لغتنا الجميلة هل نعود إليها [1]؟


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى أنزل علينا الكتاب باللغة العربية، فقال عز وجل: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت:3] أي: بُينّت معانيه وأحكمت أحكامه، قرآناً عربياً بيناً واضحاً، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحةٌ غير مشكلة، أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، فهو معجز في لفظه ومعناه قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر:28] نزل بلسان عربي مبين، لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيانٌ ووضوحٌ وبرهانٌ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [طـه:113]، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195] أنزل الله القرآن بلسان عربي فصيح لا لبس فيه ولا عيب وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً [الرعد:37] محكماً معرباً، واضحاً جلياً مبيناً إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2].

سبب نزول القرآن باللغة العربية

وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنفوس، لا يضيق صدر العربي الفصيح أن يعبر عما فيه، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدأ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، في أشرف ليالي العام في ليلة القدر، فكمل الكتاب من كل الوجوه وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:192-195] تكلم الله بالقرآن بالعربية حرفاً وصوتاً، وأنزله سبحانه وتعالى باللغة العربية، وتكلم به إلى جبريل، وأسمعه جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم باللغة العربية، ولما اتهم الكفار محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه أتى بالقرآن من نجار رومي بـمكة نصراني تعلم منه القرآن، فقال الله رداً على هذه الفرية: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] ذلك النصراني رومي لسانه أعجمي، وهذا لسانٌ عربيٌ مبينٌ، فكيف يخرج العربي المبين من فم رجل نصراني رومي؟!

وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنفوس، لا يضيق صدر العربي الفصيح أن يعبر عما فيه، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدأ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، في أشرف ليالي العام في ليلة القدر، فكمل الكتاب من كل الوجوه وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:192-195] تكلم الله بالقرآن بالعربية حرفاً وصوتاً، وأنزله سبحانه وتعالى باللغة العربية، وتكلم به إلى جبريل، وأسمعه جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم باللغة العربية، ولما اتهم الكفار محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه أتى بالقرآن من نجار رومي بـمكة نصراني تعلم منه القرآن، فقال الله رداً على هذه الفرية: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] ذلك النصراني رومي لسانه أعجمي، وهذا لسانٌ عربيٌ مبينٌ، فكيف يخرج العربي المبين من فم رجل نصراني رومي؟!

اللغة العربية كانت هي لغة الأقوام العرب الأولى، من العرب البائدة من عاد وثمود، والعرب الباقية من جرهم وقحطان وحمير، حتى ظهر إسماعيل عليه السلام، فصارت نقلة عظيمة في عالم اللغة العربية، فقد جاء في الحديث الصحيح في قصة إسماعيل لمّا ضرب جبريل الأرض، فنبع ماء زمزم، وجاءت قبيلة جرهم، ونزلوا عند أم إسماعيل ، قال عليه الصلاة والسلام: (وشب الغلام) وفي رواية: (ونشأ إسماعيل بين ولدانهم، وتعلم العربية منهم) تعلم العربية من جرهم، ثم حدثت النقلة، فجاء في الحديث: (أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل عليه السلام) وجاء في حديث ابن عباس : (أول من نطق بالعربية إسماعيل عليه السلام) قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن: (أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل) وبهذا القيد يجمع بين الخبرين، فيكون بعد تعلمه أصل اللغة من جرهم ألهمه الله العربية الفصحى فنطق بها، ومن هنا قال بعض العلماء: إن اللغة العربية وحي. فإذاً تعلم إسماعيل أصل اللغة من جرهم، ثم ألهمه الله النطق بالعربية الفصحى، قال أهل السير: إن عربية إسماعيل أفصح من عربية يعرب وقحطان وجرهم، فصارت العربية على لسان إسماعيل العربية الفصحى بإلهام من الله تعالى، ثم حدثت النقلة العظيمة بنزول القرآن باللغة العربية، فبلغت اللغة أوجَّ مجدها وقمة عزها؛ حينما صارت لغة الإسلام ونزل بها القرآن، وتحدى الله فصحاء العرب أن يأتوا بمثله فعجزوا، وبسورة فعجزوا، وبآية فعجزوا، فنادى عليهم بالعجز إلى يوم الدين .. قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88].

ووجد العرب في القرآن ألفاظاً ووجوهاً من لغة لم يسمعوا بها من قبل، ولم تعرف إلا من القرآن.

تكلم الله بالعربية، وأنزل القرآن بالعربية، وصارت هذه اللغة مقوماً أساسياً من مقومات وجود الأمة، صارت علامةً فارقة، وتمييزاً للأمة.

تعلُّم اللغة العربية

قال شيخ الإسلام رحمه الله: اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإن فهم الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان؛ على كل واحد بعينه، ومنها ما هو واجب على الكفاية؛ على بعض الأمة دون الآخرين. وجاءت الآثار عن السلف بتعلم اللغة العربية وإعراب القرآن وأمرنا بتعلم اللغة العربية.

وأجمع العلماء على أن معرفة النحو من شروط الاجتهاد، وحثُّوا على تعلمها، وقال بعض أهل العلم: من شروط المفتي أن يعرف من اللغة والنحو ما يعرف به مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم في خطابهما، وقال بعض السلف : تعلموا النحو كما تتعلمون الفرائض والسنن. وقال النووي رحمه الله: وعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، واللحن هو الخطأ، كنصب المرفوع ورفع المجرور ونحو ذلك.

وقال الشعبي رحمه الله: النحو في العلم كالملح في الطعام لا يستغنى عنه. وكره الإمام أحمد -رحمه الله- أشد الكراهية تسمية الشهور بالفارسية، وهذا له وجهان كما قال شيخ الإسلام رحمه الله:

الوجه الأول: إذا لم يُعرف المعنى جاز أن يكون محرماً، واليوم يعرف الكثيرون أن أسماء بعض الشهور بلغة الأعاجم التي نستعملها في جميع الشركات، وبعض الشهور لها علاقة بأسماء الآلهة التي يعبدها الكفار، ومن هذا الباب منع العلماء الرقية بالأعجمية خوفاً أن يكون فيها شركٌ وما لا يجوز.

الوجه الثاني: نهى الإمام أحمد -رحمه الله- عن تسمية الشهور بغير العربية، واستعمال الأسماء الأعجمية؛ كراهة أن يتعود الرجل النطق بغير العربية، فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، وأمة الإسلام تتميز باللغة العربية، فإنها لغتها، ولغة كتابها، وشرح الكتاب والسنة بها.

وقد تكلم الفقهاء في حكم الأذكار والأدعية في الصلاة بغير العربية، وفرقوا بين القادر والعاجز، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما الخطاب بالأعجمية من غير حاجة في أسماء الناس والشهور، فهو منهيٌ عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب وكره الشافعي رحمه الله لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها وأن يتكلم بها خالطاً لها بغيرها وهذا الذي قاله الأئمة مأثورٌ عن الصحابة والتابعين، وقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم] وسمع محمد بن سعد بن أبي وقاص قوماً يتكلمون بالفارسية، فقال: [ما بال المجوسية بعد الحنيفية؟ٍ] جاء الله بالحنيفية وباللغة العربية، فما بالكم تستعملون اللغة المجوسية الفارسية بدلاً من الحنفية ولغتها اللغة العربية؟! وإسناده صحيح.

الخلط بين العربية وغيرها

هذا بيانٌ لما يقع فيه كثيرٌ من الناس اليوم من الكلام في مدارسهم ومكاتبهم وبيوتهم من لغة الأعاجم، والذين يتباهون بها، والذين يظنون أنهم يكونون في تقدم وحضارة إذا تكلموا بها، ثم إن المؤسف أن تجد هؤلاء يخلطون اللغة العربية باللغة الأعجمية خلطاً مقرفاً مقززاً مشوهاً للغة العربية، وقد يقول بعض الناس: إنها تصدر بغير قصد بعض الكلمات، قال شيخ الإسلام رحمه الله: جاء عن بعض السلف أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة -أي: كلمات قليلة قد تدخل في عرض الكلام- من الأعجمية. فالكلمة بعد الكلمة من الأعجمية، ليس المقصود بها كلمة عربية وكلمة أعجمية، كلا! إنما المقصود: كلمات نادرة تأتي في عرض الحديث، قال شيخ الإسلام : فالكلمة بعد الكلمة من الأعجمية أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجمياً، فيضطرون للإتيان ببعض الكلمات ليفهم، أو قد اعتاد الأعجمية فيريدون تقريب الأفهام إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ، وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر بها أبوها، فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصةً -أي: فستاناً قصيراً- وقال: (يا أم خالد هذا سنا). وسنا بلغة الحبشة : الحسن الجميل.

ثم قال رحمه الله: وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام، ولغة القرآن؛ حتى يصير ذلك عادةً للمصر وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروهٌ؛ فإنه من التشبه بالأعاجم، وقد نهينا عن التشبه بالكفرة (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم).

قال رحمه الله: ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلها رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلها فارسية، والمغرب ولغة أهلها بربرية؛ عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم -حتى الكافر- في البلاد التي فتحها المسلمون عودوهم العربية لتكون معبراً وقناةً تدخل من خلالها الدعوة، ومنفذاً إلى القرآن والسنة، وبدون لغة لا يوجد فهم. وانظر الآن إلى حال المسلمين، فإنهم يفتحون الكتاب العزيز وكثيراً من الكلمات لا يفهمونها فضلاً عن الأحاديث، ولا مراد الله بها، ولا المقصود منها، ولا الأحكام التي تضمنتها، ما هو السبب؟ عدم فقه اللغة، وعدم معرفة معانيها، فإن ضعف اللغة العربية أثرّ تأثيراً مباشراً وواضحاً في فهم الكتاب والسنة.

ثم يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إنهم -أي: المسلمون المتأخرون الذين جاءوا من بعد- تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورةً عند كثيرٍ منهم، ولا ريب أن هذا مكروهٌ، وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية.

كيف نعالج هذه القضية؟ كيف نوجد الحل؟

قال: اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في المكاتب -أي: مدارس الصبيان- في المكاتب، وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله.

الآن بالعكس تماماً، تدريس اللغة الإنجليزية للأطفال في الروضة، ومخاصمة القائمين على المدارس: لماذا لا تزيدون حصص اللغة الإنجليزية؟ وبعض الآباء يتعمدون اليوم الخطاب مع أبنائهم بلغة الكفرة داخل بيوتهم، وفي السيارة، وفي الطريق، يقولون: ليتعلم الولد اللغة مبكراً، ويضرون لغته الأصلية، ويضرون فهمه وعقله بازدواجية في اللغة، وقد أكد علماء التربية حتى من غير المسلمين على أنها ضارة، ونصوا في دول الكفر على عدم السماح بتعلم الولد في المرحلة المبكرة في سن الطفولة لغةً أخرى غير اللغة القومية، ولا يمكن أن تجد في فرنسا مثلاً روضة أطفال يتعلم مع الفرنسية اللغة العربية، أو لغة أجنبية؛ لأن قانون حماية الثقافة الفرنسية والإنجليزية وغيرها لا يمكن أن يسمح بتعلم لغةٍ أخرى، ونحن نرحب ونسهل ونهلل بأولادنا إذا نطقوا باللغة الإنجليزية، وترى كلمات التشجيع تنطلق مادحةً للولد إذا رطن بالأعجمية، وبعض أولاد المبتعثين إلى الخارج رجعوا الآن ولا يفقهون اللغة العربية، وصرت تحتاج أن تترجم لولد عربي ابن عربي اللغة العربية.

وهذا من فتح الطريق لاقتباس ثقافات القوم الكفرة، وعادات القوم الكفرة، وفهم أغاني الكفرة، وغير ذلك من أفلام الكفرة، ومجلات الكفرة، وكتب الكفرة؛ لأن الأولاد صاروا يحسنون اللغة الإنجليزية، فلم نستفد الفائدة الصحيحة، ولم نعلم الأولاد اللغة الإنجليزية في السن الصحيح، ولا بالكيفية الصحيحة، ولا ليستفيدوا المعارف التي يحتاجها المسلمون، وإنما فتحنا الباب على مصراعيه، فصرنا نتباهى بأن الطفل يتكلم الإنجليزية بطلاقة، ثم يتعتع في اللغة العربية ولا يحسنها ولا يحسن الكلام بها.

قال رحمه الله في علاج المشكلة العظيمة: وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة، وكلام السلف ، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب.

ثم قال -رحمه الله- مبيناً أثر اللغة على الدين والخلق والعقل: واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، إذا كانوا يتعلمون العربية يتشبهون بالصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، ولذلك ترى كثيراً من الذين يجيدون الإنجليزية يتكلمون بها دائماً قد أثرت في عقولهم، وقد أثرت في أخلاقهم، بل إنك ترى بعض العرب الذين يدرسون في الخارج إذا أرادوا أن يتحدثوا عن موضوعٍ خسيس، أو كلامٍ فاحشٍ، قلبوا إلى اللغة الإنجليزية.

أيها الإخوة: والعلاج أنه لا بد من اعتياد الكلام باللغة العربية الفصحى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا أوفياء للإسلام، وأن يجعلنا ممن قاموا بحدود الله تعالى.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإن فهم الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان؛ على كل واحد بعينه، ومنها ما هو واجب على الكفاية؛ على بعض الأمة دون الآخرين. وجاءت الآثار عن السلف بتعلم اللغة العربية وإعراب القرآن وأمرنا بتعلم اللغة العربية.

وأجمع العلماء على أن معرفة النحو من شروط الاجتهاد، وحثُّوا على تعلمها، وقال بعض أهل العلم: من شروط المفتي أن يعرف من اللغة والنحو ما يعرف به مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم في خطابهما، وقال بعض السلف : تعلموا النحو كما تتعلمون الفرائض والسنن. وقال النووي رحمه الله: وعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، واللحن هو الخطأ، كنصب المرفوع ورفع المجرور ونحو ذلك.

وقال الشعبي رحمه الله: النحو في العلم كالملح في الطعام لا يستغنى عنه. وكره الإمام أحمد -رحمه الله- أشد الكراهية تسمية الشهور بالفارسية، وهذا له وجهان كما قال شيخ الإسلام رحمه الله:

الوجه الأول: إذا لم يُعرف المعنى جاز أن يكون محرماً، واليوم يعرف الكثيرون أن أسماء بعض الشهور بلغة الأعاجم التي نستعملها في جميع الشركات، وبعض الشهور لها علاقة بأسماء الآلهة التي يعبدها الكفار، ومن هذا الباب منع العلماء الرقية بالأعجمية خوفاً أن يكون فيها شركٌ وما لا يجوز.

الوجه الثاني: نهى الإمام أحمد -رحمه الله- عن تسمية الشهور بغير العربية، واستعمال الأسماء الأعجمية؛ كراهة أن يتعود الرجل النطق بغير العربية، فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، وأمة الإسلام تتميز باللغة العربية، فإنها لغتها، ولغة كتابها، وشرح الكتاب والسنة بها.

وقد تكلم الفقهاء في حكم الأذكار والأدعية في الصلاة بغير العربية، وفرقوا بين القادر والعاجز، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما الخطاب بالأعجمية من غير حاجة في أسماء الناس والشهور، فهو منهيٌ عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب وكره الشافعي رحمه الله لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها وأن يتكلم بها خالطاً لها بغيرها وهذا الذي قاله الأئمة مأثورٌ عن الصحابة والتابعين، وقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم] وسمع محمد بن سعد بن أبي وقاص قوماً يتكلمون بالفارسية، فقال: [ما بال المجوسية بعد الحنيفية؟ٍ] جاء الله بالحنيفية وباللغة العربية، فما بالكم تستعملون اللغة المجوسية الفارسية بدلاً من الحنفية ولغتها اللغة العربية؟! وإسناده صحيح.