حاملة الأمانة


الحلقة مفرغة

كان النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الجود والكرم، فكان كما يصفه أصحابه أجود الناس، وكان في رمضان كالريح المرسلة، حين يأتيه جبريل يدارسه القرآن، وكان أحلم الناس صلى الله عليه وسلم ولا يزيده الجهل عليه إلا حلماً، ولم يعامل أحداً على إساءته إلا بالإحسان.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيتها النساء الحاضرات: أيتها الفتيات المستمعات! السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فهذه فرصة أخرى من الفرص الطيبة التي نلتقي فيها من وراء حجاب كما أمر الله سبحانه وتعالى، في هذا المبنى وفي هذه الكلية، أسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا شقياً ولا محروماً.

أيتها الفتيات المسلمات: أيتها النساء! موضوعنا في هذا اليوم بعنوان: حاملة الأمانة، وهو موضوع خطير وحساس؛ لأنه ينبع من الأمانة التي خلقنا الله سبحانه وتعالى لأدائها، قال الله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] هذه الأمانة التي أشفقت السماوات باتساعها والأرض بامتدادها والجبال بشموخها وثقلها أشفقن من حملها، وحملها الإنسان. والإنسان فيه ظلم وجهل، ولذلك كان حمله لهذه الأمانة يحتاج إلى إعانة من الله وتعليم وعون من الله ليقوم بهذه الأمانة: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].

فيجب عليك -أيتها المسلمة- أداء الأمانة التي كلفت بها إلى أهلها، وأنت تعلمين أن من أشراط الساعة تضييع الأمانة كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة).

ما هي الأمانات المرتبطة بك أيتها المرأة المسلمة؟

إن هذه الأمانات متعددة، فمنها: أمانة الجوارح، وأمانة العبادة، وأمانة العلم، وأمانة الزوج، وأمانة الأولاد، وأمانة المال، وأمانة الدعوة، وأمانة المشاعر والأحاسيس. هذه بعض أنواع الأمانة المناطة بك والتي أنت مكلفة بالقيام بها وإعطائها حقها.

إذاً -أنت أيتها المسلمة- تحملين أموراً ثقيلة، وأنت مكلفة بأداء مهمات صعبة، فاسألي الله العون والثبات لتحمل هذه الأمانة وأداء هذه المسئولية، والله قد وعدكِ بأنه سيعينك ويثيبك ويجزيك الجزاء الأوفى إذا كنت قمتِ بهذه الأمانات وتحملت التبعة: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء:124].. مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].. مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر:40] فالله قد وعدكِ أنه سيعطيك ويضاعف لك ويكون معك؛ إذا أنتِ آمنتِ وإذا حييتِ الحياة الطيبة وقمتِ بأداء الأمانة إلى أهلها وحملتِ هذه الأمانة فأعطيتها حقها، والويل كل الويل لمن تضيع أو تقصر في حمل هذه الأمانة بأنواعها.

فلنأت أيتها المسلمات على بعض أنواع الأمانة، ولنذكر -يا حاملة الأمانة- لكِ شيئاً من هذه الأمانات علَّ الله تعالى أن يبصر بها، وأن يذكر المقصرات وأن يدفع المخلصات ويعينهن على حمل هذه الأمانات.

أولاً: أمانة الجوارح: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36] فأنتِ محاسبة -أيتها المسلمة- على هذه الأعضاء والجوارح، أنتِ محاسبة على اللسان والسمع والبصر والتذوق والشم واللمس واليد والرجل وسائر الحواس والأعضاء والجوارح. فأنت أُعطيتِ هذه لتعبدي الله بها، فهذه أمانة ينبغي القيام بحقها، هذه الجوارح وسائل ينبغي أن توجه وتستعمل في طاعة الله سبحانه وتعالى.

أمانة اللسان

اللسان يستعمل في طاعة الله: تلاوة القرآن.. الأذكار الشرعية.. أذكار الصلاة من التكبير والتسبيح والتشهد والدعاء.. أذكار الصباح والمساء.. أذكار النوم.. الاستيقاظ.. العطاس.. السلام.. دخول الخلاء.. كفارة المجلس.. الاستخارة، الأذكار كلها بأنواعها، هذه من عبودية اللسان.. استخدام اللسان في السلام، إلقاء ورداً.. والأمر بالمعروف باللسان.. والنهي عن المنكر باللسان.. تعليم الجاهل.. أداء الشهادة.. الصدق في الحديث.. مذاكرة العلم.

وينبغي أن تكفي اللسان عن استعماله فيما حرم الله، كالنطق بالكفر والاستهزاء بالدين، ككثير من هذه النكت أو الطرائف الموجودة التي فيها استهزاء بالجنة أو النار، أو يوم المحشر والحساب والجزاء، أو صفات الله سبحانه وتعالى، أو النبي صلى الله عليه وسلم، أو صحابته، أو شيء من شعائر الدين والعبادات، وأن تكفي اللسان عن النطق بالبدع المخرجة عن الملة وغير المخرجة عن الملة، البدع التي هي شر ما عمل العباد، وتحسينها وتقويتها، فعليك الكف عن ذلك كله، والكف عن الدعوة إليها واتباع السنة، الكف عن القذف، كاتهام بريئة بأنها زانية، أو سارقة، أو أنها بنت حرام، أو سب وشتم ولعن، وما أكثر اللعن في أوساط النساء، عدي هذه الصفة الذميمة -اللعن- كما قال صلى الله عليه وسلم: من أسباب دخول النساء النار: (يكثرن اللعن) الكذب وشهادة الزور والقول على الله بلا علم، ما أكثر اللاتي يفتين بغير علم وينقلن فتوى لا أساس لها، ما أكثر اللاتي يعطين الآراء المجردة عن الأدلة، يعطين الأدلة من عقولهن القاصرة مجردة عن العلم، فيقلن على الله بلا علم، ما أخطر القول على الله بلا علم! وما أعظمه! وما أشد إثمه! وما أكثر المتساهلات بالإفتاء! أو الكلام بأحكام الدين بغير دليل ولا بصيرة ولا نقل لأقوال أهل العلم، ظناً وتخرصاً، أو تقول: هكذا هو بالعقل.

هذه الآفات من آفات اللسان خيانة للأمانة، أكثر ما يكب الناس في النار على وجوههم -يا فتاة الإسلام- هو حصائد ألسنتهم، كم أودى اللسان بمسكينات إلى النار، وكم أدخلهن جهنم من أبواب عدة، هذه المكالمات الهاتفية المحرمة مع الرجال الأجانب تجري في النهار والليل معصية لرب العالمين، خيانة للأمانة، استخدام اللسان فيما حرم الله، كلمات فاحشة، أنواع من الخنا والفجور يقال بالهاتف يتكلم بها مع من حرم الله الكلام معه، وبطريقة حرم الله الكلام بها هذه الخيانة من نماذج الخيانة للأمانة.

أمانة النظر

ثم أعطاك الله نظراً وبصراً، فكيف تقومين بأداء الأمانة والوفاء بحقها؟ النظر في المصحف عبادة.. قراءة القرآن ومتابعة هذه الأحرف والكلمات بالبصر والنظر في كتب أهل العلم لزيادة الإيمان ومعرفة الأحكام.. النظر في السلع والأغذية لتمييز الحلال من الحرام، فهذا فيه صورة ذات روح لا يؤخذ، وهذا فيه صليب لا يؤخذ، وهذا فيه أشياء من الأمور المحرمة والدهون المحرمة فلا يؤخذ ولا يشترى، النظر في أمانات الناس لردها إليهم، وتمييز بعضها عن بعض هذه أمانة: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] النظر في آيات الله في المصاحف أو النظر في آيات الله المنثورة في الكون والآفاق، في الجبال والشجر والمياه والأمطار والنجوم والسماء وغيرها من الشواهد الدالة على وحدانية الله.

إن من الخيانة لجارحة العين، والإخلال بحقها استعمالها في معصية الله من أنواع النظر المحرم، كالنظر إلى صور الرجال بالفتنة والشهوة، والنظر إلى العورات -حتى عورات النساء- بأنواعها سواء العورات من وراء الثياب أو عورات من وراء الأبواب، والنظر إلى الأفلام والمسلسلات، وما أكثر اللاتي يخن الأمانة بالنظر إلى ما حرم الله من هذه الأفلام، التي تعلم الفحش وتعلم إقامة العلاقات المحرمة، والتي تنزع الحياء نزعاً من نفس المرأة المسلمة، والنظر إلى المجلات التي تلقي الشبه في الدين والعقيدة، المجلات التي تجرئ الفتاة المسلمة على الخروج وقول: لا، لتعاليم الشريعة، المجلات التي تجرئ الفتاة على إقامة العلاقات مع الجنس الآخر دون حياء ودون حواجز شرعية.

أمانة السمع

أعطاك الله سمعاً، وأراد الله منك أن تستخدمي السمع فيما يحب، فمن القيام بالأمانة الإنصات بهذا السمع إلى ما يحبه الله ورسوله، استماع الإسلام وفروض الإيمان وقراءة الإمام في الصلاة الجهرية، واستماع العلم والفتاوى وذكر الله سبحانه وتعالى، والمواعظ، واستماع ما يحمي القلوب.

وتجنب السماع المحرم، كاستماع الكفر والبدع إلا لمن يرد عليها، والتجسس على خلق الله، والتي تستمع إلى حديث امرأة وهي كارهة لاستماعها يصب في أذنها الآنك -الرصاص المذاب- يوم القيامة.. استماع أصوات المغنين والمغنيات، بل حتى المنشدات التي يفتن النساء بأصواتهن حرام لا يجوز.. استماع المعازف وآلات اللهو والطرب، وما أكثر النساء اللاتي لا يبالين بسماع صوت وتر أو عود أو آلة موسيقية أو فرقة بأكملها.. قرآن الشيطان يصب في آذان المسلمات صباً تقبل عليه اللاتي لا يرجين الله ولا الدار الآخرة.. استماع الغيبة والنميمة والفحش، ثم استماع الصوت الفاجر عبر جهاز الهاتف في هذه الاتصالات المحرمة، هذا الاستعمال خيانة للسمع، وستحاسب هذه الفتاة على انتهاك حدود الله بهذا السماع المحرم.

أمانة الذوق

حاسة التذوق نعمة من الله، تذوق الحلال وأكل الطعام لكي تحافظ على حياتها.. تذوق الدواء للعلاج.. تذوق الزوجة طعام الزوج أو طعام ضيوفه.. ومؤاكلة المرأة المسلمة لضيفتها وأكلها من طعام الوليمة -وبعض أهل العلم يرى وجوبه- كما إن إجابة الوليمة واجبة إذا كانت خالية من المنكرات.

وأما التذوق المحرم فأنواع لا تعد ولا تحصى، كتذوق الخمور والمخدرات والسموم والتدخين، أو الأكل والشرب حال الصيام دون عذر شرعي، وتذوق الأمور المشتبهة، كالأكل من بيوت الذين كسبهم من الحرام كموظفي البنوك الربوية، والأكل فوق الحاجة والتخمة، وتذوق طعام الفجأة -أو الفجاءة- وهي المرأة المتطفلة على القوم التي تأتي بغير دعوة، أو تدخل على امرأة أخرى في بيتها دون أذن، فتذوقك لطعام من يطعمك حياء منك من غير طيب نفس لا يجوز، ومن أنواع التذوق أيضاً المنهي عنه: أكل طعام المرائين في الولائم والدعوات، الذين يعقدون الولائم والحفلات رياء ومفاخرة، فلا تتذوقي طعامهم.

أمانة الشم

أعطاك الله حاسة الشم، تميزين بها بين الطيب والخبيث، والنافع والضار، وتشمين الروائح الطيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الطيب ولا يرد الريحان.

ثم طالبك الشارع بأن تمتنعي عن شم المحرمات وشم ما يحرم شمه في حالة معينة، كشم الطيب في الإحرام، أو شم الطيب المغصوب والمسلوب واستعماله، أو شم طيب الرجل الأجنبي والافتتان به، أو شم طيب الظلمة والتبخر ببخور أصحاب المحرمات.

أمانة اللمس

أعطاك الله حاسة اللمس تمسين بها ما يجب مسه ويستحب مسه، كمس الأرض في السجود، ومس الحجر الأسود والركن اليماني في الطواف، ومس المصحف عند القراءة فيه وتقليب صفحاته، وكتب العلم، ومس ما تميزين به بين الحلال والحرام والطيب والخبيث، ومس الزوج بالحلال، ومس الأطفال بالحنان، ومصافحة الأخت المسلمة، وتقبيل الأبوين، ومصافحة المحارم بلا فتنة، ومس أجهزة التسجيل المفيدة لسماع مفيد.

وحرم الله عليك لمس أمور ومحرمات كمس جسد الأجنبي ولو من وراء حائل كمصافحة الأجنبي مثلاً، ويحرم عليك لمس كل ما لا يجوز النظر إليه ولو عورة المرأة، فلا يجوز مس عورة امرأة بغير ضرورة شرعية، لا بحائل ولا من وراء حائل، وكذلك مس الزوج في الصيام مساً يؤدي إلى إفساد الصيام، أو مس الزوج بشهوة في الإحرام وقبل طواف الإفاضة، ومس الأمور الضارة، ومس صفحات المجلات وأزرار مذياع الموسيقى وفديو الأفلام الخليعة، ومس سماعة الهاتف بالإثم والعدوان.

أمانة اليد

وأعطاك الله يداً -يا فتاة الإسلام- أمانة من الأمانات، ماذا تفعلين بها؟ وكيف تقومين بأداء الأمانة بها؟ إعانة المسكينة.. إغاثة الملهوفة.. مساعدة الضعيفة.. رمي الجمار.. استلام الركن اليماني والحجر الأسود.. الوضوء وغسل الأعضاء، والتيمم عند عدم الوضوء وبالعذر الشرعي.. تكسير أدوات المنكر وإتلافها.. استعمال أنامل اليدين لكتابة ما فيه دفاع عن الدين ومصلحة للإسلام والدعوة إلى الله.. تعينين صانعة أو تصنعين لمرأة خرقاء لا تحسن أن تصنع، وإفراغك من دلوك في دلو أختك لك صدقة.

وحرم الله استخدام اليد، فمن خيانة اليد قتل النفس التي حرم الله، وضرب من لا يحل ضربه، ولعب الألعاب المحرمة، مثل ما كان فيه نرد، أو ورق اللعب المعروف، وكتابة الكفر والإلحاد، وقد سمعنا عن بعض النساء اللاتي يكتبن المقالات ويدبجنها وفيها خروج عن ملة الإسلام، وتشكيك في أهل الدين واتباع لمنهج أهل الكفر والعلمنة، ويكتبن المقالات لدعم تيار العلمنة والفسق في المجتمع، وتيار البدع والحداثة: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] كذلك كتابة الزور والظلم والافتراء، وعمل السحر باليد ووضعه في البيت أو في الطعام.. كتابة خطابات الحب والغرام والفسق، يوم تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء.. إمساك سماعة الهاتف لسماع الكلام المحرم، يوم تنادي عليهم جوارحهم بالويل والثبور يوم القيامة: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182] فهل تريدين أن تشهد عليك يداك بالخير أو بالشر يوم القيامة؟ يوم يتبرأ الإنسان من هذه الحواس التي استخدمها في المعصية، وتقول المرأة لحواسها: تباً لكن فعنكن كنت أناضل، يوم يختم على فيها فتشهد عليها رجلها ويدها وعينها وسمعها ولسانها بما عملت: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:25].

أمانة الرجل

أعطاك الله الرجل فكيف تقومين بأداء الأمانة فيها؟ المشي إلى الصلاة.. الطواف بالبيت والسعي بين الصفاء والمروة.. السعي لطلب العلم.. المشي لحضور الحلقات والمواعظ.. المشي لإجابة الدعوة.. المشي لصلة الرحم وزيارة أخت في الله.

وتخان أمانة الرجل عندما يمشى بها إلى المعاصي، وكل ماشٍ في معصية الله فهو من جند إبليس.. موعد محرم لحفلة بدعية، كعيد ميلاد أو مولد أو حفلة محرمات، زفاف موسيقى وتصوير، ومناسبة اختلاط وحضور مجالس غيبة.

فهذه أمانة الجوارح وشيء منها، فهل ستقوم المرأة المسلمة بالوفاء بهذه الأمانة واستخدام هذه الجوارح فيما يرضي الله أم أنها ستندم ندماً يوم القيامة؟

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:19-24].

اللسان يستعمل في طاعة الله: تلاوة القرآن.. الأذكار الشرعية.. أذكار الصلاة من التكبير والتسبيح والتشهد والدعاء.. أذكار الصباح والمساء.. أذكار النوم.. الاستيقاظ.. العطاس.. السلام.. دخول الخلاء.. كفارة المجلس.. الاستخارة، الأذكار كلها بأنواعها، هذه من عبودية اللسان.. استخدام اللسان في السلام، إلقاء ورداً.. والأمر بالمعروف باللسان.. والنهي عن المنكر باللسان.. تعليم الجاهل.. أداء الشهادة.. الصدق في الحديث.. مذاكرة العلم.

وينبغي أن تكفي اللسان عن استعماله فيما حرم الله، كالنطق بالكفر والاستهزاء بالدين، ككثير من هذه النكت أو الطرائف الموجودة التي فيها استهزاء بالجنة أو النار، أو يوم المحشر والحساب والجزاء، أو صفات الله سبحانه وتعالى، أو النبي صلى الله عليه وسلم، أو صحابته، أو شيء من شعائر الدين والعبادات، وأن تكفي اللسان عن النطق بالبدع المخرجة عن الملة وغير المخرجة عن الملة، البدع التي هي شر ما عمل العباد، وتحسينها وتقويتها، فعليك الكف عن ذلك كله، والكف عن الدعوة إليها واتباع السنة، الكف عن القذف، كاتهام بريئة بأنها زانية، أو سارقة، أو أنها بنت حرام، أو سب وشتم ولعن، وما أكثر اللعن في أوساط النساء، عدي هذه الصفة الذميمة -اللعن- كما قال صلى الله عليه وسلم: من أسباب دخول النساء النار: (يكثرن اللعن) الكذب وشهادة الزور والقول على الله بلا علم، ما أكثر اللاتي يفتين بغير علم وينقلن فتوى لا أساس لها، ما أكثر اللاتي يعطين الآراء المجردة عن الأدلة، يعطين الأدلة من عقولهن القاصرة مجردة عن العلم، فيقلن على الله بلا علم، ما أخطر القول على الله بلا علم! وما أعظمه! وما أشد إثمه! وما أكثر المتساهلات بالإفتاء! أو الكلام بأحكام الدين بغير دليل ولا بصيرة ولا نقل لأقوال أهل العلم، ظناً وتخرصاً، أو تقول: هكذا هو بالعقل.

هذه الآفات من آفات اللسان خيانة للأمانة، أكثر ما يكب الناس في النار على وجوههم -يا فتاة الإسلام- هو حصائد ألسنتهم، كم أودى اللسان بمسكينات إلى النار، وكم أدخلهن جهنم من أبواب عدة، هذه المكالمات الهاتفية المحرمة مع الرجال الأجانب تجري في النهار والليل معصية لرب العالمين، خيانة للأمانة، استخدام اللسان فيما حرم الله، كلمات فاحشة، أنواع من الخنا والفجور يقال بالهاتف يتكلم بها مع من حرم الله الكلام معه، وبطريقة حرم الله الكلام بها هذه الخيانة من نماذج الخيانة للأمانة.

ثم أعطاك الله نظراً وبصراً، فكيف تقومين بأداء الأمانة والوفاء بحقها؟ النظر في المصحف عبادة.. قراءة القرآن ومتابعة هذه الأحرف والكلمات بالبصر والنظر في كتب أهل العلم لزيادة الإيمان ومعرفة الأحكام.. النظر في السلع والأغذية لتمييز الحلال من الحرام، فهذا فيه صورة ذات روح لا يؤخذ، وهذا فيه صليب لا يؤخذ، وهذا فيه أشياء من الأمور المحرمة والدهون المحرمة فلا يؤخذ ولا يشترى، النظر في أمانات الناس لردها إليهم، وتمييز بعضها عن بعض هذه أمانة: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] النظر في آيات الله في المصاحف أو النظر في آيات الله المنثورة في الكون والآفاق، في الجبال والشجر والمياه والأمطار والنجوم والسماء وغيرها من الشواهد الدالة على وحدانية الله.

إن من الخيانة لجارحة العين، والإخلال بحقها استعمالها في معصية الله من أنواع النظر المحرم، كالنظر إلى صور الرجال بالفتنة والشهوة، والنظر إلى العورات -حتى عورات النساء- بأنواعها سواء العورات من وراء الثياب أو عورات من وراء الأبواب، والنظر إلى الأفلام والمسلسلات، وما أكثر اللاتي يخن الأمانة بالنظر إلى ما حرم الله من هذه الأفلام، التي تعلم الفحش وتعلم إقامة العلاقات المحرمة، والتي تنزع الحياء نزعاً من نفس المرأة المسلمة، والنظر إلى المجلات التي تلقي الشبه في الدين والعقيدة، المجلات التي تجرئ الفتاة المسلمة على الخروج وقول: لا، لتعاليم الشريعة، المجلات التي تجرئ الفتاة على إقامة العلاقات مع الجنس الآخر دون حياء ودون حواجز شرعية.

أعطاك الله سمعاً، وأراد الله منك أن تستخدمي السمع فيما يحب، فمن القيام بالأمانة الإنصات بهذا السمع إلى ما يحبه الله ورسوله، استماع الإسلام وفروض الإيمان وقراءة الإمام في الصلاة الجهرية، واستماع العلم والفتاوى وذكر الله سبحانه وتعالى، والمواعظ، واستماع ما يحمي القلوب.

وتجنب السماع المحرم، كاستماع الكفر والبدع إلا لمن يرد عليها، والتجسس على خلق الله، والتي تستمع إلى حديث امرأة وهي كارهة لاستماعها يصب في أذنها الآنك -الرصاص المذاب- يوم القيامة.. استماع أصوات المغنين والمغنيات، بل حتى المنشدات التي يفتن النساء بأصواتهن حرام لا يجوز.. استماع المعازف وآلات اللهو والطرب، وما أكثر النساء اللاتي لا يبالين بسماع صوت وتر أو عود أو آلة موسيقية أو فرقة بأكملها.. قرآن الشيطان يصب في آذان المسلمات صباً تقبل عليه اللاتي لا يرجين الله ولا الدار الآخرة.. استماع الغيبة والنميمة والفحش، ثم استماع الصوت الفاجر عبر جهاز الهاتف في هذه الاتصالات المحرمة، هذا الاستعمال خيانة للسمع، وستحاسب هذه الفتاة على انتهاك حدود الله بهذا السماع المحرم.

حاسة التذوق نعمة من الله، تذوق الحلال وأكل الطعام لكي تحافظ على حياتها.. تذوق الدواء للعلاج.. تذوق الزوجة طعام الزوج أو طعام ضيوفه.. ومؤاكلة المرأة المسلمة لضيفتها وأكلها من طعام الوليمة -وبعض أهل العلم يرى وجوبه- كما إن إجابة الوليمة واجبة إذا كانت خالية من المنكرات.

وأما التذوق المحرم فأنواع لا تعد ولا تحصى، كتذوق الخمور والمخدرات والسموم والتدخين، أو الأكل والشرب حال الصيام دون عذر شرعي، وتذوق الأمور المشتبهة، كالأكل من بيوت الذين كسبهم من الحرام كموظفي البنوك الربوية، والأكل فوق الحاجة والتخمة، وتذوق طعام الفجأة -أو الفجاءة- وهي المرأة المتطفلة على القوم التي تأتي بغير دعوة، أو تدخل على امرأة أخرى في بيتها دون أذن، فتذوقك لطعام من يطعمك حياء منك من غير طيب نفس لا يجوز، ومن أنواع التذوق أيضاً المنهي عنه: أكل طعام المرائين في الولائم والدعوات، الذين يعقدون الولائم والحفلات رياء ومفاخرة، فلا تتذوقي طعامهم.

أعطاك الله حاسة الشم، تميزين بها بين الطيب والخبيث، والنافع والضار، وتشمين الروائح الطيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الطيب ولا يرد الريحان.

ثم طالبك الشارع بأن تمتنعي عن شم المحرمات وشم ما يحرم شمه في حالة معينة، كشم الطيب في الإحرام، أو شم الطيب المغصوب والمسلوب واستعماله، أو شم طيب الرجل الأجنبي والافتتان به، أو شم طيب الظلمة والتبخر ببخور أصحاب المحرمات.

أعطاك الله حاسة اللمس تمسين بها ما يجب مسه ويستحب مسه، كمس الأرض في السجود، ومس الحجر الأسود والركن اليماني في الطواف، ومس المصحف عند القراءة فيه وتقليب صفحاته، وكتب العلم، ومس ما تميزين به بين الحلال والحرام والطيب والخبيث، ومس الزوج بالحلال، ومس الأطفال بالحنان، ومصافحة الأخت المسلمة، وتقبيل الأبوين، ومصافحة المحارم بلا فتنة، ومس أجهزة التسجيل المفيدة لسماع مفيد.

وحرم الله عليك لمس أمور ومحرمات كمس جسد الأجنبي ولو من وراء حائل كمصافحة الأجنبي مثلاً، ويحرم عليك لمس كل ما لا يجوز النظر إليه ولو عورة المرأة، فلا يجوز مس عورة امرأة بغير ضرورة شرعية، لا بحائل ولا من وراء حائل، وكذلك مس الزوج في الصيام مساً يؤدي إلى إفساد الصيام، أو مس الزوج بشهوة في الإحرام وقبل طواف الإفاضة، ومس الأمور الضارة، ومس صفحات المجلات وأزرار مذياع الموسيقى وفديو الأفلام الخليعة، ومس سماعة الهاتف بالإثم والعدوان.

وأعطاك الله يداً -يا فتاة الإسلام- أمانة من الأمانات، ماذا تفعلين بها؟ وكيف تقومين بأداء الأمانة بها؟ إعانة المسكينة.. إغاثة الملهوفة.. مساعدة الضعيفة.. رمي الجمار.. استلام الركن اليماني والحجر الأسود.. الوضوء وغسل الأعضاء، والتيمم عند عدم الوضوء وبالعذر الشرعي.. تكسير أدوات المنكر وإتلافها.. استعمال أنامل اليدين لكتابة ما فيه دفاع عن الدين ومصلحة للإسلام والدعوة إلى الله.. تعينين صانعة أو تصنعين لمرأة خرقاء لا تحسن أن تصنع، وإفراغك من دلوك في دلو أختك لك صدقة.

وحرم الله استخدام اليد، فمن خيانة اليد قتل النفس التي حرم الله، وضرب من لا يحل ضربه، ولعب الألعاب المحرمة، مثل ما كان فيه نرد، أو ورق اللعب المعروف، وكتابة الكفر والإلحاد، وقد سمعنا عن بعض النساء اللاتي يكتبن المقالات ويدبجنها وفيها خروج عن ملة الإسلام، وتشكيك في أهل الدين واتباع لمنهج أهل الكفر والعلمنة، ويكتبن المقالات لدعم تيار العلمنة والفسق في المجتمع، وتيار البدع والحداثة: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] كذلك كتابة الزور والظلم والافتراء، وعمل السحر باليد ووضعه في البيت أو في الطعام.. كتابة خطابات الحب والغرام والفسق، يوم تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء.. إمساك سماعة الهاتف لسماع الكلام المحرم، يوم تنادي عليهم جوارحهم بالويل والثبور يوم القيامة: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182] فهل تريدين أن تشهد عليك يداك بالخير أو بالشر يوم القيامة؟ يوم يتبرأ الإنسان من هذه الحواس التي استخدمها في المعصية، وتقول المرأة لحواسها: تباً لكن فعنكن كنت أناضل، يوم يختم على فيها فتشهد عليها رجلها ويدها وعينها وسمعها ولسانها بما عملت: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:25].




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3611 استماع
التوسم والفراسة 3608 استماع
مجزرة بيت حانون 3530 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3496 استماع
اليهودية والإرهابي 3424 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3424 استماع
حتى يستجاب لك 3393 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3370 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3347 استماع
الزينة والجمال 3335 استماع