خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=16019"> خطب عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
مظاهر نقص الاستقامة
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... وبعد:
إخواني! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نسأل الله تعالى أن يجعل لقاءنا هذا لقاءً نافعاً، وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص والاستقامة، فالله سبحانه وتعالى قد أوصانا بالاستقامة وأمرنا بها، فقال جل وعلا: أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ [فصلت:6]، ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال لنا: (استقيموا ونعما إن استقمتم)، وقال: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) .
وقد أمر الله نبيه بالاستقامة، فقال: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ [هود:112]، وقال لموسى وهارون: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [يونس:89]، ولما أراد رجلٌ من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية لا يسأل بعدها أحداً غيره عن شيء، قال: (قل آمنت بالله ثم استقم)، وفي رواية قال لرجل: (استقم وليحسن خلقك)، وقد وعد الله أهل الاستقامة بالثواب العظيم، فقال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13].. إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].. وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجـن:16] والله سبحانه قال: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير:27-28].
أما الاستقامة فقد تنوعت ألفاظ السلف في تعريفها، فمنهم من قال: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله.
- ومنهم من قال: استقاموا على أداء الفرائض.
- ومنهم من قال: أخلصوا الدين والعمل.
- ومنهم من قال: استقاموا على طاعة الله.
- ومنهم من قال: لم يروغوا روغان الثعلب.
قال ابن رجب رحمه الله: "الاستقامة سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم من غير تعريجٍ عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك".
إذاً: نحن الآن أمام التعريف الجامع للاستقامة، وهو: فعل الطاعات وترك المنهيات؛ فعل الطاعات الظاهرة والباطنة وترك المنهيات الظاهرة والباطنة.
أيها الإخوة! عند النظر للواقع الذي نعيش فيه الآن، نرى أن أكثر الناس على غير دين الله، وأكثرهم يصدون عن سبيل الله، وفي وسط هذه الظلمات قامت الدعوة بدين الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهي لا تزال في تقدمٍ وانتشارٍ ولله الحمد.
إن بوادر اليقظة الإسلامية التي تعم اليوم أرجاء العالم الإسلامي وحتى الأقليات الإسلامية في بلدان كثر هي أمر واقع، وإن ظهور علامات التدين على كثيرٍ من الأشخاص لا شك أنه نتيجة لهذه الصحوة وظهور هذه اليقظة هو أمرٌ من أمر الله سبحانه وتعالى.
ونحن مع فرحنا واستبشارنا بهذه النعمة الإلهية من ظهور أمر الدين وانتشاره؛ فإننا في نفس الوقت نحذر حذراً عظيماً مما يخالط هذه الصحوة، وهؤلاء الناس الذين تظهر عليهم بوادر الاستقامة ومظاهرها، الخشية العظيمة التي نخشاها على أنفسنا وعلى الآخرين من فشو الأمراض الباطنة ونقص الاستقامة الذي هو عيب أي عيب، فإن الكثير ضعف عندهم معيار الالتزام، وتقلص المفهوم الحقيقي للتمسك بهذا الدين، ولقد ظهرت علامات التدين على كثيرٍ من الأشخاص تأثراً بالجو العام، وإذعاناً لبعض الفتاوى، أو حماساً بعد سماع موعظة أو محاضرة، فهؤلاء الذين يغشون اليوم التجمعات الإسلامية من هم هؤلاء؟ ما هي صفاتهم؟ ما مقدار تمسكهم بهذا الدين؟
لا بد أن ننقد أنفسنا لنصحح الواقع، ولا بد أن نعلم مواطئ أقدامنا ومواقعنا حتى ننظر هل نحن على الصراط المستقيم أم أنه يوجد عندنا من الانحرافات ما يجب علينا أن نصححه؟ فهذا بيان للحقيقة، وتنبيه للغافلين، ونصيحة للمقصرين، وكلنا مقصرون.
بيان الاستقامة أمر مهم؛ لأننا لن نسلم إلا إذا جئنا الله بقلب سليم، وكذلك فإننا لا نريد أن نكون عقبة في طريق التزام الناس بالإسلام.. لا نريد أن نكون منفرين عن شرع الله.. لا نريد أن يكون عندنا من التصرفات ما يكون سداً بين الناس وبين الدخول في هذا الدين والشريعة، فكم من الكفرة لما رأوا بعض التصرفات من بعض المسلمين عدلوا عن الدخول في دين الله، وكم من العامة الذين رأوا تصرفات بعض الذين عندهم شيء من الالتزام الظاهر حملوا على هذا الدين وعلى هذه الاستقامة، وقالوا: هؤلاء المتدينون انظروا إليهم ماذا يفعلون! هل تريدون أن نكون مثل هؤلاء؟ والناس كثيرٌ منهم جهلة، لا يفرقون بين الإسلام والمسلمين، يقولون: الإسلام هو هذه التصرفات التي نراها من المسلمين.. الاستقامة والالتزام والتدين هو هذه المعاملة التي نلقاها من المتدينين.. الناس عندهم هذا المبدأ وهم لا يميزون، ليتهم يعرفون الرجال بالحق، لكنهم مع الأسف يعرفون الحق بالرجال! ولذلك فإن كثيراً منهم يكون عنده تصورات خاطئة وقناعات مغلوطة عن حقيقة الاستقامة مما يرونه من تصرفات بعض المتدينين في الظاهر.
إن الالتزام بالإسلام والاستقامة على دين الله هو ظاهرٌ وباطن، هو مخبرٌ ومظهر، هو حقيقة وجوهر كما أنه شكل ومظهر ينتج ويظهر على المسلم في الخارج، ونحن نريد أن يكون التزامنا بالإسلام داخلي وخارجي، شيء يقر في القلب فينعكس على التصرفات وعلى الأعمال.. أعمال القلب وأعمال الجوارح.
ينبغي أن نعالج القلب قبل أن نعالج العادات والتقاليد والملابس مع أن الكل من الدين، لكن هناك أولويات، ونحن نوقن بالارتباط بين الظاهر والباطن، ونحن نعتقد أن هناك مضغة في الجسد إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.
نعتقد أن تحكيم الشريعة في كل شيء يقود إلى إصلاح الظاهر والباطن، وأن ديننا قد أمر بإصلاح الظاهر والباطن، والله سبحانه وتعالى قال: وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [الأنعام:120] لم يقل: ذروا ظاهر الإثم فقط، ولا قال: ذروا باطن الإثم فقط، قال: ذروا ظاهر الإثم وباطنه، فظاهر الإثم كل ما يظهر للناس من البذاءة والفحش والسب واللعن والشتم.. ونحو ذلك.
وباطن الإثم كل ما يكون في القلب.. من الحقد والحسد والعجب والغش واحتقار الخلق.. ونحو ذلك: وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [الأنعام:120] الباطن مهم جداً والظاهر مهم كذلك، ولولا أن الظاهر مهم ما جاءت الشريعة بأحكام اللباس وسنن الفطرة والزينة والشعر والانتعال والنظافة وكل أمرٍ من الأمور التي تميز المسلم ظاهرياً عن غير المسلم، ولما شرعت الشريعة لنا وجوب مخالفة أهل الكتاب وغير المسلمين حتى في صبغ الشعر وفي الصلاة حفاة بغير نعال، وفي اللحية والشارب وغير ذلك، حتى نهينا عن التشبه بالحيوانات والبهائم، والذين يطيلون شواربهم اليوم مخالفون للهدي النبوي الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وحذرنا: (من لم يأخذ من شاربه؛ فليس منا) يجب قص ما طال عن الشفة، وأولئك النسوة اللاتي أطلن أظافرهن مثل الوحوش وصبغنها بالمناكير الحمراء وغيرها، هؤلاء المتشبهات بالحيوانات والبهائم والوحوش الكاسرة هن على استعداد بالخدش بها في أقرب مناسبة تقوم بها قائمة.
إذاً أيها الإخوة! الظاهر أمر عظيم وليس هناك في الإسلام شيء اسمه قشور ولب، والذين ينادون بتقسيم الإسلام إلى قشور ولباب أناسٌ ضالون مخطئون، الإسلام كلٌ لا يتجزأ.. الإسلام يؤخذ كله ويطبق كله، ومع الأسف فإن الناس اليوم يغترون بالظاهر، وليت أن ظاهر الأكثرية ظاهراً إسلامياً؛ إذاً لقلنا: إنهم على الأقل قد امتثلوا شيئاً من الدين، لكن الناس اليوم يعتنون بالمظاهر.. في الثياب والحفلات والزينات والطعام والشراب والسياحة، حتى العبادات إذا سمعوا قارئاً يقرأ بصوتٍ جميل، قال: صوتٌ رائع، ويجعلون حجهم سياحة، وعمرتهم أكل وحكايات في الحرم، هذا حالهم.
وطائفة أخرى من الناس دخلوا في الدين ظاهرياً؛ فهذا أطال لحيته وأعفاها، والتزم الثوب بطوله الشرعي الذي لا ينزل عن الكعبين، ولكن قلبه ينطوي على أنواع من المفاسد، والأمور العظيمة، ولذلك التصرفات الناتجة عنه والتعامل مع الناس بل مع زوجته وأولاده في البيت وأقربائه وجيرانه من أسوأ ما يمكن.
وأناسٌ قد أخذوا بنصيبٍ من هذا وهذا الالتزام الظاهري والباطني، ولكن عندهم نقص، نحن كلنا مقصرون ولذلك هذه دعوة حقيقة للالتزام بالإسلام ظاهراً وباطناً.
ولسنا من الذين ينخدعون بالظاهر، ولا بالذين يقومون الناس على الظاهر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً وعنده رجل، فمر رجلٌ فقال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي عنده: (ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله! هذا رجلٌ من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجلٌ آخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجالس عنده: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله! هذا رجلٌ من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملء الأرض مثل هذا) هذا الضعيف المستضعف خيرٌ من ملأ الأرض من أمثال هذا الذي تقول عنه: إنه من أشراف الناس.
ولما كانت امرأة من بني إسرائيل ترضع صبياً لها، أقبل رجلٌ ذو شارة حسنة وهيئة وفخامة ولباس وحشم، فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الصبي الثدي، وأقبل وقال: اللهم لا تجعلني مثله، أنطقه الله في المهد، ونحن اليوم في خضم هذه الجاهلية التي يتعارك فيها ومعها؛ فإننا نحتاج إلى شخصيات إسلامية قوية ذات إيمان وإخلاص ذات علم وعمل: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66] نحتاج إلى أناسٍ يتمسكون بالدين ظاهراً وباطناً.. نحتاج إلى أناس لا يلعبون بالدين، وإنما يكونون صادقين مع الله سبحانه وتعالى في تمسكهم به، وقلنا أن الناس اليوم قد اهتموا بالمظاهر السيئة، وبعضهم عنده مظاهر طيبة وبواطن سيئة، ولكن الأكثرية -كما قلنا- بعيدون عن شرع الله.. يلعبون بهذا الدين لعباً، وهؤلاء هم الذين ذمهم الله سبحانه وتعالى، فقال: أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:98] ... مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:2] ... فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ [الطور:11-12]، والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:57-58].. وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [الأنعام:70].
هذه النوعية التي تلعب بالدين ابتداءً من العقيدة:
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح |
وقل إنما الإيمان قولٌ ونيةٌ وفعل على قول النبي مصرح |
فهذا الإيمان قول وعمل واعتقاد، والذين يقولون: إن الإيمان بالقلب فقط هم أناسٌ يلعبون بالدين، ويتخذونه لعباً ولهواً، هؤلاء الذين يتحايلون على شرع الله قد عرفناهم، وقد جاءت تصريحاتهم موافقة لما في قلوبهم من الاستهزاء بالدين.. هؤلاء الذين سموا الربا فوائد وعوائد استثمار، والذي سموا الخمر مشروبات روحية، والذين سموا الرقص والموسيقى والغناء والتماثيل فن، والذين سموا الرشوة أتعاب، هؤلاء الذين يلعبون بالدين قد عرفناهم، وميزناهم جيداً في الواقع، هؤلاء الذين يتتبعون الرخص ويضربون كلام العلماء بعضه ببعض، هؤلاء يلعبون بالنار، الذين يفتون في المجالس في الأهواء ويتكلمون في الدين يخبطون بغير علم، كما قال الأول:
ما قال ربك ويلٌ للأُلى سكروا وإنما قال ويل للمصلين |
قد عرفنا الذين يقولون: لِمَ يأخذ رجل أربعة نسوة ولا تأخذ المرأة إلا واحد؟ فلماذا لا تأخذ المرأة أكثر من رجل؟ قد عرفنا هؤلاء.
أيها الإخوة! نريد أن نلقي الضوء على عقيدتنا وتصرفاتنا نحن؛ نحن الذين نرى أننا نريد الصراط المستقيم والهداية، نسعى للتمسك بهذا الدين.. نريد أن نرى أنفسنا على ضوء الشريعة، الشريعة أمرتنا بأي شيء؟ هل أمرتنا بجزء من الإسلام أو أمرتنا بالإسلام كله؟ هل قالت: أسلموا في وقت الرخاء، ثم تراجعوا في وقت الشدة؟ بماذا طالبتنا الشريعة؟ ما هو المنهج والموقف من هذه الشريعة؟
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:208-209].. ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] كلكم ادخلوا في الإسلام أو ادخلوا أنتم جميعاً في شعائر الإسلام كلها، لا تتركوا شعيرة إلا وطبقتوها بما تستطيعون: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف:170] فالله عز وجل قال: يُمسِّكون بالكتاب، فيها معنى التكرير والتكثير للتمسك، هذا الفرق بين يمسِكون بالكتاب ويمسِّكون بالكتاب، إنها صيغة القبض على الكتاب بقوة وجد وصرامة، وهذه الصورة هي التي يريد الله منا أن نأخذ بها كتابه، ونحن نعلم كما علمنا الله ورسوله أن الجد والقوة في أخذ الدين شيء والتعنت والتنطع والغلو والتطرف هو شيء آخر، ولذلك نحن نعلم جيداً الذين يوجهون إلينا سهام التطرف والتنطع بلفظة الأصولية اليوم، نعرفهم ونميزهم ونعرف معنى التمسك بالدين على وجهه صحيح.
إن الجد والقوة والصرامة لا تنافي اليسر، لكنها تنافي التميع.. إنها لا تنافي سعة الأفق، لكنها تنافي الاستهتار.. لا تنافي مراعاة الواقع، لكنها تنافي أن يكون الواقع هو الحكم على الشريعة، لأن الدين يقول: إن الشريعة هي الحكم على الواقع، وليس العكس.
والله سبحانه وتعالى علمنا ونبهنا إلى أن كتابه الكريم هذا قولٌ فصل وما هو بالهزل، بل هو حقٌ وجد، ليس فيه سائبة هزلٍ بل كله جدٌ محض، هو فاصل بين الحق والباطل قد بلغ الغاية في ذلك، فليس بالهزل ولم ينـزل باللعب، ويجب أن يكون مهيباً في الصدور: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:63] خذوا ما ألزمناكم من الفرائض والشرائع من أحكام كتابه.. اعملوا باجتهادٍ في أداء ما افترضنا عليكم من غير تقصيرٍ أو توانٍ، لا تتخاذلوا ولا تتهاونوا ولا تتراجعوا في الميثاق كما نقض بعض الناس ميثاقهم وعهدهم مع الله، قال الله لنبيه: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:43-44] ستسألون عن هذا المنهج والدين وعن هذه الشريعة.. اثبت يا محمد -صلى الله عليه وسلم- على ما أنت عليه، وسر في هذا الطريق لا تحزن ولا تعبأ بالمنافقين والذين يريدون أن يصدوك عن سبيل الله.
إذاً: الذين يتنازلون عن شيءٍ من الدين من أجل متاع دنيوي أو فتنة بسيطة تعرضوا لها، هؤلاء ما دخلوا الدين أصلاً كما ينبغي.
إن شريعة الله أغلى وأبقى من أن يضَّحى بجزءٍ منها مقابل متاع دنيوي، وقد حذَّرنا الله تحذيراً شديداً لما قال لنبيه: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49]، فإذاً يجب أن نأخذ الإسلام كله وأن نطبق الشريعة كلها، والله سمى الذين يتركون شيئاً من الدين أنهم أصحاب فتنة: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49] سماها الله فتنة يجب أن تحذر وينتبه لها.
والإسلام ليس مظهراً فقط مع أن المظهر من الإسلام، قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] ليست القضية قضية توجه إلى جهة معينة فقط في الظاهر لكنها قضية صحوة في القلب أيضاً: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] والذين يظنون أن هناك مسلكاً وسطاً بين الشريعة والواقع، وأنه يمكن أن يجمعوا بين الشريعة والواقع المنحرف، ويأخذوا من الشريعة أشياء ومن الواقع أشياء، ويظنون أن هذا من الحكمة هؤلاء حذرنا الله منهم، فقال الله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً [النساء:150-151].
أيها الإخوة! نحن نريد أن نعرف جيداً ما مدى التزامنا وتمسكنا بهذا الدين، وهل نحن صادقون فعلاً فيما نزعمه من أننا مستقيمون على الشريعة وأننا متدينون، السؤال الكبير: هل نحن متدينون حقاً؟ السؤال المطروح: هل نحن فعلاً في أنفسنا مستمسكون بالكتاب؟ هل نحن قد أخذنا الكتاب بقوة كما أمرنا الله فقال: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ [البقرة:63] ... خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا [البقرة:93] وكما قال الله آمراً موسى: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ [الأعراف:145]، وقال عن يحيى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] أم أننا نحن عندنا تلاعب وعندنا قصورٌ كبير؟ ما مدى حرصنا على الاستقامة؟ هل استقامتنا كاملة أم أن عندنا نقص في الاستقامة؟
مرض نقص الاستقامة أسوء من مرض نقص المناعة، فإن الأشياء الجسدية ابتلاء، أما الأشياء التي تكون في الدين؛ فإن مصيبة الدين لا تعدلها مصيبة، ولذلك إذا ألقينا الضوء الآن على الواقع الموجود وعلى هذه النوعيات الموجودة من الذين يقولون آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم من جهة وقد عرفنا صفاتهم، ونريد أن نلقي الضوء أيضاً على هذه الفئة التي تقول باستقامتها على الشريعة، والذي يقول لنفسه: قد تدينت والتزمت واستقمت، نريد أن نناقش أنفسنا ونقدم كشف حساب.
إن نظرةً في الواقع وفي النفس لتوحي بأن هناك تقصيراً كبيراً للغاية، وأن هناك مرضاً يستشري وهو مرض نقص الاستقامة.
مرض نقص الاستقامة له عدة صور في الواقع:
- مرض نقص الاستقامة الذي أودى بالإيمان في وادٍ سحيق.
- مرض نقص الاستقامة الذي شوه صورة الإسلام وشوه جمال الإسلام في أعين الناظرين إلى بعض الذين يزعمون التدين.
- مرض نقص الاستقامة الذي سبب الانتكاس حقيقة، والارتداد على الأعقاب، والنكوص على الأدبار.
- مرض نقص الاستقامة الذي أوجد عناصر مشوهة تزعم الانتساب إلى الدين، وليس عندها منه إلا النـزر اليسير.
- مرض نقص الاستقامة الذي جعل بعض الناس يقولون: نحن نلتزم بالإسلام إلى حدٍ معين لأنه لا طاقة لنا بأخذ الدين كله، والذين يقولون: ما عندنا استعداد لتقديم التضحيات.
من مظاهر نقص الاستقامة: عدم الاستعداد لتقديم التضحيات
إذا احتاجت الدعوة إلى الله إلى إنفاق وبذل أموال وبذل أنفس وبذل جهد وبذل الأعمار تراجعوا، فقالوا: إن أموالنا نحتاج إليها، وأوقاتنا نحتاج إليها، إننا لا نصبر على الأذى، ولا نتحمل ولا نطيق، حتى الأذى الكلامي لا يريدون سماعه، ثم يقولون: نحن متدينون، هذا الالتزام البارد وهذه الاستقامة الناقصة لا تغني شيئاً، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهر السوء في الأرض؛ أنزل الله بأسه بأهل الأرض، وإن كان فيهم قومٌ صالحون، يصيبهم ما أصاب الناس من العذاب، ثم يرجعون إلى رحمة الله ومغفرته) فأين النوعية المصلحة التي تكفل الله بإنجائها إذا حلَّ العذاب بأهل القرى: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ [الأعراف:165].
الرياء والنفاق في الأعمال
وفي رواية: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، أو تماروا به السفهاء، ولا لتجترءوا به المجالس، فمن فعل ذلك؛ فالنار النار).
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، أو لتماروا به السفهاء، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك؛ فهو في النار).
من مظاهر نقص الاستقامة: عدم مقاومة للنفس وهواها
من مظاهر نقص الاستقامة: الخلل في معيار الحرام
يأكلون لحم إخوانهم كالذي يأكل لحم أخيه ميتاً، وأسوؤهم على الإطلاق -وقد ظهرت نابتة في عصرنا هذا كما ظهرت في عصور الإسلام السابقة- الذين يقعون في أعراض الدعاة إلى الله وأهل العلم، فيستطيلون في أعراض الدعاة إلى الله ويتهمونهم بشتى التهم بحجة الإصلاح، ويلبسون الغيبة لباس النصيحة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه عز وجل: (من عادى لي ولياً؛ فقد آذنته بالحرب) فإذا قام يعادي أولياء الله، الذين قاموا لله بالحجة، ونصحوا الأمة، وحذروا وبينوا يُقام عليهم بالتشهير والشتم والتنقص ويُترك أعداء الله سالمين، هؤلاء معادين لأولياء الله، هل هم مستقيمون على الشريعة فعلاً أم أن عندهم مرضاً داخلياً مستشرٍ مثل السرطان يأكل الخلايا من الداخل؟!
الذين يتساهلون في النميمة، ولا يعدون خطورة النميمة كخطورة أمرٍ آخر مثل الإسبال، فيرون الإسبال شيئاً كبيراً وهو كبيرٌ فعلاً عند الله، فالله يحرق من الإنسان الجزء الذي يكون أسفل من كعبه (ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار) فالمسبلون تحت المشيئة إذا كانوا من أهل التوحيد، لكن النظر إلى هذا الأمر على أنه أمرٌ خطير، والنميمة ونقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم لا يعتبرونه أمراً خطيراً، فهؤلاء أناسٌ مغفلون عندهم جهلٌ أو هوى.
الذي يزعم أنه متمسك بالشريعة في الظاهر هو مفلسٌ أشد الإفلاس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما المفلس؟ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيامٍ وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).
إذاً هناك أناس يذهبون إلى مكة فيحجون ويعتمرون ويقرءون القرآن ويبكرون ربما إلى المساجد لكن في الوقت نفسه عندهم من أنواع الظلم لإخوانهم وللمسلمين ولعباد الله عموماً ما يأكل حسناتهم أكلاً، فيأتون يوم القيامة من المفلسين.
من مظاهر نقص الاستقامة: سوء الخلق
لقد قلنا: إن السفهاء من الناس إذا رأوا هؤلاء يقولون: هذا هو التدين المطلوب الذي تقولون لنا عنه وتأمروننا به؟! فيكون سيئ الخلق من الذين يصدون عن سبيل الله.
الذي يزعم أنه مستقيم على الشريعة ولكنه ظالمٌ للناس.. للعمال، للخدم، للمراجعين، للزملاء (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)... (اتقوا دعوة الله المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة) ... (اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب) فلنتق الله في أكل الحقوق وظلم الناس.
من مظاهر نقص الاستقامة: الكذب وخلف الوعد والفجور في الخصومة
الذين يكذبون في الفتوى ويكذبون على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وينسبون الأحاديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهم ليسوا متأكدين فعلاً من صحتها، هل هؤلاء مستقيمون على الشريعة أم أن عندهم مرضاً خطيراً هو مرض نقص الاستقامة؟
وهذا الذي إذا وعد أخلف، يخلف وليس عنده عذر، ويخلف دون اعتذار، ماذا يسمى؟ والذي يتخلف عن الموعد بدون عذر، والذي لو وعدك الساعة السابعة يخرج من بيته الساعة السابعة، وإخلاف الموعد درجات، فقد يخلف بالكلية، وقد يخلف جزءاً منه، لماذا تعد؟ وإذا وعدت لماذا لا تثبت على الموعد؟ وإذا لم تستطع لماذا لا تعتذر؟ أليس هذه من صفات المنافق؟ (أربعٌ من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن؛ كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذَب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر).
هذا الكذاب الذي يقول لك أشياء لم تحصل، ويقول لك من القصص ما يخترعه، هذا هو الكذاب الذي يكذب فتبلغ كذبته الآفاق، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال: (إذا اقترب الزمان، ولم تكد رؤيا الرجل المسلم تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) فجعل صدق الحديث من أسباب صدق الرؤيا وانطباق الرؤيا في الواقع حتى يرى الرؤيا، فتكون تنبيهاً له وتعريفاً له بأمر سيحصل.
إن الذين إذا أتوا أهل الخير جلسوا معهم، وأعطوهم من الكلام الطيب ما يقنعونهم به أنهم مثلهم وأنهم على طريقتهم وأنهم متدينون فعلاً، ثم إذا ذهبوا إلى أهل الشر جلسوا معهم وشاركوهم، وقالوا لهم من الكلام ما يدل على أنهم مثلهم ومن شيعتهم، هل هؤلاء مستقيمون على الشريعة؟! ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تجدون الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقِهوا أو فقُهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية قبل أن يقع فيه، وتجدون شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه هؤلاء) حديث صحيح، هؤلاء الذين يلعبون على الحبلين ويظنون أنهم حكماء، وأنه من الذكاء والفطنة والحنكة أن تسايس أهل الدين وتسايس أهل الفسق، وأن تكون مع هؤلاء بالألفاظ الطيبة والكلام الحسن والسمت الحسن، ثم تذهب إلى أهل الشر، فتكون مثلهم وتشاركهم في منكراتهم، هؤلاء الذين إذا ذهبوا إلى أهل الشر قالوا: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] نحن إنما نأتي هؤلاء المتدينين ما يناسبهم (من كان له وجهان في الدنيا؛ كان له يوم القيامة لسانان من نار) أخرجه أبو داود من حديث عمار مرفوعاً، وهو حديث صحيح.
تجد أحدهم من سوء التعامل أنه إذا حدث بينه وبين أخيه خصومة؛ فجر في الخصومة، ثم هجر أخاه المسلم هجراً تاماً، لا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يجلس معه في مجلس، ولا يزوره ولا يرد سلامه مع أنه مسلم مثله، لو ترك السلام عليه؛ لأنه صاحب بدعة؛ لقلنا: أحسنت، لو ترك السلام عليه؛ لأنه صاحب منكر ظاهر؛ لقلنا له: في الله هجرت، لكن من أجل الدنيا يهجرون إخوانهم المسلمين ويقطعونهم قطعاً، ويبتونهم بتاً، هل هؤلاء من المستقيمين على شرع الله أم أن عندهم مرضاً في الاستقامة؟ (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث، فمات؛ دخل النار) أخرجه أبو داود عن أبي هريرة مرفوعاً، وهو حديث صحيح.
وفي حديث صحيح آخر: (هجر المسلم أخاه كسفك دمه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه) ... (تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين: يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبدٍ مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يصطلحا، اتركوا هذين حتى يفيئا) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر فيهما لكل عبدٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلٌ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم .
فإذاً الذين يقطعون حبال الوصل مع إخوانهم المسلمين في الله هل هؤلاء من المستقيمين على شرع الله فعلاً؟
وبالمناسبة نقول: إنه لو انقطعت أخبار أخيك عنك لا لشحناء ولا لبغضاء، وانقطعت صلتك به لانشغالك وليس لعداوة؛ فإنك لا تكون هاجراً له، لكن احرص على وصل أخيك المسلم، لكن من أجل الدنيا تقطع أخاك المسلم فتهجره سنين ولا تسلم عليه! وهذا متفشٍ وكثير، ودقق في أحوال الناس واستمع للأخبار تجد ذلك عياناً بياناً.
من مظاهر نقص الاستقامة: الكبر
إن الذين يأتون بالكفرة من الخدم والموظفين وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، وقال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ) ولو كانت سيماهم سيماء أهل الخير، لكنه يرتكب منكراً ومعصية.
الذين يظلمون الخدم في البيوت بالضرب والإهانات والخصم، كيف به وهو يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فاكتفاه علاجه ودخانه، فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه؛ فليناوله أكلةً أو أكلتين) هذا طبعاً في غير النساء مع الرجال، فإن المرأة لا تجلس مع الرجل الأجنبي.
إن الذين عندهم نوع من الكبر يظنون أن نوعاً معيناً خاصاً من الدماء يجري في عروقهم، وأنهم من نسلٍ غير نسل آدم، وأنهم من طبقة من البشر ليست كباقي طبقات الناس الذين لو جاءهم خاطبٌ يخطب منهم احتقروه، وقالوا: كيف تتجرأ أصلاً أن تطرق بابنا وأنت تعلم أننا أصحاب حسب ونسب وشرف وأنت حقير؟ هؤلاء ما هو موقعهم من الاستقامة مهما كانت أشكالهم وصورهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه؛ فزوجوه إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض) إذا كنت تخشى مفاسد وقطيعة داخل العائلة؛ إذاً اعتذر بأدب، أما أن يحتقر خلق الله لماذا يتقدم أصلاً للزواج؛ لأنك ترى في نفسك خاصية من دون عباد الله، وكأنك لست لآدم الذي هو من تراب: (كلكم لآدم وآدم من تراب) فهذه النوعية من البشر أين موقعهم من الاستقامة؟
من مظاهر نقص الاستقامة: أذية الجار
من مظاهر نقص الاستقامة: أذية المصلين في المساجد
من مظاهر نقص الاستقامة: ظلم الزوجة
الذي يكون عنده أكثر من زوجة وهو يهمل إحداهن ويغيب عنها، ويتركها ولا ينفق عليها، ويقول: أنت موظفة أنفقي على نفسك، كأن الشريعة قالت: إذا كانت الزوجة موظفة فالنفقة عليها، والشريعة ما قالت هذا، وربما أدخل أولاد هذه في مدارس خاصة، وترك أولاد تلك ونحو ذلك، تفريط بدون سبب شرعي (إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما؛ جاء يوم القيامة وشقه مائل) جزاءً وفاقاً لظلمه لزوجته.
وكذلك الزوجة التي تظلم زوجها، فترفض خدمته وتتعالى عليه أو تقول: راتبي أكثر من راتبك، وشهادتي أعلى من شهادتك، وتطلب الطلاق منه من غير ما بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنة، ومهما كان حجابها وشكلها؛ فإن استقامتها ليست بكاملة.
من مظاهر نقص الاستقامة: مماطلة الأجراء
إن الذين يقترضون الأموال ويستدينون، وهم يعلمون أنهم لن يؤدوا هذه الأمانة، ويتساهلون في الاستدانة، مهما كانت أشكالهم وصورهم ومظاهرهم، فكيف يكون حالهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها؛ أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها؛ أتلفه الله)، وقال صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله! ماذا أنزل من التشديد في الدين، والذي نفسي بيده! لو أن رجلاً قتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قتل، ثم أحيي، ثم قتل وعليه دين، ما دخل الجنة؛ حتى يقضى عنه دينه) وبعض الناس الآن يتساهلون في الدين وهو يعلم أنه لن يرد، وإن كان عنده مال يماطل ويقول: لا أريد أن تنزل مدخراتي عن مستوى كذا، إذا ارتفعت فوق كذا؛ رددت إليك مالك، هؤلاء المماطلين عليهم أن يعلموا أن استقامتهم ناقصة مهما كانوا.
من مظاهر نقص الاستقامة: عدم أخذ الدين بالقوة
نحن اليوم نعاني على مستوانا الداخلي من أنواع التسيب وعدم الجدية في طلب العلم، فهناك من الشباب من لا صبر له على القراءة ولا اهتمام له بحضور حلق الذكر والعلم، ولا دافع عنده للسؤال عن الأحكام الشرعية وتعلم دين الله، ولو سئل عن دليلٍ شرعيٍ في حجاب المرأة ما عرفه، أو في حكم الزنا ما أثبته، وكل كلامه: أو كما قال أو كما قال.
والذين يشتغلون ببعض أنواع الملهيات من الألعاب وغيرها ويجعلون جُل وقتهم فيها ويتركون العمل لهذا الدين والسعي لنصرة الدين والدعوة للدين، فهؤلاء فقههم في دين الله ضعيف.
إن واقع المجالس اليوم التي نجلس فيها مع أنواع القضايا التي تثار في هذه المجالس والمواضيع التي تطرق تحتاج إلى مراجعة كبيرة، ليتهم يتناقشون في مسائل في العلم، أو يعرضون شيئاً من أحوال المسلمين، أو يفكرون في حلول مشكلات المجتمع، أو يتداولون الخبرات، أو يذكرون شيئاً؛ ليزدادوا به إيماناً! وإنما مجالسهم لهوٌ ولعب وسهر وتضييع لصلاة الفجر.. ساعات طويلة تنفق من العمر.
إن مرض نقص الاستقامة قد أصاب مجالسنا إصابات بالغة، وجعل هذه المجالس قليلة الخير نادرة الفائدة، ولو كان هناك استقامة صحيحة لصارت المجالس مثمرة.
من مظاهر نقص الاستقامة: تمييع الأخوة الإسلامية
من مظاهر نقص الاستقامة: التهاون في السنن والمستحبات
الكمال كمالان: كمال واجب لا بد أن يؤتى به.
وكمال مستحب ولكن التفريط والتضييع أدى إلى الوقوع في أنواع من التهاونات.
فأقول: إن مرض نقص الاستقامة قد أدى فيما أدى إلى الاستهانة بالسلوك، حتى السواك ورص الصفوف التي يعتبرها بعض الناس أشياء ثانوية وجانبية، أي: أنهم يمكن أن يهملوها، مع أنك يا أخي المسلم لو تتبعت الأحاديث الواردة في السواك لرأيت أمراً عجباً، وقد صنف بعض العلماء كتباً في السواك فقط، والذي يتتبع هذا الأمر يخرج بانطباع أن الشريعة تريد تكميل المسلم وإحاطته من جميع الجوانب، وأن تجعله في أحسن صورة، لكن بعض الناس يصرون على الإهمال والتضييع لهذه السنن، ويقولون: هذه قشور، اترك وابتعد.
نحن لم نقل: اجعلها أولويات في الدعوة، أو قدمها على ما هو أعظم منها من الأعمال، لكن ألا تعملها وتتركها نهائياً، والذي حصل من أنواع التأخرات والتهاونات في السنن أدى إلى أشياء سيئة، فمثلاً: التهاون في النوافل، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت؛ فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت؛ فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضة -لو انتقص من الطهارة أو الشروط أو الأركان أو الواجبات أو الخشوع- قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك) أي: لو نقص من الزكاة؛ يكمل من الصدقة، لو حدث رفث وفسوق وجدال في الحج؛ يكمل من حج النافلة، فكيف نضيع النوافل إذا كانت النوافل مهمة في تكميل النقص الحاصل في الصلوات الواجبة والفرائض؟
وكذلك التهاون في الصدقات وصيام النافلة وغيرها من العبادات.
ومن الأشياء التي تحدث في هذا الجانب أيضاً: التكاسل عن التبكير للصلاة، وخاصة صلاة الجمعة وصلاة الجماعة، ولقد هدد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولا يزال أناس يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، وقال صلى الله عليه وسلم: (احضروا الجمعة وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد؛ حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) حديث صحيح.
وكذلك يوقع في أخطاء، فمن الأخطاء التي يوقع فيها مثلاً: الإسراع أثناء الحضور إلى المسجد إسراعاً يخل بالخشوع، مع أن السنة الإتيان إلى المسجد بالسكينة والوقار: (إذا ثُوب للصلاة؛ فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة؛ فهو في صلاة) فلماذا يركض؟ ولماذا يستعجل؟ ولماذا يجري فيدخل في الصف لاهثاً لا يلتقط أنفاسه إلا بصعوبة، فيفوت عليه الخشوع وحسن القراءة؟
قد نقع في أخطاء من جهة التطويل في الإمامة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة، وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء) والمقصود التطويل غير الشرعي، أما أداء الصلاة كما أمر الله وإتقانها كما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا من اتباع السنة.
من الأمور التي يحصل فيها تفريط أيضاً في قضايا المستحبات: عدم التورع عن المشتبهات والوقوع في الشبه، وهذا يؤدي إلى الوقوع في الحرام، وهذا يقول لك: هذا مطلي بالذهب، وهذا يقول: هذا كذا، وموقفنا الصحيح إن كان فعلاً عندنا استقامة جادة على الشريعة أن نترك هذه المشتبهات (اجعلوا بينكم وبين الحرام ستراً من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن ارتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه، وإن لكل ملكٍ حمى، وإن حمى الله في الأرض محارمه).
إن كثرة النزول إلى الأسواق، وما فيها من المنكرات وغشيان أماكن الاختلاط لغير حاجة ما هو إلا نقص في الاستقامة (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) ومن الناس من همه الصفق في الأسواق.
من مظاهر نقص الاستقامة: حصول الطفرات والانتكاسات
من مظاهر نقص الاستقامة: عدم التفاعل مع قضايا المسلمين
من مظاهر نقص الاستقامة: التعلق بالدنيا
إذاً: هناك قضايا كثيرة تحصل ولكن محاسبة النفس ضعيفة، ولأجل ذلك فإنه تخترقنا كثيرٌ من سهام الشيطان.
من مظاهر نقص الاستقامة: بقاء رواسب الجاهلية عند الإنسان
من مظاهر نقص الاستقامة: عدم القيام بواجب الإصلاح والإنكار
أن تمر بالمنكر فلا تنكره، لماذا؟ أتخشى الناس؟! فالله أحق أن تخشاه: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] أين إنكار المنكر ولو بالكلام؟ إن لم تستطع باليد فبالكلام، وماذا يضرك لو تكلمت؟ ثم إننا مطالبون بالنصيحة والكلام والصبر على الأذى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17].
إلقاء التبعات على العلماء والخطباء والقول إنهم مسئولون عن تصحيح الانحرافات.. أنا مسلم عادي ما عندي شيء مقصوص الأجنحة لا أستطيع أن أفعل شيئاً، من قال ذلك؟
أنت يمكن أن ترى منكرات لا يراها أولئك العلماء والخطباء، وأن تكون في بيئات لا يأتي إليها العلماء والخطباء، وأنت تجلس في أوساط ومجالس لا يغشاها أولئك القوم؛ فعليك المسئولية والتبعية، فلماذا التخاذل عن إنكار المنكر؟ لماذا الاستسلام للدعة والخشية من أن يرد عليك أو يقال فيك كلمة؟ أين النصيحة؟ (الدين النصيحة) النصيحة لله أن تذب عن دينه وشريعته.. أن تقوم له سبحانه.. النصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم.. النصيحة لكتاب الله، أين النصيحة لكتاب الله وهم في المجلس يتكلمون على الإسلام وأنت ساكت؟
من مظاهر نقص الاستقامة: ضياع الأوقات في الأسفار
مظاهر أخرى مخالفة للاستقامة
أليس مما ينافي الاستقامة أن نتشدد مع من تحتنا من الناس بشيء لا تأمر به الشريعة بحجة الحزم في العمل، وننفر الناس من أهل الدين مع أن المسألة لا تساوي كل هذا الأمر من الحملة والعقاب؟
أليس مما ينافي الاستقامة أن يتأخر الإنسان من عمله ويخرج قبل الوقت ويتكلم مع بقية زملائه، والمراجعون يقفون في الطوابير، فيترك العمل ويعطل العالم؟
أيها الإخوة! الذي يسير معك ثم يقول: ليس عندي استعدادٌ لإكمال المشوار، أنت تطالبنا بأمورٍ لا طاقة لنا بها، والحقيقة أنك تطالبهم بالدين، ليس عندنا استعداد للتضحية والتقديم والعمل لهذا الدين، نحن نريد أن نكون طيبين في أنفسنا، مصلين مزكين صائمين نحج ونعتمر، نذكر الله وندعو، لكن أن نقدم تضحيات لهذا الدين ليس عندنا استعداد، أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونتحمل الأذى ليس عندنا استعداد.. هل هؤلاء فعلاً أصحاب تدين حقيقي؟
إذا احتاجت الدعوة إلى الله إلى إنفاق وبذل أموال وبذل أنفس وبذل جهد وبذل الأعمار تراجعوا، فقالوا: إن أموالنا نحتاج إليها، وأوقاتنا نحتاج إليها، إننا لا نصبر على الأذى، ولا نتحمل ولا نطيق، حتى الأذى الكلامي لا يريدون سماعه، ثم يقولون: نحن متدينون، هذا الالتزام البارد وهذه الاستقامة الناقصة لا تغني شيئاً، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهر السوء في الأرض؛ أنزل الله بأسه بأهل الأرض، وإن كان فيهم قومٌ صالحون، يصيبهم ما أصاب الناس من العذاب، ثم يرجعون إلى رحمة الله ومغفرته) فأين النوعية المصلحة التي تكفل الله بإنجائها إذا حلَّ العذاب بأهل القرى: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ [الأعراف:165].