فضيحة المشعوذين [2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعــد:فقد تحدثنا في الخطبة الماضية -أيها الإخوة- عن أمرٍ من مظاهرة شياطين الجن لشياطين الإنس، وشيءٍ من ماهية العلاقة بين شياطين الجن وشياطين الإنس، وأن هذه المؤامرة لا تزال مستمرة لحرف الناس عن التوحيد، وإيقاعهم في الشرك، ولا تزال تسمع بين الفينة والأخرى عن قصصٍ عجيبة غريبة تدل على كثرة وقوع الناس في زماننا في حبال الشعوذة والدجل، وكثرة إتيانهم وغشيانهم للسحرة والعرافين والكهان، وهذا أمرٌ يصادم التوحيد بالكلية، وهو أمرٌ خطيرٌ ينبغي أن يتصدى له دعاة التوحيد، وهذا شأنهم دائماً وأبداً أن يبينوا للناس أن أعظم معروفٍ جاءت به الرسل هو التوحيد، وأعظم منكرٍ نهت عنه الرسل هو الشرك.

لقد بين الله سبحانه وتعالى هذه العلاقة بين شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، ويبن الله لنا كيف استهوت بعض شياطين الجن المشركين فعبدوهم: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6] قال المفسرون: كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بالوادي في طريق سفره قال: أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فلما استغاثت الإنس بالجن، ازدادت الجن طغياناً وكفراً، كما قال سبحانه تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6] ولذلك فإن المسلم لا ينخدع أبداً بما يراه ويسمعه من أفعال هؤلاء الشياطين، مهما كانت الحيل، ومهما كانت الخوارق التي يظهرونها على أنها خوارق، ومهما كان التعاون بين شياطين الإنس والجن من هؤلاء الكهنة والعرافين والمشعوذين، مهما ظهر من الأشياء الغريبة والعجيبة، فإن المؤمن يبقى على الثوابت التي جاءت بها شريعته، ولا يستجرينه الشيطان، ولا تخدعه هذه التصرفات، فإنه ولله الحمد على إيمانٍ ودينٍ وتوحيد.

كلام شيخ الإسلام عما يفعله الجن للمشعوذين

ولما كان من واجب أهل العلم كشف هذه الأشياء سطر ذلك العلماء في كتبهم، وذكرنا شيئاً مما بسطه شيخ الإسلام رحمه الله عن هذا التعاون، وعن الأشياء التي ظهرت في عهده، وهي في عهدنا موجودة بدرجة كبيرة إن لم تكن أكثر، ذكر رحمه الله فعل هؤلاء الشياطين الذين كانوا يطيرون بأوليائهم في الهواء وينقلونهم من مكان إلى مكان، ويأتون لهم بأشياء يطلبونها، ولكنهم لا يفعلون لهم ذلك إلا إذا كفروا معهم بالله رب الأرض والسماوات، وفعلوا المنكرات والموبقات، وإن تظاهروا بالصلاح والتقوى، ولذلك لما تكلم رحمه الله تعالى عن الحلاج الذي يقدسه اليوم بعض مفكري القرن العشرين، ويكتبون عنه على أنه شهيد الثورة والإصلاح، وإنما كان دجالاً من الدجاجلة، وكان مشركاً بالله تعالى، قال: كان له شياطين تخدمه أحياناً، وكان بعض أتباعه معه على جبل أبي قبيس فطلبوا منه حلاوة، فذهب إلى مكانٍ قريبٍ فجاء بصحن حلوى، فكشفوا الأمر بعد ذلك فوجدوه قد سُرق من دكان حلوى بـاليمن، حمله شيطان تلك البقعة.

قال رحمه الله: ونحن نعرف كثيراً من هؤلاء في زماننا وغير زماننا، مثل شخصٍ هو الآن بـدمشق كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلى قرية حول دمشق، فيجيء من الهواء إلى نافذة البيت الذي فيه الناس، فيدخل وهم يرونه، ويجيء بالليل إلى باب الصغير فيعبر منه هو ورفيقه وهو من أفجر الناس، وكذلك كان بـالشوبك وهي قلعة من أطراف الشام يأتي من قرية يُقال لها: الشاهدة ، يطير في الهواء إلى رأس الجبل والناس يرونه، يحمله ذلك الشيطان يقطع به الطريق، ثم إن هؤلاء الشياطين يسألونهم أموراً كبقرٍ وخيلٍ يخنقونها خنقاً لا يذكرون اسم الله تعالى عليها، وهؤلاء الذين يتعاونون مع الشياطين منهم من يطير في الهواء والشيطان طائرٌ به، ومنهم من يصرع الحاضرين وشياطينه تصرعهم يقول: أنا أصرع أمامكم شخصاً فيسقط شخصاً بالفعل، ويكون الشيطان الذي مع هذا الرجل هو الذي صرع ذلك الرجل، فيحسب الجاهلون أنها كراماتٌ من كرامات أولياء الله المتقين.

قال رحمه الله تعالى: فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها، وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر ويقول له: هنيئاً لك يا ولي الله والشياطين هي التي تخاطبه، فإذا قرأ آية الكرسي ذهب ذلك، وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها فخاطبه، ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح، ومنهم من تأتيه الشياطين بمن يهواه من امرأة أو صبيٍ لفعل الفاحشة من زناً ولواط، وبعض هؤلاء إما أن يؤتى بهم إليه مدفوعاً ملجئاً مكرها أو مختاراً.

إلى هذه الدرجة يصل التعامل بينهم إلى قيادة هؤلاء لعمل الفاحشة، وكذلك فإنه رحمه الله قد بين أن بعض هؤلاء الشياطين يتنزلون بأشياء من المكاشفات والتأثيرات على هؤلاء، فيُسمعونهم كلاماً كما كانت الشياطين تدخل في الأصنام وتكلم عابديها في الجاهلية، وفي غير الجاهلية بعد الإسلام، فيتخيل هؤلاء أن الأصنام تتكلم، ثم بين رحمه الله تعالى أن هؤلاء يجتمعون في أماكن الخبث، والأماكن المقفلة المهجورة، وأماكن القمامة والأوساخ، نظراً لأن الشياطين تغشى تلك الأماكن.

قال رحمه الله: ولما كان الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله؛ صارت الشياطين كثيراً ما تأوي إلى المغارات والجبال مثل: مغارة الدم التي بـجبل قاسيون وجبل لبنان الذي بساحل الشام ، وجبل الفتح بـأسوان مصر ، وجبالٍ بالروم وخراسان والجزيرة وجبل اللكامي والأحيس وجبل سولانا قرب أردبيل ، وغير ذلك من الجبال التي يظن بعض الناس أن بها رجالاً من الصالحين يعتقدون أن فيها أولياء، ويسمونهم رجال الغيب، وإنما هم رجالٌ من الجن؛ فالجن رجال كما أن الإنس رجال، قال الله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6] قال رحمه الله: ومن هؤلاء من يظهر بصورة رجلٍ شعرانيٍ جلده يشبه جلد الماعز، فيظن من لا يعرفه أنه إنسيٌ وإنما هو جني، فهذا من التلبيسات أيضاً، وكذلك التحول إلى الصور والأشكال يساعدهم على ذلك.

قصة من الواقع: فضيحة مشعوذ

بعد الخطبة الماضية -أيها الإخوة- حضر لدي أحد الإخوان فقال: بمناسبة هذه الخطبة أخبرك عما وقع لي: سمعت أن شيخاً في القرية عندنا وليٌ من أولياء الله وعنده كراماتٌ وخوراق، فذهبت إليه، قال: فمن يوم أن لقيته قال: أهلاً بفلان، وسماني باسمي، ولم أكن رأيته من قبل، واستغربت ودهشت كيف عرف اسمي!! ثم بعد ذلك لزمته وصرت معه أخدمه على أني أخدم الشيخ، وأتقرب إلى الله بتلك الخدمة، وكنت أرى منه عجائب قال وهو يحدثني هذا الشخص: وكنت معه مرة في الغرفة، فالتفتُّ فجأة إليه فإذا شكله قد تغير وصار أقرب ما يكون إلى الشبح، فقلت له: شبهه لي بأي صورة؟ قال: أقرب ما يكون إلى شكل الخنزير، ثم عاد إلى شكله مرة أخرى، إلى هيئته الإنسية التي أعرفها، قال: وأتيته مرة بفتاة أوصتني أمها بالذهاب بها إلى هذا الشيخ، لأن الخطاب ينفرون منها، ولم يكتب لها نصيبٌ في الزواج، فخشيت عليها من العنوسة، قال: فذهبت بها إليه فجلس كأنه يقرأ عليها فذهبت لشيءٍ ثم جئت على حين غفلة، فرأيته يقبلها، ففوجئ لما رآني، وجعل يتمتم كأنه يأخذ عليها العهد بالانتساب إلى الطريقة، وذكر أشياء أخرى. والمهم -أيها الإخوة- أن هؤلاء الناس موجودون إلى الآن، وأن الناس يُفتنون بهم، وأنهم أصحاب فواحش، وهذا الذي يزعم أنه شيخ قال له في آخر الجلسة: اذهب إلى أهلك وأنا أوصلها إلى بيتها، فماذا وراء ذلك إلا فعل الحرام؟ وماذا وراء التعامل مع الشياطين إلا التلبيس على السذج والمساكين، ولذلك إذا قال لك أحد هؤلاء الذين يدعون أنهم يقرءون على المصروعين، ويخرجون السحر ويفكونه إذا قال: لا تدخل مع زوجتك أو لا بد أن أقرأ عليها لوحدها، فاعلم أنه دجالٌ كذاب أشر، وأنه أفاكٌ أثيم: (ما اختلى رجلٌ بامرأةٍ إلا كان الشيطان ثالثهما).

بعض حيل المشعوذين

واعلموا -عباد الله- أن هذا شيءٌ موجودٌ واقعٌ عند هؤلاء الدجالين، يطلب الخلوة بالمرأة لكي يُخرج منها الشيطان بزعمه، وهو يريد من وراء ذلك فعل الحرام، وقضاء شهوته ووطره، ولذلك فإن الموحد يعلم علم اليقين أن مثل هذا مخالفٌ لدين الله، مخالفٌ لشريعة الإسلام.

ومن حيل هؤلاء.. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويحكى عن شيخٍ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس، فيأتي أهل ذلك المصروع إلى الشيخ يطلبون إبرائه، فيرسل إلى أتباعه من الشياطين فيفارقون المصروع ويقوم ليس به بأس، فيعطون ذلك الشيخ دراهم كثيرة، إذاً العملية عملية ابتزاز، هذا يعمل السحر وهذا يفكه، وهذا يصرعه، وهذا يخرج منه الجن، ويقوم المصروع سواءً كان بالتعاون بينهم أو كان نفس هذا الدجال الذي يرسل شيطانه ليصرع الإنس ثم يخرجه هو، ويأخذ الأشياء ويسرقها ذلك الشيطان ثم يخبرهم بمكانها، فالعملية صارت عملية تجارة، هذا يدخل الجني ثم يخرجه، وهذا يعمل لهم سحراً ثم يفكه، وهؤلاء يدفعون، ولو كانوا يتحصنون بكتاب الله ما جعلوا للشياطين عليهم سبيلاً.

أقول لكم بصدقٍ وإخلاصٍ أيها الإخوة: إن هذه العملية نصبٌ واحتيال، ومع ذلك فالناس لا يزالون يذهبون إلى السحرة والمشعوذين الذين يعقدون السحر ويفكونه، أو يتعاونون فيما بينهم على ذلك، ويدعون المغيبات، وقد حصلت قصص ذكرها العلماء، ذكروا أن رجلاً عند أميرٍ في مجلس فيما مضى من الزمان تحدى الناس أن يعلم عدد الحصى في يد كل شخصٍ، فكان الناس يأخذون كفاً من الحصى فيعدونها ثم يخبرهم بعددها ويكون كلامه صحيح، حتى جاء رجلٌ من الموحدين ممن يعرف تلك الحيل فقال: أنا أقبض كفاً من حصى وأتحداك أن تعرف عددها فأخذ كفاً من حصى وقال: بسم الله ولم يعد، ثم قال: كم في كفي؟ قال: عدها حتى إذا قلت لك يكون الجواب مطابقاً، قال: لا أعدها إلا بعد أن تخبرني، فأخبره بعددٍ فلما عد ما في يده كان الذي أخبره به خطأً، ثم أخبرهم بأن القرين من الجن الذي يكون مع هذا العاد يعد معه ويعرف العدد، فيخبر قرين ذلك الدجال أو الذي يدعي معرفة المخبئات بالعدد، فيخبره لصاحبه ثم يخبر الناس، إذاً فهذا النوع من التعاون لا يمكن أن يخفى على الموحدين ولا أن يذهبوا بعد ذلك إلى الدجالين والمشعوذين، ثم إن بعض هؤلاء يأخذون أموال الناس ظلماً إما بالسرقة، وإما بغيرها من النصب والاحتيال.

واحد يُتصل به بالهاتف (مكالمات خارجية) يقول: لا أخبركم بمكان السحر ولا بعلة صاحبكم حتى تحولوا لي مبلغ خمسمائة ريال، أو ألف وخمسمائة أو أكثر، وتحول المبالغ إلى ذلك الدجال، ليخبرهم عبر الهاتف أين يوجد السحر، وما هي علة هذا الرجل، ومن الذي سحر صاحبهم، ونحو ذلك من الكلام، هذا ما يحدث حقاً وحقيقةً من النصب والاحتيال على هؤلاء المساكين، والسبب ضعف الإيمان لم يتحصنوا بـ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] .. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] .. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وآية الكرسي، وباسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، وأعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ فصاروا نهباً للشياطين.

كذب المشعوذين في عملية تحضير الأرواح

وذكرنا كذلك أن ما قام من سوق تحضير الأرواح، وأن بعض الناس يستطيع أن يحضر روح القريب من أبٍ أو أمٍ ونحو ذلك وأنه كله دجل، وأن بعضه من التعاون مع الشياطين الذين يستطيعون التشكل فيأتون الإنسان بصورة أبيه الميت، أو أمه، ونحو ذلك، وقد حكى بعضهم تجربته عن ذلك فقال: ذهبت إلى هذا الذي يقول: إنه تعلم تحضير الأرواح بأذكارٍ وأمورٍ يقرأها، وتلاواتٍ ورياضاتٍ وممارسات، فأكون معه على الطعام فتأخذه الإغفاءة المعهودة فيميل رأسه إلى الأمام وتلتصق ذقنه بصدره ثم يحثني الزائر الذي يزعم أنه ملك أو أبو هريرة أو أبو الحسن الشاذلي أو نحو هؤلاء بأمور، ثم وعدوني وبشروني بقرب زيارة والدي الميت لي في وقتٍ عينوه، وانتظرت الموعد بلهف، وطلبوا مني أن أقرأ سورة الواقعة، إذاً يمكن من طرق التلبيس أن يطلبوا من الشخص أن يقرأ سورة من القرآن، ثم قالوا: سيحضر والدك بعد لحظات، ولكن بشرط لا تسأله عن شيء، وبعد دقائق جاء شخصٌ، ودخل فزعم أنه أبي في شكله، وسلم علي وأظهر سروره بلقائي، وأوصاني أن أعتني بهذا الشيخ وأهله، وأنه فقير محتاج إلى المال، وهذا هو لب القضية (الاحتيال المالي) وبعض الدجالين لكي يخفي أمره بزيادة لا يطلب مالاً في البداية، كنا نقول للناس: إنهم لا يستعملون القرآن، وبعض الدجالين يستعملونه تلبيساً، وقلنا لهم: يحتالون لأخذ المال، وبعض الدجالين يقولون لمن يأتيهم في البداية: لا نريد منكم مالاً، لا نريد إلا وجه الله: لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9] ولكن بعد ذلك يبدءون بأخذ الأموال.

فإذاً لا بد من معرفة الواقع ولماذا قالوا له: لا تسأله عن شيء؟ أو يأتي شكلٌ يخاطبه بالخفاء يقول: أنا روح أبيك ويخبره عن أشياء لا يعرفها إلا هذا الولد فعلاً، ولكن يعرفه القرين ويعرفه الجن المحيطون به، ويخبرون ذلك الشخص فيظنه حقاً وهو دجل وتلبيس، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال: (وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانانِ في صورة أبيه وأمه فيقولان له: يا بني اتبعه فإنه ربك) الحديث في سنن ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يخبر أن من فتنة الدجال يبعث له شيطانان في صورة أبيه وأمه الميتين.

ثم إن مما يدل على كذبهم في عملية تحضير الأرواح أن الله يقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً [الزمر:42] ويستيقظ الإنسان من نومه، أما الذي يموت في المنام وهو نائم وعددٌ من الناس ماتوا في نومهم، يمسك الله أرواحهم فإذا كان الله يمسكها، فهل تستطيع الروح أن تأتي لهذا الولد؟ ! وإذا وكل الله بالأرواح ملائكة يعذبونها إن كانت شقية كافرة، وينعمونها إن كانت صالحة، فهل يستطيع أحدٌ أن يخرج روح الميت من قبضة الملائكة الموكلين بها؟! فإذا كانت الأرواح ممسكة عند ربها بحسب الآية وموكلٌ بها حفظة أقوياء مهرة، فهل يمكن أن تتفلت لتأتي إلى رجلٍ يقول إنه حضر روح فلان وفلان؟! وإذا كان هذا الشخص الميت صالحاً ينعم في قبره، أو من الشهداء الذين أخبرنا الله عنهم وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم عنهم: (إن أرواح الشهداء في حواصل طيرٍ خضر تسرح بهم في رياض الجنة) فهل هذه الروح مستعدة أن تترك النعيم لتأتي إلى هذا الرجل، أو إلى الشيطان، أو إلى الجني، أو إلى الدجال، أو إلى الذي يحضر الأرواح ليلتقي بولده وهو منعمٌ أصلاً في ذلك المكان؟! إذاً: المسألة واضحة ولله الحمد والمنة.

ولما كان من واجب أهل العلم كشف هذه الأشياء سطر ذلك العلماء في كتبهم، وذكرنا شيئاً مما بسطه شيخ الإسلام رحمه الله عن هذا التعاون، وعن الأشياء التي ظهرت في عهده، وهي في عهدنا موجودة بدرجة كبيرة إن لم تكن أكثر، ذكر رحمه الله فعل هؤلاء الشياطين الذين كانوا يطيرون بأوليائهم في الهواء وينقلونهم من مكان إلى مكان، ويأتون لهم بأشياء يطلبونها، ولكنهم لا يفعلون لهم ذلك إلا إذا كفروا معهم بالله رب الأرض والسماوات، وفعلوا المنكرات والموبقات، وإن تظاهروا بالصلاح والتقوى، ولذلك لما تكلم رحمه الله تعالى عن الحلاج الذي يقدسه اليوم بعض مفكري القرن العشرين، ويكتبون عنه على أنه شهيد الثورة والإصلاح، وإنما كان دجالاً من الدجاجلة، وكان مشركاً بالله تعالى، قال: كان له شياطين تخدمه أحياناً، وكان بعض أتباعه معه على جبل أبي قبيس فطلبوا منه حلاوة، فذهب إلى مكانٍ قريبٍ فجاء بصحن حلوى، فكشفوا الأمر بعد ذلك فوجدوه قد سُرق من دكان حلوى بـاليمن، حمله شيطان تلك البقعة.

قال رحمه الله: ونحن نعرف كثيراً من هؤلاء في زماننا وغير زماننا، مثل شخصٍ هو الآن بـدمشق كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلى قرية حول دمشق، فيجيء من الهواء إلى نافذة البيت الذي فيه الناس، فيدخل وهم يرونه، ويجيء بالليل إلى باب الصغير فيعبر منه هو ورفيقه وهو من أفجر الناس، وكذلك كان بـالشوبك وهي قلعة من أطراف الشام يأتي من قرية يُقال لها: الشاهدة ، يطير في الهواء إلى رأس الجبل والناس يرونه، يحمله ذلك الشيطان يقطع به الطريق، ثم إن هؤلاء الشياطين يسألونهم أموراً كبقرٍ وخيلٍ يخنقونها خنقاً لا يذكرون اسم الله تعالى عليها، وهؤلاء الذين يتعاونون مع الشياطين منهم من يطير في الهواء والشيطان طائرٌ به، ومنهم من يصرع الحاضرين وشياطينه تصرعهم يقول: أنا أصرع أمامكم شخصاً فيسقط شخصاً بالفعل، ويكون الشيطان الذي مع هذا الرجل هو الذي صرع ذلك الرجل، فيحسب الجاهلون أنها كراماتٌ من كرامات أولياء الله المتقين.

قال رحمه الله تعالى: فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها، وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر ويقول له: هنيئاً لك يا ولي الله والشياطين هي التي تخاطبه، فإذا قرأ آية الكرسي ذهب ذلك، وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها فخاطبه، ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح، ومنهم من تأتيه الشياطين بمن يهواه من امرأة أو صبيٍ لفعل الفاحشة من زناً ولواط، وبعض هؤلاء إما أن يؤتى بهم إليه مدفوعاً ملجئاً مكرها أو مختاراً.

إلى هذه الدرجة يصل التعامل بينهم إلى قيادة هؤلاء لعمل الفاحشة، وكذلك فإنه رحمه الله قد بين أن بعض هؤلاء الشياطين يتنزلون بأشياء من المكاشفات والتأثيرات على هؤلاء، فيُسمعونهم كلاماً كما كانت الشياطين تدخل في الأصنام وتكلم عابديها في الجاهلية، وفي غير الجاهلية بعد الإسلام، فيتخيل هؤلاء أن الأصنام تتكلم، ثم بين رحمه الله تعالى أن هؤلاء يجتمعون في أماكن الخبث، والأماكن المقفلة المهجورة، وأماكن القمامة والأوساخ، نظراً لأن الشياطين تغشى تلك الأماكن.

قال رحمه الله: ولما كان الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله؛ صارت الشياطين كثيراً ما تأوي إلى المغارات والجبال مثل: مغارة الدم التي بـجبل قاسيون وجبل لبنان الذي بساحل الشام ، وجبل الفتح بـأسوان مصر ، وجبالٍ بالروم وخراسان والجزيرة وجبل اللكامي والأحيس وجبل سولانا قرب أردبيل ، وغير ذلك من الجبال التي يظن بعض الناس أن بها رجالاً من الصالحين يعتقدون أن فيها أولياء، ويسمونهم رجال الغيب، وإنما هم رجالٌ من الجن؛ فالجن رجال كما أن الإنس رجال، قال الله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6] قال رحمه الله: ومن هؤلاء من يظهر بصورة رجلٍ شعرانيٍ جلده يشبه جلد الماعز، فيظن من لا يعرفه أنه إنسيٌ وإنما هو جني، فهذا من التلبيسات أيضاً، وكذلك التحول إلى الصور والأشكال يساعدهم على ذلك.

بعد الخطبة الماضية -أيها الإخوة- حضر لدي أحد الإخوان فقال: بمناسبة هذه الخطبة أخبرك عما وقع لي: سمعت أن شيخاً في القرية عندنا وليٌ من أولياء الله وعنده كراماتٌ وخوراق، فذهبت إليه، قال: فمن يوم أن لقيته قال: أهلاً بفلان، وسماني باسمي، ولم أكن رأيته من قبل، واستغربت ودهشت كيف عرف اسمي!! ثم بعد ذلك لزمته وصرت معه أخدمه على أني أخدم الشيخ، وأتقرب إلى الله بتلك الخدمة، وكنت أرى منه عجائب قال وهو يحدثني هذا الشخص: وكنت معه مرة في الغرفة، فالتفتُّ فجأة إليه فإذا شكله قد تغير وصار أقرب ما يكون إلى الشبح، فقلت له: شبهه لي بأي صورة؟ قال: أقرب ما يكون إلى شكل الخنزير، ثم عاد إلى شكله مرة أخرى، إلى هيئته الإنسية التي أعرفها، قال: وأتيته مرة بفتاة أوصتني أمها بالذهاب بها إلى هذا الشيخ، لأن الخطاب ينفرون منها، ولم يكتب لها نصيبٌ في الزواج، فخشيت عليها من العنوسة، قال: فذهبت بها إليه فجلس كأنه يقرأ عليها فذهبت لشيءٍ ثم جئت على حين غفلة، فرأيته يقبلها، ففوجئ لما رآني، وجعل يتمتم كأنه يأخذ عليها العهد بالانتساب إلى الطريقة، وذكر أشياء أخرى. والمهم -أيها الإخوة- أن هؤلاء الناس موجودون إلى الآن، وأن الناس يُفتنون بهم، وأنهم أصحاب فواحش، وهذا الذي يزعم أنه شيخ قال له في آخر الجلسة: اذهب إلى أهلك وأنا أوصلها إلى بيتها، فماذا وراء ذلك إلا فعل الحرام؟ وماذا وراء التعامل مع الشياطين إلا التلبيس على السذج والمساكين، ولذلك إذا قال لك أحد هؤلاء الذين يدعون أنهم يقرءون على المصروعين، ويخرجون السحر ويفكونه إذا قال: لا تدخل مع زوجتك أو لا بد أن أقرأ عليها لوحدها، فاعلم أنه دجالٌ كذاب أشر، وأنه أفاكٌ أثيم: (ما اختلى رجلٌ بامرأةٍ إلا كان الشيطان ثالثهما).