أين الخلل؟


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخواني! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد:

فهذه فرصة طيبة أن ألتقي بهذه الوجوه الطيبة في هذه البلدة الطيبة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الطيبين، وأن يرزقنا الفوز بدار النعيم، إنه سميع مجيب.

أيها الإخوة: لعل لقاءنا في هذا المكان يُذكر بتواصل العهد واتباع السنة والتمسك بحبل الله القويم، والسير على منهاج النبوة، هذا العهد الذي أخذه الله تعالى علينا جميعاً في السير على طريق التوحيد، أخذه الله علينا ونحن في ظهور آبائنا، ونحن في ظهر آدم عليه السلام، استخرج الله ذريته كأمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وقد كانت هذه البلاد فيها من أهل الدين والتوحيد والسنة أناس عظماء، ينبغي أن نسير على نهجهم وطريقتهم، ولعلي أستفتح الكلام برسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية تؤكد هذا المعنى:

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

من أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية إلى من يصل إليه كتابي من المؤمنين والمسلمين من أهل البحرين -وهذه المنطقة هي المعروفة تاريخياً بـالبحرين - وغيرهم عامة ولأهل العلم والدين خاصة سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، وأسأله أن يصلي على خيرته من خلقه محمدٍ عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، الذي بعثه بالبينات والهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فإن وفداً قدموا من نحو أرضكم، فأخبرونا بنحوٍ مما كنا نسمع عن أهل ناحيتكم من الاعتصام بالسنة والجماعة، والتزام شريعة الله التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومجانبة ما عليه كثير من الأعراب من الجاهلية التي كانوا عليها قبل الإسلام من سفك بعضهم دماء بعض، ونهب أموالهم وقطيعة الأرحام، وخروج عن ربقة الإسلام، وتوريث الذكور دون الإناث، وإسبال الثياب، والتعزي بعزاء الجاهلية وهو قولهم: يا بني فلان، يا لفلان، والتعصب للقبيلة بالباطل، وترك ما فرضه الله في النكاح من العدة ونحوها، ثم ما زينه الشيطان لفريقٍ منهم من الأهواء التي باينوا بها عقائد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وخالفوا شريعة الله لهم من الاستغفار للأولين بقوله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] ووقعوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقيعة التي لا تصدر ممن وقر الإيمان في قلبه، فالحمد لله الذي عافانا وإياكم مما ابتلى به كثيراً من خلقه، وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ونسأل الله العظيم المنان بديع السماوات والأرض أن يتمم علينا وعليكم نعمته، ويوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى من القول والعمل، ويجعلنا من التابعين بإحسانٍ للسابقين الأولين، وليس هذا ببدع، فإن أهل البحرين ما زالوا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل إسلام وفضل، فقد قدم وفدهم من عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم الأشج فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى، فقالوا: يا رسول الله! إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر -بيننا نحن في شرق الجزيرة وأنت في غربها هذا الحي من كفار مضر- وإنا لا نصل إليك إلا في شهر الحرام، حيث يتوقف القتال عند العرب، فمرنا بأمرٍ فصلٍ نعمل به ونأمر به مَن وراءنا، فقال: آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) ولم يكن قد فرض الحج إذ ذاك، وقال للأشج : (إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: خلقين تخلقت بهما أو خلقين جبلت عليهما؟ قال: خلقين جبلت عليهما، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله) ثم إنهم أقاموا الجمعة بأرضهم، فأول جمعة في الإسلام بعد جمعة المدينة ، جمعة بـبجواثى قرية من قرى البحرين .

ثم إنهم ثبتوا على الإسلام لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتد من ارتد من العرب، وقاتل بهم أميرهم العلاء بن الحضرمي -الرجل الصالح- أهل الردة، وله في السيرة أخبار حسان، فالله سبحانه يوفق آخرهم لما وفق له أولهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه ... إلى آخر الرسالة رحمه الله.

ونحن ننطلق من الدعاء الذي دعا به شيخ الإسلام في رسالته، ونقول: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق آخرهم لما وفق له أولهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

بعد هذه الرسالة في تبيان ما ينبغي أن يكون عليه الخلف من التمسك بطريقة السلف ؛ طريقة وفد عبد القيس الذين اتبعوا السنة، وما كانوا عليه من إقامة الدين وشعائره، ننطلق بعد ذلك إلى هذه المحاضرة.

كنت أريد أن أتكلم في موضوع الأمراض، ولكن رأيت أن موضوعها طويل، وأن الكلام يمكن أن يكون أهم إذا تكلمنا في أصل الأمراض ومرض الأمراض؛ لأننا -أيها الإخوة- إذا نظرنا إلى الأعراض المرضية الموجودة لوجدنا أنها منبثقة عن خللٍ في الأساس، فنتكلم في المرض الأساسي وهو مرض الخلل في التصورات؛ لأنه ما من ذنب أو انحراف يقع فيه الناس إلا وهو ناتجٌ عن فساد في التصورات أو خلل فيها أو غيابٍ تغيب عن الأذهان أو جهلٍ بها، هذه التصورات والقواعد الشرعية الجهل فيها هو سبب ما نراه من النفاق والكذب والكبر والعجب والحسد وغير ذلك من الانحرافات الكثيرة الموجودة في الواقع، وكل تصورٍ خاطئ يؤدي إلى سلوكياتٍ منحرفة، والسلوكيات المنحرفة تكون نتيجة غياب التصور الصحيح أو انحراف التصور أو نقص التصور أو الغبش الموجود في التصور في عقول وأذهان كثيرٍ من الناس، ولذلك قبل تغيير السلوك ينبغي أن نغير التصور الذي هو أساس الأمراض.

مكافحة أصل المرض وأساسه

النبي صلى الله عليه وسلم لما بدأ بالدعوة بدأ بالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وما من نبي دعا قومه إلا وقال لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] هذا هو الأساس وهذه الكلمة العظيمة اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] وهي كلمة التوحيد التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم قومه والعرب كافة والعالمين، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فعارضه عليها قومه. كان العرب يعرفون معنى هذه الكلمة، والآن كثيرٌ من الناس يجهل معنى لا إله إلا الله، لماذا حاربوه ورفضوا أن يقولوها وهي كلمة؟ لأنهم يعلمون أن هذه الكلمة هي عقد وفاء والتزام، وأنه لا بد من الأخذ بمقتضاها والعمل بها، ولذلك رفضوها وهي كلمة.

وهم يعلمون أن مقولة: لا إله إلا الله؛ سينبني عليها تغييرات جذرية في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية وفي أخلاقهم وعاداتهم، سينبني عليها تغيير جذري للمجتمع.

إن الأمراض في المجتمع كثيرة، والإنسان إذا صار يعالج عارض السخونة وعارض الصداع وعارض المغص وعارض الإسهال وعارض القيء، سيتعب، وربما لا يكافح المرض ولا يحاصره ولا يقضي عليه، لكنه إذا اتجه إلى معالجة أصل المرض؛ فإن هذه الأعراض ستختفي، ولذلك يمكن أن نشبه حال الأمة المصابة بالأمراض المتعددة اليوم، بحال رجلٍ فيه أمراضٌ كثيرة، فيه أمراضٌ من السكر والنـزيف والسرطان والزكام والحمى وغير ذلك من الأمراض والأعراض، وعندما ينشغل الإنسان بمعالجة الأعراض ويغفل أصل المرض؛ تتفشى الأمراض وربما لا يستطيع السيطرة عليها، أو يتظاهر له أنه سيطر عليها وليس كذلك، لكن إذا انشغل بمكافحة أصل المرض وتقوية الجسم على المرض، واستنبات الخلايا السليمة، وتكثير هذه الخلايا في الجسم، وبناء الجسم بناءً صحيحاً وتغذيته ودفع هذه الأمراض لا بد منهما معاً، ولذلك نحن نقول الآن: كما أننا نذكر علاج الحسد والعجب والكبر مثلاً، ونكافح الكذب والغيبة والنميمة؛ فإننا ينبغي أن نصحح الأصل ونصحح التصورات، ولعلنا نرى من خلال عرض بعض الأمثلة الارتباط بين الانحرافات في الأعمال وانحرافات التصورات الأصلية.

دور القرآن والسنة في تصحيح التصورات الخاطئة

كان القرآن الكريم ينزل لتصحيح التصورات وإيجاد التصورات الصحيحة، يقول الله تعالى مثلاً في قصة حاطب رضي الله عنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1] قاعدة تبين تصوراً من التصورات الإسلامية العظيمة، إنها قاعدة إسلامية، صحيح أنها جاءت في حدث معين، لكنها قاعدة يجب أن ترسخ.

وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين لأصحابه عندما تبدر من الواحد منهم بادرة سوء أو خطأ؛ يبين له أصل الداء، فمثلاً حديث أبي ذر رضي الله عنه: (جاء المعرور بن سويد فقال: مررنا بـأبي ذر في الربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة -استغربوا من البرد الذي على الغلام- فقال أبو ذر رضي الله عنه: إني ساببت رجلاً -كان بيني وبين رجلٍ كلام وهو من إخواني، وفي رواية أنه بلال رضي الله عنه وكانت أمه أعجمية- فنلت منها، وقلت له: يا بن السوداء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أساببت فلاناً؟ قلت: نعم، قال: أعيرته بأمه؟ فقلت: من سب الرجال، سبوا أباه وأمه، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية) لم تتخلص من آثار الجاهلية بالكلية، فيك شائبة، (قلت على حين ساعتي هذه من كبر السن) -كأن أبا ذر رضي الله عنه تندم، قال: الآن ارتكبت هذه المعصية وأنا على كبر سني ولا يليق بي أن أفعل ذلك- (قال: نعم، هم إخوانكم خولكم -يعني: خدمكم- جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده؛ فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس -ولذلك كان قد كسا غلامه الحلة- ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه؛ فليعنه عليه) رواه البخاري ومسلم وأبو داود ، وألفاظه مجموعة بعضها إلى بعض.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع الكلمة أراد أن يعيدها إلى الأصل قال: (إنك امرؤ فيك جاهلية) ولذلك ينبغي علينا أن نتخلص من شوائب الجاهلية في أنفسنا، وأن نخلع على عتبة الإسلام كل أردية الجاهلية، ونغير من أفكارنا التي فيها انحراف أو قصور أو جهل، وينبغي أن نضع بدلاً منها قواعد الدين وأسس الشريعة والتصورات الشرعية.

النبي صلى الله عليه وسلم لما بدأ بالدعوة بدأ بالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وما من نبي دعا قومه إلا وقال لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] هذا هو الأساس وهذه الكلمة العظيمة اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] وهي كلمة التوحيد التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم قومه والعرب كافة والعالمين، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فعارضه عليها قومه. كان العرب يعرفون معنى هذه الكلمة، والآن كثيرٌ من الناس يجهل معنى لا إله إلا الله، لماذا حاربوه ورفضوا أن يقولوها وهي كلمة؟ لأنهم يعلمون أن هذه الكلمة هي عقد وفاء والتزام، وأنه لا بد من الأخذ بمقتضاها والعمل بها، ولذلك رفضوها وهي كلمة.

وهم يعلمون أن مقولة: لا إله إلا الله؛ سينبني عليها تغييرات جذرية في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية وفي أخلاقهم وعاداتهم، سينبني عليها تغيير جذري للمجتمع.

إن الأمراض في المجتمع كثيرة، والإنسان إذا صار يعالج عارض السخونة وعارض الصداع وعارض المغص وعارض الإسهال وعارض القيء، سيتعب، وربما لا يكافح المرض ولا يحاصره ولا يقضي عليه، لكنه إذا اتجه إلى معالجة أصل المرض؛ فإن هذه الأعراض ستختفي، ولذلك يمكن أن نشبه حال الأمة المصابة بالأمراض المتعددة اليوم، بحال رجلٍ فيه أمراضٌ كثيرة، فيه أمراضٌ من السكر والنـزيف والسرطان والزكام والحمى وغير ذلك من الأمراض والأعراض، وعندما ينشغل الإنسان بمعالجة الأعراض ويغفل أصل المرض؛ تتفشى الأمراض وربما لا يستطيع السيطرة عليها، أو يتظاهر له أنه سيطر عليها وليس كذلك، لكن إذا انشغل بمكافحة أصل المرض وتقوية الجسم على المرض، واستنبات الخلايا السليمة، وتكثير هذه الخلايا في الجسم، وبناء الجسم بناءً صحيحاً وتغذيته ودفع هذه الأمراض لا بد منهما معاً، ولذلك نحن نقول الآن: كما أننا نذكر علاج الحسد والعجب والكبر مثلاً، ونكافح الكذب والغيبة والنميمة؛ فإننا ينبغي أن نصحح الأصل ونصحح التصورات، ولعلنا نرى من خلال عرض بعض الأمثلة الارتباط بين الانحرافات في الأعمال وانحرافات التصورات الأصلية.

كان القرآن الكريم ينزل لتصحيح التصورات وإيجاد التصورات الصحيحة، يقول الله تعالى مثلاً في قصة حاطب رضي الله عنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1] قاعدة تبين تصوراً من التصورات الإسلامية العظيمة، إنها قاعدة إسلامية، صحيح أنها جاءت في حدث معين، لكنها قاعدة يجب أن ترسخ.

وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين لأصحابه عندما تبدر من الواحد منهم بادرة سوء أو خطأ؛ يبين له أصل الداء، فمثلاً حديث أبي ذر رضي الله عنه: (جاء المعرور بن سويد فقال: مررنا بـأبي ذر في الربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة -استغربوا من البرد الذي على الغلام- فقال أبو ذر رضي الله عنه: إني ساببت رجلاً -كان بيني وبين رجلٍ كلام وهو من إخواني، وفي رواية أنه بلال رضي الله عنه وكانت أمه أعجمية- فنلت منها، وقلت له: يا بن السوداء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أساببت فلاناً؟ قلت: نعم، قال: أعيرته بأمه؟ فقلت: من سب الرجال، سبوا أباه وأمه، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية) لم تتخلص من آثار الجاهلية بالكلية، فيك شائبة، (قلت على حين ساعتي هذه من كبر السن) -كأن أبا ذر رضي الله عنه تندم، قال: الآن ارتكبت هذه المعصية وأنا على كبر سني ولا يليق بي أن أفعل ذلك- (قال: نعم، هم إخوانكم خولكم -يعني: خدمكم- جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده؛ فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس -ولذلك كان قد كسا غلامه الحلة- ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه؛ فليعنه عليه) رواه البخاري ومسلم وأبو داود ، وألفاظه مجموعة بعضها إلى بعض.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع الكلمة أراد أن يعيدها إلى الأصل قال: (إنك امرؤ فيك جاهلية) ولذلك ينبغي علينا أن نتخلص من شوائب الجاهلية في أنفسنا، وأن نخلع على عتبة الإسلام كل أردية الجاهلية، ونغير من أفكارنا التي فيها انحراف أو قصور أو جهل، وينبغي أن نضع بدلاً منها قواعد الدين وأسس الشريعة والتصورات الشرعية.

إن القصور في التصورات والجهل بها؛ يؤدي إلى انحرافات في السلوكيات والأعمال، فمثلاً عندما نرى إعراض الناس الآن عن كثيرٍ من الأعمال والفرائض الشرعية، ونناقشهم يقولون لك: يا أخي! نياتنا طيبة، نحن نحب الخير، ونحب الدين، ونحن مسلمون نشهد أن لا إله إلا الله، لكنهم مع ذلك يكذبون، ويغشون، ويتخلفون عن الصلوات، ويكذبون، ويفعلون المنكر ويستمعون إليه، وسبب هذا غياب التصور الصحيح للإيمان، أن الإيمان قول وعمل.

كثير من الناس لا يفهمون أن الإيمان قول وعمل، ويظنون أن النية الطيبة وحدها تكفي، ولذلك تراهم قنوعين بهذا الشيء؛ الانتساب العام للإسلام والشهادة اللفظية بلا إله إلا الله، مطمئنين بذلك، قانعين به وراضين، ولذلك لا يضيفون إلى هذا المفهوم القاصر والسطحي شيئاً جديداً ولا يهتمون بالأعمال.

خلل في مفهوم الإيمان

إن القصور في التصورات والجهل بها؛ يؤدي إلى انحرافات في السلوكيات والأعمال، فمثلاً: عندما نرى إعراض الناس الآن عن كثيرٍ من الأعمال والفرائض الشرعية، ونناقشهم يقولون لك: يا أخي! نياتنا طيبة، نحن نحب الخير، ونحب الدين، ونحن مسلمون نشهد أن لا إله إلا الله، لكنهم مع ذلك يكذبون، ويغشون، ويتخلفون عن الصلوات، ويفعلون المنكر ويستمعون إليه، وسبب هذا غياب التصور الصحيح للإيمان، أن الإيمان قول وعمل.

كثير من الناس لا يفهمون أن الإيمان قول وعمل، ويظنون أن النية الطيبة وحدها تكفي، ولذلك تراهم قنوعين بهذا الشيء؛ الانتساب العام للإسلام والشهادة اللفظية بلا إله إلا الله، مطمئنين بذلك، قانعين به وراضين، ولذلك لا يضيفون إلى هذا المفهوم القاصر والسطحي شيئاً جديداً ولا يهتمون بالأعمال.

خلل في مفهوم السنة والبدعة

وفي المقابل أيضاً نجد أناساً واقعين في البدع، وأسباب الوقوع في الابتداع كثيرة، لكن من الأسباب ولا شك: القصور في فهم معنى السنة ومعنى البدعة، ولذلك تجد بعض هؤلاء عندهم صدق وإخلاص، ولكن عندهم جهل، فإذا قلت لأحدهم: يا أخي! هذا الشيء الذي تفعله بدعة، لا دليل عليه بل هو مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كيف هو مخالف! ألم يأت في الحديث: (من سن سنة حسنة كان له أجرها) وأنا سنيت سنة حسنة. فتجدهم لا يفهمون ما معنى سنة حسنة ولا يفهمون معنى البدعة، ولذلك يقعون في الحرام والبدعة والمنكر؛ بسبب الجهل بالتصور الصحيح للسنة والتصور الصحيح للبدعة.

خلل في مصادر التشريع

مصادر التشريع عندنا هي القرآن والسنة على فهم السلف الصالح فالقرآن والسنة هما مصدرا التلقي عندنا ونظراً لجهل الناس لقضية مصادر التلقي وأنها فقط الكتاب والسنة وليس شيئاً آخر، لذلك ترى الجهل بهذا التصور المهم جداً ينعكس على حياتهم في أشكالٍ متنوعة من الانحرافات.

لأنهم لما غفلوا عن هذا المفهوم؛ صاروا يأخذون من العادات والتقاليد المخالفة للشريعة، والعيب عندهم صار شريعة، وليس العيب هو ما عيب في القرآن والسنة، لكن العيب ما عابوه هم وعابه المجتمع وما نظر إليه أغلب الناس على أنه عيب، أو يقولون: مادام أن هذا موجود في الواقع؛ فإنه الصحيح، أو يقولون: أكيد ما اتفق أكثر الناس عليه إلا وهو صحيح وجائز ومشروع، ولا شك أن هذا مخالف لمسألة مصدر التشريع والتلقي عند المسلمين، ولذلك يقدمون أمور العادة على أمور الشرع.

مثلاً: كثير من الناس يقدمون في أمور النكاح والزواج العادة على الشرع، ويأخذون بالعادة ولو خالفت الشرع، فهم يستمدون أمورهم من الواقع الموجود على عجره وبجره، على عيوبه وما فيه من الأخطاء والانحرافات، التي تراكمت بمر السنين والجهل وسير الناس على هذه القواعد التي اختصوها لأنفسهم، ولذلك تجده يقدم الجمال على الدين، وإذا جاءه شخص يقدم الغني الفاسق على الفقير المتدين، فيفعلون ذلك؛ لأن هذه العادات الموجودة عندنا هو ما تعارف عليه المجتمع في النظر إلى شهادته والنظر إلى غناه وماله وهكذا.

خلل في توحيد الأسماء والصفات

ولنأخذ مثلاً آخر: عندما نرى كثرة ارتكاب الناس للمعاصي، وإذا ناقشناهم قالوا: الله غفور رحيم، هذه الكلمة التي يحتجون بها على ارتكاب المعصية ناتجة من الجهل بحقيقة توحيد الأسماء والصفات، فهم يعلمون أن الله غفورٌ رحيم، لكنهم ينسون أنه شديد العقاب، وأنه غفور لمن؟ ورحيم بمن؟ هل يغفر للمعاند المكابر المصر أم أن هذا الرجل متوعد؟ فإذاً غياب المفهوم الصحيح لتوحيد الأسماء والصفات الجهل بمعاني أسماء الله تعالى وصفاته يقود إلى نتائج سيئة في الواقع.

نحن نقول: إن رحمة الله تعالى قريبٌ من المحسنين، فينبغي أن نكون من المحسنين، أنت تقول له: إن رحمة الله قريب من المحسنين، فأين الإحسان؟ ثم تقول له: إن الله تعالى قال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49-50] وقال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98] فقرن بين شدة العقاب والمغفرة والرحمة، فهو سبحانه شديد العقاب وهو سبحانه غفور رحيم، نعم إن رحمته سبقت غضبه، ولذلك أهل الأعراف الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم مصيرهم إلى الجنة في النهاية؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه، فلما تساوت حسناتهم وسيئاتهم، ورحمة الله سبقت غضبه؛ كان مصيرهم إلى الجنة، لكن بعد دخول أهل الجنة الجنة، يقفون في ذلك الموقف العظيم، وتصرف وجوههم قبل أصحاب الجنة وأصحاب النار، وتحدث المحاورة التي ذكرها الله تعالى في كتابه في سورة الأعراف، لكن ينبغي ألا يجعل هذا المفهوم وهذه القاعدة أهل الفسق يتمادون في فسقهم ويتكلون على رحمة الله يقولون: الله غفور رحيم، وهم غارقون في المعاصي.

خلل في قضية القضاء والقدر

نظراً للجهل في قضية القضاء والقدر وعدم فهمها فهماً سليماً، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، أي: ماذا كان سيحدث لو لم يحدث الشيء الفلاني، وأن الله عز وجل كتب مقادير الخلائق وهذه الأحداث التي تجري وجرت في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه سبحانه وتعالى له الإرادة والمشيئة النافذة التي لا تقوم لها أي إرادة، ولا يمكن رد ما قضى الله عز وجل، وأنه سبحانه خلق أفعال العباد، فكل عملٍ يعمله العبد فالله خالقٌ له وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].

إذا استيقن العبد بقضاء الله وقدره وهو من أركان الإيمان؛ فإن كثيراً من الانحرافات التي تقع من الناس لا تقع عنده، فمثلاً: بعض الناس يسرفون على أنفسهم في المعاصي، ويقولون: نحن مجبورون ومرغمون على ذلك، فالإنسان مسير وليس بمخير، وليست القضية طبعاً هل الإنسان مسير وليس بمخير أو هل الإنسان مسير ومخير؟ هذه النقاشات لم تكن موجودة بين السلف ، وإنما هي أمرٌ حادثٌ جرى بعد ذلك، والله سبحانه وتعالى قضى الأمر وأعطانا إرادات، ولا تجد أحداً مكرهاً على عمل المنكر، وهو لا يريد، وتجد الناس يستمرئون المعاصي بحجة أنهم مجبرون وأن الأشياء مكتوبة وأن القدر مكتوب، ويحتجون على المعصية بهذا.

وفي جانبٍ آخر يعترضون على القضاء والقدر ولا يرضون ولا يسلمون، فما هو السبب؟ قل لي الآن: النياحة وشق الثوب، وتقطيع الشعر هذا معصية وانحراف، لكن مرده إلى أي شيء؟ نحن نعلم أنه معصية لكن حلل موقف النائحة عندما تصيح وتشق ثوبها وتقطع شعرها وتقول: يا ويلي يا ويلي، يا ظلام ليلي، وافلاناه، ما سببه؟ مرده إلى أي شيء؟ نحن نريد أن نكون أكثر عمقاً في النظر إلى الواقع، حتى نوجه الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أنه لا بد أن ينظروا إلى الواقع ويتلمسوا مواطن الخلل والعلل.

الجواب: أن مرد هذه المسألة ليس أن المرأة مثلاً عندها قدرة على الصياح، وأن هذا الشخص كان عزيزاً عندها، وأن عندها قدرة على التقطيع، لا، المسألة تتعلق حقيقة بقضية الاستسلام لقضاء الله وقدره، وعقيدة القضاء والقدر، والرضا بما قضى الله وقدر، وأن السخط حرام ولا يجوز، فقضية تقطيع الثياب وتقطيع الشعر والصياح تعبر عن عقيدة مخلخلة في موضوع القضاء والقدر.

ويقول: ماذا فعلت لك يا رب؟ أو ماذا فعل فلان لك يا رب؟ أو فلان لا يستحق! نستغفر الله العظيم مما يقول هؤلاء الظالمون، يقول أحدهم إذا أصاب الآخر حادث شنيع: فلان لا يستحق، كيف لا يستحق! حلل العبارات والكلمات، تجد أنها منطلقة من قواعد سيئة أو من جهل أو من غياب التصور أو غبش أو تصور منحرف مستقر في النفس.

خلل في مفهوم التوكل على الله

إن الخلل في مفهوم التوكل على الله يجعل الشخص يتوكل على الناس وعلى الأسباب وينسى الله تعالى، أو يجعله يتواكل ويهمل الأسباب بحجة التوكل على الله تعالى، فإذاً هؤلاء الناس الموجودون في الواقع ممن يعتمدون على فلان وفلان وهو كل شيء في حياته، أو يعتمدون على الأسباب اعتماداً كلياً وينسون الله تعالى، السبب في هذا الانحراف عدم وضوح قضية التوكل في أنفسهم.

مثلاً: إن تصور أن الجنة تنال بمنتهى السهولة، وأن الإنسان سيدخل الجنة بسهولة، هذا من المفاهيم المنحرفة عن التصور الصحيح في أن سلعة الله الجنة غالية، والجنة حفت بالمكاره، فليست جنة عدن التي خلقها الله بيده، وجعل فيها الحور العين في الأنهار والأشجار والثمار والأطيار، ليست هذه الجنة سلعة رخيصة ينالها أي أحد من الناس.

هناك شخص مضيع للصلوات، جاءه قريب له ينصحه فقال له: يا فلان! جاء وقت الصلاة وأنت لم تصل، وهذه مسألة عقوبتها كذا، والله يعاقب ويحاسب، قال هذا الرجل: المسألة هي كلام، أي: ظن أن الله يوم القيامة يأخذ الواحد فينا ويحاسبه: أنت لماذا ما صليت الصلاة يوم كذا وما صليت يوم كذا؟ ثم يأتي إلى هؤلاء الذين يقولون: لا إله إلا الله كلكم ادخلوا الجنة، لا يدقق معنا في الصلاة، فاتت صلاة ما فاتت صلاة. عندهم الجنة فوضى، كل الناس داخلون، إذاً أين يذهب الفسقة والفجرة؟ وقد دلت الأدلة الشرعية على أن الذين لن يخلدوا في النار سيمكثون فيها فترة من الزمن، ثم يخرجون وقد احترقوا وانتهشوا ثم ينبتون عندما يلقون في نهر الحياة كما تنبت الحبة في حميم السيل، قل لي من هم هؤلاء؟ إذا لم يكونوا هم المضيعون للصلوات فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ [مريم:59-60].

حصر الدين في الشعائر التعبدية

بعض الناس تجد عنده تصوراً أن العبادة منحصرة في هذه الشعائر التعبدية ويقولون: صلاة وزكاة وصيام وحج هذا هو الدين. يحصرون الدين في أشياء معينة، هذا من الخلل، فالدين أوسع من ذلك بكثير، (بني الإسلام على خمس) الإسلام بني على خمسة أركان، فإذا كان الإنسان عنده الأعمدة الأساسية للبيت، لكن ليس عنده لا جدران ولا سقوف ولا نوافذ ولا مرافق ولا مطبخ ولا حمام هل يعيش في بيتٍ هذا حاله؟

إذاً بني الإسلام على خمس، يعني: هذا بناء عظيم فيه شعائر كثيرة جداً لكن مبانيه على خمسة أسس، فالناس جاءوا بالأعمدة ونسوا بقية البنيان، فحصر الدين في شعائر معينة من الأشياء التي تجدها موجودة عند العامة.

أنت يا أخي الداعية -أيضاً- فكر كيف تعالج هذه القضية، وَسَّع مفهوم الدين، وبحسب ما جاء في الكتاب والسنة تجد أن كثيراً من حجج الناس تتهاوى، وكثيراً من تصرفاتهم تتعرى، ويصبحون على المحك فعلاً، ولا يؤدي هذا في النهاية إلى ما يؤدي إليه غياب التصور الصحيح من عدم الاحتساب على بقية الأعمال، والتهاون في الأحكام الشرعية خارج نطاق الشعائر التعبدية التي حصل بها الدين، وهكذا.

جعل الميزان غير التقوى

من التصورات والموازين الخاطئة: جعل الميزان غير التقوى، والميزان عند الله هو: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فلما غاب هذا الميزان وهذا التصور، صار الناس ينظرون إلى الشخص ويقومونه بحسب غناه أو فقره، بحسب نسبه ووظيفته ومرتبته ودرجته في هذه الوظيفة، بحسب نوع السيارة والشهادة العلمية والمنصب والعائلة والجنسية ونحو ذلك، وإذا جاءهم صاحب دين أحواله مستورة أو نسبه ليس برفيع؛ ردوه في الزواج، وإذا جاءهم صاحب نسب أو مالٍ؛ قبلوه وإن كان فاسقاً فاجراً.

يقول لي أحد الشباب: تقدمت إلى عائلة، فقالوا لي: ما اسم الأخ؟ فقلت لهم: فلان الفلاني، وبعد فترة عدت إليهم من أجل الجواب فقالوا: والله نحن عندنا تقاليد معينة وأنتم ما نزوجكم؛ لأنكم لستم بأكفاء لنا، قالوا: لأني موظف في نظرهم بسيط. يقول: ثم تقدم ولد عمي من نفس العائلة ومن نفس القبيلة ومن نفس الأسرة، ولكنه تاجر، قال: فقبلوه، وأهلاً وسهلاً وأنت من الأكفاء وعلى الرأس والعين، قال: لقد كنت غير مكافئ ولا أناسبهم، ثم جاء ابن عمي الذي يحمل نفس الاسم ونفس العائلة صار عندهم مكافئاً ومناسباً؟!

شخصٌ آخر جاءهم بسيارة الشبح طالباً ابنتهم، فلما جلس في المجلس كان صريحاً فقال: يا جماعة الحقيقة أنا من الأشراف قالوا: ما فيها شيء، أبوها -الله يرحمه- كان نفس الشيء، وطلعت البنت وجلست.

إذاً: المسألة الآن أن الناس لا ينظرون إلى دينه ولا إلى خلقه، بل ينظرون إلى سيارته، ووظيفته، وماله، وبيته، وأثاثه، ولباسه، هذا نتيجة اضطراب الميزان الشرعي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، الميزان الشرعي: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) هذا هو الميزان الشرعي: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض).

مر رجلٌ مسكين بالنبي صلى الله عليه وسلم، فسأل أصحابه عن رأيهم فيه، قالوا: (هذا حري إن نكح؛ ألا ينكح، وإن خطب؛ ألا يزوج، وإن قال؛ ألا يسمع لقوله، وإن شفع؛ ألا يشفع، فلما مر رجلٌ آخر ذو شارة حسنة وذو هيئة وأبهة قالوا: هذا حري إن خطب؛ أن ينكح، وإن قال؛ أن يسمع لقوله، وإن شفع؛ أن يشفع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا) فالميزان الصحيح هو ميزان التقوى.

التقوى في القلب

من الفساد المبني على هذه القاعدة: قضية أن التقوى في القلب وليس المظهر هو المهم، فتجد بعض الناس فيهم من الاهتمام بالمظاهر، حتى طال ذلك فئة من الشباب، يهتمون بالنظارات والأقلام والسيارات، وهذه الوجاهة التي يخرجون بها على الناس، يتفاخرون بها أمام الخلق، وتجد الواحد مع الأسف يستلف ويستدين، لكي يشتري شيئاً يظهر به أمام الناس، والسلف والدين صعب وفي الحديث: (صاحبكم مأسور بدينه) ولم يصل صلى الله عليه وسلم عليه صلاة الجنازة ، وبردت عليه جلدته حين سدد عنه أخوه المسلم وأوفى بدينه، والشهيد وما أدراك ما للشهيد من أنواع النعيم! يغفر له كل شيء إلا الدين، والآن في عالم الدين الاستلافات المتوالية لأي شيء؟ هل تقول: استلف ليأكل؟ استلف ليلبس من عري، استلف لشيء ضروري؟ لا، ليسدد فاتورة الكهرباء؟ لا، استلف لكي يشتري طقماً جديداً أو يجدد السيارة أو الأثاث أو شيئاً يتمظهر به أمام الناس.

خلل في حقيقة الولاء والبراء

من الأخطاء والخلل في عدم وضوح التصور الشرعي في الولاء والبراء المبني على قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55] بين الولاية لمن والمعاداة والعداوة لمن، لكن عدم ترسخ هذا المفهوم عند الناس؛ جعل الإقليمية تظهر والقبلية تظهر، والعرقية تظهر، والجنسيات المختلفة يظهر فيها الولاء والعداء عليها، وتزول محبة المؤمنين وتحل محلها محبة الكافرين، وترى الإعجاب بالنصراني الكافر أشد من محبة المسلم وخصوصاً إذا كان من بلدٍ فقير.

انظر الآن إلى احتقار الناس للهند والبلقان على مستوى الناس العامة، حتى إنهم يهزءون ويجعلون هذا مثلاً للغباء وللسذاجة، وهكذا يفعلون، والحقيقة إنني أتعجب فعلاً من هؤلاء الهنود المساكين الذين يدخلون المساجد للصلاة، يعني: نحن استهزأنا بهم، وسخرنا منهم وعاملناهم بسائر الإهانات، وهم مسلمون ويعلمون أننا مسلمون مثلهم، ومع ذلك إن دخلوا المساجد وصلوا تجد أحدنا يقول: يا مقرف! يا صاحب الرائحة الكريهة! اخرج. صحيح إن بعضهم ذو روائح كريهة، لكن: ما هكذا يا سعد تورد الإبل، ليست هذه الطريقة، فنحن سواء كانوا مخلين بأشياء أو مستقيمين على أشياء نهزأ بهم باستمرار! كذلك تجد تصرفات لا شعورية من الواحد تخرج أحياناً تجاه عامل مسلم فقير مستضعف وربما أخرنا عليه الراتب وأهناه وخصمنا عليه وهو مظلوم، وربما يقبل قدميك لأجل أن يمسح سيارتك؛ لأن الكفيل يطالب بثلاثمائة ريال في الشهر، لو كان كافراً فإنه يستحق الإذلال والإهانة، لكن الظلم لا يجوز حتى على الكافر، لكن المشكلة أنه مسلم يشهد بأن لا إله إلا الله ويقيم الصلاة ويدخل المسجد.

كذلك إذا جئت إلى قضية تقديم الكفار على المسلمين في الوظائف؛ تجد العجب العجاب ونتائج واضحة للانحراف في مسألة الولاء والبراء.

خلل في قضية الخوف

المسلم ينبغي أن يخاف من الله، وإذا خاف من شيءٍ آخر خوفاً طبيعياً كالخوف من الأسد والثعبان، فلا شيء في ذلك ما لم يتجاوز الحد، فالخوف من الشيء الذي يدفعك إلى الابتعاد عنه لضرره أو اتقاء ضرره متوكلاً على الله، وموقناً أن الضرر بيد الله والنفع بيد الله؛ هذا لا شيء فيه، لكن القضية هو الخوف الذي استعمر قلوب الكثيرين من المسلمين حتى وقعوا في الشرك في الخوف.

بعضهم يعتقد أن فلاناً من الناس يستطيع أن يفعل به ما يشاء كيف يشاء في أي وقتٍ شاء، إذا اعتقدت هذا وقعت في الشرك .. ولذلك ترى استيلاء الخوف على قلوب الكثيرين سبب إرجافاً وتركاً للمنكر وإنكاره، وذلاً بل وردة عن الدين عند بعض الناس وتركاً للشعائر الإسلامية وإزالة للمظاهر الإسلامية، بسبب الخوف من غير الله، وترك أشياء من الدين خوفاً من غير الله، لو كان مكرهاً مستضعفاً لقلنا معه عذره، لكن لأدنى شيء يترك الالتزام بالإسلام خوفاً. هذه الشخصية الجبانة المترددة التي لا تقوى على مواجهة الباطل ولا على إنكار المنكر، ولا على رفض الباطل.

هذا الإنسان الجبان الذي لا يريد الصدع بالحق، ولا عنده جرأة في دين الله، ولا تغيظٌ على أصحاب المنكرات ولا إنكار بسبب خلل في مسألة الخوف من الله تعالى، قال الله عز وجل: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ [آل عمران:175] ما معنى أن الشيطان يخوف أولياءه؟ يعني: يخوفكم بأوليائه، يجعل أولياءه سبباً لإخافتكم: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175] يعني: يخوف المؤمنين بواسطة أوليائه من الطواغيت وغيرهم، فإذا هذه المسألة ينبغي أن ينتبه لها.

وبعض الناس يعمل مفاسد متوهمة، ويترك أشياء من الدين لأجلها، ونحن أصلاً لو نظرت إلى معاملتنا وتربيتنا للأطفال تجد أننا ننشئهم على الخوف، ونخوفهم من الجن والبعبع والغول والحرامي، فينشأ الولد خائفاً مذعوراً من الصغر، والتخويف من الصغر حاصل وموجود.

إن القصور في التصورات والجهل بها؛ يؤدي إلى انحرافات في السلوكيات والأعمال، فمثلاً: عندما نرى إعراض الناس الآن عن كثيرٍ من الأعمال والفرائض الشرعية، ونناقشهم يقولون لك: يا أخي! نياتنا طيبة، نحن نحب الخير، ونحب الدين، ونحن مسلمون نشهد أن لا إله إلا الله، لكنهم مع ذلك يكذبون، ويغشون، ويتخلفون عن الصلوات، ويفعلون المنكر ويستمعون إليه، وسبب هذا غياب التصور الصحيح للإيمان، أن الإيمان قول وعمل.

كثير من الناس لا يفهمون أن الإيمان قول وعمل، ويظنون أن النية الطيبة وحدها تكفي، ولذلك تراهم قنوعين بهذا الشيء؛ الانتساب العام للإسلام والشهادة اللفظية بلا إله إلا الله، مطمئنين بذلك، قانعين به وراضين، ولذلك لا يضيفون إلى هذا المفهوم القاصر والسطحي شيئاً جديداً ولا يهتمون بالأعمال.

وفي المقابل أيضاً نجد أناساً واقعين في البدع، وأسباب الوقوع في الابتداع كثيرة، لكن من الأسباب ولا شك: القصور في فهم معنى السنة ومعنى البدعة، ولذلك تجد بعض هؤلاء عندهم صدق وإخلاص، ولكن عندهم جهل، فإذا قلت لأحدهم: يا أخي! هذا الشيء الذي تفعله بدعة، لا دليل عليه بل هو مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كيف هو مخالف! ألم يأت في الحديث: (من سن سنة حسنة كان له أجرها) وأنا سنيت سنة حسنة. فتجدهم لا يفهمون ما معنى سنة حسنة ولا يفهمون معنى البدعة، ولذلك يقعون في الحرام والبدعة والمنكر؛ بسبب الجهل بالتصور الصحيح للسنة والتصور الصحيح للبدعة.

مصادر التشريع عندنا هي القرآن والسنة على فهم السلف الصالح فالقرآن والسنة هما مصدرا التلقي عندنا ونظراً لجهل الناس لقضية مصادر التلقي وأنها فقط الكتاب والسنة وليس شيئاً آخر، لذلك ترى الجهل بهذا التصور المهم جداً ينعكس على حياتهم في أشكالٍ متنوعة من الانحرافات.

لأنهم لما غفلوا عن هذا المفهوم؛ صاروا يأخذون من العادات والتقاليد المخالفة للشريعة، والعيب عندهم صار شريعة، وليس العيب هو ما عيب في القرآن والسنة، لكن العيب ما عابوه هم وعابه المجتمع وما نظر إليه أغلب الناس على أنه عيب، أو يقولون: مادام أن هذا موجود في الواقع؛ فإنه الصحيح، أو يقولون: أكيد ما اتفق أكثر الناس عليه إلا وهو صحيح وجائز ومشروع، ولا شك أن هذا مخالف لمسألة مصدر التشريع والتلقي عند المسلمين، ولذلك يقدمون أمور العادة على أمور الشرع.

مثلاً: كثير من الناس يقدمون في أمور النكاح والزواج العادة على الشرع، ويأخذون بالعادة ولو خالفت الشرع، فهم يستمدون أمورهم من الواقع الموجود على عجره وبجره، على عيوبه وما فيه من الأخطاء والانحرافات، التي تراكمت بمر السنين والجهل وسير الناس على هذه القواعد التي اختصوها لأنفسهم، ولذلك تجده يقدم الجمال على الدين، وإذا جاءه شخص يقدم الغني الفاسق على الفقير المتدين، فيفعلون ذلك؛ لأن هذه العادات الموجودة عندنا هو ما تعارف عليه المجتمع في النظر إلى شهادته والنظر إلى غناه وماله وهكذا.

ولنأخذ مثلاً آخر: عندما نرى كثرة ارتكاب الناس للمعاصي، وإذا ناقشناهم قالوا: الله غفور رحيم، هذه الكلمة التي يحتجون بها على ارتكاب المعصية ناتجة من الجهل بحقيقة توحيد الأسماء والصفات، فهم يعلمون أن الله غفورٌ رحيم، لكنهم ينسون أنه شديد العقاب، وأنه غفور لمن؟ ورحيم بمن؟ هل يغفر للمعاند المكابر المصر أم أن هذا الرجل متوعد؟ فإذاً غياب المفهوم الصحيح لتوحيد الأسماء والصفات الجهل بمعاني أسماء الله تعالى وصفاته يقود إلى نتائج سيئة في الواقع.

نحن نقول: إن رحمة الله تعالى قريبٌ من المحسنين، فينبغي أن نكون من المحسنين، أنت تقول له: إن رحمة الله قريب من المحسنين، فأين الإحسان؟ ثم تقول له: إن الله تعالى قال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49-50] وقال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98] فقرن بين شدة العقاب والمغفرة والرحمة، فهو سبحانه شديد العقاب وهو سبحانه غفور رحيم، نعم إن رحمته سبقت غضبه، ولذلك أهل الأعراف الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم مصيرهم إلى الجنة في النهاية؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه، فلما تساوت حسناتهم وسيئاتهم، ورحمة الله سبقت غضبه؛ كان مصيرهم إلى الجنة، لكن بعد دخول أهل الجنة الجنة، يقفون في ذلك الموقف العظيم، وتصرف وجوههم قبل أصحاب الجنة وأصحاب النار، وتحدث المحاورة التي ذكرها الله تعالى في كتابه في سورة الأعراف، لكن ينبغي ألا يجعل هذا المفهوم وهذه القاعدة أهل الفسق يتمادون في فسقهم ويتكلون على رحمة الله يقولون: الله غفور رحيم، وهم غارقون في المعاصي.

نظراً للجهل في قضية القضاء والقدر وعدم فهمها فهماً سليماً، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، أي: ماذا كان سيحدث لو لم يحدث الشيء الفلاني، وأن الله عز وجل كتب مقادير الخلائق وهذه الأحداث التي تجري وجرت في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه سبحانه وتعالى له الإرادة والمشيئة النافذة التي لا تقوم لها أي إرادة، ولا يمكن رد ما قضى الله عز وجل، وأنه سبحانه خلق أفعال العباد، فكل عملٍ يعمله العبد فالله خالقٌ له وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].

إذا استيقن العبد بقضاء الله وقدره وهو من أركان الإيمان؛ فإن كثيراً من الانحرافات التي تقع من الناس لا تقع عنده، فمثلاً: بعض الناس يسرفون على أنفسهم في المعاصي، ويقولون: نحن مجبورون ومرغمون على ذلك، فالإنسان مسير وليس بمخير، وليست القضية طبعاً هل الإنسان مسير وليس بمخير أو هل الإنسان مسير ومخير؟ هذه النقاشات لم تكن موجودة بين السلف ، وإنما هي أمرٌ حادثٌ جرى بعد ذلك، والله سبحانه وتعالى قضى الأمر وأعطانا إرادات، ولا تجد أحداً مكرهاً على عمل المنكر، وهو لا يريد، وتجد الناس يستمرئون المعاصي بحجة أنهم مجبرون وأن الأشياء مكتوبة وأن القدر مكتوب، ويحتجون على المعصية بهذا.

وفي جانبٍ آخر يعترضون على القضاء والقدر ولا يرضون ولا يسلمون، فما هو السبب؟ قل لي الآن: النياحة وشق الثوب، وتقطيع الشعر هذا معصية وانحراف، لكن مرده إلى أي شيء؟ نحن نعلم أنه معصية لكن حلل موقف النائحة عندما تصيح وتشق ثوبها وتقطع شعرها وتقول: يا ويلي يا ويلي، يا ظلام ليلي، وافلاناه، ما سببه؟ مرده إلى أي شيء؟ نحن نريد أن نكون أكثر عمقاً في النظر إلى الواقع، حتى نوجه الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أنه لا بد أن ينظروا إلى الواقع ويتلمسوا مواطن الخلل والعلل.

الجواب: أن مرد هذه المسألة ليس أن المرأة مثلاً عندها قدرة على الصياح، وأن هذا الشخص كان عزيزاً عندها، وأن عندها قدرة على التقطيع، لا، المسألة تتعلق حقيقة بقضية الاستسلام لقضاء الله وقدره، وعقيدة القضاء والقدر، والرضا بما قضى الله وقدر، وأن السخط حرام ولا يجوز، فقضية تقطيع الثياب وتقطيع الشعر والصياح تعبر عن عقيدة مخلخلة في موضوع القضاء والقدر.

ويقول: ماذا فعلت لك يا رب؟ أو ماذا فعل فلان لك يا رب؟ أو فلان لا يستحق! نستغفر الله العظيم مما يقول هؤلاء الظالمون، يقول أحدهم إذا أصاب الآخر حادث شنيع: فلان لا يستحق، كيف لا يستحق! حلل العبارات والكلمات، تجد أنها منطلقة من قواعد سيئة أو من جهل أو من غياب التصور أو غبش أو تصور منحرف مستقر في النفس.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3611 استماع
التوسم والفراسة 3608 استماع
مجزرة بيت حانون 3530 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3497 استماع
اليهودية والإرهابي 3425 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3425 استماع
حتى يستجاب لك 3393 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3370 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3348 استماع
الزينة والجمال 3335 استماع