آيات يخطئ فهمها الكثيرون


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي جمعنا وإياكم في هذا المجتمع الذي نسأل الله أن يكون من مجتمعات الخير ومغفرة الذنوب، وأن يتجاوز الله عنا وعنكم التقصير والغفلة، وأن يجعلنا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

هذا الموضوع الذي سنتحدث عنه الليلة إن شاء الله تعالى، موضوع حساسٌ وخطيرٌ في نفس الوقت، لأنه يتعلق -أيها الإخوة- بأغلى شيء عند الإنسان المسلم، أغلى ما يملكه الإنسان المسلم في هذه الحياة، وأعز شيء عنده، بل هو دليله ونوره الذي لا يستطيع السير بدونه، ألا وهو القرآن.

وسيكون محور الكلام في هذا الموضوع الذي سنتحدث عنه متعلق بهذا القرآن العظيم الذي هو مصدر الهداية وإشعاع النور الذي يهدي الله تعالى به من شاء من عباده.

أيها الإخوة: إن الله عز وجل أمر بتدبر القرآن، فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [محمد:24] دعوة للتدبر، أفلا يتدبرون القرآن أم أن القلوب مقفلة؟! أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] فالناس قلوبهم غفلت عن ذكر الله وعن القرآن، وصار عليها أقفال غليظة من الغفلة والإعراض، فهي لا تنفتح مطلقاً لهذا النور الرباني، والذكر العظيم الذي أنزله الله تعالى، والله عز وجل من رحمته بالمسلمين أنه يسر هذا الذكر للادكار لمن يريد أن يدكر ويتذكر، فقال الله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:40] أي: هل من مدكر يريد أن يتذكر؟

أيها الإخوة: إن القرآن ليس صعباً بحيث لا تفهمه العقول ولا تدركه النفوس، كلا. إنه سهلٌ ميسرٌ لمن أراد الله تعالى به الخير، ولذلك كثيرٌ من الناس يفتحون القرآن يريدون أن يفهموا ماذا يحوي، ولكن بسبب الغفلة والجهل المسيطر على أفئدتهم وعقولهم، فإنهم لا يلبثون أن يقفلوا هذا الكتاب، لأنهم لا يعون ما يقرءون، أما من وفقه الله تعالى وقذف في قلبه النور والهداية -نسأل الله أن نكون منهم- فإنهم لا يجدون المشقة، ولا يجدون المستحيل والمعوقات وهم يقرءون كتاب الله لكي يتذكروا ما فيه ويفقهوا معناه.

أيها الإخوة: إن التدبر والتأمل في القرآن وإرادة معرفة المعاني وما اشتمل عليه من الفوائد والحكم والأحكام مسألة لابد لها من ضوابط من الشريعة الإسلامية، وإلا فإن الإنسان المسلم ينحرف بدونها.

ولذلك كان من أسباب ضلال أهل الكتاب ممن كانوا قبلنا أنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، والله عز وجل عنفهم على هذا وأنبهم تأنيباً شديداً فقال: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85] وقال الله عز وجل أيضاً: كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر:90-91] مفرقة، فآمنوا ببعضه وكفروا بالبعض الآخر، جعلوه عضين، مقسماً ومجزأ إلى أجزاء، فما وافق هواهم آمنوا به واتبعوه، وما كان مصادماً لأهوائهم وشهواتهم أعرضوا عنه وأغفلوه، وقد كان السلف رحمهم الله تعالى يأخذون هذا القرآن بقوة، ويعرفون معناه، ويطلبون المعنى الذي أراده الله عز وجل، يريدون أن يعرفوا المعنى حتى لا يصبحوا كمن كان قبلهم من أهل الكتاب.

وكذلك كان السلف رحمهم الله في غاية الدقة، والحرص، وفي غاية التحرج وهم يفسرون هذه الآيات، والعلماء الواحد منهم يعلم أنه لو قال برأيه في القرآن فأصاب فقد أخطأ، فكان أحدهم عندما يفسر القرآن يعلم تماماً أنه إذا خاض في آية ليس عنده علم بها أنه سيأثم حتى وإن كان ما قاله صواباً، ولذلك قال ابن كثير رحمه الله معلقاً: أي أخطأ؛ لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر، لكنه قد أخطأ، لأنه لم يأت الأمر من بابه. ليس عنده العدة التي يفسر بها حتى وإن كان كلامه صحيحاً، فهو آثم؛ لأن القرآن لا يصح لأحدٍ أن يخوض في تفسيره وتبيان المراد منه بغير علم وبغير أدلة.

ولذلك كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: [أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟!].

وكان ابن أبي مليكة -من كبار علماء السلف - يقول: سئل ابن عباس عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها -لو أحد سئل فيها الآن لأفتى وقال فيها- فأبى أن يقول فيها. أبى ابن عباس ، وابن عباس هو الحبر البحر، إمام أهل السنة في التفسير قاطبةً، الذي شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، ودعا الله عز وجل أن يعلمه التأويل، فعلمه الله عز وجل أشياء كثيرة، فلما جاء عند آية لم يعرف معناها، رفض أن يتكلم فيها!

وكذلك- أيها الإخوة- لو أردنا أن نسرد شيئاً من أطراف العلم، أو شيئاً من أنواع العلم التي يحتاج إليها المفسر، لوجدنا علماءنا قد نقلوا أشياء كثيرة، فمنها ما نقله الذهبي المتأخر رحمه الله تعالى المتأخر في كتابه التفسير والمفسرون ، قال: العلوم التي يحتاج إليها المفسر كثيرة منها: علم اللغة، وعلم النحو، وعلم الصرف، وعلم الاشتقاق، وعلم البلاغة بأنواعه الثلاثة: البيان والبديع والمعاني، وعلم القراءات، وعلم العقيدة، وعلم أصول الفقه، وعلم أسباب النزول، وعلم القصص والتاريخ، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم الأحاديث المبينة لمجمل القرآن ومبهمه.

فإذاً المفسر شأنه عظيم، ليس أي واحد يشتغل بالتفسير، نحن المسلمين ماذا نفعل الآن؟ نحن نقرأ هذا القرآن مفسراً بأقوال علماء السلف، هذا القرآن أنزل نعم، ومن هذا القرآن ما يفهمه العامة كقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] هل هناك أحد لا يفهمها؟ لا. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ماذا تعني لكن اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:2] قد نحتاج في فهم كلمة ( الصمد ) إلى الرجوع لأقوال المفسرين والعلماء: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] ما المقصود بالفلق؟ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3] ما هو ( الغاسق إذا وقب )؟ هذه الآيات التي يرددها كثير من المسلمين في صلواتهم بدون معرفة لمعناها، كم شخص الآن من الذين يقرءون هذه الآية: غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3] يعرف ما معناها؟ قلة.

أيها الإخوة: لا بد من الرجوع إلى أقوال العلماء في التفسير، وإلا لضللنا ضلالاً بعيداً بدون أقوال علماء التفسير، ولا يمكن أن نتقدم خطوة إلى الأمام في فهم القرآن.

أيها الإخوة: هناك علماء عندهم العدة فهم يفسرون، وهناك أناسٌ من طلبة العلم ومن عامة الناس الذين أراد الله تعالى بهم الخير يقرءون القرآن وتفسيره على ضوء أقوال علماء المسلمين المتخصصين في هذا المجال.

إذاً: لا بد أن يفتح المسلم قلبه لهذا القرآن، وأن يعي معناه، وأن يتعلم تفسيره حتى يستطيع أن يسير على نور من ربه.

أيها الإخوة: لابد أن يدخل المسلم منا عالم القرآن الكريم بدون مقررات سابقة، وبدون مؤثرات سابقة، وبدون فلسفات وثقافات سابقة، لا بد أن يدخل المسلم ساحة القرآن الكريم وصدره خالٍ من أي شيء سابق؛ حتى يشكل القرآن خلفية هذا المسلم ويكون له فكره، ويكون القرآن هو الذي ينشئ معرفة المسلم، وثقافته وقيمه وموازينه ومعاييره، وإلا فإن الأمور ستضطرب.

ومن الأمثلة على هذا: هؤلاء الناس الذين ضلوا من قبلنا ودخلوا عالم القرآن وعندهم قواعد فلسفية من علم الكلام والمنطق وما شابه ذلك، فنزلوا آيات الله على أشياء لم يردها الله عز وجل، وضلوا ضلالاً بعيداً.

إذا أردنا أن نستعرض معكم جزءاً من أسباب الضلال في فهم القرآن، فإنها- أيها الإخوة- ترجع إلى عوامل كثيرة منها:

الزيغ في العقيدة

الزيغ في العقيدة، فالإنسان إذا كانت عقيدته منحرفة ودخل في فهم القرآن، فإنه لا بد أن يضل في القرآن، ولذلك تجد طوائف كثيرة ممن انتسبوا إلى الإسلام عندما دخلوا في القرآن وعندهم قواعد سابقة من الضلال في العقيدة، انحرفوا انحرافاً كبيراً، ولا أدل على ذلك من استدلال كافة الفرق المنحرفة لصحة مذاهبهم بالقرآن، حتى ولو كانت استدلالات مضحكة، هؤلاء المعتزلة يستدلون على صحة مذهبهم بأن إبراهيم قال: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [مريم:48] قالوا: بما أن إبراهيم اعتزل إذاً الاعتزال هو الصحيح، ومذهب المعتزلة هو الحق، وهؤلاء الرافضة وغيرهم من الفرق المنحرفة عندما دخلوا في القرآن بقواعدهم الفاسدة، أفرزوا إفرازات غريبة عن المنهج الإسلامي.

اتباع الهوى

وإذا أردت سبباً آخر من أسباب الضلال في فهم القرآن، فإنه: اتباع الهوى: اتباع الهوى بكافة فروعه وأنواعه، فمن الناس من يكون اتباعهم للهوى في فهمهم للقرآن ناتجاً عن التهجم على كتاب الله والجرأة عليه بغير علم، كل واحد يظن نفسه أنه سيفتي ويفهم القرآن على كيفه، ويقول: أنا أفهم، وأنا مجتهد، وهكذا يدخل ويفسر يميناً ويساراً، وتجد التخبط الشديد في هذا الجانب، وأمثلة كثيرة في هذا المجال لعل الوقت يتسع لذكر بعضها، ومنهم من يحمله الهوى على محاولة تبرير أخطائه هو لتشهد الآيات عليها، يعني: هو إنسان مخطئ ومذنب ومقصر، فيأتي إلى القرآن يبحث عن آيات يحملها على محمل لكي تبرئه وتظهره أمام الناس بأنه إنسان مستقيم وغير مخطئ، ولا مقصر- كما سيمر معنا أمثلة من هذا.

أخذ بعض القرآن وترك بعضه

كذلك- أيها الإخوة- من أسباب الضلال في فهم القرآن: أخذ بعضه وترك بعضه، وكما ذكرنا قبل قليل أن أحدهم يأخذ آية ويترك آيات. وإذا ما جمعنا النصوص من مذهب أهل السنة والجماعة عن طريقتهم في فهم القرآن والسنة تجد العالم النحرير عندما يطرق موضوعاً لا يأتي له بآية واحدة إلا إذا لم يكن يوجد غيرها في هذا الباب، أو حديث واحد، ولكنه يجمع كل الآيات والأحاديث في هذا الباب، لأن الآية ربما تتكلم عن جانب من الجوانب، ولا تتكلم عن جانب آخر، أو آية تتكلم مثلاً عن فترة معينة نزلت، ثم نسخت بآية أخرى، فيكون الاستدلال بالآية الأولى المنسوخة فيه ضلال، لأن هذا الرجل لم يجمع الآيات في الباب الواحد، فيكون فعله مثل الذي يأخذ قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4] ويسكت عن الباقي ويفعل كما فعل أبو نواس عندما قال:

ما قال ربك ويلٌ للألى سكروا     وإنما قال ويلٌ للمصلينَ

ما قال الله ويلٌ للذين يسكرون، وإنما قال: ويل للمصلين، يعني: نحن لا نصلي ونسكر!!

فإذاً- أيها الإخوة- أخذ بعض الكتاب وترك بعضه من أسباب الانحراف والزيغ الذي وقع فيه كثير من الطوائف السابقة واللاحقة.

الهزيمة النفسية أمام الغرب الكافر

كذلك: الهزيمة النفسية أمام الغرب، من العوامل التي تحمل بعض المسلمين على الدخول والخوض في القرآن ونفسيتهم متصفة بالهزيمة أمام الكفار، أمام الغربيين وغيرهم، فيأخذ يستنتج من القرآن كل شيء، يريد أن يثبت للناس أن القرآن فيه كل شيء، وأنه سبق الأمم في العلوم، وأن فيه جميع أنواع العلوم ...إلخ، كما فعل طنطاوي جوهري وغيره من الذين انحرفوا في هذا المجال.

فهذا أيضاً من أسباب الضلال في فهم القرآن، والشاطبي رحمه الله بين في كتابه الموافقات قواعد عظيمة للاستنباط والفهم واستخراج الأحكام وكذلك في كتاب الاعتصام أيضاً، وينبغي لمن أراد التوسع في هذا المجال أن يرجع إلى هذه الكتب.

الزيغ في العقيدة، فالإنسان إذا كانت عقيدته منحرفة ودخل في فهم القرآن، فإنه لا بد أن يضل في القرآن، ولذلك تجد طوائف كثيرة ممن انتسبوا إلى الإسلام عندما دخلوا في القرآن وعندهم قواعد سابقة من الضلال في العقيدة، انحرفوا انحرافاً كبيراً، ولا أدل على ذلك من استدلال كافة الفرق المنحرفة لصحة مذاهبهم بالقرآن، حتى ولو كانت استدلالات مضحكة، هؤلاء المعتزلة يستدلون على صحة مذهبهم بأن إبراهيم قال: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [مريم:48] قالوا: بما أن إبراهيم اعتزل إذاً الاعتزال هو الصحيح، ومذهب المعتزلة هو الحق، وهؤلاء الرافضة وغيرهم من الفرق المنحرفة عندما دخلوا في القرآن بقواعدهم الفاسدة، أفرزوا إفرازات غريبة عن المنهج الإسلامي.

وإذا أردت سبباً آخر من أسباب الضلال في فهم القرآن، فإنه: اتباع الهوى: اتباع الهوى بكافة فروعه وأنواعه، فمن الناس من يكون اتباعهم للهوى في فهمهم للقرآن ناتجاً عن التهجم على كتاب الله والجرأة عليه بغير علم، كل واحد يظن نفسه أنه سيفتي ويفهم القرآن على كيفه، ويقول: أنا أفهم، وأنا مجتهد، وهكذا يدخل ويفسر يميناً ويساراً، وتجد التخبط الشديد في هذا الجانب، وأمثلة كثيرة في هذا المجال لعل الوقت يتسع لذكر بعضها، ومنهم من يحمله الهوى على محاولة تبرير أخطائه هو لتشهد الآيات عليها، يعني: هو إنسان مخطئ ومذنب ومقصر، فيأتي إلى القرآن يبحث عن آيات يحملها على محمل لكي تبرئه وتظهره أمام الناس بأنه إنسان مستقيم وغير مخطئ، ولا مقصر- كما سيمر معنا أمثلة من هذا.