أهمية الرفق في حياة المسلم


الحلقة مفرغة

جيل الصحابة جيل فريد عظيم، لا يمكن أبداً أن يتكرر، فقد اصطفاه الله عز وجل لصحبة خير البشر وخاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم، فهو الجيل الفريد الذي تربى على عينه صلى الله عليه وسلم، ولا يعني هذا أننا لا نقتدي بهم أو نقلدهم، بل قد قال تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخواني في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛

فهذا موضوعٌ أخلاقيٌ عظيمٌ من الأخلاق الفاضلة التي حث عليها الإسلام حثاً شديداً كما سيتبين معنا إن شاء الله في طيات الآيات والأحاديث، وهذا الموضوع -أيها الإخوة- موضوع الرفق يدخل في أعمال كثيرة من الأعمال التي يقوم بها الإنسان المسلم، ولعلكم تتبينون معي إن شاء الله تعالى بحوله وقوته دخول هذا الخلق العظيم في مواضيع شتى من الأشياء التي يؤديها المسلم يومياً، بل إنه يدخل في أبواب عظيمة من أبواب الإسلام.

والرفق -أيها الإخوة- كما يعرفه علماؤنا يقولون: الرفق: هو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل واللطف وحسن الصنيع، وضده العنف والشدة, والرفق -أيها الإخوة- نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل، من أعطاه الله إياها، فقد فاز بخيرٍ عظيمٍ في الدنيا والآخرة، ولذلك امتن الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه رفق ولان لإخوانه المسلمين، فجمعهم الله عز وجل على رسوله بهذا الرفق وبهذا اللين، فقال عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] قال ابن كثير رحمه الله: أي لو كنت سيئ الكلام، قاسي القلب عليهم، لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفاً لقلوبهم.

فالدرس الأول من هذه الآية يا إخواني: أنك إذا سألت ما هو الشيء الذي يجمع قلوب الناس وأنفسهم في مجتمع واحد على رجل واحد تكون كلمتهم واحدة ويداً واحدة؟ إنه الرفق واللين الذي قال الله تعالى عنه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159] وإذا سألت عن سبب تفرق القلوب الذي ينتج عنه تفرق الأجسام والتنازع الذي يحصل بين أفراد المجتمع، فاعلم يا أخي المسلم بأنه العنف والحدة والغلظة التي هي ضد الرفق، ولذلك قال عز وجل: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

ولذلك كان وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن قول الله عز وجل: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فهو إذاً بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ، أما صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة من قبلنا، فهو ما رواه البخاري رحمه الله تعالى بإسنادٍ صحيح إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أن هذه الآية التي في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [الأحزاب:45] قال: (في التوراة مقابل هذه الآية: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاباً في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن ليعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتحوا بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً). رواه البخاري.

فالشاهد من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قوله: ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخابٍ في الأسواق، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس فظاً، ولا غليظاً، وهذه الصفة في الرسول صلى الله عليه وسلم هي التي جمعت عليه الصحابة، وفتحت له قلوب الناس، فكانوا معه يداً واحدة، يأتمرون أمرهم على قلب رجلٍ واحدٍ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل رجل يريد أن يؤلف الناس على الإسلام أن يلين لهم ويرفق بهم، وهذا الخلق العظيم من الأخلاق التي يحبها الله عز وجل، فلذلك روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) قال ابن حجر رحمه الله في كتاب الأدب من صحيح البخاري عن هذا الحديث: يعني: أن الرفق يتأتى معه من الأمور ما لا يتأتى مع ضده، تأتيك بالرفق أشياء، وتنفتح لك مغاليق أمورٍ لا تنفتح لك بغير الرفق مطلقاً، ولذلك قال الشاعر:

من يستعن بالرفق في أمره     قد يخرج الحية من جحرها

أشياء كثيرة قد تبدو مستحيلة في ظاهرها، وفي بداية الأمر صعبة جداً، تنال بالرفق، الرفق هو الذي يأتيك بها؛ لأن الله كتب أنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، يعطي عليه أشياء صعبة مستحيل أن يعطيها بغير الرفق، أما بالعنف، فلا يأتي شيء البتة، ولا تستفيد منه مطلقاً، وتظل الأمور منغلقة عليك.

والقول الثاني في هذا الحديث كما يقول ابن حجر رحمه الله: وقيل المراد يثيب على الرفق ما لا يثيب على غيره، يعني: يعطي ثواباً على الرفق ما لا يعطي على شيء آخر، ولذلك يقول عليه السلام مبيناً الأثر السلبي والدرجة الواطئة التي يكون عليها الرجل العنيد الذي حرم الرفق بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي الدرداء مرفوعاً: (من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير) إذا لم يوجد رفق يعني: لا يوجد خير، هكذا بهذه البساطة، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الآخر: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) قال النووي رحمه الله: أي: يحرم كل الخير الناشئ والناتج من الرفق، وغلظ القلب كما قال العلماء: هو عبارة عن تجهم وجه، وقلة الانفعال في الرغائب، وقلة الإشفاق والرحمة، ومن ذلك قول الشاعر:

يبكى علينا ولا نبكى على أحد     لنحن أغلظ أكباداً من الإبلِ

فالذي ليس عنده رفق، ولا عنده هذا اللين، لن يبكي على المحرومين من خلق الله مطلقاً.

والرفق أيها الإخوة! له جوانب عديدة وتطبيقات كثيرة، ويدخل في أبواب عظيمة، فمن هذه الأبواب:

تربية النفس

أولاً: تربية النفس، وأخذ الدين، كيف يدخل الرفق في تربية النفس، وفي أخذ الدين؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق) حديث حسن، رواه الإمام أحمد والنسائي مرفوعاً في صحيح الجامع.

ما معنى ( فأوغلوا فيه برفق )؟ قال ابن الأثير رحمه الله في كتابه النهاية : يريد سر فيه برفق، وابلغ الغاية القصوى منه، لأن بعض الناس ربما يفهم سر برفق يعني: خذ قليلاً برفق هكذا يفهم بعض الناس، ومعنى هذا أنك لا تبلغ الغاية العظمى لنفسك في الدين، إذا فهمت هذا المفهوم الخاطئ، ولذلك يقول ابن الأثير رحمه الله: يريد سر فيه برفق، وابلغ الغاية القصوى منه.

أنت حدد أن القمة هي الهدف، لا تقل: أنا سأبقى عند السفل، حدد أنك ستصل إلى القمة، لكن كيف تصل؟ تصل برفق، لكن هذا لا يعني أن تضع في حسبانك أنك ستبقى في أسفل الجبل، لا.

ويقول: بالرفق لا على سبيل التهافت والخرق، ولا تحمل على نفسك وتكلفها ما لا تطيق، فتعجز وتترك الدين والعمل، أي أن المقصود من الحديث سر برفق، ولا تحمل نفسك ما لا تطيق، لأنك إذا حملت نفسك في البداية تكليفات عظيمة، فإنك ستعجز بعد فترة قليلة من الزمن، لأنك لا تستطيع أن تمشي فجأة بدون تجرد سيراً سريعاً في الدين، فيبدأ بصيام النفل فيصوم يوماً ويفطر يوماً، ويقوم أكثر الليل، ويقرأ خمس ساعات في اليوم، في البداية لو أنك اتخذت هذا المنهج وهذا الأسلوب بدون تدرج، فإنك ستعجز، وستنقطع عن الدين وعن العمل، وهذا حال كثير من الجهلة الذين يهجمون على الدين هجوماً يريدون أن يتعلموا الدين ويطبقوه في أيام، فتكون النتيجة انقلاب مفاجئ بعد فترة قصيرة من الزمن.

وهذه الأحاديث التربوية أيها الإخوة على جانب عظيم من الأهمية، وانظروا إلى مدى دخول الرفق في هذه الجوانب، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد والحاكم عن بريدة وهو حديث صحيح في صحيح الجامع : (عليكم هدياً قاصداً، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه) الذي يشاد الدين يغلبه الدين، ما معنى: ( عليكم هدياً قاصداً ) قال المناوي رحمه الله في فيض القدير: أي: طريقاً معتدلاً غير شاقٍ، الزموا القصد في العمل وهو استقامة الطريق، والأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير.

وهذا الكلام مهم، لأن بعض الناس يقول: أنا آخذ من الدين نسبة بسيطة، يعني: أقع في محرمات لا بأس، لا أريد أن أضغط على نفسي، وليس هذا هو المقصود من الحديث، المقصود من الحديث: أنك تسير في طريق لا غلو فيه، ولا تقصير، فالغلو مثلما كان يفعل الخوارج ، أو مثلما جاء الثلاثة إلى أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال أحدهم: أنا أقوم الليل ولا أنام، وأحدهم قال: أنا أصوم ولا أفطر، وأحدهم قال: أنا لا أتزوج النساء، هذا غلو، لكن ليس من الغلو أن تلتزم بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم في مظهرك وملبسك، وليس من الغلو أن تؤدي صلاة الجماعة في المسجد حتى صلاة الفجر، والأمثلة كثيرة يظنها الناس غلواً وليست بغلو، وإنما أتوا من جهلهم بالدين وغفلتهم وسطحيتهم في فهم الدين.

والأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير، هو معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم هدياً قاصداً ) ما معنى: أنك إذا شاددت الدين، يغلبك؟ يعني: من يقاومه ويقاويه ويكلف نفسه من العبادات فوق طاقته، يؤدي به ذلك إلى التقصير في العمل، وترك الواجبات، النفس -أيها الإخوة- ليست آلة، وإنما لها حدود وطاقات، فإذا قمت من البداية بالالتزام بالنوافل الكثيرة من غير تدرج وترويض وألزمت بها نفسك، فإنك ستتعب، ولا يمكن أن تواصل في نفس المستوى، فسينقطع بك الطريق، وتسقط في هاوية الانحراف والنكوص على عقبيك والعياذ بالله.

فإذاً: الرفق في أخذ الدين مهم، ومن الشواهد الصحيحة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يلي:

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة مرفوعاً: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) وإن قل: لا يعني: أن ينزل إلى درجة المحرمات، أو ترك الواجبات، لا. أنت ملتزم بالواجبات، ومنته عن المحرمات، لكنك لا تأخذ من نوافل الأمور أشياء أكثر من الذي تطيقها نفسك بغير تدرج: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل).

فحتى لا تصبح المسألة -أيها الإخوة- مسألة حماس واندفاعية مؤقتة تنتهي بعد فترة قصيرة من الزمن، لا بد من الرفق في أخذ الدين، هذا جانب يدخل فيه -أيضاً- الرفق في طلب العلم، بعض الناس يريدون أن يطلبوا العلم فيتحمسون، يتحمس من كلمة يسمعها، أو خطبة، أو شريط، أو يفكر في نفسه، فيرى أنه مقصر جداً في طلب العلم، ماذا يفعل؟ يذهب ويبدأ بالمجلدات الضخمة التي ليس عنده قدرة على فهمها والقراءة فيها، ويقول: أنا سأقرأ اليوم خمس ساعات، سبع ساعات ، لابد أن أجلس، وأجلس، وأجاهد نفسي، من البداية.. وهذا لا يصلح، لا بد أن ترفق بنفسك، فتأخذ الكتب بالتدرج، الأسهل فالأصعب فالأصعب وهكذا، تأخذ الأشياء الواضحة في المعنى المبسطة في الأسلوب، ثم بعد ذلك ترتقي في قراءتك وفهمك حتى تصل إلى المستوى الذي تقرأ فيه أصعب الكتب، وهذا لا يعني تثبيطاً ولا تخذيلاً، وإنما سلوك الطريق الصحيح.

الرفق مع الإخوان

النوع الآخر الذي يدخل فيه الرفق: الرفق مع الإخوان: الإنسان منا -أيها الإخوة- له أصدقاء وله زملاء وله إخوان في الله، أناس كثيرون له علاقة بهم، هؤلاء الناس لا بد أن يرفق بهم، قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215] اخفض جناحك: أي: كن ليناً هيناً رفيقاً بهم متواضعاً لهم فرِساً معهم، لذلك -أيها الإخوة- إذا دققت في الأسباب التي تؤدي إلى انفصام عرى الأخوة بين كثير من المسلمين، وجدتها في طرف من الأطراف، أو في كلا الطرفين، لوجدت الأمر حدة في الطبع، وصعوبة في التعامل، وخشونة في الألفاظ، وغلظة، وعزة على المسلمين، بدلاً من أن يكون الأمر: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].

انقلب الأمر عند كثير من المسلمين اليوم للأسف إلى أن يكونوا أذلة على الكافرين، أعزة على إخوانهم المؤمنين، فكثيراً ما يجد الأخ بينه وبين أخيه وحشة وتنافراً، لو دقق في التفكير لوجد السبب يعود إلى هذه العوامل التي ذكرناها التي يسببها فقدان الرفق.

انعدام الرفق هو الذي يسبب هذه الوحشة وهذا التقاطع وهذا التنافر، لا بد -أيها الإخوة- من قبول أعذار الناس، والمساهلة معهم كما قال علماء السلف، لا بد من اللين مع الإخوان في المعاملة، ولا بد من خفض الجناح، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أبو داود والحاكم عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو له) انظروا إلى لين الرسول صلى الله عليه وسلم ورفقه بإخوانه، كانوا في الجيش فإذا تقدم الناس كان الرسول يتخلف إلى الوراء، ولا يكون دائماً في المقدمة، فيرى من هو الضعيف، ومن هو المسكين العاجز، ومن هو الذي ليس عنده دابة تحمله، فيحمله الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن هو الذي يحتاج إلى مساعدة وإعانة، فيعينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل والدعاء، لأنه قال في الحديث: (كان يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف) يردفه وراءه على دابته رفقاً بهم وبحالتهم، (ويدعو لهم) وهكذا في صحيح الجامع .

الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وكذلك -أيها الإخوة- يدخل الرفق دخولاً أساسياً في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نحن الآن نستعرض استعراضاً بعض الجوانب التي يدخل فيها الرفق، ولا نريد أن نفصل في جانب معين، لأن هذا الجانب يصلح أن يكون موضوعاً مستقلاً بذاته.

الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من القواعد التي وضعها علماؤنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقول: لا بد للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عالماً فيما يأمر، عالماً فيما ينهى رفيقاً فيما يأمر، رفيقاً فيما ينهى.

بعض الناس قد يكون عندهم علم أن هذا معروف، وأن هذا منكر، لكن ليس عنده رفق في الدعوة، ليس عنده رفق في أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك ترى نتيجة جهود هذا الرجل عشوائية ساقطة فاسدة، لا أحد يستجيب له، ولا يصغي إليه، بل إن النتيجة هي الإعراض وشذوذ الناس الذين يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ما هو السبب؟

افتقاد هذا الخلق الإسلامي العظيم، خلق الرفق في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، انظروا معي إلى هذه الحادثة التي لو سارت بشكل آخر، لو سارت الحادثة كما سارت في بدايتها، كيف ستكون النتيجة؟

روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [قام أعرابي، فبال في المسجد] جريمة عظيمة جداً أن يقوم أحدهم ويبول في المسجد، مكان العبادة وأطهر مكان، فالصحابة انبهروا لهذا التصرف، فتناوله الناس، وفي رواية للبخاري -أيضاً- فسار الناس ليقعوا فيه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه لا تزرموه) يعني: لا تقطعوا عليه بوله، قد ينحبس البول فيتضرر الرجل، أو يهرب وتنتشر النجاسة في بقعة أوسع من المسجد، فلما قضى الأعرابي بوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أريقوا على بوله سجلاً، -بمعنى دلواً وزناً ومعنى- فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين) رواه البخاري رحمه الله في كتاب الوضوء باب صب الماء على البول في المسجد.

لو أن الأمور سارت بالشكل الذي بدأ به الصحابة، كيف ستكون النتيجة؟ أولاً: الوحشة في نفس الأعرابي، وربما يترك الإسلام، وربما كان قادماً ليسلم، فربما يرجع بعد أن يجد هذه المعاملة، وأيضاً: انتشار البول، وقد يتضرر شخصياً.

ما دام الأمر حدث وانتهى، فلا بد من درء أعلى المفسدتين في ارتكاب أدناهما، فلذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أوقفهم، وجاءت الروايات بعد ذلك أن هذا الأعرابي قال: [اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً] لأن هذا هو التصرف الذي رآه من الرجل العظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا بد من الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا بد من اللين، ولذلك قال الله تعالى لموسى وهارون عندما أرسلهما إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً [طه:44] لماذا قولاً ليناً؟ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طـه:44] بعث أعظم داعيتين في زمانهما إلى أسوء مخلوق في زمانه فرعون، وقال لهما: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً [طـه:44] فما بالكم اليوم بإخواننا المسلمين الذين يخطئون كيف نوجههم ونرشدهم؟ إذا كان أعظم داعية أرسل إلى أسوء مخلوق، فقيل له: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً [طـه:44] فكيف يجب أن يكون موقفنا نحن؟ فقد يرى بعض الناس منكراً، فيثورون بعنف بلا حكمة، ولو أنهم تريثوا في الأمر وألانوا القول لكان خيراً لهم.

ومن الأمور التي يدخل فيها الرفق -أيضاً- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أنه إذا كان النهي عن المنكر يحصل بدون عنف وغلظة وهي ضد الرفق، فلا داعي لها عندئذٍ، ومما يشهد لهذا المعنى ما رواه البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (دخل وفدٌ من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم -يعني: الموت- فـعائشة تقول: ففهمتها - عائشة كانت فطنة وذكية- قالت: ففهمتها، وقلت: وعليك السام واللعنة، إخوان القردة والخنازير، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة ! فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت: يا رسول الله! أولم تسمع ما قالوا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد قلت وعليهم -يعني: سمعت ما قالوا وفهمت أيضاً- ولكن قلت: وعليكم، وبما أننا يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا، فدعاؤنا عليهم مستجاب، ودعاؤهم علينا غير مستجاب) فهم قالوا: الموت عليكم، فأنا قلت: وعليكم، فالذي يستجاب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعاء المؤمن على هذا الرجل اليهودي أو النصراني، أو الكافر الذي يقول له: السام عليكم، فمادام -أيها الإخوة- حصل المقصود، ورد كيد اليهود في نحورهم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وعليكم) فما دام أن الغلظة عليهم، لأننا الآن مأمورون بالغلظة على اليهود والكفار، لا نعاملهم المعاملة الحسنة، لكن هذا لا يعني -يا إخواني- أن نطلق السباب والشتائم عليهم بغير داعي، لما حصل المقصود بالدعاء عليهم بالموت، والرد عليهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وعليكم) فلماذا قول: وعليكم السام واللعنة إخوان القردة والخنازير؟ فيقول ابن حجر رحمه الله: والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد ألا يتعود لسانها بالفحش، أو أنكر عليها الإفراط في السب.

الرفق في دعوة الناس إلى الإسلام

والرفق -أيها الإخوة!- يدخل دخولاً أساسياً كذلك في دعوة الناس إلى الإسلام، وتعليمهم إياه، وتربيتهم عليه.

أما الرفق في دعوة الناس إلى الإسلام، فله أمثلة كثيرة في السيرة النبوية، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:<)h=7004692>أتسمع يا أبا الوليد ؟ أتجلس؟)، وكان يقول لـثمامة : (ما عندك يا ثمامة ؟) وكان يقول لفلان: (ألا أدلك على أمر خير من هذا؟) كان صلى الله عليه وسلم يتلطف في أسلوب الدعوة، كان ليناً في دعوة الناس إلى الإسلام، ولذلك فتح الله له برفقه مغاليق قلوب زعماء الكفر والإلحاد، وألان له نفوسهم كما يلان الحديد، ألينت له نفوسهم بسبب السلاح الفتاك الذي استعمله وهو الرفق، الرفق سلاح فعال استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة، فأسلم ثمامة ، وأسلم غيره من الكفرة الذين كانوا من زعماء الضلال والشرك، وصاروا قادة في الإسلام، وقدوات في الدين بعد ذلك، كان السبب هو أسلوب الرفق المستخدم في دعوته إلى الإسلام.

الرفق في تعليم الناس

وأما استخدام الرفق في تعليم الناس، فأمثلته كثيرة -أيضاً- ومنها:

ما رواه مسلم وغيره في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وأرضاه وهو رجل أتى من البادية، وكان قبل ذلك موجوداً لكنه خرج في عمل له في البادية، وكان الكلام في الصلاة مباحاً، وكان بعض الصحابة يقول لأخيه: هذه الآيات التي يقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي سورة؟ ومتى نزلت؟ كان الكلام مباحاً في الصلاة، ثم نزل قول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] فحرم الكلام، هذا الرجل جاء من البادية ولم يعلم بأن الكلام في الصلاة قد صار محرماً، فدخل في الصلاة مع الناس، قال: (بين أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثكل أمياه!) يعني: وافقد أمي إياي فإني هلكت فقال: (وا ثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟) يعني: انظر عندما لا يكون هناك رفق، الأمور تسوء أكثر، لأن الرجل ماذا قال في الأول؟ قال: يرحمك الله، الآن هذا الرجل مستحيل تعليمه فكيف يتعلم؟ رموه بأبصارهم فزاد الأمر سوءً، وتكلم الرجل زيادة، قال: وا ثكل أمياه، مالكم تنظرون إلي؟ والصحابة -أيضاً- لا يستطيعون أن يتكلموا (فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم -زيادة في التنبيه- فلما رأيتهم يصمتونني، لكنني سكت) قال في السيرة: لما رأيتهم يصمتونني، يعني: غضبت وتغيرت، لكني سكت.

(فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما نهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذه من لفظة معاوية، ربما ما كان يحفظ الحديث بالضبط، ولذلك قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الطريقة الصحيحة عندما يروي الإنسان حديثاً ليس متمكناً من ألفاظه.

ووقع في رواية لـأبي داود : (فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم) لاحظ هذه العبارة ولاحظ كيف أدى الرفق في التعليم الهدف المطلوب، الكلام حصل في الصلاة وانتهينا، الآن لا نستطيع أن نرجع الزمن ونعدل الأمور، فإذاً ما هو الحل؟ أن نصبر على هذا الرجل حتى تتاح الفرصة المناسبة لتفهيمه وتعليمه، وعند ذلك ينتهي الإشكال.

وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان رفيقاً بمن يعلمهم، كان الناس يأتون الرسول صلى الله عليه وسلم من شتى الأماكن ليتعلموا، يسافرون إلى المدينة لطلب العلم، فيجلسون عند الرسول صلى الله عليه وسلم، هؤلاء الناس الذين يأتون عندهم أهل يشتاقون إليهم، فماذا كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الناس الذين يأتون ليتعلموا؟ انظر كيف كان يرفق بهم، من كلام هؤلاء الرجال روى البخاري رحمه الله عن مالك بن الحويرث ، قال: (أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون) شببة يعني: جمع شاب تجمع على شببة، متقاربون يعني: في السن، مالك بن الحويرث جاء مع إخوانه شباب حديثي عهد، أعمارهم متقاربة (فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلةً نتعلم، وكان رحيماً رفيقاً، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: ارجعوا) هؤلاء الصحابة جاءوا لكن اشتاقوا إلى أهليهم واستوحشوا، وتغيرت نفسياتهم نوعاً ما بسبب ابتعادهم وحنينهم، فالغريب يحن إلى أهله، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: (ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم، ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم).

لماذا قال: ( وليؤمكم أكبركم ) ولم يقل: يؤمكم أقرأكم؟ لأن هؤلاء الناس جاءوا مع بعض، وتعلموا مع بعض، يعني: أنهم حفظوا مع بعض، فكان علمهم متقارباً وهجرتهم واحدة، فانتقل الأمر إلى كبر السن، فقال: ( وليؤمكم أكبركم) والأفضل أن الناس يؤمهم أقرؤهم بشرط أنه إذا كان هناك ثلاثة علماء هل يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، يعني: أحفظهم للكتاب، وأجودهم قراءة، أم يؤمهم أفقههم في الدين؟ فقال بعض العلماء: يؤمهم الأفقه، فإذا تفاوتوا في الفقه، ينظر في الحفظ، وقال بعضهم: يؤم الأحفظ مطلقاً، والقول الوسط الذي جمع ابن حجر رحمه الله بين القولين، قال: يؤم الأحفظ بشرط أن يكون عنده من الفقه ما يقيم به صلاته، ويعرف كيف يتصرف إذا أخطأ في الصلاة، مثل أحكام سجود السهو، وترك الواجب .. إلى آخره، فعند ذلك يؤم الأحفظ، وإذا لم يكن فقيهاً فيؤم الأفقه، قال ابن حجر: باتفاق العلماء.

فقال: (فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم).

إذاً -أيها الإخوة- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفق بمن يعلم، فكان إذا شعر بأنهم قد حنوا إلى أهليهم، يسمح لهم بالذهاب، بل هو يأمرهم بالذهاب، يقول: (ارجعوا إلى أهليكم) والرجوع إلى الأهل على أية حال ليس شراً وانقطاعاً عن الخير، لا. بل فيه خير عظيم أيضاً، بأن ينشر الإنسان فيهم الدعوة، وينشر فيهم العلم، ويعلمهم ما تعلم من الخير، فرجوع الإنسان إلى موطنه من بلد العالم فيه خير ونفع عظيم.

الرفق بالمسلمين إذا ولي من أمرهم شيئاً

ثم نأتي -أيها الإخوة- على مسألة أخرى: وهي تحمل المسئولية؛ وتحمل المسئولية لا بد فيها من الرفق، وأؤكد على هذا الجانب بالذات تأكيداً شديداً، لأن الذي يتولى أمور المسلمين إذا لم يكن رفيقاً بهم، فإن الفساد والفوضى ستعم، والظلم سينتشر، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به) رواه مسلم . لاحظ العبارة: (ومن ولي من أمر أمتي شيئاً) لا يشترط أن يكون الخليفة، فيمكن أن يكون أدنى منه بكثير، من ولي ولو أمر رجل واحد، من ولي أمر رجل واحد من المسلمين، يجب عليه أن يرفق به، فما بالك بالذي يلي أمر اثنين، أو ثلاثة، أو عشرة، أو مجموعة من البشر.

فالمدير في مدرسته، والوزير في دائرته، وكل صاحب سلطان وولاية، وكل صاحب أسرة يجب أن يرفق بمن تحت يديه، وبمن هو مسئول عنه، وإلا فإن الله سيشق عليهم يوم القيامة، وفي الدنيا أيضاً، فالدعاء عام: (من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به) وهذا الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءٌ مستجاب، ويؤكد عليه الصلاة والسلام هذا المعنى بقوله في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ومسلم عن عائد بن عمر رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن شر الرعاع الحطمة) الراعي الذي يرعى الغنم، أو البقر إما أن يكون رحيماً بها، فيذهب بها إلى موارد الماء والعشب، ويريحها، ويعطيها فترة النوم والراحة، وإما أن يتعبها فيشق عليها، ويشد عليها، ويمنعها الأكل والماء والعشب، هذا الرجل الذي يحطم هذا القطيع الذي يرعاه هو من شر الناس.

(إن شر الرعاع الحطمة) أي: شر الرعاع الراعي الذي يحطم قطيعه، قال العلماء في شرح الحديث: هذا مثل لطيف ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم للراعي والرعية، فشر الناس الذي إذا تولى أمر رعية من المسلمين، جعل يحطمهم كما يحطم ذلك الراعي الغنم، وخيرهم الذي يرفق بهم ويلين معهم، ويسد خلتهم.

وهذا عمر رضي الله عنه خرج في الليل يعس، فسمع صوتاً من أحد البيوت، فاقترب منه فسمع امرأة تقول:

تطاول هذا الليل واسود جانبه     وأرقني أن لا خليل أداعبه

فوالله لولا الله أني أراقبه     لحرك من هذا السرير جوانبه

تقول المرأة وهي زوجة لرجل ذهب في الجهاد، وتشكو نفسها، ولولا مخافة الله لحصل أمراً آخر، فـعمر رفيق بالرعية، فقام فجمع النساء، فسأل: [كم تستطيع المرأة أن تصبر على زوجها؟ فقلن له: أربعة أشهر، فقال: إذاً لا أحد من الجنود يتغيب عن زوجته أربعة أشهر] فكان يجعل بينهم مناوبات فيذهب الأول ويبقى الثاني ويرجع الأول ويذهب الثاني وهكذا حتى تبقى العلاقة بين الزوج وزوجته، فكان رفيقاً برعيته، وهكذا يجب أن يكون كل من تولى مسئولية، أو أمراً من أمور المسلمين أن يكون رفيقاً بهم، فبعض الناس تجدهم يشدون على من تحت أيديهم من المسلمين، ويهلكونهم بالأعمال، وهذا -أيها الإخوة- فيه خطر عظيم، فيسبب العصيان والتمرد، ويسبب الوحشة في النفس والكراهية حتى على مستوى الصغير في البيت تجد الأولاد يكرهون الأب إذا كان شديداً عليهم، والزوجة تكره زوجها إذا كان شديداً عليها، وقد يتمرد الأولاد ويعصون الأب بسبب فقدان الرفق.

فإذاً هذا هو مدار التعامل، ومدار استقامة الأمور.

الرفق في الإمامة بالناس

ومن جوانب الرفق كذلك أيها الإخوة: الرفق في الإمامة بالناس، بعض الأئمة يصلون بالناس، فيطيلون الصلاة جداً، وينهكون قوى الناس الذين يصلون وراءهم، وهذا الحديث يوضح هذا الأمر، فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان -الإمام- مما يطيل بنا، يقول الراوي: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذٍ، فقال: يا أيها الناس! إن منكم منفرين، فأيكم أمَّ الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة) متفق عليه.

فلا بد من الرفق بالمأمومين، وهذا الإمام الذي تولى أمر الناس الذين وراءه لا بد أن يرفق بهم، ولا يطيل بهم، ولكن هنا نقطة لا بد من توضيحها، وإن كانت ليست في صلب الموضوع، ما معنى: فليوجز؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أيها الناس! إن منكم منفرين، فأيكم أمَّ الناس فليوجز) هل معنى يوجز أن يقرأ قل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر في الصلوات، هل هذا هو الإيجاز المطلوب؟ المعنى -أيها الإخوة- كما ذكر العلماء يعني: ليقتصر على ما ثبت في السنة ولا يزيد عليها مع إتمام الأركان والسنن، فلو أن الإنسان منا صلى الجمعة، فقرأ بالناس سورة المنافقين وسورة الجمعة، فاستغرق في القراءة -مثلاً- ربع ساعة، هل يعتبر هذا الرجل مطولاً على من وراءه، وأنه شق عليهم، وأنه نفرهم؟ لا. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى بالناس الجمعة، قرأ بهم سورة الجمعة والمنافقين، وقرأ -أيضاً- سبح والغاشية، كان ينوع، ويقرأ -مثلاً- ق والرحمن أحياناً، فإذاً هذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فليوجز ) وليس معناه أن يقرأ والعصر، وإنا أعطيناك الكوثر، وقل هو الله أحد.

الرفق بالأهل والأولاد

كذلك -أيها الإخوة- من الجوانب التي يدخل فيها الرفق أيضاً: الرفق في البيت بشكل عام ومع الزوجة والأولاد بشكل خاص، وهذه نقطة اجتماعية حساسة وخطيرة، ولا بد من الانتباه إليها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم) رواه الطبراني عن ابن عمر صحيح الجامع.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً، أدخل عليهم الرفق) قال شارح الحديث: يعني أدخل عليهم الرفق بحيث يرفق بعضهم ببعض، فيرفق الزوج بالزوجة، ويرفق الرجل بأبيه وأمه، ويرفق الأب والأم بالولد، ويرفق الإخوة بعضهم ببعض، وهم يرفقون بجيرانهم، وهكذا .. وعامة البيوت التي تفوح منها روائح المشاكل والخلافات والنعرات والشتات والفرقة، إذا تأملت فيها وجدت السبب عدم الرفق في علاقة أفراد البيت بعضهم ببعض، فإذا أتينا إلى مسألة الرفق بالزوجة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء) متفق عليه، وفي رواية لـمسلم : (فإن ذهبت تقيمه كسرته، وكسرها طلاقها).

الشاهد: ( استوصوا بالنساء خيراً ) أي: ارفقوا بهن، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني الذي يرويه الترمذي : (فإنما هنَّ عوانٌّ عندكم) معنى عوان: أسيرات، المرأة في بيت زوجها كالأسير عند السجان، لا حول لها ولا قوة، هذا هو الغالب من أمر النساء، فلما كانت المرأة مسكينة لا حول لها ولا قوة، والأمر بيد الرجل، ولا بد من استئذانه، كان لا بد من أن يرفق بها الرجل، وأن يشفق عليها، وأن يرحمها، وأن يستوصي بها خيراً، ومرة اشتكى الصحابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تمرد النساء، فأذن لهم بالضرب عند الحاجة، فلما أذن بالضرب قام الرجال فأخذ كل واحد زوجته ونزل فيها ضرباً، فيقول الراوي: (فجاء النساء إلى أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكين) وهذا من فوائد كثرة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه وسلم اختصه بأنه تزوج أكثر من أربع، هذه الخاصية له من دون الأمة، فإن سأل سائل عن السبب، فهناك أسباب كثيرة منها متعلق بهذا الحديث؛ أن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كثرتهن تؤدي إلى سهولة نقل أوضاع المجتمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يعلق عليها ويعقب، فكان نساء المجتمع يأتين إلى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ويخبرنهن بما يردنه، وهؤلاء ينقلن بدورهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المرأة -أيها الإخوة- فيها حساسية ليست في الرجل، وفيها ثقة ليست في الرجل، فلا بد من الاستيصاء بالنساء خيراً، وكثيرٌ من الرجال يستعملون العنف بشكل عجيب مع الزوجات، فمنهم من يضرب زوجته في الوجه، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الضرب بالوجه، حتى لو كانت مخطئة وتريد أن تعزرها بعد أن وعظتها في الكلام وهجرتها في المضجع، ووصلت إلى الضرب، فإنك تضرب، لكن لا تضرب الوجه، تضرب على الكتف، وعلى العقب، وعلى الظهر، وعلى الرجل في مكان لا يؤذي، أما الضرب على الوجه الذي قد يكسر سناً، أو يفقأ عيناً، أو يفقد السمع، هذا الضرب لا يجوز حتى لو كنت مصيباً، لا يجوز لك أن تضرب على الوجه، وبعض الرجال يمسكون التسلسل بالمقلوب، لا يبدأ بالموعظة الحسنة، ثم الهجر بالمضجع، ثم الضرب، أما البدء بالضرب فليس من الإسلام، ولا هذه تعاليم الإسلام، وليست هذه هي المعاملة الصحيحة.

أيها الإخوة! نسمع أحياناً أشياء عجيبةً عن فعل بعض الرجال بزوجاتهم، يفعلون والله بهن أفعالاً لا ترضي الله عز وجل مطلقاً، وتعجب أحياناً لرجل ظاهره الصدق والالتزام كيف يتعامل مع زوجته ألوان من التعامل لا تخطر ببال، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يستعمل العنف حتى في جماع زوجته حتى تكرهه، يقول: أنا أريد أن أتزوج واحدة أخرى، فما هو الحل؟ يكون معها عنيفاً حتى تكرهه، وتقول: اذهب واكفنا من شرك، واذهب تزوج.

فيا أيها الإخوة! ليس هذا هو الطريق، بعض الناس يعامل زوجته بهذه النفسية، وهذه القضية خطيرة جداً، ومخالفة صريحة واضحة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، أين الاستيصاء بالنساء؟ وأين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس أولئك بخياركم)؟ أي: ليس أولئك الرجال بخياركم، وهذا الموضوع البسط فيه وارد جداً من واقع معاملات الناس اليوم، الغالب أن الرجل ليس هو المظلوم، الذي يحصل أن الرجل هو الذي يفرض عضلاته ويستخدم قوته، ويضرب زوجته ضرباً مبرحاً، ويوقع عليها شتى أنواع الإهانة والسب والشتم، أحياناً قد يكون أشد من الضرب بعدة مراحل، فيهينها ويحقرها، ويذكر معايبها، ولا يترك شاردة ولا واردة إلا ويقع فيها.

فلا بد -أيها الإخوة- من تطبيق الإسلام، ليس الإسلام فقط خارج البيت وأمام الناس في المساجد، ومع الزملاء والأصدقاء وفي حلقات العلم، لا. لا بد من تطبيق الإسلام في البيوت، وإلا فماذا نستفيد إذا كان بيت كل واحد منا مهلهلاً مشتتاً مبعثراً، ليس هناك أواصر الرحمة بين الزوج وزوجته، وبعد ذلك ليسوا أولئك بخياركم حتى ل

أولاً: تربية النفس، وأخذ الدين، كيف يدخل الرفق في تربية النفس، وفي أخذ الدين؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق) حديث حسن، رواه الإمام أحمد والنسائي مرفوعاً في صحيح الجامع.

ما معنى ( فأوغلوا فيه برفق )؟ قال ابن الأثير رحمه الله في كتابه النهاية : يريد سر فيه برفق، وابلغ الغاية القصوى منه، لأن بعض الناس ربما يفهم سر برفق يعني: خذ قليلاً برفق هكذا يفهم بعض الناس، ومعنى هذا أنك لا تبلغ الغاية العظمى لنفسك في الدين، إذا فهمت هذا المفهوم الخاطئ، ولذلك يقول ابن الأثير رحمه الله: يريد سر فيه برفق، وابلغ الغاية القصوى منه.

أنت حدد أن القمة هي الهدف، لا تقل: أنا سأبقى عند السفل، حدد أنك ستصل إلى القمة، لكن كيف تصل؟ تصل برفق، لكن هذا لا يعني أن تضع في حسبانك أنك ستبقى في أسفل الجبل، لا.

ويقول: بالرفق لا على سبيل التهافت والخرق، ولا تحمل على نفسك وتكلفها ما لا تطيق، فتعجز وتترك الدين والعمل، أي أن المقصود من الحديث سر برفق، ولا تحمل نفسك ما لا تطيق، لأنك إذا حملت نفسك في البداية تكليفات عظيمة، فإنك ستعجز بعد فترة قليلة من الزمن، لأنك لا تستطيع أن تمشي فجأة بدون تجرد سيراً سريعاً في الدين، فيبدأ بصيام النفل فيصوم يوماً ويفطر يوماً، ويقوم أكثر الليل، ويقرأ خمس ساعات في اليوم، في البداية لو أنك اتخذت هذا المنهج وهذا الأسلوب بدون تدرج، فإنك ستعجز، وستنقطع عن الدين وعن العمل، وهذا حال كثير من الجهلة الذين يهجمون على الدين هجوماً يريدون أن يتعلموا الدين ويطبقوه في أيام، فتكون النتيجة انقلاب مفاجئ بعد فترة قصيرة من الزمن.

وهذه الأحاديث التربوية أيها الإخوة على جانب عظيم من الأهمية، وانظروا إلى مدى دخول الرفق في هذه الجوانب، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد والحاكم عن بريدة وهو حديث صحيح في صحيح الجامع : (عليكم هدياً قاصداً، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه) الذي يشاد الدين يغلبه الدين، ما معنى: ( عليكم هدياً قاصداً ) قال المناوي رحمه الله في فيض القدير: أي: طريقاً معتدلاً غير شاقٍ، الزموا القصد في العمل وهو استقامة الطريق، والأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير.

وهذا الكلام مهم، لأن بعض الناس يقول: أنا آخذ من الدين نسبة بسيطة، يعني: أقع في محرمات لا بأس، لا أريد أن أضغط على نفسي، وليس هذا هو المقصود من الحديث، المقصود من الحديث: أنك تسير في طريق لا غلو فيه، ولا تقصير، فالغلو مثلما كان يفعل الخوارج ، أو مثلما جاء الثلاثة إلى أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال أحدهم: أنا أقوم الليل ولا أنام، وأحدهم قال: أنا أصوم ولا أفطر، وأحدهم قال: أنا لا أتزوج النساء، هذا غلو، لكن ليس من الغلو أن تلتزم بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم في مظهرك وملبسك، وليس من الغلو أن تؤدي صلاة الجماعة في المسجد حتى صلاة الفجر، والأمثلة كثيرة يظنها الناس غلواً وليست بغلو، وإنما أتوا من جهلهم بالدين وغفلتهم وسطحيتهم في فهم الدين.

والأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير، هو معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم هدياً قاصداً ) ما معنى: أنك إذا شاددت الدين، يغلبك؟ يعني: من يقاومه ويقاويه ويكلف نفسه من العبادات فوق طاقته، يؤدي به ذلك إلى التقصير في العمل، وترك الواجبات، النفس -أيها الإخوة- ليست آلة، وإنما لها حدود وطاقات، فإذا قمت من البداية بالالتزام بالنوافل الكثيرة من غير تدرج وترويض وألزمت بها نفسك، فإنك ستتعب، ولا يمكن أن تواصل في نفس المستوى، فسينقطع بك الطريق، وتسقط في هاوية الانحراف والنكوص على عقبيك والعياذ بالله.

فإذاً: الرفق في أخذ الدين مهم، ومن الشواهد الصحيحة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يلي:

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة مرفوعاً: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) وإن قل: لا يعني: أن ينزل إلى درجة المحرمات، أو ترك الواجبات، لا. أنت ملتزم بالواجبات، ومنته عن المحرمات، لكنك لا تأخذ من نوافل الأمور أشياء أكثر من الذي تطيقها نفسك بغير تدرج: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل).

فحتى لا تصبح المسألة -أيها الإخوة- مسألة حماس واندفاعية مؤقتة تنتهي بعد فترة قصيرة من الزمن، لا بد من الرفق في أخذ الدين، هذا جانب يدخل فيه -أيضاً- الرفق في طلب العلم، بعض الناس يريدون أن يطلبوا العلم فيتحمسون، يتحمس من كلمة يسمعها، أو خطبة، أو شريط، أو يفكر في نفسه، فيرى أنه مقصر جداً في طلب العلم، ماذا يفعل؟ يذهب ويبدأ بالمجلدات الضخمة التي ليس عنده قدرة على فهمها والقراءة فيها، ويقول: أنا سأقرأ اليوم خمس ساعات، سبع ساعات ، لابد أن أجلس، وأجلس، وأجاهد نفسي، من البداية.. وهذا لا يصلح، لا بد أن ترفق بنفسك، فتأخذ الكتب بالتدرج، الأسهل فالأصعب فالأصعب وهكذا، تأخذ الأشياء الواضحة في المعنى المبسطة في الأسلوب، ثم بعد ذلك ترتقي في قراءتك وفهمك حتى تصل إلى المستوى الذي تقرأ فيه أصعب الكتب، وهذا لا يعني تثبيطاً ولا تخذيلاً، وإنما سلوك الطريق الصحيح.

النوع الآخر الذي يدخل فيه الرفق: الرفق مع الإخوان: الإنسان منا -أيها الإخوة- له أصدقاء وله زملاء وله إخوان في الله، أناس كثيرون له علاقة بهم، هؤلاء الناس لا بد أن يرفق بهم، قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215] اخفض جناحك: أي: كن ليناً هيناً رفيقاً بهم متواضعاً لهم فرِساً معهم، لذلك -أيها الإخوة- إذا دققت في الأسباب التي تؤدي إلى انفصام عرى الأخوة بين كثير من المسلمين، وجدتها في طرف من الأطراف، أو في كلا الطرفين، لوجدت الأمر حدة في الطبع، وصعوبة في التعامل، وخشونة في الألفاظ، وغلظة، وعزة على المسلمين، بدلاً من أن يكون الأمر: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].

انقلب الأمر عند كثير من المسلمين اليوم للأسف إلى أن يكونوا أذلة على الكافرين، أعزة على إخوانهم المؤمنين، فكثيراً ما يجد الأخ بينه وبين أخيه وحشة وتنافراً، لو دقق في التفكير لوجد السبب يعود إلى هذه العوامل التي ذكرناها التي يسببها فقدان الرفق.

انعدام الرفق هو الذي يسبب هذه الوحشة وهذا التقاطع وهذا التنافر، لا بد -أيها الإخوة- من قبول أعذار الناس، والمساهلة معهم كما قال علماء السلف، لا بد من اللين مع الإخوان في المعاملة، ولا بد من خفض الجناح، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أبو داود والحاكم عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو له) انظروا إلى لين الرسول صلى الله عليه وسلم ورفقه بإخوانه، كانوا في الجيش فإذا تقدم الناس كان الرسول يتخلف إلى الوراء، ولا يكون دائماً في المقدمة، فيرى من هو الضعيف، ومن هو المسكين العاجز، ومن هو الذي ليس عنده دابة تحمله، فيحمله الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن هو الذي يحتاج إلى مساعدة وإعانة، فيعينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل والدعاء، لأنه قال في الحديث: (كان يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف) يردفه وراءه على دابته رفقاً بهم وبحالتهم، (ويدعو لهم) وهكذا في صحيح الجامع .




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3611 استماع
التوسم والفراسة 3608 استماع
مجزرة بيت حانون 3530 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3496 استماع
اليهودية والإرهابي 3425 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3424 استماع
حتى يستجاب لك 3393 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3370 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3347 استماع
الزينة والجمال 3335 استماع