِ المُقَلِ؟ |
جسم تفرد بالأكفان يجعلها | مذ طلق العمر ابدالاً من الحلل |
وغرة كضياء البدر لامعة ٌ | صار التراب بها أولى من الكلل |
شَرُّ اللّبَاسِ لِبَاسٌ لا نُزُوعَ لَهُ | والقبر منزل جارٍ غير منتقل |
للموت من قعدت عنه ركائبه | وَمَن سرَى في ظُهورِ الأينُقِ البُزُلِ |
ما يُدفع الموت عن بخل ولا كرم | وَلا جَبَانٍ وَلا غَمرٍ وَلا بَطَلِ |
وما تغافلت الأقدار عن أحد | ولا تشاغلت الأيام عن أجل |
لنا بما ينقضي من عمرنا شُغُلٌ | وَكُلُّنَا عَلِقُ الأحشَاءِ بالغَزَلِ |
وَنَستَلِذُّ الأمَاني، وَهيَ مُرْوِيَة ٌ | كَشَارِبِ السّمّ مَمزُوجاً معَ العَسَلِ |
نؤمل الخلد والأيام ماضية | وَبَعْضُ آمَالِنَا ضَرْبٌ من الخَطَلِ |
وحسب مثلي من الدنيا غضارتها | وَقَدْ رَضِينا مِنَ الحَسْنَاءِ بالقُبَلِ |
هَذا العَزَاءُ وَإنْ تَحزَنْ فلا عَجَبٌ | إن البكاءَ بقدر الحادث الجلل |
وَكَيْفَ نَعْذُلُ مَنْ يَبكي لِمَيّتِهِ | وَنَحْنُ نَبْكي عَلى أيّامِنَا الأُوَلِ |