دروس من فتنة المسيح الدجال [1، 2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعــد:

موضوعنا بعنوان: (دروس من فتنة المسيح الدجال)، ولا بد من التقديم بمقدمة قبل الشروع في هذا الدرس؛ لتجلية بعض الأمور التي قد تسبب إشكالات في الأذهان.

الإيمان بالغيب

أولاً: نحن مؤمنون، ومعنى ذلك: أننا نسلم بكل ما جاء في القرآن والسنة من الأمور التي ذكرت والتفاصيل التي وضحت، والله قد امتدح المؤمنين بصفة مهمة في أول سورة البقرة، وهي قوله عز وجل: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] ولذلك فإن كثيراً من الناس الذين لديهم نوع من الشك أو الريبة عندما يمرون بالأحاديث والآيات التي تذكر أموراً مستقبلية ستقع؛ فإنهم يشكون في ذلك وبعضهم قد يعترض على ذلك، أو يتجه بسهام التأويل والتحريف لبعض الأشياء المذكورة في القرآن والسنة، وهذا أمر مناف للإيمان، وليس من منهج المؤمن أبداً أنه يعمد إلى هذه التفاصيل الموجودة في القرآن والسنة فيغير فيها بزعمه، أو يكذبها وينفيها مثلاً؛ لأنها تخالف عقله، أو لأنه يراها غير واقعية بزعمه.

ولذلك فإنه لا بد من الإيمان الكامل والجازم بكل ما ثبت لدينا مما ورد من كلام ربنا سبحانه وتعالى، وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

فوائد الابتلاءات

اعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل جعل من سنته أن يبتلي الناس ليظهر المؤمن من الكافر، ويتبين المسلم الحق من المرتاب الشاك، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينزل بالعباد فتناً ليتميز أهل الجنة من أهل النار، بل حتى يتميز المسلمون في مدى إسلامهم، ويتميز المؤمنون في مدى إيمانهم، ولذلك فإن هناك آيات عظيمة وفتن كثيرة، وهذه الابتلاءات التي ستنزل بالعباد لها فوائد كثيرة وهي: تمحيص الناس وتبيين من هو على الطريقة السوية، ممن يسير على هوى أو يحذو حذو سبل الشيطان.

الإنزال على الواقع وأحاديث الفتن

ليس من الصحيح أن يعمد بعض الناس إلى أحاديث الفتن فينظرون إلى الواقع، ثم يفسرون هذه الأحاديث بحسب الواقع، وهذا يحدث كثيراً بين الناس! فإذا رأى حديثاً من أحاديث الفتن، يقول: هذا الحادث الذي وقع الآن وهذه المشكلة الموجودة الآن هي المقصودة بهذه الفتنة، وهي معنى هذه الفتنة، وهو لم يدرس التاريخ الإسلامي، ولم يقرأ أقوال أهل العلم، وربما أن المقصود بهذا الحديث قد وقع وانتهى أصلاً، وربما أن هذا الحديث لما يأتي تأويله بعد، وأن هذا الحديث يُعنى به شيء من الأشياء التي تقع في آخر الزمن، أو شيء من الأشياء التي تقع على أعتاب الساعة، وعند قيام القيامة مثلاً، ولذلك فإن مصدر الحيرة في كثير من التفاسير التي ترد في بعض النصوص من بعض الناس إنما مصدرها: الجهل بكلام أهل العلم، وعدم تنزيل هذه الأحداث منازلها الصحيحة التي بينها أهل العلم بالقرآن والسنة.

فائدة دراسة أحاديث الفتن

إن الكلام عن بعض أحاديث الفتن قد يقول بعض الناس: ما هي فائدته؟ ولم ندرس أشياء قد لا تقع في عصرنا؟ ولم نتعرض لتفاصيل بعض الأمور التي لم تحدث في هذا العمر وهذا الزمن الذي نعيش فيه؟

فنقول: إن لهذه الأشياء فوائد، فمن ذلك أولاً: أن الإيمان بالغيب من صفات المسلم، وهذه من أمور الغيب.

ثانياً: افرض أننا مثلاً سنتعرض الآن لحديث الدجال، هب أن إنساناً قال: إنني أكاد أجزم بأن الدجال لن يقوم، ولن يظهر في هذا الزمن، فنقول: إن في ذكر حديث الدجال تعليم هام للأمة، وفي بيان مواقف الناس من الدجال عندما يظهر فيها أسوة لنا، وفيها عبرة لنا نحن، ونحن نعيش في هذا العصر، كيف نواجه الفتن، لأن الفتن كثيرة، منها فتنة الدجال، وفتنة دجاجلة آخرين قد يظهرون في هذا الزمن، صحيح أنهم ليسوا هم الدجال الأكبر، لكن في بيان الموقف من الدجال الأكبر درس لنا في كيفية الموقف الصحيح أمام الدجاجلة الذين يظهرون، ثم كيف ستتعلم الأجيال القادمة التي سيظهر فيها الدجال الموقف الصحيح إذا لم تنقل روايات مثل الدجال عبر جيلنا نحن؟ وكيف ستتربى الأجيال على الثبات أمام الدجال إذا لم نعلم نحن الجيل الذي نعيش فيه والجيل الذي سيلينا، بحيث تنقل هذه المواقف لذاك الجيل الذي سيظهر فيه الدجال مثلاً؟ هذا مع العلم بأننا لا نستطيع أن نجزم (100% ) أن الدجال لن يظهر في عصرنا، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن حساسية المؤمن ودقة شعوره وخوفه من الله عز وجل، تجعله ينظر فعلاً برهبة لمثل هذه الأحاديث التي فيها ذكر الدجال وما في معناه، أو ذكر الدجال وما حول الدجال من الفتن الأخرى، ونضرب على ذلك مثالاً: الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مرة، فرأى غيماً في السماء، فدخل وخرج فزعاً وهو يقول : (يا عائشة ! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب) مثلما حصل لقوم عاد مثلاً، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس، ولكن مع ذلك يدخل ويخرج خوفاً من أن يكون فيه عذاب.

مثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مرة فزعاً يخشى أن تكون الساعة قد قامت، وقد يقول قائل: بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الساعة قرون متطاولة، وأحداث كثيرة وما حصلت بعد! فلماذا فزع؟

الجواب: لأن الفزع من مثل هذه الفتن من صفات المؤمنين والتي تدلل على خوفهم من الله عز وجل فعلاً وعلى قوة إيمانهم.

كما إن دراسة موضوع الدجال -مثلاً- يعطينا طعماً خاصاً في الدعاء الذي ندعو به في آخر صلاتنا قبل السلام، وهو التعوذ من فتنة المسيح الدجال، وإنني أقول لكم بالتأكيد: إن شعور كل واحد منا، وهو يدعو بهذا الدعاء بعد أن يمر باستعراض فتنة الدجال، لا يختلف تماماً عن شعوره وهو يتلو هذا الدعاء قبل أن يتعرف على فتنة الدجال، وذلك لأن الإنسان كلما عاين وتبصر أكثر، كلما تعلم أكثر، وكلما طعم هذه لنصوص أكثر وأكثر، كلما تبين له عظم الخطر، ودائماً الأشياء التي لم تظهر مؤشراتها بعد تكون عند الناس غريبة ومستبعدة، ويقولون لك: هذه مستحيلة، ولا يمكن أن تحصل؛ لأن مؤشراتها لم تقع، ولذلك لو أنك قلت لواحد من الناس الآن: ما هو إحساسك بالموت؟ فإذا لم يكن عنده مثلاً مرض قاتل أو كان مصاباً بحادث يشرف على الموت، أو محكوم عليه بالإعدام، أو سيدخل حرباً من الحروب، فإنه سيقول لك: لا أشعر برهبة الموت؛ لأنه ليس عنده مؤشرات، بخلاف الشخص الذي يكون على أعتاب الموت مثلاً، فإنه من إحساسه بالموت سيكون مختلف، ولذلك فإن المؤمن -الإيمان فعلاً- هو الذي يستشعر أن المسألة قريبة رغم أن مؤشراتها لم تظهر، وهو الذي يشعر أن الموت قريب مع أنه ليس لديه أي مؤشرات تنبئه بالموت.

فائدة التحذير من الفتن على فترات

إن مما نحتاجه أيضاً في بيان هذه الأمور أو بيان أمر الدجال: أن نعلم أن التحذير من الدجال كان على فترات، فمثلا:ً حذر الأنبياء أممهم من الدجال، حتى نوح حذر أمته من الدجال، ولم يكن يعلم نوح أن المسيح سيقتل الدجال، مع أن المسيح ظهر بعد نوح، فلم يعلم نوح بظهوره.

فلذلك كان تحذيره لأمته من الدجال أمراً نافعاً وصحيحاً، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتمل عنده العلم بالدجال في أول الأمر؛ ولذلك كان يظن الدجال هو ابن صياد ، ولكن ابن صياد هو دجال من الدجاجلة، وليس هو الدجال الأكبر.

ثم إن العلم بتفاصيل الدجال لم تكتمل حتى عند الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، فلذلك أخبر الصحابة بأخبار الدجال على مراحل، ولذلك فإن استقبال الصحابة للأمر سيختلف عن استقبالنا نحن الذين نستعرض أحاديث الدجال واحد وراء الآخر، هكذا تباعاً بحيث أن الأمر يبدو لدينا رهيباً، وقد يبدو لبعضنا مسألة مستبعدة، وقد يبدو لبعض الشاكين شيئاً غير معقول ولا يمكن حصوله.

ولذلك كان الصحابة يتلقون نصوص الشريعة على فترات، وكانوا يأخذون الإيمان قبل أن يأخذوا العلم، ولذلك نزل العلم في قلوبهم موقعاً حسناً، بخلاف بعضنا الآن فإنه قد تأتي عليه النصوص الشرعية وليس عنده إيمان قوي، فقد يرفض هذه النصوص، وهذا ما سيتبين لبعضكم من خلال استعراض تفاصيل هذه المحنة العظيمة، وهذه البلية الكبيرة، التي ستنزل ولا شك.

ولا بد أن نقول: إن الفتن تعلم المسلم كيف سيتصرف، وإن هذه الفتنة الكبيرة التي قد لا تحدث لنا، تعلمنا كيف نتصرف في مواقع الفتن الأخرى، وأحاديث الفتن لها فائدة، مثلاً: بعض الصحابة كان قاعداً لا يقاتل في الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، لكن لما قتلت إحدى الطائفتين عماراً ، وكان هناك صحابي يعلم أن عماراً تقتله الفئة الباغية بعلمه بأحاديث الفتنة المتعلق بـعمار ، اتخذ الصحابي موقفه بأن انتقل إلى الفئة الأخرى التي لم تقتل عماراً ، لأنه ظهر له الحق.

ولذلك العلم بأحاديث الفتن فيها فوائد كثيرة، أما موضوع الدجال فإن الكلام سيتعرض لبيان أصل هذا الرجل، وهل كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ومتى يخرج؟ وما سبب خروجه؟ ومن أين يخرج؟ وما هي صفته؟ وما الذي يدعيه؟ وماذا سيظهر عند خروجه من الفتن والتي بسببها يكثر أتباعه؟ ومتى يهلك؟ ومن الذي يقتله؟ إلى غير ذلك من الأحداث التي ستتبين إن شاء الله خلال هذا الموضوع.

أولاً: نحن مؤمنون، ومعنى ذلك: أننا نسلم بكل ما جاء في القرآن والسنة من الأمور التي ذكرت والتفاصيل التي وضحت، والله قد امتدح المؤمنين بصفة مهمة في أول سورة البقرة، وهي قوله عز وجل: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] ولذلك فإن كثيراً من الناس الذين لديهم نوع من الشك أو الريبة عندما يمرون بالأحاديث والآيات التي تذكر أموراً مستقبلية ستقع؛ فإنهم يشكون في ذلك وبعضهم قد يعترض على ذلك، أو يتجه بسهام التأويل والتحريف لبعض الأشياء المذكورة في القرآن والسنة، وهذا أمر مناف للإيمان، وليس من منهج المؤمن أبداً أنه يعمد إلى هذه التفاصيل الموجودة في القرآن والسنة فيغير فيها بزعمه، أو يكذبها وينفيها مثلاً؛ لأنها تخالف عقله، أو لأنه يراها غير واقعية بزعمه.

ولذلك فإنه لا بد من الإيمان الكامل والجازم بكل ما ثبت لدينا مما ورد من كلام ربنا سبحانه وتعالى، وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

اعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل جعل من سنته أن يبتلي الناس ليظهر المؤمن من الكافر، ويتبين المسلم الحق من المرتاب الشاك، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينزل بالعباد فتناً ليتميز أهل الجنة من أهل النار، بل حتى يتميز المسلمون في مدى إسلامهم، ويتميز المؤمنون في مدى إيمانهم، ولذلك فإن هناك آيات عظيمة وفتن كثيرة، وهذه الابتلاءات التي ستنزل بالعباد لها فوائد كثيرة وهي: تمحيص الناس وتبيين من هو على الطريقة السوية، ممن يسير على هوى أو يحذو حذو سبل الشيطان.

ليس من الصحيح أن يعمد بعض الناس إلى أحاديث الفتن فينظرون إلى الواقع، ثم يفسرون هذه الأحاديث بحسب الواقع، وهذا يحدث كثيراً بين الناس! فإذا رأى حديثاً من أحاديث الفتن، يقول: هذا الحادث الذي وقع الآن وهذه المشكلة الموجودة الآن هي المقصودة بهذه الفتنة، وهي معنى هذه الفتنة، وهو لم يدرس التاريخ الإسلامي، ولم يقرأ أقوال أهل العلم، وربما أن المقصود بهذا الحديث قد وقع وانتهى أصلاً، وربما أن هذا الحديث لما يأتي تأويله بعد، وأن هذا الحديث يُعنى به شيء من الأشياء التي تقع في آخر الزمن، أو شيء من الأشياء التي تقع على أعتاب الساعة، وعند قيام القيامة مثلاً، ولذلك فإن مصدر الحيرة في كثير من التفاسير التي ترد في بعض النصوص من بعض الناس إنما مصدرها: الجهل بكلام أهل العلم، وعدم تنزيل هذه الأحداث منازلها الصحيحة التي بينها أهل العلم بالقرآن والسنة.

إن الكلام عن بعض أحاديث الفتن قد يقول بعض الناس: ما هي فائدته؟ ولم ندرس أشياء قد لا تقع في عصرنا؟ ولم نتعرض لتفاصيل بعض الأمور التي لم تحدث في هذا العمر وهذا الزمن الذي نعيش فيه؟

فنقول: إن لهذه الأشياء فوائد، فمن ذلك أولاً: أن الإيمان بالغيب من صفات المسلم، وهذه من أمور الغيب.

ثانياً: افرض أننا مثلاً سنتعرض الآن لحديث الدجال، هب أن إنساناً قال: إنني أكاد أجزم بأن الدجال لن يقوم، ولن يظهر في هذا الزمن، فنقول: إن في ذكر حديث الدجال تعليم هام للأمة، وفي بيان مواقف الناس من الدجال عندما يظهر فيها أسوة لنا، وفيها عبرة لنا نحن، ونحن نعيش في هذا العصر، كيف نواجه الفتن، لأن الفتن كثيرة، منها فتنة الدجال، وفتنة دجاجلة آخرين قد يظهرون في هذا الزمن، صحيح أنهم ليسوا هم الدجال الأكبر، لكن في بيان الموقف من الدجال الأكبر درس لنا في كيفية الموقف الصحيح أمام الدجاجلة الذين يظهرون، ثم كيف ستتعلم الأجيال القادمة التي سيظهر فيها الدجال الموقف الصحيح إذا لم تنقل روايات مثل الدجال عبر جيلنا نحن؟ وكيف ستتربى الأجيال على الثبات أمام الدجال إذا لم نعلم نحن الجيل الذي نعيش فيه والجيل الذي سيلينا، بحيث تنقل هذه المواقف لذاك الجيل الذي سيظهر فيه الدجال مثلاً؟ هذا مع العلم بأننا لا نستطيع أن نجزم (100% ) أن الدجال لن يظهر في عصرنا، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن حساسية المؤمن ودقة شعوره وخوفه من الله عز وجل، تجعله ينظر فعلاً برهبة لمثل هذه الأحاديث التي فيها ذكر الدجال وما في معناه، أو ذكر الدجال وما حول الدجال من الفتن الأخرى، ونضرب على ذلك مثالاً: الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مرة، فرأى غيماً في السماء، فدخل وخرج فزعاً وهو يقول : (يا عائشة ! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب) مثلما حصل لقوم عاد مثلاً، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس، ولكن مع ذلك يدخل ويخرج خوفاً من أن يكون فيه عذاب.

مثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مرة فزعاً يخشى أن تكون الساعة قد قامت، وقد يقول قائل: بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الساعة قرون متطاولة، وأحداث كثيرة وما حصلت بعد! فلماذا فزع؟

الجواب: لأن الفزع من مثل هذه الفتن من صفات المؤمنين والتي تدلل على خوفهم من الله عز وجل فعلاً وعلى قوة إيمانهم.

كما إن دراسة موضوع الدجال -مثلاً- يعطينا طعماً خاصاً في الدعاء الذي ندعو به في آخر صلاتنا قبل السلام، وهو التعوذ من فتنة المسيح الدجال، وإنني أقول لكم بالتأكيد: إن شعور كل واحد منا، وهو يدعو بهذا الدعاء بعد أن يمر باستعراض فتنة الدجال، لا يختلف تماماً عن شعوره وهو يتلو هذا الدعاء قبل أن يتعرف على فتنة الدجال، وذلك لأن الإنسان كلما عاين وتبصر أكثر، كلما تعلم أكثر، وكلما طعم هذه لنصوص أكثر وأكثر، كلما تبين له عظم الخطر، ودائماً الأشياء التي لم تظهر مؤشراتها بعد تكون عند الناس غريبة ومستبعدة، ويقولون لك: هذه مستحيلة، ولا يمكن أن تحصل؛ لأن مؤشراتها لم تقع، ولذلك لو أنك قلت لواحد من الناس الآن: ما هو إحساسك بالموت؟ فإذا لم يكن عنده مثلاً مرض قاتل أو كان مصاباً بحادث يشرف على الموت، أو محكوم عليه بالإعدام، أو سيدخل حرباً من الحروب، فإنه سيقول لك: لا أشعر برهبة الموت؛ لأنه ليس عنده مؤشرات، بخلاف الشخص الذي يكون على أعتاب الموت مثلاً، فإنه من إحساسه بالموت سيكون مختلف، ولذلك فإن المؤمن -الإيمان فعلاً- هو الذي يستشعر أن المسألة قريبة رغم أن مؤشراتها لم تظهر، وهو الذي يشعر أن الموت قريب مع أنه ليس لديه أي مؤشرات تنبئه بالموت.

إن مما نحتاجه أيضاً في بيان هذه الأمور أو بيان أمر الدجال: أن نعلم أن التحذير من الدجال كان على فترات، فمثلا:ً حذر الأنبياء أممهم من الدجال، حتى نوح حذر أمته من الدجال، ولم يكن يعلم نوح أن المسيح سيقتل الدجال، مع أن المسيح ظهر بعد نوح، فلم يعلم نوح بظهوره.

فلذلك كان تحذيره لأمته من الدجال أمراً نافعاً وصحيحاً، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتمل عنده العلم بالدجال في أول الأمر؛ ولذلك كان يظن الدجال هو ابن صياد ، ولكن ابن صياد هو دجال من الدجاجلة، وليس هو الدجال الأكبر.

ثم إن العلم بتفاصيل الدجال لم تكتمل حتى عند الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، فلذلك أخبر الصحابة بأخبار الدجال على مراحل، ولذلك فإن استقبال الصحابة للأمر سيختلف عن استقبالنا نحن الذين نستعرض أحاديث الدجال واحد وراء الآخر، هكذا تباعاً بحيث أن الأمر يبدو لدينا رهيباً، وقد يبدو لبعضنا مسألة مستبعدة، وقد يبدو لبعض الشاكين شيئاً غير معقول ولا يمكن حصوله.

ولذلك كان الصحابة يتلقون نصوص الشريعة على فترات، وكانوا يأخذون الإيمان قبل أن يأخذوا العلم، ولذلك نزل العلم في قلوبهم موقعاً حسناً، بخلاف بعضنا الآن فإنه قد تأتي عليه النصوص الشرعية وليس عنده إيمان قوي، فقد يرفض هذه النصوص، وهذا ما سيتبين لبعضكم من خلال استعراض تفاصيل هذه المحنة العظيمة، وهذه البلية الكبيرة، التي ستنزل ولا شك.

ولا بد أن نقول: إن الفتن تعلم المسلم كيف سيتصرف، وإن هذه الفتنة الكبيرة التي قد لا تحدث لنا، تعلمنا كيف نتصرف في مواقع الفتن الأخرى، وأحاديث الفتن لها فائدة، مثلاً: بعض الصحابة كان قاعداً لا يقاتل في الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، لكن لما قتلت إحدى الطائفتين عماراً ، وكان هناك صحابي يعلم أن عماراً تقتله الفئة الباغية بعلمه بأحاديث الفتنة المتعلق بـعمار ، اتخذ الصحابي موقفه بأن انتقل إلى الفئة الأخرى التي لم تقتل عماراً ، لأنه ظهر له الحق.

ولذلك العلم بأحاديث الفتن فيها فوائد كثيرة، أما موضوع الدجال فإن الكلام سيتعرض لبيان أصل هذا الرجل، وهل كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ومتى يخرج؟ وما سبب خروجه؟ ومن أين يخرج؟ وما هي صفته؟ وما الذي يدعيه؟ وماذا سيظهر عند خروجه من الفتن والتي بسببها يكثر أتباعه؟ ومتى يهلك؟ ومن الذي يقتله؟ إلى غير ذلك من الأحداث التي ستتبين إن شاء الله خلال هذا الموضوع.

أما المسيح الدجال، فإنه سمي بالمسيح لأنه ممسوح العين، وهذه التسمية مشتقة من اسم المفعول أي الممسوح، بخلاف المسيح بن مريم الذي اشتق اسمه من اسم الفاعل الماسح، لأنه كان يمسح على المريض فيبرأ، أما الدجال فهو مشتق من اسم المفعول، لأنه ممسوح العين، وقيل لأن دجل معناها: غطى وموه، ولذلك يقول: دجل الإناء بالذهب أي: غطاه، وذلك لأن هذا الدجال سيغطي الأرض بكفره، وقيل لأنه سيشمل الأرض ويغطيها برحلته الطويلة التي سيقطعها في زمن قصير، وأما عن الدجال كشرط من أشراط الساعة فإنه واقع ولا بد، وقد أخبر صلى لله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الساعة لا تقوم حتى تكون عشر آيات: (الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس وثلاثة خسوف) إلى آخر الحديث.

فالدجال إذاً ظهوره من أشراط الساعة، وأشراط الساعة منها كبرى ومنها صغرى، وأشراط الساعة ابتدأت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أول أشراط الساعة الصغرى هو وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهناك علامات كبرى عشرة، ومنها الدجال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفس إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) فإذا لم يكن الناس في ذاك الزمن مؤمنين ومستعدين لخروجه؛ فإنه لا ينفع إيمانهم إذا خرج ذاك الدجال من الفتن التي تقع منه، وهذا الحديث يشير إلى آية موجودة في كتاب الله وهي قوله عز وجل: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158] فالمقصود بقوله تعالى: بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ منها: الدجال، وهذا الذي يجاب به عن بعض الناس الذين يقولون: لماذا لم يذكر الدجال في القرآن؟ فنقول: إنه قد ذكر ضمناً وهناك آيات أخرى.

وكذلك حذر الرسول صلى الله عليه سلم الأمة وقال: (بادروا بالأعمال ست، وذكر منها: الدجال) أي: انتهزوا الفرصة في الأعمال الصالحة قبل أن يظهر الدجال، فقد لا تستطيعون عمل أي شيء إذا ظهر.

واعلموا -أيها الإخوة- أن الدجال هو أكبر فتنة موجودة على ظهر الأرض على الإطلاق، وقد روى أحاديث الدجال عدد من العلماء، ومن أوسع من روى له الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه ، والإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده ، وكثير من الأحاديث التي وردت في الدجال صحيحة وثابتة، وهذا هو ما سنعتمد عليه إن شاء الله في خلال هذا البحث: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال) وفي رواية: (أمر أكبر من الدجال) من خلق آدم إلى قيام الساعة لا توجد فتنة أكبر من الدجال على الإطلاق.

وقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور) وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعملون أنه أعور وأن الله ليس بأعور).

وقال عليه الصلاة والسلام: (غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم) معناه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوقع أنه سيخرج وهو فيهم، وإذا خرج الدجال والرسول صلى الله عليه وسلم موجود؛ كان الرسول عليه الصلاة والسلام سيتولى محاجة الدجال وإفحامه، وإقامة الحجة عليه، وتبيين باطله من دون الأمة.

ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه) معناه كل واحد سيتولى المدافعة وإقامة الحجة بنفسه، ودفع شر الدجال عن نفسه بنفسه، وذلك بأن يكذب الدجال، وأن يلقي نفسه في النار التي مع الدجال، كما سيرد في شأن هذا الدجال.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم) أي: أن الله سبحانه ولي كل مسلم، وحافظ كل مسلم، ومعين كل مسلم على هذه الفتنة.

ثم قال عليه الصلاة والسلام أيضاً: (أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا قد حذر، وسأحذركموه بحديث لم يحذره نبي أمته) فإذاً درس لنا، أن الدعاة إلى الله عز وجل ينبغي أن يحذروا الناس من الفتن، وينبغي أن يصفوا للناس الفتن، وينبغي أن يعلموا الناس كيف يكون موقفهم من الفتن.

فإذاً مهمة الدعاة إلى الله عز وجل، أن يحذروا الناس من الشر، وأن يبينوا لهم ما هو الشر، وكيف يكون الموقف، وكيف يحذر من هذا الشر؟

أما عن الأحداث التي ستكون قبل خروج الدجال فإنها كثيرة، قال عليه الصلاة والسلام: (تغزون جزيرة العرب ، فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحها الله) أي المكان الذي فيه الدجال، أو القوم الذين معه، وقال صلى الله عليه وسلم: (عمران بيت المقدس خراب يثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال) هذه أزواج من الأشياء فكل واحد مرتبط بالثاني، لكن يحتمل أن يكون بين كل زوج والزوج الذي بعده فترة زمنية طويلة.

فإذا عُمِّر بيت المقدس بالمال والرجال والعقار واتسع بناؤه وزاد عن الحد المعروف، فإن ذلك سيكون سبباً في خراب يثرب ، ومعنى ذلك أن الكفار سيستولون على يثرب ويكون لهم صولة بحيث يحدث خراب فيها.

وإذا حدث عمران بيت المقدس وخراب يثرب ؛ فإنه سيكون بعد ذلك خروج الملحمة، وهي الحرب العظيمة التي ستكون بين المسلمين والنصارى، وهي الموقعة التي ستكون بين أهل الشام والروم، كما ذكر شراح الحديث.

وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ، وسيعقب ذلك فتح القسطنطينية التي هي من مدن الكفار، وسيعقب ذلك خروج الدجال، وكل واحد من هذه الأمور أمارة لما يقع بعده.

وقوع فتن الأحلاس والسراء الدهمياء

وقال عليه الصلاة والسلام: (فتنة الأحلاس هرب وحرب) هرب: لأن الناس سيهربون منها من القتل والعداوة، والحَرَبْ: هو نهب الأموال، وقتل الأهل بحيث لا يبقى لأحد مال ولا أهل. (ثم فتنة السراء دخنها) السراء أي: النعمة والرخاء والصحة والعافية، وهي: المعاصي التي تقع بسبب الصحة والعافية. (دخنها من تحت قدم من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع) والورك هو: أعلى الفخذ، والضلع معروف والمقصود: أن الناس سيصطلحون على رجل يبايعونه ويملكونه عليهم، ولا يصلح لأن يكون ملكاً؛ لأنه جاهل ولم تستقم له الأمور، ولكن هذا الذي سيحدث. (كورك على ضلع) يعني: كما أن هذا الورك كبير لا يثبت على الضلع؛ لأن الضلع دقيق، فكذلك لن يثبت أمر هذا الرجل ولن يكون مناسباً نظراً لجهله. (ثم فتنة الدهيماء) الدهيماء أي: العظيمة الكبيرة. (لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت وزادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) فيكون نتيجة التدافع بين الحق والباطل، ونتيجة معترك الأمور وقيام الأحداث بين أهل الحق وأهل الباطل؛ أن يتميز أهل الحق عن أهل الباطل، وهذه من فوائد التدافع الذي ذكره الله عز وجل في كتابه: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [الحج:40].

(فإذا كان ذاكم) إذا حصل تميز الناس إلى الفسطاطين، فانتظروا الدجال من يومه أو من غده، وهذه فتن تقع قبل الدجال.

ومرة أخرى نقول: لا يصلح لأحد الآن أن يقول: أن ما يقع الآن من الأحداث والأشياء التي وقعت وهذه حرب وهروب الناس ونهب الأموال، هذه هي فتنة الأحلاس، ويفسر الحديث بهواه وجهله، لا يجوز ذلك، وإنما نأخذ من الفتن كيف نواجهها، ونتعلم منها دروساً، وقد يمر بنا بعض هذه الفتن، فنعرف الموقف منها، وقد تمر بنا فتن أصغر من الفتن المذكورة بالأحاديث فنعرف كيف نواجهها.

وهذا الحديث يبين لنا أن الصحة والرخاء قد تقع فيها فتن عظمية، ويبين لنا أهمية تميز أهل الإيمان عن أهل النفاق.

وقوع الملحمة بين المسلمين والنصارى

ثم صلى الله عليه وسلم حال المسلمين التي سيكونون فيها عند ظهور الدجال، وهذه الحال ستكون عبارة عن حروب بين المسلمين وبين النصارى، وسيكون فيها النصر في النهاية لأهل الإسلام، ثم يظهر الدجال، فقال عليه الصلاة والسلام: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بـمرج ذي تلول -موضع معين- فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه -أي: يكسر الصليب- فعند ذلك تغدر الروم، وتجمع للملحمة) وزاد بعضهم: (فيثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة).

أي أنه في آخر الزمان قبيل الدجال سيحصل هناك صلح آمن، ولكن الروم وهم النصارى سيغدرون، وسيقوم رجل يتحدى المسلمين بالصليب، فيقوم أحد المسلمين فيكسره، فتقع بعد ذلك معركة، يكون المسلمين في أول الأمر قلة، فيكرم الله القلة من المسلمين التي تواجه النصارى بالشهادة، ثم بعد ذلك يستعد الفريقان لمعركة كبيرة وملحمة عظمية، يكون فيها النصر للمسلمين.

وقد جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تفصيل لهذه الموقعة، (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بـالأعماق أو بـدابق) وهذا موضع قرب حلب في بلاد الشام ، أي يكون هناك موضع الملحمة (فيخرج لهم جيش من المدينة المنورة -من المسلمين- من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا أمام بعض، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منها نقاتلهم) معنى ذلك: أن المسلمين في السابق قد أخذوا سبياً من الروم، وأن هؤلاء الروم قد أسلموا وانضموا للمسلمين، وأن الروم الآن يقولون: هاتوا أصحابنا وأقرباءنا من الروم الذين أسلموا معكم: (فيقول المسلمون: لا ولله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فيهزم ثلث -من جيش المسلمين- لا يتوب الله عليهم أبداً) لأنهم لم يتوبوا من الفرار من الزحف (ويقتل ثلث) أي من المسلمين (أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث الأخير البلاد ويغنم ولا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح -أي الدجال- قد خلفكم في أهليكم، يريد إفزاعهم وتخوفيهم، فيخرجون -المسلمين يخرجون إلى جهة خروج الدجال- وذلك باطل -أي: كلام الشيطان هذا باطل- فإذا جاءوا الشام ، خرج المسيح الدجال فعلاً، فبينما هم يعدون للقتال -لقتال الدجال بعد أن كانوا قد قاتلوا الروم، وما استطاعوا أن يقتسموا الغنائم- يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، فأمهم ...) إلى آخر الحديث.

ثم إنه قد ورد لهذه الغزوة تفاصيل أخرى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام ، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع له أهل الإسلام -يقول الراوي عن ابن مسعود الروم تعن؟ي قال: نعم- وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل).

ثم ملخص الحديث أن هؤلاء الفدائيون من المسلمين الذين يخرجون من جيش المسلمين يقتلون شهداء ،ومرة ثانية وثالثة، لأنهم قلة، ثم بعد ذلك ينهد لهم أهل الإسلام، أي: يجتمع أهل الإسلام من الأماكن المختلفة: (فيجعل الله الدائرة على الكفار فيُقتلون) المسلمين يقتلون من الكفار مقتلة لا يرى مثلها (حتى إن الطائر لا يمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً) بعض السذج من الناس لما قرأ الحديث، قال: هذه إشارة إلى الأسلحة الكيمائية، وهذا من الضلال الذي قلته قبل قليل، وهي تفسير النصوص الشرعية بأشياء من الواقع، وعلى حسب الهوى، وليس بالرجوع إلى كلام أهل العلم (فيتعادوا بنو الأب كانوا مائة، فلا يجد منه -بقي- إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح، أو أي ميراث يقاسم فبينما هم كذلك، إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم).

فإذاً يكون خروج الدجال بعد معركة كبيرة جداً تحصل بين المسلمين والنصارى (إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم من الغنائم، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -طليعة استكشاف عن هذا الدجال-: إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، أو من خير الفوارس على ظهر الأرض يومئذ).

هذا هو ما سيحدث قبيل خروج الدجال، وهذا يبين أن المسلمين في ذلك الوقت في حركة مدافعة ضد الكفار، وحركة جهادية مستمرة، وأن العداوة بيننا وبين النصارى باقية إلى ذاك الزمان، وأن النصارى سيصالحون المسلمين ثم ينقضون الصلح، ويغدرون بالمسلمين، وأن المسلمين في ذاك الوقت الخلص لن يكتفوا بهزيمة النصارى، وإنما سيواصلون المشوار، وهذا درس في أن جهاد هذه الأمة مستمر إلى قيام الساعة، وأن جهاد هذه الأمة متتابع، وأن المخلصين من المسلمين لا يقفون عند حدٍ معين، ولا يكتفون بتحقيق هدف معين، وإنما لا بد من إكمال المشوار، لاقتلاع الشرك من الأرض وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193].

هم ما اكتفوا بالقضاء على شوكة النصارى، ولما سمعوا بالدجال اتجهوا نحو الدجال ولم يشتغلوا بتقسيم الغنائم، وهذا درس في عدم الانشغال بالدنيا.

ثلاث سنوات شداد

ثم إن من الأشياء الأخرى التي ستحدث قبل الدجال قوله صلى الله عليه وسلم: (إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحسب ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة، فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت، إلا ما شاء الله، قيل: يا رسول الله فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتحميد ويجزء ذلك عليهم مجزءة الطعام) كرامة من الله للمسلمين في ذلك الوقت أن يعيشوا على ذكر الله فقط، وهذا يثبت أن للأذكار قوة في البدن ويدل عليه حديث علي وفاطمة لما اشتكت فاطمة تريد خادماً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكما على أمر هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما تسبحان الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان ثلاثاً وثلاثين، وتكبران ثلاثاً وثلاثين) فبين أن هذا الذكر فيه فائدة في تقوية البدن، حتى المرأة المسلمة التي تريد خادمة فعليها بالإكثار من ذكر الله عز وجل، ولذلك دل الرسول الله صلى الله عليه وسلم بنته فاطمة على الإكثار من الذكر، وأخبر أن فيه قوة للبدن.

وقال عليه الصلاة والسلام: (فتنة الأحلاس هرب وحرب) هرب: لأن الناس سيهربون منها من القتل والعداوة، والحَرَبْ: هو نهب الأموال، وقتل الأهل بحيث لا يبقى لأحد مال ولا أهل. (ثم فتنة السراء دخنها) السراء أي: النعمة والرخاء والصحة والعافية، وهي: المعاصي التي تقع بسبب الصحة والعافية. (دخنها من تحت قدم من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع) والورك هو: أعلى الفخذ، والضلع معروف والمقصود: أن الناس سيصطلحون على رجل يبايعونه ويملكونه عليهم، ولا يصلح لأن يكون ملكاً؛ لأنه جاهل ولم تستقم له الأمور، ولكن هذا الذي سيحدث. (كورك على ضلع) يعني: كما أن هذا الورك كبير لا يثبت على الضلع؛ لأن الضلع دقيق، فكذلك لن يثبت أمر هذا الرجل ولن يكون مناسباً نظراً لجهله. (ثم فتنة الدهيماء) الدهيماء أي: العظيمة الكبيرة. (لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت وزادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) فيكون نتيجة التدافع بين الحق والباطل، ونتيجة معترك الأمور وقيام الأحداث بين أهل الحق وأهل الباطل؛ أن يتميز أهل الحق عن أهل الباطل، وهذه من فوائد التدافع الذي ذكره الله عز وجل في كتابه: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [الحج:40].

(فإذا كان ذاكم) إذا حصل تميز الناس إلى الفسطاطين، فانتظروا الدجال من يومه أو من غده، وهذه فتن تقع قبل الدجال.

ومرة أخرى نقول: لا يصلح لأحد الآن أن يقول: أن ما يقع الآن من الأحداث والأشياء التي وقعت وهذه حرب وهروب الناس ونهب الأموال، هذه هي فتنة الأحلاس، ويفسر الحديث بهواه وجهله، لا يجوز ذلك، وإنما نأخذ من الفتن كيف نواجهها، ونتعلم منها دروساً، وقد يمر بنا بعض هذه الفتن، فنعرف الموقف منها، وقد تمر بنا فتن أصغر من الفتن المذكورة بالأحاديث فنعرف كيف نواجهها.

وهذا الحديث يبين لنا أن الصحة والرخاء قد تقع فيها فتن عظمية، ويبين لنا أهمية تميز أهل الإيمان عن أهل النفاق.