كمِّل شخصيتك


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعــد:

إخواني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فهذه فرصة طيبة أعبر لكم فيها عن سروري بلقائكم والحديث إليكم، وأنتم في هذه المدينة أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل مجلسنا هذا مجلساً نافعاً مباركاً، وأن يجعلنا ممن يذكرهم سبحانه وتعالى فيمن عنده، وأن يجعلنا من المتواصين بالحق والصبر، وأن يجعلنا من الصابرين والشاكرين والذاكرين الله كثيراً.

أيها الإخوة: هذا الحديث إليكم عن موضوع مهم، ولعل أهميته تكمن في الحاجة إليه في هذا العصر والزمان، الذي تدعو الحاجة فيه للتملي والتريث والتمعن في هذا الموضوع، والموضوع عن تكميل الشخصية الإسلامية.

كمال الشريعة الإسلامية

الشخصية الإسلامية كاملة كما ورد في هذه الشريعة، والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الدين كاملاً، وقال الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فقد كمل الله هذا الدين، والحمد لله أن شريعتنا شريعة كاملة.

ومن نعمة الله عز وجل علينا أننا وجدنا في هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ودينها أتم الأديان، وشريعتها أكمل الشرائع، وشرائع الأنبياء من قبلنا بالنسبة إلى شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شرائع ناقصة، وهي بالنسبة لكل أمة من الأمم كاملة لهم، لكن شرائعهم بالنسبة إلى شرائعنا ناقصة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وهذا هو المعنى المتضمن في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً، فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان، ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة. فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة) رواه الإمام أحمد وغيره، ورواه البخاري رحمه الله تعالى بلفظ: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) صلى الله عليه وسلم، فصارت هذه الشريعة هي أكمل الشرائع قاطبة من وجوه كثيرة ومتعددة، وشرائع الأنبياء من قبلنا منها ما كان فيها التركيز على الحلال والحرام كشريعة موسى، ومنها من كان فيه التركيز على أعمال القلوب كشريعة عيسى، لكن هذه الشريعة كاملة مكملة من جميع الجهات، فهي في الإيمان والعبادات والأعمال والمعاملات فيها ذكر وتبيان لكل شيء، والمسلم منا مطالب أن يتشبه بهذه الشريعة في كمالها، فيكمل شخصيته مما جاءت به هذه الشريعة.

وهذا المفهوم -مفهوم التكميل والإتمام- مفهوم إسلامي وشرعي، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) فنحن إذن مطالبون بصياغة شخصياتنا على ضوء هذه الشريعة، وأن نتمم شخصياتنا من الوحي الذي جاء في هذا الدين، وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو نعيم رحمه الله عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه).

تميز شخصية المسلم

الله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندخل في السلم كافة، وأن نأخذ بجميع شرائع الإسلام وشعب الإسلام والإيمان، وأن نتمثل هذه الشريعة بجميع أبوابها، ولسنا مطالبين بالعلم فقط ولا بالعبادة فقط ولا بحسن الخلق فقط ولا بمعرفة الآداب والتمسك بها فقط، وإنما نحن مطالبون ومتعبدون بكل ذلك.

ينبغي أن تكون شخصية المسلم متميزة بالعلم والعبادة والخلق والأدب، وجميع هذه الأشياء موجودة متمثلة فيه، وانظر مثلاً إلى إخفاء ذكر بعض شعب الإيمان في الأحاديث، على أي شيء يدل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم وغيره.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز) إذا أعطيت شاة عندك لرجل ليحتلبها وينتفع بها فترة من الزمن ثم يردها إليك، هذه تسمى منيحة العنز، وهي من أنواع الصدقات ومن أبواب الخير.

(أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة) ذكر ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث نقلاً عن ابن بطال رحمه الله: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالأربعين المذكورة، وإنما لم يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها؛ وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهداً في غيرها من أبواب الخير، فإذاً ما ذكرت الأربعين لكي تحرص على تلمس الأربعين فتحرص على هذا الباب من أبواب الخير، وعلى هذا النوع من أنواع الصدقة، وعلى هذا المجال من مجالات العمل الصالح، رجاء أن تدرك هذه الأربعين، وهذا يدل على أنه ينبغي عليك أن تضرب بسهم في كل واد من أودية الخير، وأن تحرص على تكميل نفسك من جميع شعب الإيمان التي هي بضع وسبعون شعبة، ذكر لنا أعلاها وأدناها وعلينا أن نبحث عن الباقي ونتلمسه في النصوص الشرعية ونعمل به.

وهذه الأربعون كذلك مع أنها ليست من الأشياء الكبيرة كالصلاة والزكاة، لكن الذي يعمل بواحدة يرجو ثوابها عند الله، يصدق بموعودها يوعد بالجنة، إذاً المسألة مهمة، وسلعة الله غالية.

كمال الشخصية في شخصيات الإسلام

إننا نجد كمال الشخصية موجوداً في شخصيات هذا الدين وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صحابته، أما كمال شخصيته عليه الصلاة والسلام فهو مشهور ومعلوم، والنصوص كثيرة فيه، كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام قائماً بأعمال الخير والبر، كيف كانت شخصيته عليه الصلاة والسلام كاملة علماً وعملاً.

وكذلك شخصيات أصحابه أخذت من هذا التمام والكمال، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه (من أصبح اليوم صائماً؟ قال أبو بكر : أنا.) لا يريد أن يبين عمله، لكن لا بد من الإجابة، ولم يقلها رياءً ومفاخرة، وإنما قالها إجابة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سأل (من عاد منكم مريضاً؟ قال أبو بكر : أنا. من تبع منكم جنازة؟ قال أبو بكر : أنا. من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر : أنا) فإذاً هو رضي الله عنه قد كمل نفسه من خصال الخير، وأبواب الخير كثيرة.

نقص الشخصية عيب وشين

وهذا الموضوع مهم -أيها الإخوة- أن نكمل فيه شخصياتنا؛ لأن النقص عيب وشين، وإذا نظرت في الواقع فنظرت إلى بعض الناس وجدت عنده جوانب من الخير فتراه: يصلي مع الجماعة، يقرأ القرآن، يذهب للعمرة والحج، يصوم، يتصدق، لكن في جوانب المعاملة مع الخلق تجده صاحب مثالب ومعايب، وعنده نقائص، وهذا المعنى موجود في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتدرون من المفلس؟ ) يسألهم عليه الصلاة والسلام، يلفت نظرهم إلى هذا الموضوع (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة -لاحظ ماذا عند الرجل، هذا الرجل عنده صلاة وصيام وزكاة، ومع ذلك يصفه عليه الصلاة والسلام بأنه مفلس، كيف يكون صاحب الصلاة والزكاة والصيام مفلساً؟!- يقول: ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا) كم خصلة نحن مشتركون فيها من هذه الخصال الذميمة؟ قد يقول البعض: ما سفكنا دماء، نقول: لكن انظر في الواقع، كم شتمنا، كم قذفنا، كم ضربنا!

فأقول -أيها الإخوة- نظرة محاسبة لأنفسنا: كم عملنا من هذه المعايب والذنوب؟ وهل سنكون يوم القيامة في عداد المفلسين؟ نسأل الله السلامة، ماذا سيحصل؟ (فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته -يعطى للمظلوم من الظالم، صاحب الصلاة والزكاة والصيام- فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه؛ أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) إذاً: النقص عيب، لا بد أن نكمل شخصياتنا لأن هذه الأشياء تورد المهالك، ويمكن أن يدخل الإنسان النار بسببها، فينبغي أن نكمل شخصياتنا.

تكامل شخصية المسلم عند السلف

إن السلف رحمهم الله لما شرحوا الدين أتوا بهذا المفهوم واضحاً في كلامهم، مأخوذاً من الكتاب والسنة والأدلة الشرعية، فما نقله الإمام ابن بطة رحمه الله تعالى في كتاب الإبانة الكبرى نقل عبارات عن بعض السلف ، فمنها في هذا الجانب قوله: " إن من أخلاق المؤمنين: قوة في الدين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وحرص في علم، وقصد في غنى، وتجمل في فاقة، ورحمة للمجهود -المتعب- وعطاءٌ في حق، ونهي عن شهوة، وكسب في حلال، وتحرج عن طمع، ونشاط في هدى، وبر في استقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم في الحب -لا يتجاوز- ولا يدعي ما ليس له، ولا ينابز بالألقاب، ولا يشمت بالمصاب، ولا يضر بالجار، ولا يهمز، في الصلاة متخشع، وإلى الزكاة متسرع، إن صمت لم يغمه الصمت، وإن ضحك لم يعل صوته، في الزلازل وقور، وفي الرخاء شكور، قانع بالذي له، لا يجمح به الغيظ، ولا يغلبه الشح، يخالط الناس ليعْلم أو ليعَلم، ويصمت ليسلم، وينطق ليفهم، إن كان مع الذاكرين لم يكتب مع الغافلين، وإن كان مع الغافلين كتب من الذاكرين، وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له يوم القيامة ".

إذن: فهمهم لسمات الشخصية الإسلامية، لصفات الإنسان المسلم متكامل، صلاة وزكاة، وحلم وعلم، ويقين وصبر وشكر، تعلم وتعليم، وقار...، إذاً المسألة متكاملة.

الشخصية الإسلامية كاملة كما ورد في هذه الشريعة، والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الدين كاملاً، وقال الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فقد كمل الله هذا الدين، والحمد لله أن شريعتنا شريعة كاملة.

ومن نعمة الله عز وجل علينا أننا وجدنا في هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ودينها أتم الأديان، وشريعتها أكمل الشرائع، وشرائع الأنبياء من قبلنا بالنسبة إلى شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شرائع ناقصة، وهي بالنسبة لكل أمة من الأمم كاملة لهم، لكن شرائعهم بالنسبة إلى شرائعنا ناقصة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وهذا هو المعنى المتضمن في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً، فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان، ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة. فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة) رواه الإمام أحمد وغيره، ورواه البخاري رحمه الله تعالى بلفظ: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) صلى الله عليه وسلم، فصارت هذه الشريعة هي أكمل الشرائع قاطبة من وجوه كثيرة ومتعددة، وشرائع الأنبياء من قبلنا منها ما كان فيها التركيز على الحلال والحرام كشريعة موسى، ومنها من كان فيه التركيز على أعمال القلوب كشريعة عيسى، لكن هذه الشريعة كاملة مكملة من جميع الجهات، فهي في الإيمان والعبادات والأعمال والمعاملات فيها ذكر وتبيان لكل شيء، والمسلم منا مطالب أن يتشبه بهذه الشريعة في كمالها، فيكمل شخصيته مما جاءت به هذه الشريعة.

وهذا المفهوم -مفهوم التكميل والإتمام- مفهوم إسلامي وشرعي، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) فنحن إذن مطالبون بصياغة شخصياتنا على ضوء هذه الشريعة، وأن نتمم شخصياتنا من الوحي الذي جاء في هذا الدين، وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو نعيم رحمه الله عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه).

الله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندخل في السلم كافة، وأن نأخذ بجميع شرائع الإسلام وشعب الإسلام والإيمان، وأن نتمثل هذه الشريعة بجميع أبوابها، ولسنا مطالبين بالعلم فقط ولا بالعبادة فقط ولا بحسن الخلق فقط ولا بمعرفة الآداب والتمسك بها فقط، وإنما نحن مطالبون ومتعبدون بكل ذلك.

ينبغي أن تكون شخصية المسلم متميزة بالعلم والعبادة والخلق والأدب، وجميع هذه الأشياء موجودة متمثلة فيه، وانظر مثلاً إلى إخفاء ذكر بعض شعب الإيمان في الأحاديث، على أي شيء يدل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم وغيره.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز) إذا أعطيت شاة عندك لرجل ليحتلبها وينتفع بها فترة من الزمن ثم يردها إليك، هذه تسمى منيحة العنز، وهي من أنواع الصدقات ومن أبواب الخير.

(أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة) ذكر ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث نقلاً عن ابن بطال رحمه الله: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالأربعين المذكورة، وإنما لم يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها؛ وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهداً في غيرها من أبواب الخير، فإذاً ما ذكرت الأربعين لكي تحرص على تلمس الأربعين فتحرص على هذا الباب من أبواب الخير، وعلى هذا النوع من أنواع الصدقة، وعلى هذا المجال من مجالات العمل الصالح، رجاء أن تدرك هذه الأربعين، وهذا يدل على أنه ينبغي عليك أن تضرب بسهم في كل واد من أودية الخير، وأن تحرص على تكميل نفسك من جميع شعب الإيمان التي هي بضع وسبعون شعبة، ذكر لنا أعلاها وأدناها وعلينا أن نبحث عن الباقي ونتلمسه في النصوص الشرعية ونعمل به.

وهذه الأربعون كذلك مع أنها ليست من الأشياء الكبيرة كالصلاة والزكاة، لكن الذي يعمل بواحدة يرجو ثوابها عند الله، يصدق بموعودها يوعد بالجنة، إذاً المسألة مهمة، وسلعة الله غالية.

إننا نجد كمال الشخصية موجوداً في شخصيات هذا الدين وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صحابته، أما كمال شخصيته عليه الصلاة والسلام فهو مشهور ومعلوم، والنصوص كثيرة فيه، كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام قائماً بأعمال الخير والبر، كيف كانت شخصيته عليه الصلاة والسلام كاملة علماً وعملاً.

وكذلك شخصيات أصحابه أخذت من هذا التمام والكمال، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه (من أصبح اليوم صائماً؟ قال أبو بكر : أنا.) لا يريد أن يبين عمله، لكن لا بد من الإجابة، ولم يقلها رياءً ومفاخرة، وإنما قالها إجابة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سأل (من عاد منكم مريضاً؟ قال أبو بكر : أنا. من تبع منكم جنازة؟ قال أبو بكر : أنا. من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر : أنا) فإذاً هو رضي الله عنه قد كمل نفسه من خصال الخير، وأبواب الخير كثيرة.

وهذا الموضوع مهم -أيها الإخوة- أن نكمل فيه شخصياتنا؛ لأن النقص عيب وشين، وإذا نظرت في الواقع فنظرت إلى بعض الناس وجدت عنده جوانب من الخير فتراه: يصلي مع الجماعة، يقرأ القرآن، يذهب للعمرة والحج، يصوم، يتصدق، لكن في جوانب المعاملة مع الخلق تجده صاحب مثالب ومعايب، وعنده نقائص، وهذا المعنى موجود في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتدرون من المفلس؟ ) يسألهم عليه الصلاة والسلام، يلفت نظرهم إلى هذا الموضوع (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة -لاحظ ماذا عند الرجل، هذا الرجل عنده صلاة وصيام وزكاة، ومع ذلك يصفه عليه الصلاة والسلام بأنه مفلس، كيف يكون صاحب الصلاة والزكاة والصيام مفلساً؟!- يقول: ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا) كم خصلة نحن مشتركون فيها من هذه الخصال الذميمة؟ قد يقول البعض: ما سفكنا دماء، نقول: لكن انظر في الواقع، كم شتمنا، كم قذفنا، كم ضربنا!

فأقول -أيها الإخوة- نظرة محاسبة لأنفسنا: كم عملنا من هذه المعايب والذنوب؟ وهل سنكون يوم القيامة في عداد المفلسين؟ نسأل الله السلامة، ماذا سيحصل؟ (فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته -يعطى للمظلوم من الظالم، صاحب الصلاة والزكاة والصيام- فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه؛ أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) إذاً: النقص عيب، لا بد أن نكمل شخصياتنا لأن هذه الأشياء تورد المهالك، ويمكن أن يدخل الإنسان النار بسببها، فينبغي أن نكمل شخصياتنا.

إن السلف رحمهم الله لما شرحوا الدين أتوا بهذا المفهوم واضحاً في كلامهم، مأخوذاً من الكتاب والسنة والأدلة الشرعية، فما نقله الإمام ابن بطة رحمه الله تعالى في كتاب الإبانة الكبرى نقل عبارات عن بعض السلف ، فمنها في هذا الجانب قوله: " إن من أخلاق المؤمنين: قوة في الدين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وحرص في علم، وقصد في غنى، وتجمل في فاقة، ورحمة للمجهود -المتعب- وعطاءٌ في حق، ونهي عن شهوة، وكسب في حلال، وتحرج عن طمع، ونشاط في هدى، وبر في استقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم في الحب -لا يتجاوز- ولا يدعي ما ليس له، ولا ينابز بالألقاب، ولا يشمت بالمصاب، ولا يضر بالجار، ولا يهمز، في الصلاة متخشع، وإلى الزكاة متسرع، إن صمت لم يغمه الصمت، وإن ضحك لم يعل صوته، في الزلازل وقور، وفي الرخاء شكور، قانع بالذي له، لا يجمح به الغيظ، ولا يغلبه الشح، يخالط الناس ليعْلم أو ليعَلم، ويصمت ليسلم، وينطق ليفهم، إن كان مع الذاكرين لم يكتب مع الغافلين، وإن كان مع الغافلين كتب من الذاكرين، وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له يوم القيامة ".

إذن: فهمهم لسمات الشخصية الإسلامية، لصفات الإنسان المسلم متكامل، صلاة وزكاة، وحلم وعلم، ويقين وصبر وشكر، تعلم وتعليم، وقار...، إذاً المسألة متكاملة.

أيها الإخوة! إذا نظرنا في الواقع وفي أنفسنا وفيمن حولنا وجدنا أن النقائص الموجودة في شخصياتنا لها آثار سلبية علينا وعلى غيرنا، فمثلاً: صاحب الشخصية الناقصة نقصها سلبي عليه، فقد يكون النقص في شخصيته نقصاً في الإيمان، يسبب الوقوع في المعاصي، يسبب شقاء النفس، يسبب قلة التوفيق، وإذا كان هذا مرضاً صار مرض قسوة القلب.

النقص في الشخصية ينعكس علينا حتى في بيوتنا، لا معاشرة بالمعروف، ولا رحمة بالصبيان، ولا رفق بالبيت، والله سبحانه وتعالى إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق، فإذا وجدت البيت فيه شدة وعنت ومعاملة جافية وغليظة؛ فاسأل الله أن يرزقك خيراً وأن يمنحك الرفق، فإنه يخشى منك ألا تكون ممن أراد بهم خيراً وممن أراد الله ببيوتهم خيراً.

ثم إن النقص في شخصياتنا ينعكس أيضاً على علاقاتنا بإخواننا، النقص في الآداب يسبب البغض والقطيعة، والكره والتنافر، لا تضحية ولا إيثار، ولا سعة صدر وحسن استقبال.

ثم إنه ينعكس أيضاً على الناس عموماً، تأمل لو أن هناك إنساناً صلى في الجماعة، واجتنب بعض المحرمات، وقام ببعض الواجبات، والتزم ببعض الأشياء في ظاهر شخصيته مثل إطلاق لحيته ونحو ذلك من السنن والأشياء الواجبة، ثم صار عنده نقص في شخصيته: غلظة في التعامل، خشونة، إخلاف مواعيد، عدم صدق في الحديث... ماذا سيكون أثر هذا على العامة؟ سيلوم الناس أصحاب اللحى، ويكون هذا ظلماً للغير، وفتح باب ينقد الآخرون من خلاله أهل الخير، وقد يصبح هذا الشخص بنقائصه من الذي يصدون عن سبيل الله، نحن بنقصنا وتصرفاتنا الخاطئة نعكس صورة مشوهة عن الإسلام في أعين غير المسلمين، ونعكس صورة مشوهة لمفهوم الالتزام بالدين في أعين غير الملتزمين بالدين.

إن تكميل الشخصية الإسلامية مهم؛ لأننا من المفترض أن نرث عن الأنبياء دورهم في إصلاح المجتمع، فنذكّر الناس إذا غفلوا، ونعلمهم إذا جهلوا، ونقيم الحجة عليهم إذا عاندو، بالوسائل السلمية، وكذلك بالوسائل العملية كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حاجة الوقت إلى شخصية إسلامية قائدة

وتكميل الشخصية مهم؛ لأننا في هذا الزمان نحتاج إلى شخصيات إسلامية تقود، والناس بالتدريج سئموا من قيادة الغرب الكافر، وغيرهم لا يصلحون لقيادة العالم؛ فتجد كبيرهم واقعاً في الفواحش والزنا والسرقات والاختلاسات والسكر والخمور، وهمه في اللهو واللعب، وعزف القيثارة والمعازف، فمثل هذه الشخصيات لا تصلح لقيادة العالم، وإذا كانوا قد تحكموا في الناس بالقوة والسلاح لكن قيادتهم فارغة من مضامين الخلق والأدب الحسن والعدل؛ لأن العدل لا ينتج إلا باتباع الشريعة، وإذا زالت الشريعة حل الظلم، ولذلك فقيادتهم للعالم ظالمة، وهذه الرموز التي تقود لا بد أن تفلس، بل قد أفلست، والسقوط وشيك، وبمرور الزمن سيتهيأ المجال لأن تشغل مراكز التوجيه والتأثير في العالم شخصيات أخرى، والشخصيات الإسلامية هي المرشحة للقيادة في المستقبل، فلا بد أن يوجد من الشخصيات المكملة من إذا أتيح لها المجال لمنصب أو مركز إذا تبوأته أن تؤثر وتقوم بالعدل والإحسان: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ [النحل:90] ولا بد أن يوجد الاستعداد عند المسلمين لهذا الأمر، وهذه مسألة فيها عمق، وقد يتخيل أن فيها بعداً، لكن الله غالب على أمره والله متم نوره ولو كره الكافرون.

إننا نجد في الواقع القريب، أن أصحاب الشركات والموظفين فيها يترقون، فأنت تجد أنك تترقى في سلم الوظيفة وترشح لمنصب ولوظيفة أعلى من وظيفتك الحالية، وهكذا تتدرج في المستقبل، ولو كانت شخصيتك الإسلامية صحيحة ناضجة، لصار أثرك في منصبك ومركزك ووظيفتك أثراً إيجابياً إسلامياً نافعاً مباركاً، لكن لو كنت صاحب شخصية هزيلة وناقصة، وعندك من المعايب والمثالب والمعاصي والآثام؛ فإن هذا المركز سيكون وبالاً عليك، وسيظلم الناس من تحتك ولا شك، وسيكون كلام الناس عنك -أحياناً- كلام عن الدين نفسه الذي أنت تمثله، أو عن الالتزام الذي أنت تمثله ظاهرياً.

ولذلك أقول: إن هذا الموضوع مهم من جهة المستقبل للإسلام، من جهة أن الظرف الحالك الذي نمر به يحتاج إلى شخصيات قوية كاملة تقود، اذكر أبا بكر الصديق في زمن الردة، وكيف كانت شخصيته حازمة ومهمة في الخروج بالمسلمين من ذلك المضيق، اذكر شخصية الإمام أحمد رحمه الله في المحنة لما ثبت فثبت بثباته ملايين الناس، كانوا ينتظرون ماذا يقول الإمام أحمد ليكتبوا ويعملوا، اذكر ابن تيمية رحمه الله لما ثبت بشخصيته المتميزة بالعلم والحلم، بما جاء على ضوء هذه الشريعة، قيظه الله عز وجل لما ثبت في زمن التتر والمتصوفة والمتكلمين والفلاسفة؛ فأنقذ الله به فئاماً من الناس.

واذكر شيخ الإسلام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لما صار الشرك عاماً في أنحاء العالم الإسلامي إلا من رحم الله، حتى في هذه الجزيرة عبدت الأصنام والأوثان، واضطربت أليات نساء بني دوس حول ذي الخلصة، والذي يقرأ تاريخ دعوة الشيخ يعرف أن بعض أصنام الجاهلية الأولى أعيدت، وبنيت القباب على القبور، وطاف الناس حول الأضرحة، وعبد الموتى من دون الله، فصارت تلك الشخصية العالمة المجاهدة إنقاذاً للناس ورحمة من رب العالمين.

إذاً: الظرف الذي نعيش فيه الآن من تسلط الكفار، ومظاهر الاستسلام التي تعم العالم الإسلامي والقنوط من رحمة الله، والخزي الموجود، والاستخذاء والضعف يحتاج إلى شخصيات قوية تنقذ الموقف، وهذه الشخصيات لا يصلح أن تكون شخصيات ناقصة مهلهلة مشوهة، ينبغي أن تكون شخصيات إسلامية، والتغيير حاصل حاصل، والله سبحانه وتعالى يداول الأيام بين الناس، وكما أن الغلبة اليوم للكفار ظاهرياً يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ [غافر:29] ماذا قال مؤمن آل فرعون؟ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29] فبأس الله سيأتيهم سيأتيهم، فمن سيملأ المواقع، ومن سيخلفهم، الله سبحانه وتعالى لا يؤتي النصر الذين لم ينصروه، وإنما ينصر من نصره وجاهد في سبيله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] سيحدث التغيير وسيبرق ضوء الفجر، لكن إذا صرنا على مستوى التغيير والمواجهة والجهاد، والقيام بأمر الله سبحانه وتعالى علماً وعملاً، عند ذلك ينصرنا الله عز وجل.

الرد على من يهينون الدين وأهله

كذلك تكميل الشخصية مهم في الرد على الذين يسمون المسلمين وأهل الدين بالصفات السيئة، فيسمونهم بالتخلف والرجعية والانتهازية والإرهابية ونحو ذلك، فمن الذي يمحو هذه الصورة السيئة عن المسلمين التي يعممها أعداء الإسلام في الأرض إعلامياً؟ يعممون سمة المسلم بأنه رجعي متخلف، وأنه إنسان همجي متوحش وغرضه السلب والنهب والإغارة والإرهاب، ما الذي سيغير هذه الفكرة؟ ما هي الشخصيات التي ستغير هذه الفكرة؟ إنها الشخصيات الإسلامية التي يسعى أصحابها إلى تكميلها، وليست الشخصيات الهزيلة والمهلهلة.

وكذلك فإننا لا نريد أن نكون أولاً وأخيراً من الذين يصدون عن سبيل الله بتصرفاتنا المنحرفة، حتى عند الخادمة والسائق الموجود في البيت فكثير من الناس صدوا الخادمات عن سبيل الله، وصدوا السائقين عن سبيل الله؛ لأن الخادمة والسائق رأوا من رب البيت فسقاً ومجوناً وخلاعةً، رأوا منه ظلماً وعتواً ونفوراً ووحشيةً، ورأوا منه قهراً وإذلالاً؛ فلذلك كيف يفكر أن يسلم ويدخل في الدين وهو يرى هذا النموذج أمامه؟ كذلك الذي جاء من بلاد بعيدة مثل الهند وباكستان ليعمل وهو مسلم، ثم يجد أمامه هؤلاء الناس وفيهم هذه النقائص والمعايب والمثالب وهو يظنهم في هذا المكان عند الحرم، وفي المكان الذي هبط فيه الوحي فيظنهم أولاد الصحابة، فإذا جاء وجدهم بهذه الحالة من اتباع الهوى والشهوات والجهل.

بعض المستقدمين علموا أهل البيت أشياء يجهلونها، صحيح أن الأكثر العكس؛ لأنه يوجد عندنا من العلم ما ليس موجوداً عند الآخرين بالنسبة والكثرة، لكن الأمثلة في المقابل موجودة، فهناك خادمة مصحفها على رف المطبخ لكن صاحبة البيت كل يوم في سوق، وكل مرة في حفلة وسهرة، فماذا يعني هذا عند غير العرب من الأعاجم المستوردين؟ نحن مخاطبون بالشريعة قبلهم والذي نزل عندنا قبلهم، فنحن من المفروض أن نكون قدوة للآخرين، لكن أصبح البعض بسلبياته من العوائق التي تصد عن دين الله!

إزالة القدوات السيئة من المجتمع

كذلك فإن تكميل الشخصية الإسلامية مهم في إزالة القدوات السيئة من المجتمع؛ لأن الناس يقتدون بشخصيات المغنين والمطربين والفنانين والرياضيين ونحو ذلك، وكثير منهم فسقة ومجرمون، ولا بد من إحلال شخصيات الشهداء والصالحين والصديقين؛ حتى يقتدي الناس بهؤلاء ويتركوا أولئك، حتى يكون هناك نجوم يقتدى بها بدلاً من هذه النجوم الوهمية.

أيها الإخوة! إن المسخ الذي حصل لكثير من شخصيات الناس خصوصاً الذين سافروا إلى الخارج ورجعوا بأفكار غربية غريبة، ورجعوا بأمور مخالفة للدين والشريعة بحكم الواقع الذي ضغط عليهم أو رباهم هناك، إن هذا يجعلنا نفكر مراراً وتكراراً في قضية تكميل الشخصية الإسلامية.

ولما نقول: يا مسلم.. يا عبد الله.. كمل شخصيتك؛ نذكر شخصيات الصحابة رضي الله تعالى عنهم، الله سبحانه وتعالى قص علينا أشياء كثيرة في الكتاب وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ [مريم:56] .. وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ [مريم:16] ذكر رجالاً ونساءً، وذكرهم بصفات في شخصياتهم من القنوت والعبادة وكثرة الذكر، والحكمة، وأنه لم يكن جباراً شقياً، ولم يكن عصياً... إلى آخر تلك الصفات التي وردت لشخصيات الأنبياء.

وصحابة النبي عليه الصلاة والسلام الآخذون من تلك الشخصيات اقتدوا بهم وكملوا شخصياتهم من تلك السير، فجاءت تلك النماذج عطرة، جيدة للغاية، فأنت يا أخي المسلم! يا عبد الله! عندما تريد أن تكمل شخصيتك بمسألة العلم مثلاً، تذكر ابن عباس وابن مسعود ، وتذكر معاذ بن جبل الذي يأتي وقد سبق العلماء يوم القيامة برمية سهم، وهو أعلم الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام كما قال النبي عليه الصلاة والسلام عن معاذ ، وتذكر علم زيد بن ثابت في الفرائض، وإذا جئت في الحفظ تذكر حفظ أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

وإذا جئت في جانب التضحية التي لا بد أن تكمل شخصيتك بها؛ تذكر تضحية مصعب بن عمير ، الشاب الذي ترك جو النعومة والغنى والثراء والترف، وصار صاحب أطمار وأكسية بالية، مطارداً، مشرداً، غريباً في المدينة عن أهله وعن وطنه، لكنه كان من الذين فتحوا المدينة بالقرآن ولم تفتح بالسيف، وهو الذي وطد وهيئ للنبي عليه الصلاة والسلام الأجواء قبل مقدمه إلى المدينة .

وتذكر في الشجاعة حمزة ، وتذكر في الجرأة في قول الحق أبا ذر رضي الله تعالى عنه، وتذكر في تحمل المسئولية أبا دجانة الذي حمل السيف بحقه، وتذكر في الثبات خبيب بن عدي الذي ثبت حتى آخر قطرة من دمه، وتذكر في العمل للإسلام حتى آخر لحظة عمرو بن الجموح ، الذي أصر أن يطأ بعرجته في الجنة، وخرج وهو في الثمانين إلى الجهاد.

وإذا تفكرت في مسألة استخدام المنصب والمركز لخدمة الدين؛ فإنك تذكر النجاشي وتذكر سعد بن معاذ ورئاسته فيهم، وإذا جئت لجانب الإيثار تذكر سعد بن الربيع الذي طلب من أخيه المهاجري أن يختار إحدى زوجتيه فيطلقها ليتزوجها هو ويشاطره في ماله، وتذكر في الجود والبذل -وهي خصلة مهمة يجب أن تكون في شخصيتك- أبا طلحة الأنصاري لما نزل قول الله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] تبرع وتصدق بأحسن ما عنده وهو بيرحاء، بستان عظيم كان قريباً من المسجد النبوي، يدخل النبي عليه الصلاة والسلام إليه فيشرب من مائه أحياناً.

وأنت تذكر في كتم السر حذيفة ، وألا تكون مهذاراً ولا كثير كلام ولا مفشياً للأسرار، المجالس بالأمانة، وكثير من الناس عندهم هذه الخصلة الذميمة وهي إفشاء أسرار الآخرين والكلام فيما يخص الآخرين، ينبغي أن يكون مستوراً فيعلنه، وأنت تذكر في حسن العبادة أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، الذي كان بعض الصحابة يجتمعون في الليل يسمعون صوته وهو يقوم الليل، ذلك الذي أوتي مزماراً من مزامير آل داود.

وهكذا في سائر الصفات والخصال التي من المفترض أن تكون في الشخصية الإسلامية منها: التواضع والبعد عن الظهور، شخصية أويس القرني وهو خير التابعين، وهكذا من بعدهم، نحن نقتبس وينبغي علينا أن نأخذ ونكمل شخصياتنا من سير السلف ، بالإضافة إلى الشيء الأول وهو القرآن والسنة.

وتكميل الشخصية مهم؛ لأننا في هذا الزمان نحتاج إلى شخصيات إسلامية تقود، والناس بالتدريج سئموا من قيادة الغرب الكافر، وغيرهم لا يصلحون لقيادة العالم؛ فتجد كبيرهم واقعاً في الفواحش والزنا والسرقات والاختلاسات والسكر والخمور، وهمه في اللهو واللعب، وعزف القيثارة والمعازف، فمثل هذه الشخصيات لا تصلح لقيادة العالم، وإذا كانوا قد تحكموا في الناس بالقوة والسلاح لكن قيادتهم فارغة من مضامين الخلق والأدب الحسن والعدل؛ لأن العدل لا ينتج إلا باتباع الشريعة، وإذا زالت الشريعة حل الظلم، ولذلك فقيادتهم للعالم ظالمة، وهذه الرموز التي تقود لا بد أن تفلس، بل قد أفلست، والسقوط وشيك، وبمرور الزمن سيتهيأ المجال لأن تشغل مراكز التوجيه والتأثير في العالم شخصيات أخرى، والشخصيات الإسلامية هي المرشحة للقيادة في المستقبل، فلا بد أن يوجد من الشخصيات المكملة من إذا أتيح لها المجال لمنصب أو مركز إذا تبوأته أن تؤثر وتقوم بالعدل والإحسان: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ [النحل:90] ولا بد أن يوجد الاستعداد عند المسلمين لهذا الأمر، وهذه مسألة فيها عمق، وقد يتخيل أن فيها بعداً، لكن الله غالب على أمره والله متم نوره ولو كره الكافرون.

إننا نجد في الواقع القريب، أن أصحاب الشركات والموظفين فيها يترقون، فأنت تجد أنك تترقى في سلم الوظيفة وترشح لمنصب ولوظيفة أعلى من وظيفتك الحالية، وهكذا تتدرج في المستقبل، ولو كانت شخصيتك الإسلامية صحيحة ناضجة، لصار أثرك في منصبك ومركزك ووظيفتك أثراً إيجابياً إسلامياً نافعاً مباركاً، لكن لو كنت صاحب شخصية هزيلة وناقصة، وعندك من المعايب والمثالب والمعاصي والآثام؛ فإن هذا المركز سيكون وبالاً عليك، وسيظلم الناس من تحتك ولا شك، وسيكون كلام الناس عنك -أحياناً- كلام عن الدين نفسه الذي أنت تمثله، أو عن الالتزام الذي أنت تمثله ظاهرياً.

ولذلك أقول: إن هذا الموضوع مهم من جهة المستقبل للإسلام، من جهة أن الظرف الحالك الذي نمر به يحتاج إلى شخصيات قوية كاملة تقود، اذكر أبا بكر الصديق في زمن الردة، وكيف كانت شخصيته حازمة ومهمة في الخروج بالمسلمين من ذلك المضيق، اذكر شخصية الإمام أحمد رحمه الله في المحنة لما ثبت فثبت بثباته ملايين الناس، كانوا ينتظرون ماذا يقول الإمام أحمد ليكتبوا ويعملوا، اذكر ابن تيمية رحمه الله لما ثبت بشخصيته المتميزة بالعلم والحلم، بما جاء على ضوء هذه الشريعة، قيظه الله عز وجل لما ثبت في زمن التتر والمتصوفة والمتكلمين والفلاسفة؛ فأنقذ الله به فئاماً من الناس.

واذكر شيخ الإسلام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لما صار الشرك عاماً في أنحاء العالم الإسلامي إلا من رحم الله، حتى في هذه الجزيرة عبدت الأصنام والأوثان، واضطربت أليات نساء بني دوس حول ذي الخلصة، والذي يقرأ تاريخ دعوة الشيخ يعرف أن بعض أصنام الجاهلية الأولى أعيدت، وبنيت القباب على القبور، وطاف الناس حول الأضرحة، وعبد الموتى من دون الله، فصارت تلك الشخصية العالمة المجاهدة إنقاذاً للناس ورحمة من رب العالمين.

إذاً: الظرف الذي نعيش فيه الآن من تسلط الكفار، ومظاهر الاستسلام التي تعم العالم الإسلامي والقنوط من رحمة الله، والخزي الموجود، والاستخذاء والضعف يحتاج إلى شخصيات قوية تنقذ الموقف، وهذه الشخصيات لا يصلح أن تكون شخصيات ناقصة مهلهلة مشوهة، ينبغي أن تكون شخصيات إسلامية، والتغيير حاصل حاصل، والله سبحانه وتعالى يداول الأيام بين الناس، وكما أن الغلبة اليوم للكفار ظاهرياً يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ [غافر:29] ماذا قال مؤمن آل فرعون؟ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29] فبأس الله سيأتيهم سيأتيهم، فمن سيملأ المواقع، ومن سيخلفهم، الله سبحانه وتعالى لا يؤتي النصر الذين لم ينصروه، وإنما ينصر من نصره وجاهد في سبيله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] سيحدث التغيير وسيبرق ضوء الفجر، لكن إذا صرنا على مستوى التغيير والمواجهة والجهاد، والقيام بأمر الله سبحانه وتعالى علماً وعملاً، عند ذلك ينصرنا الله عز وجل.