الحق أحق أن يتبع


الحلقة مفرغة

سئل موسى عليه السلام عمن هو أعلم منه، فأجاب لا أحد، فأمره الله بالذهاب إلى الخضر، ومع هذا رأى موسى أموراً قام بها الخضر تخالف ما بدا له أول الأمر، فلما سأل موسى الخضر عن أفعاله تلك أجابه بأن ما فعله وحي من الله، وأن له أسباباً لم تظهر لموسى وإنما علمها الخضر بتعليم الله له، فكان هذا درساً لموسى ولكل إنسان أن فوق كل ذي علم عليم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فيطيب للجنة العامة للنشاط بكلية إعداد المعلمين، ومركز العلوم والرياضيات أن يتقدم بجزيل الشكر لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح المنجد ، ونثني -أيضاً- بالشكر لإخواننا الحضور، فجزاهم الله خيراً، ونعتذر أيضاً لظروف طارئة عن تغير عنوان المحاضرة من: عناية الإسلام بالمشاعر، إلى عنوان: الحق أحق أن يتبع، نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بهذه المحاضرة، ونسأله جل وعلا أن يرزق محاضرنا حسن الأداء، وأن يرزقنا حسن الإصغاء، ولا أطيل عليكم بهذه المقدمة، فأترككم مع المحاضر، والله يحفظكم ويرعاكم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى سبيله القويم.

أيها الإخوة: أحييكم في هذه الليلة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل مجلسنا هذا مجلساً خيّراً، وأن يجعل ما يقال فيه من مرضاته عز وجل، والموضوع الذي سوف نتحدث عنه إن شاء الله في هذا الليلة، بعنوان: الحق أحق أن يتبع.

وهذا الموضوع متشعب وله أطراف كثيرة، فمنها مثلاً: ما هو الحق؟ ما هي علاماته؟ لماذا يمتنع الناس عن قبوله وهو حق؟ لماذا لا يعترفون به أحياناً؟

والله عز وجل أخبرنا أنه خلق السموات والأرض بالحق، وأنه أنزل القرآن بالحق: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الإسراء:105].

وسوف نركز في كلامنا هذا إن شاء الله بالدرجة الأساسية على موضوع الأسباب المانعة من قبول الحق، وندخل في الموضوع مباشرة فنقول:

تقليد القدماء الآباء والأجداد

إن من الأسباب التي تحمل الشخص أحياناً على رفض الحق تقليد القدماء من الآباء والأجداد، فيقول الله سبحانه وتعالى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23] هذا التصميم على تقليد الأسلاف، تقليد القدماء، تقليد الآباء، قال: قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [الزخرف:24].. وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170].

إذاً بعض الناس لا يُقدّرون، ولا يميزون، ولا يمحصون، فمجرد أن الآباء فعلوا هذا فهم يفعلون مثلهم، وقد يكون الآباء فطرتهم منتكسة، أو على ضلالة، أو قد يكونوا مشركين، أو لم يستخدموا عقولهم في الوصول إلى الحق، أو لم يتفكروا، لكن الأمور عند هؤلاء غير مهمة، المهم هو اتباع الآباء.

وعدم الاهتمام بصفات المتبوع من البلايا التي ابتلي بها الكثيرون في هذه الأيام، المهم هو الشخص، وليس المهم صفات الشخص، هذه من الآفات العظيمة.

وقد رد قوم إبراهيم على نبيهم لما جادلهم وناقشهم: لماذا تعبدون غير الله؟ لماذا تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم شيئاً؟

كان جوابهم: وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [الشعراء:74] هذا هو الدليل، هذا هو المستند والمتكأ الذي يتكئون عليه، وقالوا: وجدنا آباءنا لها عابدين، فمجرد أنهم وجدوا الآباء يعبدون، فقد اعتبروه مستنداً في قضية رفض ما أتى به إبراهيم، والإصرار على ما هم عليه من الباطل.

وقد يرفض بعضهم الحق لأنه لم يسمع به في الأولين، ولأنه قد فوجئ به الآن، فهو جديد عليه: مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ [القصص:36] ومن هذا القبيل ما يفعله اليوم بعض كبار السن، إذا رأوا رجلاً حديث السن يعمل أمراً من الأمور، فإنهم يقولون له: أنت أتيت بدين جديد، ونحن قد عشنا سنوات طويلة ورأينا آباءنا وأجدادنا فما كانوا يعملون هذا العمل: وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ [القصص:36] وعليه فأنت مخطئ، وأنت وأنت.. وهكذا يسفهون رأيه، وقد يكون هو عين الصواب، وهو الواضح بالأدلة، ولكن: وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ [القصص:36].

الغلو في الرجال

من أسباب رفض الحق: الغلو في الرجال، وعدم إنزالهم المنزلة التي أنزلهم الله إياها، أو رفعهم فوق المنزلة التي أنزلهم الله إياها.

والغلو في الرجال من الأمور المنتشرة كثيراً في هذا العصر حتى بين المستقيمين، وبين كثير من الدعاة إلى الله، وطالب الحق لا يهوله اسم معظم كائناً من كان، وليس لهول الرجل يتبع، لا. وهنا قاعدة ذهبية ذكرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [إن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال هم الذين يعرفون بالحق]، فالحق هو الذي يبين ويقوم، وليس الرجال هم الذين يقومون الحق، فإن الحق موجود، ولكن الحق دليل على صحة الرجال أو خطئهم، فهو المعيار والميزان الذي توزن به الأمور.

وقد يزداد الأمر سوءاً حتى يصل إلى درجة ما أخبر به الرسول صلى الله وعليه وسلم كما في الصحيحين عن حذيفة مرفوعاً: (حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه حبة خردل من إيمان) يصل الأمر بالغلو إلى درجة أن يقال عن الرجل ما ذكر وليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فانظر إلى الموازين عندما تتهدم كيف يقول الناس عن الرجال؟

وهذا المدح الذي يقوله الكثيرون إنما هو من الغلو، ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن مدح الرجل في وجهه حتى لايغتر، ومع ذلك فإن ديدن الكثيرين هو إطلاق ألقاب المدح جزافاً على شخصيات ليس في قلبها من الإيمان حبة خردل.

والتعظيم حتى لو كان للصالحين -وتعظيم الصالحين من الآفات الكبيرة- واكتشاف الأمر أصعب؛ لأن عندهم أشياء قد يخدع بها الكثيرون، صلاة، وعبادة، وزهد، وتقوى ظاهرة.

فهذا الأمر يصل إلى التعظيم وادعاء العصمة لهم، ورفعهم فوق مستوى البشرية: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].

ولذلك يصل الأمر ببعض الغلاة من أصحاب الطرق أنه يسجد لشيخه، وربما يحلق رأسه للشيخ تقرباً له وتعظيماً، الحجاج يحلقون رءوسهم تعظيماً لله، ويزيلون هذا الشعر بالموسى تعظيماً لله، وهؤلاء يعظمون مشايخ الطرق بأن يحلقوا رءوسهم من أجلهم، وتقول لبعضهم: إن الحديث الذي تقوله ضعيف.

يقول: لقد رواه الشيخ.

تقول له: إن هذا الرأي الذي تقول به مخالف للدليل.

يقول: إن الشيخ قد قال به.

فهذا التعظيم الموجود للشخصيات سبب كبير من أسباب الانحراف، وقد خط لنا السلف رحمهم الله في هذا الأمر منهجاً، فـابن عباس رضي الله عنه لما سئل عن مسألة، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: له إن أبا بكر يقول كذا، وعمر يقول كذا، قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر .

وكثير من المعظَّمين اليوم والمتبعين، كثير منهم بل كلهم لا يمكن أن يقارنوا بـأبي بكر وعمر ، ومع ذلك يحتج بأقوالهم على الدليل، وتقدم أقوالهم على الحق من القرآن والسنة، لا أقصد تقديم فهم فلان على فهم فلان للدليل، فهذه قضية تتعلق بالفقه، لكن أن رجلاً ليس مستنداً في كلامه إلى أي دليل، يقدم رأيه على الدليل الصحيح الصريح، فضلال عظيم أن يصل الأمر إلى هذا المستوى.

سئل الإمام أحمد مرة -وهذا مثال لا أعنيه لذاته ولما يتضمنه، وإنما أعنيه لما فيه من الدرس العام الذي يؤخذ منه- سئل الإمام أحمد عن كتابة الرأي، قال: لا أراه. لم ير ذلك، فقيل له: إن ابن المبارك ، قد كتبه، فقال: الإمام أحمد : ابن المبارك لم ينزل من السماء.

وابن المبارك هو من هو في جلالة قدره، وعلو كعبه في العلم، والزهد والعبادة والتقوى لله عز وجل، ومع ذلك يقول الإمام أحمد: ابن المبارك لم ينزل من السماء، وقال المروزي للإمام أحمد رحمه الله: ما تقول في النكاح؟ فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له المروزي: فقد قال إبراهيم كذا، قال: فصاح بي، وقال: جئتنا ببنيات الطريق، أي: تريد أن تهلكنا؟

ولذلك لما استقر عند السلف هذا الأمر ما هالهم عظمة فلان، وعبادة فلان، وزهد فلان، وورع فلان، إذا كان الذي أتى به فلان هذا مخالفاً للحق، فزهده، وورعه، وتقواه لنفسه، ونحن عندما نتبع، إنما نتبع بالدليل وبالبينة، ولذلك قيل للإمام أحمد: إن سرياً السقطي قال: لما خلق الله تعالى الحروف، وقفت الألف وسجدت الباء، فقال: نفروا الناس عنه، ولم يهمه سري السقطي من هو، ولا ما هي العبادة والزهد والورع، وما هو مقيم عليه، فله شأنه الخاص به، ولنا علمه الذي يقول به، نزنه بالحق: نفروا الناس عنه، لأنه قال كلاماً بغير دليل، فالكلام الذي قاله الإمام أحمد صحيح، وهذا هراء.

وليس لأي واحد أن يقول: نفروا الناس عن فلان، فلا بد أن يأتي بالبينة والدليل لماذا ننفر الناس عن فلان؛ أما نفروا الناس عن فلان لهوى، أو لخلاف شخصي، أو لأطماع معينة، فهذه قضية خطيرة، فلا إفراط ولا تفريط، ولا مجاوزة للحد من أحد الجانبين، والحق دائماً وسط بين طرفين، وطريق بين باطلين في كثير من الأمور.

وقد وقر في نفوس كثير من الناس تعظيم أقوام، فإذا نقل عنهم شيء فسمعه الجاهل بالشرع قبله؛ لتعظيم القائل في نفسه، يقول أحد أهل العلم: اسمع مني بلا محابة، ولا تحتجن علي بأسماء الرجال، فتقول: قال فلان وقال فلان، فإن من احتج بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أقوى حجة، على أن لأفعال أولئك وجوهاً نحملها عليها بحسن الظن، أي: لا يعني أن نكره المخطئين على جلالة قدرهم أو ننبذهم، ونشتمهم ونسبهم لأنهم قالوا خلاف الحق، بل نلتمس لهم أعذاراً ونحسن الظن، نقول: لعل الشيخ فلان، أو الإمام الفلاني لم يطلع على الدليل، أو على وجه تضعيف الحديث، أو لعله توهم بالاستدلال أمراً معيناً ليس كذلك، وهذه أشياء بينها أهل العلم، لا كل جاهل يقول: والله لعل الإمام أحمد ما عرف الدليل، لعل أبا حنيفة ما فهم، فهذا الكلام يتبين بمناقشة أهل العلم لبعضهم، والله أخذ عليهم العهد: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187].

المشكلة في عهد العلماء السالفين من الأمة في اتباع وتعظيم أناس من المذاهب الضالة، سواء كانوا جهمية أو معتزلة ، أو مرجئة ، أو طرقية صوفية من أصحاب الوحدة أو الحلول والاتحاد -وحدة الوجود واتحاد الخالق والمخلوق- كانت المشكلة عندهم في زعماء الضلال، والآن تغيرت كثير من الأسماء، وصارت المشكلة في شخصيات نشأت في هذا العصر، وأصبحت أصناماً تعبد وتقدس من دون الله، فالفكرة نفسها موجودة في السابق، لكن تغيرت الشخصيات، ونشأت بعض المذاهب الهدامة وبرزت إلى الوجود، وعلى السطح، وشهودت في الساحة، وأصبح لها دعاة وأناس يتبنونها وينشرونها، ويسهرون ليلاً ونهاراً لإذكاء نار فتنتها، فيجب على أهل الوعي من المسلمين الوقوف أمام هؤلاء، والبيان للناس: ما هو الميزان وكيف نقوم الأشخاص؟

ومن المؤسف أن تجد أقواماً يسخرون من جمود قوم نوح، وهم عاكفون على أقوال كبرائهم، وفتاوى عظمائهم، لا يرون جواز الخروج عنها، يقول: أخرج عن رأي فلان.. من أنا ومن فلان؟

فلان له كذا وكذا من المآثر، أنا لا أفهم أكثر منه، ولو أتيته بالدليل وبكلام أهل العلم الآخرين، فلا يمكن يغير، ومن البلاء أن يؤتي الله الإنسان سمعاً وبصراً وفؤاداً، ثم يفكر بعقل غيره، ولا يبصر إلا ما رآه غيره، ولا يسمع إلا ما قاله غيره، ولا يؤمن إلا بما تكلم به غيره.

إذاً.. فما فائدة السمع والبصر والفؤاد؟

الاقتداء بالعالم الفاسق أو العابد الجاهل

من الأشياء التي تصد عن الحق، الاقتداء بالعالم الفاسق أو العابد الجاهل، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34] فمنهم إذاً عالم فاسق فاجر، أو عابد جاهل، يتبعهم بعض أفراد الأمة فيضلون، ويهدم الدين بزلة العالم التي يتابع عليها.

العرف والعادة

ومن الأمور التي تصد عن الحق وتمنع الأخذ به: الإلف والعادة التي نشأ عليها الشخص وتربى؛ إذ كيف يغير الإنسان رأيه وقد سار عليه فترة طويلة؟

كيف يغير قناعته وقد تكونت لديه عبر سنوات مديده؟

كيف يخالف الشيء الذي تعود عليه، وألفه، وأحبه، واستمرأه؟

فالمخالفة صعبة؛ لأن فيها تغيير المألوف، والنفس تحب الشيء المألوف الذي اعتادته، فهذه نقطة يعاني منها أهل الحق، وكذلك أهل الباطل في المجتمعات، أهل الباطل يريدون تغيير، عادات الناس الطيبة، وقيمهم الحميدة التي يقرها الشرع، فهم يريدون الثورة على الواقع، نسأل الله أن يفشل مخططاتهم.

أما أهل الحق فإنهم يعانون من هذا النقطة، إذا كان الذي عليه الناس، وتمتمسكوا به وألفوه مخالفاً للحق، لكن شتان بين معاناة هؤلاء ومعاناة أولئك.

بعض الناس تناقشه في أمر من الأمور فيصر على ما هو عليه، تبين له بالأدلة فيصر على ما هو عليه؛ لأنه قد ألف هذا الشيء، وأحياناً يكون هذا الشيء مخالفاً للعقل السليم، ومع أن هذا الرجل يحمل شهادات عليا، ولكنه غير مستعد لأن يخالف، بل إنه يبحث عن وسائل في الإقناع والرد واهية جداً.

أذكر أن واحداً من هؤلاء كان يتكلم عن طرق الذكر الجماعي البدعية، فكان يقول: يا أخي! ما أعظم هذه الرياضة الروحية العظيمة الله أكبر.. سبحان الله.. الله حي، تطلع وتنزل، يقول: بدلاً من أن تلعب كرة، وتضيع وقتك في اللعب، فهذا شيء يقوي البدن، والعضلات، والأعصاب، وفيه ذكر.. انظر إلى عظمة الدين:

وتكرار ذا النصح منا لهم     لنعذر فيهم إلى ربنا

فلما استهانوا بتنبيهنا     رجعنا إلى الله في أمرنا

فعشنا على سنة المصطفى     وماتوا على تن تنا تن تنا

قاله ابن القيم رحمه الله في معرض الرد على أولئك المبتدعة في أذكارهم وطرقهم.

الكبر

أحياناً يرفض الحق للكبر، قال تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] ولذلك مهما ناقشته، وجادلته بالتي هي أحسن، وبالأدلة فلا يمكن أن يقتنع.

وبعض الناس تستغرب منه لكبره، والكبر آفة عظيمة، ولذلك فصاحبه محروم من دخول الجنة، لما يورثه الكبر في نفسه من الابتعاد عن الحق الذي يدخل صاحبه الجنة.

وقد حفل التاريخ بأمثلة ممن أوقعهم الكبر في مهاوي، مع أن الواحد أحياناً يستغرب كيف وقع هؤلاء، أنت -مثلاً- إذا تأملت الآن مؤلف كتاب: الصراع بين الإسلام والوثنية ، تجد فيه من نصرة العقيدة الصحيحة، والرد على المبتدعة أشياء مذهلة، وقد تجد فيه وجوهاً للرد مثل كلامه في آية: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ [النساء:64] التي استدل بها أصحاب المبتدعة على إتيان الرسول صلى الله وعليه وسلم في قبره بعد موته، وطلب الاستغفار، تجد وجوهاً في الرد ممتازة ومحكمة ربما لا تجدها لمن هو أكبر منه وأعلى باعاً، فقد ألهمه الله إياها فكتبها دفاعاً عن أمة الدعوة.

والبروق النجدية في اكتساح ظلمات الدجوية ، وغيرها من الكتب الجيدة، فتستغرب فعلاً كيف انحرف هذا الرجل حتى صار ملحد ثم ألف: محاكمة الكون لله ، والرجل انحرف تماماً عن الحق، ونزل من مرتبة العلم القوي الصحيح إلى الإلحاد، ليس صاحب بدعة فنقول: بدعته انحرفت به، ولا هو صاحب شبهة، فنقول شبهته انحرفت به، فالحق واضح عنده، وهو يدافع عنه، ويفري فرياً، لكن في النهاية، انحرف، فلا ندري ما هو السبب.

كل الأمور متوفرة لديه، والبراهين والأدلة واضحة، وطريقة الرجل مستقيمة، وعقيدته صحيحة، ومنهجه طيب، ولكن: الكبر الذي في نفسه.

ولو أن ما عندي من العلم والفضل           يوزع في الآفاق لأغنى عن الرسل

رجل وصلت به المسألة إلى هذه الدرجة، قال: لو أن ما عندي من العلم والفضل يوزع على الناس لما كان هناك داعٍ لإرسال الرسل، ويقول: وحق لي أن أتكبر لما عندي من الإمكانيات، والطاقات، ولذلك سقط سقوطاً مريعاً، وقد قيض الله من يرد عليه، مثل الشيخ عبد الله بن يايس رحمه الله في الرد القويم ، والشيخ ابن سعدي ، ومحمد بن عبد الرزاق حمزة ، والشيخ صالح السويح ، وغيرهم من أهل العلم، الذين بينوا عوار الرجل، وكشفوا أباطيله، لكن تأمل وخذ درساً في عدم الاغترار، وفي أن الكبر يحطم صاحبه تحطيماً شاملاً، ونسأل الله الثبات، فالواحد يجد نفسه صاحب عقيدة سيلمة، وصاحب سنة، ويتبع الدليل، وفجأة يقع بسبب الكبر.

العصبية والخوف على الجاه

أحياناً يرفض الحق للعصبية، والعصبية توضحها الرواية الآتية عن المسور بن مخرمة وهو ابن أخت أبي جهل ، أنه قال لـأبي جهل : يا خال! هل كنتم تتهمون محمداً بالكذب قبل أن يقول ما قاله؟ فقال: يابن أختي! والله لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم فينا وهو شاب يدعى الأمين، فما جربنا عليه كذباً قط، قال: يا خال! فما لكم لا تتبعونه؟ قال: يابن أختي: تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف، فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي، فمتى ندرك هذه؟

فكان سبباً في ردهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

وهناك أسباب أخرى منها: الخوف على الجاه، وخشية الملأ على نفوذهم، وتقليص امتيازاتهم، فهذا من الأسباب، وهذا الحديث ثبت مثله عن المغيرة بن شعبة.

الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله

من الأشياء التي تصد عن الحق: الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، قال ابن القيم رحمه الله: وأهل هذه الغربة هم أهل الله حقاً، فإنهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، ومن صفات هؤلاء الغرباء، ترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ ولا طريقة، ولا مذهب ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وأكثر الناس لائم لهم.

وصدق.. فأنت لو قلت للناس: أنا لا أنتسب إلى أحد غير الله ورسوله، وأنا أسير على طريقة السلف ، وأنا من أهل السنة والجماعة أعتقد اعتقادهم وأسير على طريقهم في جميع الأبواب، في العقيدة، والسلوك، والأخلاق، والسنة، ووجه الاستدلال، أنا على أبواب أهل السنة والجماعة، وهذه طريقتي، فلا أنتسب إلى أحد، فكل المنتسبين سيلومونك أنت مع أنهم متفرقون في انساباتهم، ولكنهم جميعاً يعتبرونك عدواً لدوداً لهم.

ثم لو أن إنساناً سأل وقال: ما علاقة هذه المسألة بالصد عن الحق؟ كيف يعني أن الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، يصد عن الحق؟

فأقول لك: يا أخي! القضية واضحة، فإن من انتسب إلى طائفة من الطوائف، أو حزب من الأحزاب، أو جماعة من الجماعات، فإنه يوالي لها ويعادي عليها، ويحيطها بهالة من التقديس تمنعه من تقبل الحق لو كان مخالفاً لما عليه هذه الطائفة، بل إنه يدافع عنها بالحق وبالباطل، لأن قلبه قد أشرب من حبها، ولذلك هو غير مستعد أن تنتقد طائفته، وهذا يؤدي إلى العصبية وإلى تفرق المسلمين.

ولو أن المسلمين كلهم مشوا على طريقة أهل السنة والجماعة -على طريقة السلف- وعلى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، والأشياء التي فيها الاختلافات الواردة فيعذر بعضهم بعضاً فيها، أما الأشياء التي في الأصول والتي لا يمكن الاختلاف عليها، فأمرها محسوم، لتجمعوا واجتمعوا كلهم، ولا نعني بهذا الكلام: نسف مسألة التعاون على البر والتقوى، ونسف قضية التعاون على الدعوة إلى الله، ونسف قضية روح الجماعية في الدين، فهذه موجودة، ولا بد من وجودها وإيجادها، ولكن التفرقات والتعصبات للانتسابات هي التي تهلك.

حصر الحق على طائفة معينة

ومن الأسباب التي تصد عن الحق كذلك -أيها الأخوة- حصر الحق في طائفة معينة، يعتقد أنما هي عليه حق، وما عليه غيرها فهو باطل، هذا نتيجة الشيء لما ذكر قبل قليل، وتدعي كل فرقة أنها هي الناجية، وأنها هي الطائفة المنصورة ، وأنها الطائفة الصحيحة وعلى المنهج الصحيح، وما سواها باطل.

سواها قد يكون من المسلمين، وقد يكون منهجهم صحيحاً، وهذه الادعاءات كثير منها كاذب:

وكل يدعي وصلاً بليلى      وليلى لا تقر لهم بذاك

ومن الأشياء الطريفة أن إحدى فرق القاديانية سموا أنفسهم أهل السنة والجماعة ، وهذه المسألة قديمة، أعني ادعاء الحق لطائفة واعتبار الآخرين على باطل، مسلمين، يهود، نصارى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:113].. وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111].

أحياناً الذي يرفض الحق يقول: لو كان هذا حقاً لكنت أنا أولى به من غيري، ولو أنه حق لكانت طائفتي أولى به من غيرها، ومادامت ليست عليه، فليس هو الحق قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [الأحقاف:11] أي: لو أن هذا الذي تدعونا إليه خيراً ما سبقتونا إليه، وقالوا: لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31] أي: لو كان هذا القرآن صحيحاً، لنزل على واحد يستحق، وهو فلان الفلاني.

وهذا المنطق مشهور ومنتشر ومتشعب في نفوس الكثيرين، فمتعصبة المذاهب يقولون: لو كان حقاً لقال به إمامي، وأنتم تعرفون طائفة من أقوال المتعصبين، ومتعصبة بعض الطوائف يقولون: لو كان حقاً لرآه قائدي أو قدوتي، ومادام أنه ما رآه فليس هو الحق، وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف:11].

الحسد

من أسباب رفض الحق الحسد، يرى أنك على حق فيحسدك، ولا يعمل بما أنت عليه.

والحسد قضية قديمة، قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [البقرة:109].

فاليهود والنصارى يريدون صدنا عما نحن عليه من الحق، وهم يعلمون أنه حق؛ حسداً من عند أنفسهم، وهناك حادثة رواها ابن إسحاق مع ما فيها من جهالة عين أحد الرواة، لكنها تصور واقعاً ولا تترتب عليها أحكام، فنحن نسوقها للفائدة، قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب -وهي المرأة اليهودية التي أسلمت، وتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أمنا، لأنها أسلمت وصارت أم المؤمنين، والإسلام يجب ما قبله، ولا اعتبار لأي انتسابات أخرى، ونحبها، ونوقرها، توقير آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنها من أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم- صفية بنت حيي تقول: كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه.

قالت: فلما قدم النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، حتى يعلما علم هذا الرجل، فلم يرجعا حتى كان غروب الشمس، قالت: فأتيا كالِّين، كسلانين ساقطين، يمشيان الهوينا، قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلي واحد منهما قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟

يقصد الرسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول: أهو هو أي: الذي نعلمه في التوراة، مكتوب أنه سوف يرسل.

قال: أهو هو؟

قال: نعم والله!

قال: أتعرفه وتثبته؟

قال: نعم.

قال: فما في نفسك منه؟

قال: عداوته والله ما بقيت.

انظر.. الآن هو يعترف تماماً أن هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي صفته مكتوبة في التوراة، أهو هو؟ قال: نعم. لكن النتيجة: عدواته والله ما بقيت.

كانوا يريدون ويتوقعون أن يظهر النبي منهم، فإذا هو من أناس آخرين، فحسداً بعض الناس يرفض الحق؛ لأنه أتى من فلان الفلاني الذي بينه وبينه عداوة شخصية، فهم لا يقبلون منه ما يقول حتى لو كان حقاً، ولو قال به آخر لقبلوا.

وفلان هذا بيننا وبينه مشاكل، واختلافات شخصية وصراعات، فلا نقبل ما يقول، وهذه بلية كبيرة، معناها أن القضية ليست اتباع الحق، فقد صارت القضية اتباع من يقول بالقول، لو قال به فلان الذي نرتاح له، ونحبه أخذنا بكلامه، لو قال به فلان الذي نخالفه ونكرهه فلن نأخذه.

يا أخي! الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الحق من الشيطان، لما جاء منه، والدليل على ذلك الحديث الذي في الصحيحين عن أبي هريرة ، في الشيطان الذي كان يأتي بصورة آدمي ويسرق من الحب، وأبو هريرة حارس، فأمسكه أبو هريرة في اليوم الأول والثاني وهو يعتذر إليه فيطلقه، وفي الثالث قبض عليه وهدده بأن يذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه آية الكرسي، ثم في الرواية يقول: فقلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قال: قال لي: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك الشيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب يـا أبا هريرة منذ ثلاث ليال؟ قلت: لا، قال: ذاك شيطان) فهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: آية الكرسي لا تنفع قبل النوم لأن الشيطان هو الذي قالها؟ وهو كذوب فأقره عليه السلام مع أنه أتى من الشيطان.

والآن أشياء كثيرة من الحق تأتي من أناس ليسوا بشياطين، ولكنها ترفض لعداوة شخصية، واختلافات مذهبية، واختلاف في الرأي، أو يرفض الكلام لأنه أتى من فلان.

اعتناق الرافضين للحق أفكاراً ضده

ومن أسباب رفض الحق: اعتناق الرافضين له أفكاراً ضد الحق، مثل الأفكار الإلحادية العقلانية ، الوجودية العلمانية، اعتناق هذه الأفكار بطبيعة الحال يصد عن الحق، والمعتنقين لهذه الأفكار يرفضون الحق.

في جاهلية الأمس كان الولاء للآباء والأجداد، وفي جاهلية اليوم صار الولاء لأصحاب المذاهب الفكرية الملاحدة، والشخصيات المسلطة عليها الأضواء ذات الأفكار المنحرفة.

وعامة مثقفي المسلمين ممن درسوا في بلاد الكفار، تبنوا أفكاراً ضد الحق، فرجعوا إلى بلادهم سماً زعافاً يحاربون الله ورسوله، ففي بعض المواقف تستغرب كيف يقفها هؤلاء الناس وكيف يعارضون الحق بجلاء ووضوح، وأذكر مثالاً: استغلت مناسبة من المناسبات في موعظة للنساء من وراء حجاب، وقبل الوليمة أو المناسبة حصلت الموعظة، وبعد الطعام قمت لأغسل يدي، فأخبرني واحد من الجالسين قال: لما قمت قال واحد من الحاضرين لشخص من الأشخاص: الحق، فإن الشيخ يكلم النساء عن الحجاب، قال لي: فقام ذلك الشخص مفزوعاً يجري وراءك، فلما رآك في المغاسل تغسل ارتاح ورجع إلى مكانه، ولكن المحذور قد وقع، فقد حصلت الموعظة، وما أخبر إلا بعد حصوله، فانظروا.. كيف قام الرجل يركض لئلا تسمع زوجته عن الحجاب، ويجري فزعاً قبل أ، أتكلم عن الحجاب، حتى لا تسمع المرأة الكلام في الحجاب!

انظر إلى العداء التي تولده تلك الأفكار المغروسة في كثير من هؤلاء المثقفين.

اعتقاد حيلولة الحق بينه وبين جاهه وعزه

ومن الأشياء التي تصد عن الحق: أن يعتقد الشخص أن الحق يحول بينه وبين جاهه وعزه، فيرفض الحق لأجل هذا، ومثاله: فقدان المنصب، أو فقدان الرآسة، كما وقع في حديث البخاري في كتاب بدأ الوحي، في حديث طويل نقتطف منه هذا المقطع حيث وصل خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، وتباحث مع صاحب له يوازيه في العلم، حتى تأكد أن هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فحاول إقناع قومه، فالمسألة أثرت في نفسه: فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له في حمص، ثم أمر بأبوابها فأغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم! هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟

فحاصوا حيصة حمر الوحش لشدة نفرتهم إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان -سواء إيمانه هو أو إيمانهم هم- قال: ردوهم إليَّ.

لأنه الآن يحاول فيهم، ولكن لما رأى أنهم قد نفروا وأنهم سينقلبون عليه الآن، وينتهي الملك ببساطة، وقد يقتلونه قال: ردوهم علي، وقال لهم الأسلوب الخبيث: إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت! فسجدوا له ورضوا عنه، وكان ذلك آخر شأن هرقل ، والحديث في البخاري.

فانظر إلى هذا الرجل كيف اقتنع بالحق، فحاول أن يقنع به الناس، فلما انقلبوا عليه خشي على ملكه، فقال: أنما كنت أريد أن أختبر شدتكم، وقد رأيت ما يسرني.

من الأمثلة كذلك في فقد الملك حين يحدث فيسبب لصاحبه الذي فقده عداوة للحق ما بقي من حياته: في صحيح مسلم ، في حديث عبد الله بن أبي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء يدعوه: لا تغبروا علينا، ثم قال: إن كان ما تقول حقاً فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، ثم قال عليه السلام لـ




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3611 استماع
التوسم والفراسة 3608 استماع
مجزرة بيت حانون 3530 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3496 استماع
اليهودية والإرهابي 3424 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3424 استماع
حتى يستجاب لك 3393 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3370 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3347 استماع
الزينة والجمال 3335 استماع