خطب ومحاضرات
حقها عليه
الحلقة مفرغة
من الأحداث الهامة والوقائع التاريخية التي تلت أحداث فتح مكة إسلام عباس بن مرداس في قصة عجيبة حدثت له مع صنم كان يعبده، ومن الأحداث أيضاً هدم خالد بن الوليد للعزى الذي كان من أهم الأصنام التي تعبد من دون الله في الجاهلية، كما أنه كان لغزوة هوازن صدى وأثر كبير وقوي؛ إذ القوة الإسلامية أصبحت كبيرة، والصوت الإسلامي أصبح يتردد في شرق الأرض وغربها، وحدثت أمور، وتلت وقائع كثيرة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
سنتحدث -يا أيها الإخوة- وما زلنا في الحقوق الزوجية، التي هي من الأمور الأساسية التي جاءت بها الشريعة في العلاقة بين الزوجين، وأن معرفة هذه الحقوق مما يدرأ المشكلات، ويجعل الحياة الزوجية حياة سعيدة, وأن كثيراً من أسباب الشقاء بين الزوجين يعود إلى الجهل بالحقوق الزوجية.
ولا شك أن هناك حقوقاً تعود إلى الزوجة، مثل:
المهر.
والنفقة.
والمعاشرة بالمعروف.
وعدم الإضرار بالزوجة.
والوطء وما يتعلق به.
وأن هناك حقوقاً للزوج، مثل:
طاعته.
وقرارها في بيته.
وألا تأذن لأحد بغير إذنه.
وأن تحفظ مال الزوج.
وأن تخدمه في بيته.
وله عليها حق التأديب إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
وقد تكلمنا في المرة الماضية عن مسألة واحدة فقط من حقوق الزوج وهي: طاعتها له، ونتكلم اليوم عن حق من حقوق الزوجة، لنعود بعد ذلك إلى حقوق الزوج مرة أخرى، ونجعل هناك مناوبة بين الحقين.
فمن حقوق الزوجة على زوجها: المعاشرة بالمعروف:
أما بالنسبة للمعاشرة بالمعروف، فإن من حقوق الزوجة على زوجها: معاشرته لها بالمعروف، قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] ولا بد أن نعرف ما معنى المعاشرة بالمعروف، وما هي مستلزمات هذه المعاشرة.
معنى المعاشرة والمعروف في الآية
المقصود بالمعاشرة: المخالطة، والمصاحبة، وينبغي أن تكون هذه المعاشرة بالمعروف.
فما هو المعروف، بعد أن عرفنا معنى المعاشرة؟
قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]: أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحبون ذلك منهن، فافعلوا أنتم بهن مثله.
وقال بعض المفسرين: النَّصَفَة في المبيت، والنفقة، والإجمال في القول.
وقال الجصاص رحمه الله في هذه الآية: أمر الله تعالى الأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف: أن يوفيها حقها من المهر، والنفقة، والقَسْم -أي: القسم بين الزوجات إذا كان له أكثر من زوجة- وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والتقطيب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك.
إذاً: فَسَّر قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]: أن يوفيها حقها من المهر، والنققة، إذا كان له أكثر من زوجة، وأن يترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض، والميل إلى غيرها، وأن يترك العبوس والتقطيب في وجهها بغير ذنب منها.
وقال القرطبي رحمه الله في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]: أي: عاشروهن على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، وذلك بتوفية حقها من المهر، والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول؛ لا فظاً، ولا غليظاً، ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها -لا يظهر الميل إلى غيرها- فأمر الله تعالى بحسن صحبة النساء، إذا عقدوا عليهن، لتكون أُدْمَة ما بينهم -أي: خلطة ما بينهم- وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش.
وقال الشيخ: محمد رشيد رضا رحمه الله في تفسير المنار في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]: أي: يجب عليكم -أيها المؤمنون- أن تحسنوا عشرة نسائكم بأن تكون مصاحبتكم ومخالطتكم لهن بالمعروف، الذي تعرفه وتألفه طباعهن، ولا يُسْتَنْكر شرعاً، ولا عرفاً، ولا مروءة، فالتضييق في النفقة، والإيذاء بالقول أو الفعل، وكثرة العبوس -عبوس الوجه وتقطيبه عند اللقاء- كل ذلك ينافي العشرة بالمعروف، والغرض أن يكون كل منهما مدعاة سرور الآخر، وسبب هنائه في معيشته.
وبالجملة: فإن قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] أن يجري مع زوجته بما جرى من عرف الناس، مما يعتبرونه من حسن المعاشرة، وتألُّف طباع النساء، وما يليق بكل زوجة بحسب حالها، بشرط ألا يُسْتَنْكَر ذلك شرعاً.
فإذاً مراعاة العرف -أيضاً- من الأشياء المهمة ما لم يخالف الشرع.
حكم المعاشرة بالمعروف والأدلة عليها
بل إن الأدلة متضافرة على وجوب المعاشرة بالمعروف، وتأكيد هذا الوجوب، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( استوصوا بالنساء خيراً ) رواه الإمام مسلم . وهذه الوصية من النبي عليه الصلاة والسلام، أن نستوصي بالنساء خيراً؛ لأنهن عَوان عندنا، وأسيرات، فلا بد من إحسان العشرة معهن، والمخالِف لذلك كثير، ولذلك إذا طغى الزوج، أو بغى، أو كان فظاً، أو غليظاً، أو سيئ المعاملة، أو نابي الألفاظ، أو مقصراً في النفقة، أو مقطباً في وجه زوجته، أو لا يكلمها، ولا يعطيها اهتماماً، ولا عطفاً، ولا حناناً، فإنه بالتالي يكون مخالفاً لهذه الآية، والمخالفة خطيرة، ولذلك ينبغي الرجوع إلى الكتاب والسنة.
وقد حث الإسلام على الالتزام بهذا الأمر، وجعل أكثر الرجال خيرية خيرهم لنسائهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم).
وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
فإذاً جعل الخيرية في طبقات الرجال مَن كان خيراً لأهله؛ لأنه إذا كان معاشراً بالمعروف لأقرب الناس إليه، ومن كانت خلطته دائماً معها وهي زوجته وهو معها بشر وحسن خلق وحسن معاشرة فمن باب أولى أن تكون علاقته مع الناس البعيدين حسنة، ومع الناس الذين يجدهم بين الفينة والفينة حسنة، ولذلك تجد القاعدة فعلاً مُطَّرِدَة، إذا كانت معاشرة الرجل مع زوجته حسنة، في الغالب تجد أن معاشرته مع جميع الناس حسنة.
ومما يؤكد وجوب المعاشرة بالمعروف للزوجة: التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى قال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
وماذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم مع نسائه؟
كان جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف معهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان إذا صلى العشاء، يدخل منزله يسمُر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، ولذلك كَرِه السمر بعد العشاء إلا مع الأهل أو الضيف وما شابه ذلك من الحاجة، ولذلك فإن مسامرة الرجل لأهله من السنة، وسَمَرُه مع زوجته من السنة.
ولعلنا نفرد فصلاً خاصاً لمعاشرة النبي عليه الصلاة والسلام وهديه في معاشرة زوجاته.
ما المقصود بالمعاشرة؟
المقصود بالمعاشرة: المخالطة، والمصاحبة، وينبغي أن تكون هذه المعاشرة بالمعروف.
فما هو المعروف، بعد أن عرفنا معنى المعاشرة؟
قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]: أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحبون ذلك منهن، فافعلوا أنتم بهن مثله.
وقال بعض المفسرين: النَّصَفَة في المبيت، والنفقة، والإجمال في القول.
وقال الجصاص رحمه الله في هذه الآية: أمر الله تعالى الأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف: أن يوفيها حقها من المهر، والنفقة، والقَسْم -أي: القسم بين الزوجات إذا كان له أكثر من زوجة- وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والتقطيب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك.
إذاً: فَسَّر قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]: أن يوفيها حقها من المهر، والنققة، إذا كان له أكثر من زوجة، وأن يترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض، والميل إلى غيرها، وأن يترك العبوس والتقطيب في وجهها بغير ذنب منها.
وقال القرطبي رحمه الله في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]: أي: عاشروهن على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، وذلك بتوفية حقها من المهر، والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول؛ لا فظاً، ولا غليظاً، ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها -لا يظهر الميل إلى غيرها- فأمر الله تعالى بحسن صحبة النساء، إذا عقدوا عليهن، لتكون أُدْمَة ما بينهم -أي: خلطة ما بينهم- وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش.
وقال الشيخ: محمد رشيد رضا رحمه الله في تفسير المنار في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]: أي: يجب عليكم -أيها المؤمنون- أن تحسنوا عشرة نسائكم بأن تكون مصاحبتكم ومخالطتكم لهن بالمعروف، الذي تعرفه وتألفه طباعهن، ولا يُسْتَنْكر شرعاً، ولا عرفاً، ولا مروءة، فالتضييق في النفقة، والإيذاء بالقول أو الفعل، وكثرة العبوس -عبوس الوجه وتقطيبه عند اللقاء- كل ذلك ينافي العشرة بالمعروف، والغرض أن يكون كل منهما مدعاة سرور الآخر، وسبب هنائه في معيشته.
وبالجملة: فإن قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] أن يجري مع زوجته بما جرى من عرف الناس، مما يعتبرونه من حسن المعاشرة، وتألُّف طباع النساء، وما يليق بكل زوجة بحسب حالها، بشرط ألا يُسْتَنْكَر ذلك شرعاً.
فإذاً مراعاة العرف -أيضاً- من الأشياء المهمة ما لم يخالف الشرع.
ومعاشرة الأزواج للزوجات بالمعروف واجب، ليس مستحباً فقط، وإنما هو واجب؛ لأن الله أمر به، فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب؛ إلا إذا قام الدليل على صرفه إلى الاستحباب، ولا صارف، هناك أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ولا يوجد صارف، إذاً ما حكم المعاشرة بالمعروف؟ واجب، إذا أخلَّ بها الزوج يأثم.
بل إن الأدلة متضافرة على وجوب المعاشرة بالمعروف، وتأكيد هذا الوجوب، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( استوصوا بالنساء خيراً ) رواه الإمام مسلم . وهذه الوصية من النبي عليه الصلاة والسلام، أن نستوصي بالنساء خيراً؛ لأنهن عَوان عندنا، وأسيرات، فلا بد من إحسان العشرة معهن، والمخالِف لذلك كثير، ولذلك إذا طغى الزوج، أو بغى، أو كان فظاً، أو غليظاً، أو سيئ المعاملة، أو نابي الألفاظ، أو مقصراً في النفقة، أو مقطباً في وجه زوجته، أو لا يكلمها، ولا يعطيها اهتماماً، ولا عطفاً، ولا حناناً، فإنه بالتالي يكون مخالفاً لهذه الآية، والمخالفة خطيرة، ولذلك ينبغي الرجوع إلى الكتاب والسنة.
وقد حث الإسلام على الالتزام بهذا الأمر، وجعل أكثر الرجال خيرية خيرهم لنسائهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم).
وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
فإذاً جعل الخيرية في طبقات الرجال مَن كان خيراً لأهله؛ لأنه إذا كان معاشراً بالمعروف لأقرب الناس إليه، ومن كانت خلطته دائماً معها وهي زوجته وهو معها بشر وحسن خلق وحسن معاشرة فمن باب أولى أن تكون علاقته مع الناس البعيدين حسنة، ومع الناس الذين يجدهم بين الفينة والفينة حسنة، ولذلك تجد القاعدة فعلاً مُطَّرِدَة، إذا كانت معاشرة الرجل مع زوجته حسنة، في الغالب تجد أن معاشرته مع جميع الناس حسنة.
ومما يؤكد وجوب المعاشرة بالمعروف للزوجة: التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى قال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
وماذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم مع نسائه؟
كان جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف معهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان إذا صلى العشاء، يدخل منزله يسمُر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، ولذلك كَرِه السمر بعد العشاء إلا مع الأهل أو الضيف وما شابه ذلك من الحاجة، ولذلك فإن مسامرة الرجل لأهله من السنة، وسَمَرُه مع زوجته من السنة.
ولعلنا نفرد فصلاً خاصاً لمعاشرة النبي عليه الصلاة والسلام وهديه في معاشرة زوجاته.
ومع أن الإسلام أمر الزوج بمعاشرة زوجته بالمعروف، وجعل ذلك واجباً عليه، فإن هناك أموراً تعين الزوج على القيام بالواجب، ومنها:
معرفة طبيعة المرأة
ولذلك إذا عرف طبيعة المرأة سهل عليه أن يعاشرها بحسب ما يحتاج الأمر، فمثلاً بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة خُلقت من ضِلَع أعوج، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: (إن المرأة خلقت من ضِلَع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها) .
فإذا عرف الرجل أن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج، آدم لما خلقه الله أخذ ضلعاً من أضلاع صدره، والضلع معروف، ضلع الصدر لا بد أن يكون معوَجَّاً محنياً من جهة رأسه، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح: (استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه) معنى ذلك: أن العوج موجود هنا أيضاً (إن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه).
فمعرفة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، يعني: أن الاعوجاج موجود في طبيعتها، ولذلك لا تستنكر إذا حصلت أشياء لا تستقيم عندك، لأنك تعرف طبيعة المرأة سلفاً، صحيحٌ أن هناك عاقلات من النساء أكثر من بعض الرجال، لا شك، وكَمُل من النساء أعداد، كَمُل من النساء أربع، وهناك غيرهن قريبات من الكمال، وبعض النساء أعقل من بعض الرجال، لكن الغالب أن كمال العقل عند الرجل أكثر، كَمُل من الرجال كثير.
والفساد يؤثر على الرجل، ربما يكون من شقائه: شربه للخمر، ومعاشرته، ومقارفة المنكرات، والكبائر، والفواحش، والأسفار، تكون المرأة هي العاقلة وهو الديوث، صاحب الفواحش الذي ليس فيه ولا يكاد يوجد فيه عقل، وتكون زوجته أعقل منه، وأربط للبيت منه، وأحفظ للبيت، ونحو ذلك؛ لكن الأصل أن الرجل هو الأعقل.
فالآن تأمل معي أن أصل الخِلْقة، لما خلقت المرأة من ضِلَع، والضِّلَع مُعْوَجٌّ من الأعلى، كان هذا الشيء الذي هو أصل الخِلْقة مؤثراً على النتيجة التي هي المرأة المخلوقة (وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته) الآن هذا الضِّلَع معوجٌّ، اخلع ضلعاً من ذبيحة، وحاول أن تقيم هذا الضلع من الأعلى وتجعله مستقيماً، إن جئت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجاً ( استوصوا بالنساء خيراً ) معناه: هذا شيء أصلي موجود، وإصلاحه الجذري يجب أن تستبعده.
ولكن لا شك أن الاعوجاج في النساء يختلف:
فمنهن عاقلة موفورة العقل.
ومنهن من لا يكاد يوجد فيها عقل.
ولذلك لما قال: ( استوصوا بالنساء خيراً ) أي: اقبلوا وصيتي فيهن، واعملوا بها، وارفقوا بهن، وأحسنوا عشرتهن، (فإن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج) فلا يُنْكر اعوجاجها، وليست مفاجأة يعني: إذا تصرفت تصرفاً طائشاً ليست مفاجأة؛ لأنك تعرف سلفاً طبيعة الخلقة.
أن الأصل في المرأة النقص وعدم الكمال
ولذلك قال في رواية الترمذي : (إن المرأة كالضِّلَع، إن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها على عوج).
وقد جاء في شرح الحديث: إن المرأة كالضِّلَع، يعني: أن النساء في خلقهن اعوجاج في الأصل، فلا يستطيع أحد أن يغيرهن عما جُبِلْن عليه، ولذلك ما معنى هذا؟
يجب على الزوج ألا يقسو عليها إذا صدر منها بعض التقصير في حقه، ولا يحمله تقصيرها على التقصير بواجب المعاشرة لها بالمعروف، فإن التقصير منها لا يقابَل بالتقصير منه، يجب أن يعرف الرجل أن زوجته ليست مثله في القوة والعقل والتحمل، وأنها إذا قصَّرت فإنه يعلم سلفاً أن تقصيرها بسبب أصل خلقتها، ولذلك لا يقابِل هو هذا التقصير بتقصير فتتسع الهوة، أو أنه يريد منها ألا تخطئ في شيء، فلذلك بعض الرجال إذا رأى شيئاً بسيطاً من التقصير، تأخر الغداء خمس دقائق، فوجئ أن الثوب غير مكوي، حصل أيُّ تقصير، زيادة الملح في الطعام، أقام الدنيا ولم يقعدها، فهذا النوع من الأزواج لا يفهم طبيعة المرأة أبداً، ما يعرف حديث: ( إن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج ) أبداً، ثم إن الخطأ البشري ممكن؛ لأن المرأة بشر، والرجل قد يخطئ في أشياء كثيرة في عمله، ربما ينسخ على ورقة ليست مما يُكتب فيه، ويأخذ نموذجاً غلطاً يعبئه، واستمارة ليست هي المطلوبة، الخطأ يقع من الرجل أيضاً في أشياء كثيرة، فليتوقع أنه إذا حصل خطأ من المرأة أنه يعفو ويسامح، ومن سامح فهو كريم.
اعوجاج المرأة لا يعني عدم تقييمها
فطبيعتها تستعصي على التقويم الكامل؛ لكنها لا تستعصي على التقويم إلى درجة مهمة، وليس من المتعذر تقويمها على نحو مهم وكبير بحيث يحسِّن من حالها، وخدمة زوجها، وطاعتها له، ونحو ذلك.
أن الرفق واللطف مطلوب في إصلاح الزوجة
وإذا لم تستقم الزوجة لزوجها، ولم تقم بحقوقه على النحو الذي هو يتمناه ويرجوه، وبقيت بقية من النشوز والاعوجاج، فعليه ألا يستغرب؛ لأن المسألة أصلية، ولا يحمله ذلك على كسرها وهو طلاقها، بل يتحملها ويحتسب تحملها عند الله، ويؤدي حق الله عليه فيها بحسن معاشرته لها، فهذا كَرَمُ الرجال ومروءة الأزواج، والرجل لا بد أن يكون عنده شهامة، ومروءة، وكرم.
تذكر حسنات الزوجة
وهذا الأصل وضحه عليه الصلاة والسلام بقوله في الحديث الصحيح: (لا يفْرِك مؤمنٌ مؤمنة -يعني: أي لا يكره- إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر، أو رضي منها غيره).
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: أي: ينبغي ألا يبغضها؛ لأنه إن وجد منها خُلُقاً يكرهه، وجد فيها خُلُقاً مرضياً يقبله، كأن تكون شرسة في الخُلُق لكنها ديِّنة -يعني: ذات دين جيد-. وربما يكون فيها تقصير في الخدمة، لكن فيها جمال وعفة، وربما يكون عندها شيء من عدم الفطنة؛ لكنها رفيقة ومتحببة.
إذاً: من الأشياء المهمة أن يتذكر الرجل حسنات زوجته؛ لأن تذكر الحسنات يطغى على السيئات، ويغطي التقصير، فلا يصح للزوج أن يركز نظره على الجانب الكريه من الزوجة، وينسى الجانب المضيء منها، لا يركز على الجانب المظلم، وينسى الجانب الطيب، عليه أن يستحضر حسناتها معه، وهو ينظر إلى سيئاتها معه أيضاً.
إن هذا الاستحضار المزدوج يمكن أن يُسْتَشَف من قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].
والله تعالى قال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1].
وقال: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [الأعراف:85].
فإذاً: العدل يقتضي ألا نغمض أعيننا نحن الأزواج عن حسنات المرأة إذا صدر منها أمر سيئ؛ لأننا إذا كرهنا منها خُلُقاً وجدنا منها خُلُقاً آخر مرضياً، وأن نعلم أنها امرأة غير معصومة من الخطأ، وأن الله عفو يحب من عباده أن يتشبهوا بما يجوز لهم التشبه فيه من صفاته، مثل: العفو، والكرم.
المخلوق عليه أن يقتبس من صفات الخالق التي يجوز له أن يقتبس منها لنفسه؛ ولذلك يكون الزوج عفواً كريماً.
وقال القرطبي رحمه الله: يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب.
أن الخير قد يكون في المرأة التي يكرهها
على الزوج أن يتذكر بأن الخير قد يكون في زوجته التي يكرهها، ويأتي عن طريقها، كأن يرزقه الله منها ولداً صالحاً تقر به عينه، وينتفع به المسلمون، فضلاً عن انتفاعه به هو في الدنيا، وانتفاعه به في الآخرة، كأن يكون ولداً صالحاً يدعو له، وربما ينفع الأب استغفار ولده له فترفع المنزلة في الجنة (فيقول: مِن أين لي هذا؟ فيقولون: باستغفار ولدك لك).
والآن هذه الآية يجب أن تؤخذ بتمامها: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].
إذاً: إذا كرهتم شيئاً، يمكن أن يكون فيه خير من وجه آخر.
ولذلك قال المفسرون فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ [النساء:19]: قال القرطبي : أي: لدمامة -إن كرهتموهن لقبح في الشكل، عدم وجود جمال- أي: لدمامة، أو سوء خلق، مِن غير ارتكاب فاحشة أو نشوز، فإذا ما وصلت المسألة إلى الفاحشة والنشوز فوجود شيء من الدمامة أو شيء من سوء الخلق يُنْدَب الزوج إلى تحمله؛ لأنه عسى أن يئول الأمر إلى أن يرزقه الله منها أولاداً صالحين، ويجعل الله منها خيراً كثيراً.
وقال ابن كثير رحمه الله في هذا الآية: أي: فعسى أن يكون في إمساكهن مع الكراهة فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة.
كما قال ابن عباس في هذه الآية: [هو أن يعطف عليها فيُرزَق منها ولداً أو يكون في ذلك الولد خير كثير].
وقال ابن العربي رحمه الله: المعنى: إن وجد الرجل في زوجته كراهيةً، وعنها رغبةً -يعني: رغب عنها، وليس فيها- ومنها نفرة، من غير فاحشة ولا نشوز، فليصبر على أذاها، وقلة إنصافها، فربما كان ذلك خيراً له.
وكذلك قال بعضهم: إنكم إن كرهتم صحبتهن فأمسكوهن بالمعروف، فعسى أن يكون في صحبتهن الخير الكثير، مثل ولد يحصل فتنقلب الكراهة محبة، والنفرة رغبة، أو حصول الثواب الجزيل من الله؛ لتحمُّلِه إياها، والإحسان إليها، مع كراهيته لها.
فإذاً: لاحظ أنهم قيدوا المسألة بما إذا لم يكن هناك فاحشة أو نشوز، إذا وجدت فاحشة فالمسألة انتهت، ليس هذا مما يُتَحَمَّل.
فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ [النساء:19] قال الشيخ: محمد رشيد رضا رحمه الله: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ [النساء:19] أي: لعيب في الخَلْق أو الخُلُق مما لا يعد ذنباً لهن، أو لتقصير في العمل الواجب عليهن في خدمة البيت والقيام بشئونه، مما لا يخلو عن مثله النساء -يعني: الخلق هذا أو الاعوجاج أو التقصير موجود عند عامة النساء، إذا كان شيئاً موجوداً عند عامة النساء اصبر عليه، فالذي عند غيرك مثل الذي عندك، والتقصير الذي تشعر به يعاني منه كثيرون، فإذاً: المسالة في حدود العموم الموجود المنتشر الذي لا يخلو منه بيت، ولا تخلو منه امرأة- فلا تعجل بالمضارة والمفارقة فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] ومن الخير الكثير، بل أهمه وأعلاه: الأولاد النجباء، فرب امرأة يملها زوجها، ويكرهها، ثم يجيئه منها ما تقر به عينه من الأولاد النجباء، فيعلو قدرها عنده، ومن الخير الكثير أن يصلح حالها بصبره وحسن معاشرته، فتكون من أعظم أسباب هنائه.
ولذلك بعض الناس يقول: أنا أول خمس سنوات من زواجي تعبت جداً، ولكن بعد ذلك ارتحت إلى الغاية، بسبب أنه صبر على اعوجاج الزوجة، ومن صبر ظفر.
والحاصل أن الدين يسر، والإسلام يوصِي المسلمين بحسن معاشرة في النساء والصبر عليهن إذا كرههن الأزواج، رجاء أن يكون فيهن خير كثير.
أن يعرف الرجل مركزه في البيت وقوامته
وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] أن يتذكر ذلك دائماً، ولا ينساه، أن له القوامة على زوجته، والرياسة على عموم العائلة، وأن أمره نافذ، وطاعته واجبة في غير معصية الله، وزوجته كالرعية بالنسبة إليه، وكالأسيرة بين يديه، والشأن في المسلم الذي يخاف الله، ويتذكر نعمه، وفضله عليه، أن جعله بمركز الراعي لزوجته، وهي كالأسيرة بين يديه، الشأن به أن يترفق بزوجته، ويحسن إليها، وألا يكون فظاً غليظاً معها.
ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]: [الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال والخُلُق] يعني: يتحامل الإنسان على نفسه.
فالمأمول والمرجو من الزوج المسلم أن ينأى بنفسه عن التعسف في استعمال سلطته الزوجية، وألا يسيء استعمال هذه السلطة ولا يستغل مركزه في البيت على نحو يضر بالزوجة، وليعلم أنه إذا ازداد تسامحاً مع زوجته وعفواً عندما يتكرر التقصير فإنه في هذه الحالة يصل إلى مبتغاه، من جهة أنه يجذبها إلى أن تتراجع عما هي متعنتة فيه عندما ترى عفوه ومسامحته.
ولا شك أن القوي يستحي من إظهار عضلاته على مخلوقة ضعيفة.
والرسول صلى الله عليه وسلم لَمَّا شبه المرأة بأنها عانية عند زوجها، أي: أسيرة، ومعنى أسيرة: أنها مغلوبة على أمرها، وأنه هو المتحكم فيها، فينبغي أن يحسن إلى الأسيرة الموجودة عنده، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم ) وعوان: جمع عانٍ، والعاني هو: الأسير، وقوله: (فكوا العاني) العاني هو: الأسير.
فالمعاشرة بالمعروف: واجب على الزوج نحو زوجته كما هي واجب عليها نحو زوجها، وهذا ما أكده الإسلام وحث عليه، ولذلك رخص الكذب لأحد الزوجين فيما يُسْتَجْلَب به المودة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (لا أعده كذباً، الرجل يصلح بين الناس، الرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها) ومعنى هذا: أن الإنسان لو قال لزوجته مثلاً: إن هذا أحسن طبخ رأيته وطعمته في حياتي، وإن هذا أفضل أكلة أكلتها، ونحو ذلك، وهذا الكلام فيه مبالغة؛ لكن الرجل يتوسع فيه من أجل تأليف قلب زوجته، ولو أنها قالت له: أنت أكرم رجل في الدنيا ممن رأيت أو ممن عرفت ونحو ذلك، ولو كان هناك أكرم منه ممن تعرفهم من أقربائها مثلاً، فإن هذا الكلام لتأليف قلب زوجها لا بأس به ولا حرج، ولا يُعتبر كذباً.
فالكذب من أجل إصلاح ما بين الزوجين، أو تأليف كل واحد منهم للآخر لا بأس به.
ذكر الزوجة بالخير والثناء عليها
وقد كان صلى الله عليه وسلم حسن العهد وفياً، وكان كثيراً ما يحسن إلى خديجة بعد وفاتها، رضي الله عنها، فقد أخرج البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما غِرْتُ على امرأة ما غِرْتُ على
وورد في البخاري في الأدب المفرد: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أُتِي بالشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة لـ
وأخرج الحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت عجوز إلى النبي صلى الله وعليه وسلم، فارتاع لها وخرج، فقال: كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خَرَجَت قلت: -يعني
فهذا من المعاشرة بالمعروف، والمعاشرة بالمعروف من الحقوق المشتركة.
فإننا قلنا: إن هناك حقوقاً على الزوج وحقوقاً على الزوجة، وهذا الحق وهو المعاشرة بالمعروف من الحقوق المشتركة، ولذلك فإن حسن المعاشرة مذكورة في الآية في قوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228] لاحظ بلاغة القرآن في بيان الحق المشترك: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228] فلكل من الزوجين حق المعاشرة بالمعروف على الآخر؛ ولكن يختلفان في المعروف في الحق في بعض المواضع.
ولذلك قال العلماء، ويسن لكل من الزوجين تحسين خُلُقه لصاحبه، والرفق به، واحتمال أذاه.
ولذلك جاءت الشريعة بالحرص على دوام حسن المعاشرة بين الزوجين، وأن تكون الروابط قوية ومتينة، وإزالة ما يكدر هذا الصفو، إذا حصل شقاق فهناك علاجات، لعلنا نذكر تفصيلها كما في قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً [النساء:35].
فهنا يتبين مسألة حق الزوجة على زوجها في المعاشرة بالمعروف.
وهناك أشياء أخرى تفصيلية سنذكرها في النفقة، والوطء، والمبيت، والعدل بين الزوجات، مما يجب على الزوج، وأشياء أخرى تفصيلية في القرار في البيت، والاستئذان، وحفظ المال، ونحو ذلك مما سنذكره في حقوق الزوج على زوجته.
والحمد لله رب العالمين.
أولاً: معرفته لطبيعة المرأة:
ولذلك إذا عرف طبيعة المرأة سهل عليه أن يعاشرها بحسب ما يحتاج الأمر، فمثلاً بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة خُلقت من ضِلَع أعوج، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: (إن المرأة خلقت من ضِلَع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها) .
فإذا عرف الرجل أن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج، آدم لما خلقه الله أخذ ضلعاً من أضلاع صدره، والضلع معروف، ضلع الصدر لا بد أن يكون معوَجَّاً محنياً من جهة رأسه، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح: (استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه) معنى ذلك: أن العوج موجود هنا أيضاً (إن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه).
فمعرفة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، يعني: أن الاعوجاج موجود في طبيعتها، ولذلك لا تستنكر إذا حصلت أشياء لا تستقيم عندك، لأنك تعرف طبيعة المرأة سلفاً، صحيحٌ أن هناك عاقلات من النساء أكثر من بعض الرجال، لا شك، وكَمُل من النساء أعداد، كَمُل من النساء أربع، وهناك غيرهن قريبات من الكمال، وبعض النساء أعقل من بعض الرجال، لكن الغالب أن كمال العقل عند الرجل أكثر، كَمُل من الرجال كثير.
والفساد يؤثر على الرجل، ربما يكون من شقائه: شربه للخمر، ومعاشرته، ومقارفة المنكرات، والكبائر، والفواحش، والأسفار، تكون المرأة هي العاقلة وهو الديوث، صاحب الفواحش الذي ليس فيه ولا يكاد يوجد فيه عقل، وتكون زوجته أعقل منه، وأربط للبيت منه، وأحفظ للبيت، ونحو ذلك؛ لكن الأصل أن الرجل هو الأعقل.
فالآن تأمل معي أن أصل الخِلْقة، لما خلقت المرأة من ضِلَع، والضِّلَع مُعْوَجٌّ من الأعلى، كان هذا الشيء الذي هو أصل الخِلْقة مؤثراً على النتيجة التي هي المرأة المخلوقة (وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته) الآن هذا الضِّلَع معوجٌّ، اخلع ضلعاً من ذبيحة، وحاول أن تقيم هذا الضلع من الأعلى وتجعله مستقيماً، إن جئت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجاً ( استوصوا بالنساء خيراً ) معناه: هذا شيء أصلي موجود، وإصلاحه الجذري يجب أن تستبعده.
ولكن لا شك أن الاعوجاج في النساء يختلف:
فمنهن عاقلة موفورة العقل.
ومنهن من لا يكاد يوجد فيها عقل.
ولذلك لما قال: ( استوصوا بالنساء خيراً ) أي: اقبلوا وصيتي فيهن، واعملوا بها، وارفقوا بهن، وأحسنوا عشرتهن، (فإن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج) فلا يُنْكر اعوجاجها، وليست مفاجأة يعني: إذا تصرفت تصرفاً طائشاً ليست مفاجأة؛ لأنك تعرف سلفاً طبيعة الخلقة.
كذلك المرأة إن أردت إقامتها على الجادة تامة مرضية لا تَعْوَجَّ أبداً، لا يمكن؛ لأنك إذا أردت أن تستقيم المرأة (100%) ما يمكن، إلا بكسرها، وكسرها طلاقها، ولذلك إذا أردتها سليمة (100%) فإنه لا بد أن يؤدي ذلك إلى الشقاق والفراق وهو كسرها؛ لأنه لا يمكن، ليس من وسعها واستعدادها أن تكون (100%) مستقيمة، وإن صبرتَ على سوء حالها، وعدم قيامها بحق زوجها دام الأمر لك، ما دمتَ متوقعاً سلفاً، ومستعداً لما يصدر، ودام استمتاعك بها، وحصل بها الإعفاف وطلب الذرية الصالحة.
ولذلك قال في رواية الترمذي : (إن المرأة كالضِّلَع، إن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها على عوج).
وقد جاء في شرح الحديث: إن المرأة كالضِّلَع، يعني: أن النساء في خلقهن اعوجاج في الأصل، فلا يستطيع أحد أن يغيرهن عما جُبِلْن عليه، ولذلك ما معنى هذا؟
يجب على الزوج ألا يقسو عليها إذا صدر منها بعض التقصير في حقه، ولا يحمله تقصيرها على التقصير بواجب المعاشرة لها بالمعروف، فإن التقصير منها لا يقابَل بالتقصير منه، يجب أن يعرف الرجل أن زوجته ليست مثله في القوة والعقل والتحمل، وأنها إذا قصَّرت فإنه يعلم سلفاً أن تقصيرها بسبب أصل خلقتها، ولذلك لا يقابِل هو هذا التقصير بتقصير فتتسع الهوة، أو أنه يريد منها ألا تخطئ في شيء، فلذلك بعض الرجال إذا رأى شيئاً بسيطاً من التقصير، تأخر الغداء خمس دقائق، فوجئ أن الثوب غير مكوي، حصل أيُّ تقصير، زيادة الملح في الطعام، أقام الدنيا ولم يقعدها، فهذا النوع من الأزواج لا يفهم طبيعة المرأة أبداً، ما يعرف حديث: ( إن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج ) أبداً، ثم إن الخطأ البشري ممكن؛ لأن المرأة بشر، والرجل قد يخطئ في أشياء كثيرة في عمله، ربما ينسخ على ورقة ليست مما يُكتب فيه، ويأخذ نموذجاً غلطاً يعبئه، واستمارة ليست هي المطلوبة، الخطأ يقع من الرجل أيضاً في أشياء كثيرة، فليتوقع أنه إذا حصل خطأ من المرأة أنه يعفو ويسامح، ومن سامح فهو كريم.
وكذلك فإن اعوجاج المرأة على النحو الذي بيَّنه الحديث لا يعني أن الزوج ما يقوم شيئاً في المرأة، هذه مسألة مهمة، ليس معنى الحديث تيئيس الرجل من تقويم زوجته، لا، لكن معنى الحديث: أن الرجل لو حاول كثيراً جداً، ثم لم تأتِ النتيجة على ما يريد، أنه لا يُحْبَط؛ لأن المسألة فيها طاقة وقدرة إلى هذا الحد، وأن هناك شيئاً جِبِلِّياً في الموضوع، وشيئاً خَلْقياً في الموضوع، وشيئاً فِطْرياً وغريزياً في القضية، وشيئاً أصلياً؛ ولكن لا يعني أن هناك أشياء لا تتحسن، بل إن هناك أشياء كثيرة تتحسن، لكن المقصود أنك لن تصل إلى الكمال؛ لكن يمكن أن تكون المرأة عندها اعوجاج كبير فيخف بالمتابعة، والمعاهدة، والتربية، والتعليم، والتوجيه، والملازمة، والتقويم، تتغير أشياء كثيرة في المرأة، ودلالة الحديث على ما في المرأة من الاعوجاج يعني: فقط أن الوصول إلى الكمال التام غير ممكن؛ لكن لا يعني أن التحسن غير ممكن، وهذا أمر يجب أن يفهم .
فطبيعتها تستعصي على التقويم الكامل؛ لكنها لا تستعصي على التقويم إلى درجة مهمة، وليس من المتعذر تقويمها على نحو مهم وكبير بحيث يحسِّن من حالها، وخدمة زوجها، وطاعتها له، ونحو ذلك.
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اقتضاء العلم العمل | 3615 استماع |
التوسم والفراسة | 3614 استماع |
مجزرة بيت حانون | 3544 استماع |
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] | 3500 استماع |
اليهودية والإرهابي | 3429 استماع |
إن أكرمكم عند الله أتقاكم | 3429 استماع |
حتى يستجاب لك | 3396 استماع |
المحفزات إلى عمل الخيرات | 3376 استماع |
ازدد فقهاً بفروض الشريعة | 3350 استماع |
الزينة والجمال | 3340 استماع |