أرشيف المقالات

أعظم وأروع لوحة على الإطلاق

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
مهما رسمَت ريشُ عظماء الفنَّانين من لوحاتٍ تَسرُّ عيون مَن يشاهدونها، ويهتمُّون بأمرها في المعارض والمتاحِف، ويُباع بعضها بباهظ الأثمان، فهي لا تُضاهي منظرًا طبيعيًّا خلَّابًا من صُنع الخالق هنا أو هناك في أرجاء هذه الأرض الواسِعة؛ حيث تتعدَّد التضاريسُ والمناخات؛ فبعضُ مَشاهد الطبيعة فيها من البَهاء والرَّونق ما يجعل العينَ لا تملُّ النظر لها والتأمُّلَ فيها لساعات، وتبعث في النَّفس الطمأنينة والرَّاحة، وتحرِّك اللسان َ لحمد الله وشكره على هذا الجمال الآسِر.

أمَّا أروع وأعجَب لوحة تَبهَرُ الأبصار وتحيِّر العقولَ على حدٍّ سواء، فتلك التي أبدَع الخالِقُ رسْمَها للكون على صفحة السَّماء بكلِّ ما فيها من عظمةٍ وإعجاز مذهِل، لا يمكن لكلماتٍ أن تفيَه حقَّه في الوصْف، ليس فقط لِما هو عليه المنظَر من جمالٍ ومَهابة، بل الأهم من ذلك بمراحل ما في خلْق هذا الكون من عظَمَة وقدرةٍ تَفوق كلَّ تصوُّر وخيال.

لا تَحتاج لترى هذه اللَّوحةَ بوضوح سوى أن تَقود سيَّارتك في ليلةٍ صافية، بعيدًا عن سكَنك إلى عُمق الصَّحراء، لمكان يَنعدِم فيه أثر كلِّ ضوء، ومن الأفضل أن يكون الظَّلام حالكًا؛ بأن تَختار ليلةً القمرُ فيها في طور المحاق، أو تَنتظر غيابه، ثمَّ ترفع نظرَك للسماء لتقع عينُك على مشهدٍ خالد يُثير في النَّفس الرَّهبةَ، تتناثر فيه أجْرامُ الكون بأعداد لا تُحصى أمام ناظرَيك في كلِّ الأصقاع، حتى أطراف الأُفق، بعضها فرادى، وأخرى تتوزَّع بأشكال هندسيَّة مختلفة؛ منها ما يُشبه العناقيد، ومنها ما هو على هيئة مخلوقاتٍ حيَّة، عرفها النَّاسُ منذ القدَم، ومنهم العرب الذين برَعوا في تحديد مَواقع النُّجوم، وأطلقوا عليها التَّسميات، ورصدوا تحرُّكات بعضها في السَّماء، وعرفوا منها حسابات الوقت وتَحديد الاتجاهات، فاهتدوا بها أثناء سفَرِهم في الصَّحراء، كما اهتدَت بها المراكبُ والسُّفُن في أعالي البِحار في سالف الأزمان.

تترصَّع قبَّةُ السماء بنجوم وكواكب متلألئة، وأخرى خافتة، يمكن للعين المجرَّدة أن تحصي منها بضعَ آلاف، وتميِّز لأنوارها بعضَ الألوان، ولكن أعدادها الحقيقيَّة أكبر من ذلك بكثير، فما تَحويه مجرَّةٌ واحدة عملاقة يماثِل ما تحوي الرِّمال تحت قدميك من حبَّات، المجرَّات نفسها أعدادها هائلة يُكتَشف منها المزيد بين حينٍ وآخر، تَفصل بينها مسافات شاسِعة لا يَستوعبها العقل، ويقدِّر علماءُ الفلَك بعضَ هذه المسافات بملايين بل مليارات السَّنوات الضوئيَّة، وبعض النجوم والمجرَّات موجودة ولا نراها؛ لأنَّ ضوءها لم يصِلْنا بعدُ منذ نشأتها الأولى؛ لبُعدها السَّحيق عن أرضنا في أعماق هذا الكون الفسيح.

بحسب علماء الفلك فإنَّ هذا هو فقط الجزء المرئي من الكون الذي تَرصده المحطَّات الأرضيَّة ومسابير الفضاء التي تَجوب حيِّزًا بسيطًا من فضاء الكون حول كوكبنا، ويقدِّرون قُطرَه بما يزيد عن 90 مليار سنة ضوئيَّة، وحتى بهذا المقياس فهو رقم لا يدرِكه العقلُ، فكيف إذا حسبناه بالكيلومترات كما تُقاس المسافات بين البلدان؟ فعندئذٍ سنَحصل على رقم تَصعب قراءته، له ما يقارِب الخمسة والعشرين من الأصفار، فأي كونٍ هائل هذا لا يُحيط به ويَعلم حدودَه ويدبِّر الأمرَ فيه ويحفظ توازنه سوى خالقِه الذي أوجده من العدَم، وأقسَم في كتابه العزيز بعظَمَة مواقع النُّجوم فيه!

 
أ.
عاهد الخطيب

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير