الابتلاء بفتنة النساء


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

عباد الله: إن فتن الحياة الدنيا كثيرة، فمنها: فتنة المال، وفتنة الفقر، وفتنة الغنى، وفتنة الأولاد، وفتنة الحرب، وفتنة الاضطهاد والإيذاء، وغير ذلك من أنواع الفتن، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي في الناس فتنةً أضر على الرجال من النساء) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قول الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14] فجعلهن من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع.. قبل الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، وقبل فتنة الأولاد، ومع أنها ناقصة العقل والدين، فإنها تحمل الرجال على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغلهم عن طلب أمور الدين، وحملهم على التهالك على طلب الدنيا، وذلك أشد الفساد.

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدنيا حلوةٌ خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم ، وفي رواية للإمام أحمد رحمه الله تعالى: (إن الدنيا خضرة حلوة، فاتقوها واتقوا النساء) ثم ذكر نسوة ثلاثاً من بني إسرائيل (امرأتين طويلتين تعرفان، وامرأة قصيرة لا تعرف، فاتخذت رجلين من خشب- من تحت الثياب لتطول- وصاغت خاتماً، فحشته من أطيب الطيب المسك، وجعلت له غلفاً، فإذا مرت بالملأ أو بالمجلس قالت به، ففتحته ففاح ريحه) هكذا تحايلت لتلفت نظر الرجال إليها، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء.

قال النووي رحمه الله: ومعناه تجنبوا الافتتان بها وبالنساء، وتدخل في النساء الزوجات وغيرهن، وأكثرهن فتنة الزوجات لدوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن، ولذلك كان السلف -رحمهم الله- يحرصون على عدم الافتتان، فقد أرسل بعض الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز، فقبلوها وردها الفضيل ، فقالت له امرأته: ترد عشرة آلاف وما عندنا قوت يومنا! فقال: مثلي ومثلكم كقوم لهم بقرة يحرثون عليها، فلما هرمت ذبحوها، وكذا أنتم أردتم ذبحي على كبر سني، موتوا جوعاً قبل أن تذبحوا فضيلاً.

خروج المرأة واستشراف الشيطان لها

ومن أسباب كون المرأة فتنة، ومن أسباب عظم الفتنة بها أمرٌ مهمٌ جداً تفسير للقضية، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الصحيح: (المرأة عورة ) ولم يستثن وجهاً ولا كفين أمام الرجال (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( استشرفها الشيطان

أيها المسلم: فكر في هذه الكلمة: ( استشرفها الشيطان ) لتعلم من أين أتينا؟ قال المباركفوري رحمه الله تعالى: أي: زينها في نظر الرجال، وقيل: أي: نظر إليها ليغويها ويغوي بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء، وبسط الكف فوق الحاجب، هذا هو الاستشراف، والمعنى: أن المرأة يستقبح خروجها وظهورها، فإذا خرجت أمعن النظر إليها؛ ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها؛ ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة، أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق وسماه به على التشبيه.

إذاً: الشيطان يرفع أنظار الرجال إلى المرأة، والشيطان يزين المرأة في أعين الناظرين، فترى المرأة إذا خرجت إلى الشارع تمشي ارتفعت إليها أبصار الرجال، ذلك لأن الشيطان حريصٌ على تزيينها وعلى رفع الأبصار إليها، فتجد الأبصار تتجه إلى المرأة من حين خروجها إلى الشارع، ومن حين بدوها للرجال، يستشرفها الشيطان، ويجعلها هدفاً منصوباً ملفتاً لينظر إليها الرجال، فهي وسيلته لإغواء الناس، ولذلك كان السلف -رحمهم الله- مع عبادتهم وزهدهم وورعهم، يخافون على أنفسهم من فتنة النساء أكثر مما نخاف نحن على أنفسنا مع ضعفنا، ولا مقارنة بيننا وبينهم.

فهذا سعيد بن المسيب وقد أتت عليه ثمانون سنة، منها خمسون سنة يصلي فيها الصبح بوضوء العشاء، وهو قائمٌ على قدمية يصلي، كان يقول: ما شيء أخوف عليَّ من النساء .

وهو ابن ثمانين سنة، يعبد الله تعالى، ويقوم الليالي، ومع ذلك يقول هذا .

ومن أسباب كون المرأة فتنة، ومن أسباب عظم الفتنة بها أمرٌ مهمٌ جداً تفسير للقضية، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الصحيح: (المرأة عورة ) ولم يستثن وجهاً ولا كفين أمام الرجال (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( استشرفها الشيطان

أيها المسلم: فكر في هذه الكلمة: ( استشرفها الشيطان ) لتعلم من أين أتينا؟ قال المباركفوري رحمه الله تعالى: أي: زينها في نظر الرجال، وقيل: أي: نظر إليها ليغويها ويغوي بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء، وبسط الكف فوق الحاجب، هذا هو الاستشراف، والمعنى: أن المرأة يستقبح خروجها وظهورها، فإذا خرجت أمعن النظر إليها؛ ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها؛ ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة، أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق وسماه به على التشبيه.

إذاً: الشيطان يرفع أنظار الرجال إلى المرأة، والشيطان يزين المرأة في أعين الناظرين، فترى المرأة إذا خرجت إلى الشارع تمشي ارتفعت إليها أبصار الرجال، ذلك لأن الشيطان حريصٌ على تزيينها وعلى رفع الأبصار إليها، فتجد الأبصار تتجه إلى المرأة من حين خروجها إلى الشارع، ومن حين بدوها للرجال، يستشرفها الشيطان، ويجعلها هدفاً منصوباً ملفتاً لينظر إليها الرجال، فهي وسيلته لإغواء الناس، ولذلك كان السلف -رحمهم الله- مع عبادتهم وزهدهم وورعهم، يخافون على أنفسهم من فتنة النساء أكثر مما نخاف نحن على أنفسنا مع ضعفنا، ولا مقارنة بيننا وبينهم.

فهذا سعيد بن المسيب وقد أتت عليه ثمانون سنة، منها خمسون سنة يصلي فيها الصبح بوضوء العشاء، وهو قائمٌ على قدمية يصلي، كان يقول: ما شيء أخوف عليَّ من النساء .

وهو ابن ثمانين سنة، يعبد الله تعالى، ويقوم الليالي، ومع ذلك يقول هذا .

ومن أجل فتنة النساء اتخذ الشارع سائر الإجراءات الكفيلة لحماية الرجل من الوقوع في فتنة المرأة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء! فقال رجلٌ: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) وهو قريب الزوج أخوه وسائر أقاربه، فالدخول على النساء الأجنبيات يشبه الموت في خطره.. يؤدي إلى موت الدين، وربما أدى إلى الرجم وهو موت إذا زنا بها وهو محصن، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) كل هذه الإجراءات لأجل درء فتنة النساء، والنبي صلى الله عليه وسلم أطهر الناس مع الصحابة، وهو أفضل هذه الأمة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يعمل سائر الإجراءات الكفيلة بمنع الاختلاط والنظر، فعن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال بالنساء في الطريق، فقال صلى الله عليه وسلم ينهى عما رآه: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق) فالمرأة لا تمشي في الوسط، بل تمشي في الجوانب، والرجال يمشون في الوسط.. هكذا كانت الشوارع في المجتمع الإسلامي الأول، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به، والحديث رواه أبو داود وهو حديث صحيح.

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: [كان النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلمن من المكتوبة، قمن مباشرةً، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال فترة كافية لخروج النساء، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام الرجال].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث الاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحظور، وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركنا هذا الباب للنساء) وهو باب في المسجد مخصص للنساء، وإلى الآن اسمه باب النساء، قال نافع: [فلم يدخل ابن عمر منه حتى مات].

هذه الإجراءات وغيرها لأجل درء فتنة النساء.

تقول عائشة -رضي الله عنها- بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بفترة: [لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء- أي: ما أحدثن بعده- لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل] وماذا أحدث النساء في عهد عائشة؟

وهي تقول: لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم الوضع، لمنعهن من المساجد والخروج، فلو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعنا اليوم، ماذا تراه يقول؟ وماذا تراه يفعل؟!

عباد الله: إن الأمر خطير- والله- وإن الخطب جلل، وإن الفساد في انتشار بسبب فتنة النساء، وفي هذا الزمان الذي لم يمر في العالم زمان مثله؛ زينت فيه المرأة لفتنة الرجال، واجتهد أعداء الله في إبراز المرأة، فترى عوامل الجذب والفتنة في الملابس الضيقة، والمفتوحة، والشفافة، والكعب العالي، والمناكير على الأظفار، ورائحة العطور، والصوت، والأزياء الفاضحة، وحتى النقاب الذي تلبسه بعض النساء أو البرقع اليوم ربما يكون أشد فتنة مما لو كشفت وجهها بالكلية، والأفلام، والقصص الفاسدة، والمجلات، والدعايات، فلا تكاد توجد سلعة إلا ومعها صورة امرأة ولا بد، وعروض الأزياء، وكل ذلك يزين المرأة في نظر الرجال، حتى إذا نزلت إلى الشارع والسوق، رأيت العجب، وهذه المساحيق والمكياجات التي تجعل أشد النساء دمامةً لوحة فنية من الأصباغ، وما تفعله الكوافيرات في وجوه النساء.

ثم تحدث الفتنة العظيمة، وتخرج المرأة بهذه الزينة، وتجتمع كل عوامل الإغراء، فلا تدخل دكاناً، ولا سوقاً، أو باب مدرسة، أو مستشفى، أو طائرة، أو غير ذلك من الأماكن إلا ووجدت القضية كلها تدور على الإغراء والإغواء بالمرأة، ولا تكاد تنظر في الصفحة الخارجية لمجلة أو غيرها إلا وتجد القضية نفسها تدور.

كل هذا بفعل إخوان القردة والخنازير الذين وصلوا بالمرأة إلى ما وصلوا إليه، وعمت الفتنة، وثارت الشهوات، وصار الوضع محزناً لصاحب القلب الحي.

لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ     إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ

عباد الله: المسألة كلها مخالفات شرعية في قضية هذه الأشياء والإغراءات التي تحصل، وتأمل ماذا أحدثه هذا الهاتف من الفتنة في بدء العلاقة وتطويرها وتنميتها، والتخطيط للخروج، ثم الخروج!

وتأمل كيف يزين الشيطان الحيل بحجة خروجها إلى السوق، أو الدراسة مع صاحبتها، أو زيارة صاحبتها، وأثناء غياب الزوج في العمل، أو الوردية الليلية، وأيام الاختبارات -التي نحن مقبلون عليها- بالذات سيحدث فسادٌ عظيمٌ، وشرٌ مستطيرٌ، وأيام البر وتتخلف الأسرة هناك والشاب هنا لوحده، وهذه أشياء نحن مقبلون عليها.. كل هذه الأمور التي تؤدي إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة، والمسألة فيها غضب من الله وإغضاب لله.

وكل القضية تدور على مخالفة الآيات الشرعية، فتأمل في الواقع ثم قارنه بقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31]، وبقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، وقارنه بقوله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32] فكيف تستهل البنت الكلام في الهاتف؟ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32]، وبقوله تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] وبقوله تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] المسألة كانت على الخلخال، والآن تفتح العباءة وتلبس عدة مرات لتصلح من هندامها -بزعمها- وهي في وسط الرجال، وقارنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة استعطرت فخرجت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا) يعني: زانية.

إن المسألة تحتاج في زماننا هذا إلى صبرٍ عظيمٍ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مجانباً للصواب أبداً ولا مبالغاً عندما قال: (إن أخشى ما يخشى على هذه الأمة فتنة النساء) والذي يتتبع الأخبار يعرف، وليس المجال مجال التفصيل، ولا تعميم الحال، فهناك صلاحٌ- والحمد لله- وهناك خيرٌ، ولكن لا بد من أن نضع الضوابط، وأن نلزم أنفسنا بأحكام الشريعة.

قد يقول قائل: وما هي الإجراءات التي تحمي الرجل من فتنة النساء؟ فأقول:

غض البصر

قد يقول قائل: وما هي الإجراءات التي تحمي الرجل من فتنة النساء؟

فأقول:

أولاً: قال عليه الصلاة والسلام: (لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة)، وعن جرير بن عبد الله قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري) ولما رأى الفضل ينظر إلى امرأة وضيئة صرف وجهه إلى الشق الآخر.

فغض البصر هو أساس العلاج؛ لأن المسألة في أولها سببها النظر، وهو أهون شيء في البداية، قال العلاء بن زياد: [ لا تتبع بصرك رداء امرأة، فإن النظرة تجعل في القلب شهوة ] وقال أحد الصالحين لابنه: "يا بني! امش وراء الأسد والأسود -وراء الأسد والحية والثعبان- ولا تمش وراء امرأة".

إن نظر الرجل إلى محاسن المرأة سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، والسهم المسموم إذا دخل انتشر السم (إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة).

وكان السلف -رحمهم الله- في غاية الحرص على هذه المسألة، قال سفيان: كان الربيع بن خثيم يغض بصره، فمر به نسوة، فأطرق إطراقاً شديداً، حتى ظن النسوة أنه أعمى، فتعوذن بالله من العمى.

وخرج حسان بن أبي سنان إلى العيد، فقيل له لما رجع: يا أبا عبد الله ! ما رأينا عيداً أكثر نساءً منه. فقال: ما تلقتني امرأة حتى رجعت.

وقالت له امرأته: كم من امرأة حسناء قد نظرت اليوم؟! فلما أكثرت عليه، قال: ويحك.. ويحك! ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندكِ حتى رجعت إليكِ.

وكانوا يحاربون النظر ويعتبرونه منكراً شديداً، وينهرون فاعله، فعن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال: دخل عبد الله بن مسعود على مريض يعوده، ومعه قوم، وفي البيت امرأة، فجعل رجل من القوم ينظر إلى المرأة، فقال عبد الله رضي الله عنه وأرضاه: [لو انفقأت عينه، لكان خيراً له] لو انفقأت عينه وكانت مصيبة فاحتسب عند الله لكان خيراً له من النظر واستعمال البصر في المعصية، ثم إنه إذا كرره حصل في القلب زرع الفتنة، وذلك أمرٌ يصعب قلعه، ولذلك لا بد من الحِمية بسد باب النظر، فإنه إذا سُدَّ سهل بعد ذلك انحسار الأمر.

عباد الله! هذه القضية لا يكاد يطبقها اليوم إلا من رحم الله، غض البصر عن النساء.

عدم وصف المرأة المرأة لزوجها

وفي معنى النظر: وصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها، ولذلك نهينا عنه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها) وهذا أصلٌ في سد الذرائع، وأن وصف المرأة للرجل الأجنبي عنها يؤدي إلى الافتتان بالموصوفة.

من رأى امرأة فأعجبته فليأت زوجته

إن الإنسان إذا رأى امرأةً فأعجبته كمن كان له زوجةٌ، أو مملوكةٌ فليأتها مباشرةً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأةً فأعجبته فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) وأما الأعزب فإنه يستعين بالصبر والصلاة والصيام الذي هو من أسباب تقليل الشهوة، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أحدكم أعجبته امرأة، فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه، لأن الذي معها مثل الذي معها) فيسكن نفسه، ويدفع شهوته، وفي هذا بيانٌ عظيمٌ، وإرشادٌ كبيرٌ إلى قضية العلاج لمثل ما يقع للرجال في هذه المسألة.

عدم الذهاب إلى مواطن الفتنة

ثم إن من الأمور المهمة: أن الإنسان لا يغشى أماكن الفتنة، ولا يغشى أماكن الخلوة، ثم بعد ذلك يقول: لم أستطع أن أصبر؛ بل إنه يتمنى الصبر عند الحرام، ولذلك لما دعت امرأة العزيز يوسف، قال: إني أخاف الله، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخاف الله رب العالمين) مع أنها امرأة ذات منصب وجمال، وأنَّى يجتمع هذا؟

ومع ذلك يقول: إني أخاف الله رب العالمين.

عدم الالتفات إلى المرأة أثناء تعرضها

ومن العلاجات أيضاً: أنها إذا تعرضت له- وكثيرٌ من النساء اليوم هي التي تتعرض للرجل، وربما تكون هي التي اتصلت، وهي التي تأتي بالحركات والإشارات الداعية- فماذا يفعل؟

افعل كما فعل جريج رحمه الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة، ومنهم: صبي تكلم من أجل جريج، قال صلى الله عليه وسلم: (كانت امرأة بغيٌ يتمثل بحسنها، فقالت لبني إسرائيل: إن شئتم لأفتنن هذا العابد الزاهد، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها -هذا هو المهم، هذا هو لبُّ الموضوع الآن- فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها، فحملت... ) الحديث. وفيه كيف خلص الله جريجاً بسبب صبره.

الشاهد قوله: فلم يلتفت إليها، ومن الذي لا يلتفت اليوم إلا من رحمه الله وأراد به خيراً.

تذكر بشاعة الفاحشة وعقوبتها

لا بد من التأمل في مسألة الفاحشة، فإن الشيطان كتابه الوسوسة، وقرآنه الشعر، ورسله الكهنة، وطعامه ما لم يذكر اسم الله عليه، وشرابه كل مسكر، وبيته الحمام، ومصائده النساء، ومؤذنه المزمار، ومسجده السوق، وكل هذه الأشياء مع بعضها البعض تؤدي إلى الفتنة العظيمة، والزنا من أعظم الذنوب والفواحش، وبعضه أشد من بعض، فمن أفحش الزنا الزنا بالمحارم، ومن أفحشه الرجل يزني بزوجة الرجل -أي: المتزوجة- مما يؤدي إلى اختلاط المياه والأنساب، ومن أفحشه أن تكون المرأة المزني بها جارة: قال عليه الصلاة والسلام: (ولأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره) وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن عقوبة الزناة والزواني في البرزخ قبل دخول جهنم، أنهم في تنور -فرن- يأتيهم اللهب من أسفل منهم، فيرتفعون فيصيحون، فإذا خمد اللهب، سقطوا، ثم يأتيهم مرة أخرى فيرتفعوا، حتى يكادوا أن يخرجوا.. وهكذا إلى قيام الساعة.

هذا عقاب الزناة والزواني في البرزخ يا عباد الله.

وحكى لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشخاصٍ كادوا أن يقعوا في الفاحشة، وربما يصل الأمر إلى هذه الدرجة، فماذا يفعل الشخص؟ حينئذٍ (قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عمٍ كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها فأبت، حتى أتيتها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار، فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها، قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه -والحق هو عقد الزواج الشرعي- فقمت عنها وهي أحب الناس إليَّ)

إذاً: يمكن للإنسان المسلم لو ساقته نفسه والشيطان والمرأة إلى الفاحشة أن يذكر الله تعالى في اللحظة الأخيرة فيقوم ويترك المعصية.

إذاً: هذه من النظرة إلى اللحظة الأخيرة، إجراءات شرعية لأجل الوقاية من فتنة النساء، وهي المسألة العظيمة في عصرنا.

يا عباد الله! والله إنني ما طرقت هذا الموضوع إلا لأجل رؤية ذلك عياناً بياناً، والتمعن في أمراضنا ومشكلاتنا، فإنك إذا تمعنت معي وجدت فعلاً أن من أشنع الأشياء فتنة النساء.

وتعلم فعلاً- يا عبد الله- أن القضية بحاجة شديدة إلى مصابرة ومجاهدة، وبعض الناس يقول: لا تلوموا الشباب ولوموا الفتيات، كيف ذلك؟

اللوم على الجميع، اللوم على الفتاة التي تبرجت، وعلى الشاب الذي استجاب، وعلى وليهما الذي لم يرب هذا، ولم يمنع تلك من الخروج، وعلى الذي يضع العراقيل في طريق الزواج بحجج واهية، ويغلي المهور، ويقول: ابنتنا ليست بأقل من ابنة فلان، أو يضع العراقيل الواهية باسم القبلية والموازين التافهة الدنيوية، ويرد هذا، وهذه ابنتنا تريد الدراسة.. ونحو ذلك، فاللوم على الجميع، وليس أحد بمستثنى.

نسأل الله ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ونسأله عز وجل أن يقينا كل هذه الشرور، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3611 استماع
التوسم والفراسة 3608 استماع
مجزرة بيت حانون 3530 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3496 استماع
اليهودية والإرهابي 3424 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3424 استماع
حتى يستجاب لك 3393 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3370 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3347 استماع
الزينة والجمال 3335 استماع