التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان (2)
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان "مراتب الدين الثلاث" (2)
التربية على أركان الإسلام
أولا: الشهادتان
في المقال السابق وفيما هو آت من مقالات سنعيش مع معالم تربية الأولاد على المراتب التي تضم أصول الدين الثلاثة: معرفة العبد ربه، ونبيه - صلى الله عليه وسلم - ودينه وهو الإسلام..
وها نحن نكمل.
التربية على أركان الإسلام:
في الصحيحين من رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا"[1].
• الشهادتان هما أعظم أركان الإسلام الخمسة، وهما أساس الدين ومحوره، وتتضمان شرطي قبول العمل: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم.
وفي فضل الشهادتين الجليلتين نصوص كثيرة جدا لا يتسع المقام لذكرها، منها حديث معاذ - رضي الله عنه - وهو رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرحل، قال: "يا معاذ بن جبل".
قال؟ لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: "يا معاذ".
قال: لبيك وسعديك يا رسول الله - ثلاثا - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار" قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا!؟ قال: "إذا يتكلوا"، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما[2] أي خوفا من الوقوع في إثم كتمان العلم.
وهذه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه"[3].
وهذه الشهادة ليست مجردة من العمل كما قد يفهمه بعض الناس، بل لابد من الإيمان والعمل الصالح كما ذكر تعالى في غير موضع من كتابه المبين من مثل قوله تعالى.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ [الكهف: 107].
وقد بين ذلك علماء الإسلام أكمل بيان من مثل ما رواه البخاري قال: ما جاء في الجنائز: ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله: وقيل لوهب بن منبه - رحمه الله -: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال.
بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان! فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك[4].
ومعنى - لا إله إلا الله -: أي لا معبود بحق إلا الله، وإن تلقين الطفل منذ سن التمييز لفظ الشهادة وتدريبه على النطق بها لهو الخطوة الأولى في سبيل تربيته على مبدأ التوحيد وتعليمه مستلزماتها على حسب مداركه في مراحل عمره، ومن أهم مستلزماتها الإخلاص لله وهو التلازم بين الربوبية والألوهية، فالله هو الخالق الرازق فهو سبحانه المعبود بحق وحده لا إله غيره ولا رب سواه.
وإن عقل الطفل المدرك وقلبه كالجوهرة النفيسة الخالية من كل نقش، والطفل - وقد خلقه الله على الفطرة - لديه قابلية فطرية للإقرار بالألوهية، والوالدان يقويان لديه المدارك من خلال لفت نظره بالأسلوب المناسب إلى مخلوقات الله المحيطة به من البهائم والحشرات والجمادات والأشجار ونحوها مما يحيط به مما هو من بيئته ومحيطه، وذلك في شكل قصص صادقة أو في قالب إعلامي مناسب في الإطار الشرعي لإيقافه على عظمة الخالق سبحانه، ومن ثم تعريفه بهذا الخالق المدبر، وأنه الذي يستحق العبادة، وأن هذا هو صراط المسلمين، وأد الكافرين الذين يعبدون معه غيره في ضلال مبين.
وتأمل سيرة الفاروق عمر - رضي الله عنه - كيف ذكر الناس بالتوحيد وهو يطوف حول الكعبة قائلا وهو يخاطب الحجر الأسود: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك"[5].
وهدا يدل على أن الاهتمام بالتوحيد وهو أساس الدين ينبغي أن يكون هاجس المسلم في تذكير نفسه وولده ومن ولاه الله عليه وعامة الناس على قدر الوسع.
وشهادة أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، تستدعي من الأبوين تعريف الولد بمعناها وهو طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرعه - صلى الله عليه وسلم.
وإن في أحداث السيرة النبوية الشريفة قبل البعثة وبعدها لمادة علمية زاخرة يستوعبها عقل الطفل المدرك إن أحسن مربيه عرضها بأسلوب القصة التي ينجذب إليها الأولاد وغيرهم وهو أفضل ما يهديه والد لولده ليملا به وقته ويشبع فضوله، ويروي تطلعه إلى الجديد المفيد.
وان محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن كبرى مقاصد التربية التي يتوخاها الأبوان المسلمان كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين"[6].
ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تكون في اتباع سنته واقتفاء أثره واتخاذه قدوة وأسوة في العبادات والمعاملات وكل مناحي الحياة، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].
قال الإمام ابن سعدي: هذه الآية هي الميزان التي يعرف بها من أحب الله حقيقة ومن ادعى ذلك دعوى مجردة!.
فعلامة محبة الله اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي جعل متابعته في جميع ما يدعو إليه طريقا إلى محبته ورضوانه فلا تنال محبة الله ورضوانه وثوابه إلا بتصديق ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة وامتثال أمرهما واجتناب نهيهما فمن فعل ذلك أحبه الله وجازاه جزاء المحبين وغفر له ذنوبه وستر عليه عيوبه[7].
وهذه المعاني الإيمانية كلها من أهم المقاصد التربوية التي ينبغي أن يرنو إليها الآباء وهم يربون أبناءهم.
إن تلقين الولد منذ مرحلة الصبا مبادئ الدين ينبغي أن يكون مناسبا لمدارك الطفل العقلية وقدراته الاستيعابية، ومهما يكن من أمر فليس هناك مندوحة عن تلقينه الأصول الثلاثة المعروفة بصيغة الاستفهام ومعه تلقين الجواب بتكرار ذلك من الأبوين حتى يصبح ذلك فيه سجية وطبعا بأن يقال له:
من ربك؟
• ربي الله.
من نبيك؟
• نبيي محمد - صلى الله عليه وسلم.
ما دينك؟
• ديني الإسلام.
مع الاهتمام البالغ بتساؤلات الولد واستفهامه المتكرر عن الله عز وجل، وعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن معنى الإسلام، ولماذا خلقنا الله؟ وأين كنا قبل الحياة الدنيا؟ أو من أين يجيء الناس بالأطفال؟!.
والى أين يذهب الناس بعد الموت؟ ولماذا نحب المسلمين ونكره الكافرين؟ وأسئلة أخرى كثيرة تنبعث بتلقائية وبراءة يتفتق عنها عقل الطفل وتفكيره، والأب الكيس يحسن التوجيه بإحسان الإجابة عن تساؤلات أولاده...
والطفل الذكي المفكر ينبغ إن أحسن تربيته، ووفق إلى أب راشد لبيب يعرف كيف يبني في ولده العقل والتوجه الرشيد!.
وهذا أمر في غاية الأهمية مع كونه في غاية السهولة والبساطة بعد توفيق الله لأنه أمر فطري جبلي، ويصبح الترقي بعد ذلك إلى ما يليه من أمور العقيدة أمرا سهلاً ميسورًا.
[1] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الإيمان (8)، ومسلم في كتاب الإيمان (16).
[2] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب العلم (128)، ومسلم في كتاب الإيمان (32).
[3] رواه البخاري في كتاب العلم (99).
[4] صحيح البخاري كتاب الجنائز باب ما جاء في الجنائز.
[5] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الحج (1597)، ومسلم في كتاب الحج (1270).
[6] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الإيمان (14)، والنسائي في كتاب الإيمان (5015).
[7] تيسير الكريم الرحمن1/ 179.