غض البصر


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول الله تبارك وتعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31] توجيهات علوية من الله سبحانه وتعالى لما فيه صلاحنا وفلاحنا وطهارتنا وعفتنا، جاء بها الله العليم الخبير ببواطن العباد، البصير بهم وبما يصلح لهم سبحانه وتعالى، وهذه التوجيهات ينبغي أن يكون لها في نفوسنا الأثر العظيم.

أيها المسلمون: إن هذا البصر سنسأل عنه يوم القيامة: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].

هذا البصر نعمة من الله وفقده قد يكون عقوبة: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ [الأنعام:46] ففقده قد يكون بعقوبة من الله على ما أحدث العباد، وقد يكون نعمة من الله سبحانه يبتلي بها من يشاء فيصبر فله الجنة.

قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ولم يقل: (يغضوا أبصارهم)؛ لأن هناك نظراً جائزاً كنظر الرجل إلى زوجته، ونظر القاضي إلى الشاهد، ونظر الخاطب إلى المخطوبة، ونظر الطبيب إلى المريضة عند الحاجة، فهذا من النظر الجائز المباح استثناه الله تعالى، وقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30].

وليس الرجال فقط مأمورون بغض البصر وإنما النساء أيضاً فقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] وذلك عند خشية الفتنة وثوران الشهوة فلا يجوز لها حتى هي النظر إلى الرجال، أدبٌ نفسي واستعلاءٌ على الشهوات، واستعلاءٌ على النفس التي تريد الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام.

ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] حتى لا تتلوث نفوسهم بالانفعالات الشهوانية المحرمة: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] أطهر للجماعة والمجتمع عموماً: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] هو العليم بحركات النفوس والجوارح.

فائدة قوله (مِنْ أَبْصَارِهِمْ)

وتأمل يا عبد الله! لماذا قدم غض البصر على حفظ الفرج، فقال في الآية: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30].

ذلك لأن النظر بريد الزنا وهو الذي يوصل إليه، ولذلك أمر بغضه أولاً، والعين تزني وزناها النظر إلى ما حرم الله.

وقد قال الله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] وخائنة الأعين: اختلاس النظر إلى المحرم من غير أن يفطن إليه أحد، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال في هذه الآية: [يعلم خائنة الأعين: هو الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها، فإن رأى منهم غفلة نظر إليها، فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله عز وجل على قلبه أنه يود لو نظر إلى عورتها] يعلم خائنة الأعين فيه وعيدٌ لمن يخون بعين بالنظر إلى ما لا يحل له وقد جاءت الأحاديث موافقة للكتاب العزيز ومؤكدة لما اشتمل عليه من غض البصر فعن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري) رواه مسلم ، وفي رواية: (نظر الفجاءة) وهو أن يقع النظر على الأجنبية بغير قصد، فإذا جاءت فجأةً أمام ناظريه فعليه أن يغض بصره ولا يديم النظر ولا ينظر المرة الأخرى، وهذا معنى حديث ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أبو داود وهو حديث حسن.

لا تتبعها، أي: لا تعقبها ولا تجعلها تأتي بعدها بعد الأولى، لك الأولى لأنها بغير قصد وليست لك الآخرة والثانية والثالثة لأنها باختيارك فتكتب عليك، قال قيس بن حازم رحمه الله: [النظرة الأولى لا يملكها صاحبها ولكن الذي يدس النظر دساً] .

هدف الإسلام من غض البصر والأمر بالاستئذان

أيها المسلمون: إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تستثار فيه هذه الأمور المحرمة، ولذلك جاء بأمور وتوجيهات فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها) كانت البيوت ضيقة، غرفة للرجل وزوجته، غرفة وحجرة فليست كل البيوت كانت متسعة.. لا يجدون مكاناً واسعاً للجلوس إلا على حافة الطريق، قال: (فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر- فبدأ به أولاً- وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر) .

إذاً: غض البصر لمن يكون في الطريق.

وكذلك جعل الله الاستئذان إجراءً احتياطياً وأمراً احترازياً من أجل عدم النظر إلى العورات، ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر وذلك لأن الدور لم يكن عليها ستور وحتى لو كان لها أبواب فإن الباب إذا فتح فجأة قد يقع النظر على شيء من عورات أهل البيت، ولذلك يكون من طرف الباب الذي إذا فتح لم يقع النظر على شيء ولا يواجه الباب مباشرة. فهو إجراء احترازي من أجل عدم وقوع البصر على الحرام.

أيها المسلمون: إن الاستئذان يكون حتى داخل البيوت، وقد علمنا الله في كتابه أن نؤدب أولادنا بألا نجعلهم يداهمون غرفة نوم الأبوين مداهمة وإنما لابد من الاستئذان في الأوقات التي يغلب فيها كشف العورة ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ [النور:58] ، وحتى المحارم في البيوت، الأم في حجرتها.. والأخت في غرفتها لابد من الاستئذان عليهن قبل الدخول، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخله عليه إلا بإذن.

وجاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: [ما على كل أحيانها تريد أن تراها] .

وكذلك سأل رجلٌ حذيفة أستأذن على أمي؟ فقال: [إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره] .

ومن طريق ابن طلحة [دخلت مع أبي على أمي فدخل فاتبعته فدفع في صدري، وقال: تدخل من غير إذن!].

ومن طريق عطاء سألت ابن عباس [أستأذن على أختي؟ قال: نعم، قلت: إنها في حجري، قال: أتحب أن تراها عريانة؟] وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة.

فحتى المحارم في البيوت وفي غرف النوم كل ذلك من أجل ألا يقع البصر على شيء لا يجوز أن يقع عليه، وألا تكون اللقطات والمناظر محفوظة في الأذهان، وإنما ينشأ الأطفال منذ نعومة أظفارهم على النظافة والسلامة وليس على الصور العريانة.

الرد على شبهة المروجين للانحلال

قد شاع في وقت من الأوقات أن النظر المباح، والحديث الطليق، والاختلاط الميسور، والدعابة بين الجنسين، وإقامة العلاقات، والتعارف أمور تزيل الكبت، وتجنب العقد النفسية، وتخفف من الضغط الجنسي ونحو ذلك، ولكن الناظر إلى مجتمعات الانحلال وما عند الغربيين المحدثين وجد أنهم غرقوا في هذه الشهوات حتى الثمالة رشفوا من كأسها، هؤلاء الذين ليس عندهم حجاب ولا غض بصر.. ما عندهم إلا الانحلال ومطلق الحرية في إقامة علاقات هل حصل عندهم تهذيب الدوافع الجنسية؟

ما حصل عندهم إلا السعار المجنون الذي لا يرتوي ولا يهدأ وإنما يعود إلى الظمأ والاندفاع، وعندهم الأمراض النفسية والبدنية من البرود وغيرها، وأنواع العقد والشذوذ الجنسي، والتلهف على الجنس الآخر، وشيوع الاغتصاب بالرغم من كافة أنواع الحريات المطلقة في تلك المجتمعات؛ مما يدل دلالة على أن الله حكيم خبير وأنه سبحانه وتعالى لما شرع غض البصر، وأمر بالحجاب، ونهى عن الخلوة وسائر الإجراءات والاحترازات، إنما هو لمصلحة الناس أجمعين.

إن الإسلام يهمه أن يمنع المنكر من جميع جهاته، فليست القضية في غض البصر فقط وإنما أيضاً في تغطية العورة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) يعني: زينها في أعين الناظرين، ولذلك كانت عورة كلها من أعلى شيء في رأسها إلى أخمص قدميها.

المرأة عورة بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا احتجبت المرأة وراء الثياب أو الجدران فإلى أي شيء ينظر الناس، ولو كان عند بعضهم رغبة في النظر.

إذاً: فهذه إجراءات متكاملة واحترازات عظيمة من الشارع سبحانه وتعالى، وحتى الرجال لهم عورة يجب عليهم تغطيتها، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة) مما يدل على أن لكل من الجنسين أمام بني جنسه عورة لا يجوز النظر إليها.

وكذلك أمر بالزواج ورغب في الصيام لمن لم يستطعه، وحتى المتزوج إن له إجراءً إذا وقع على شيء مما يثير الشهوة في نفسه ولذلك (كان صلى الله عليه وسلم جالساً في أصحابه فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء؟ قال: أجل مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فكذلك تفعلون فإن من أماكن أعمالكم إتيان الحلال) وللحديث شاهد من حديث أبي الزهير عن جابر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب وهي تمعس منيئة -يعني: تدبغ أديماً أو جلداً فقضى حاجته- وقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه).

ونظره صلى الله عليه وسلم لم يكن عمداً إلى حرام أبداً وإنما حصل فجأة، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أنزه من أن تثور في نفسه شهوة لأمر محرم وإنما فعل ذلك لكمال إعفاف نفسه وتعليم الأمة ماذا يفعل أحدهم إذا وقع بصره فجأة على امرأة فأعجبته أو رأى منظراً فجأة فثارت في نفسه الشهوة، فَعَلَّم الأمة.

وتأمل يا عبد الله! لماذا قدم غض البصر على حفظ الفرج، فقال في الآية: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30].

ذلك لأن النظر بريد الزنا وهو الذي يوصل إليه، ولذلك أمر بغضه أولاً، والعين تزني وزناها النظر إلى ما حرم الله.

وقد قال الله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] وخائنة الأعين: اختلاس النظر إلى المحرم من غير أن يفطن إليه أحد، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال في هذه الآية: [يعلم خائنة الأعين: هو الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها، فإن رأى منهم غفلة نظر إليها، فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله عز وجل على قلبه أنه يود لو نظر إلى عورتها] يعلم خائنة الأعين فيه وعيدٌ لمن يخون بعين بالنظر إلى ما لا يحل له وقد جاءت الأحاديث موافقة للكتاب العزيز ومؤكدة لما اشتمل عليه من غض البصر فعن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري) رواه مسلم ، وفي رواية: (نظر الفجاءة) وهو أن يقع النظر على الأجنبية بغير قصد، فإذا جاءت فجأةً أمام ناظريه فعليه أن يغض بصره ولا يديم النظر ولا ينظر المرة الأخرى، وهذا معنى حديث ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أبو داود وهو حديث حسن.

لا تتبعها، أي: لا تعقبها ولا تجعلها تأتي بعدها بعد الأولى، لك الأولى لأنها بغير قصد وليست لك الآخرة والثانية والثالثة لأنها باختيارك فتكتب عليك، قال قيس بن حازم رحمه الله: [النظرة الأولى لا يملكها صاحبها ولكن الذي يدس النظر دساً] .

أيها المسلمون: إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تستثار فيه هذه الأمور المحرمة، ولذلك جاء بأمور وتوجيهات فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها) كانت البيوت ضيقة، غرفة للرجل وزوجته، غرفة وحجرة فليست كل البيوت كانت متسعة.. لا يجدون مكاناً واسعاً للجلوس إلا على حافة الطريق، قال: (فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر- فبدأ به أولاً- وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر) .

إذاً: غض البصر لمن يكون في الطريق.

وكذلك جعل الله الاستئذان إجراءً احتياطياً وأمراً احترازياً من أجل عدم النظر إلى العورات، ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر وذلك لأن الدور لم يكن عليها ستور وحتى لو كان لها أبواب فإن الباب إذا فتح فجأة قد يقع النظر على شيء من عورات أهل البيت، ولذلك يكون من طرف الباب الذي إذا فتح لم يقع النظر على شيء ولا يواجه الباب مباشرة. فهو إجراء احترازي من أجل عدم وقوع البصر على الحرام.

أيها المسلمون: إن الاستئذان يكون حتى داخل البيوت، وقد علمنا الله في كتابه أن نؤدب أولادنا بألا نجعلهم يداهمون غرفة نوم الأبوين مداهمة وإنما لابد من الاستئذان في الأوقات التي يغلب فيها كشف العورة ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ [النور:58] ، وحتى المحارم في البيوت، الأم في حجرتها.. والأخت في غرفتها لابد من الاستئذان عليهن قبل الدخول، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخله عليه إلا بإذن.

وجاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: [ما على كل أحيانها تريد أن تراها] .

وكذلك سأل رجلٌ حذيفة أستأذن على أمي؟ فقال: [إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره] .

ومن طريق ابن طلحة [دخلت مع أبي على أمي فدخل فاتبعته فدفع في صدري، وقال: تدخل من غير إذن!].

ومن طريق عطاء سألت ابن عباس [أستأذن على أختي؟ قال: نعم، قلت: إنها في حجري، قال: أتحب أن تراها عريانة؟] وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة.

فحتى المحارم في البيوت وفي غرف النوم كل ذلك من أجل ألا يقع البصر على شيء لا يجوز أن يقع عليه، وألا تكون اللقطات والمناظر محفوظة في الأذهان، وإنما ينشأ الأطفال منذ نعومة أظفارهم على النظافة والسلامة وليس على الصور العريانة.

قد شاع في وقت من الأوقات أن النظر المباح، والحديث الطليق، والاختلاط الميسور، والدعابة بين الجنسين، وإقامة العلاقات، والتعارف أمور تزيل الكبت، وتجنب العقد النفسية، وتخفف من الضغط الجنسي ونحو ذلك، ولكن الناظر إلى مجتمعات الانحلال وما عند الغربيين المحدثين وجد أنهم غرقوا في هذه الشهوات حتى الثمالة رشفوا من كأسها، هؤلاء الذين ليس عندهم حجاب ولا غض بصر.. ما عندهم إلا الانحلال ومطلق الحرية في إقامة علاقات هل حصل عندهم تهذيب الدوافع الجنسية؟

ما حصل عندهم إلا السعار المجنون الذي لا يرتوي ولا يهدأ وإنما يعود إلى الظمأ والاندفاع، وعندهم الأمراض النفسية والبدنية من البرود وغيرها، وأنواع العقد والشذوذ الجنسي، والتلهف على الجنس الآخر، وشيوع الاغتصاب بالرغم من كافة أنواع الحريات المطلقة في تلك المجتمعات؛ مما يدل دلالة على أن الله حكيم خبير وأنه سبحانه وتعالى لما شرع غض البصر، وأمر بالحجاب، ونهى عن الخلوة وسائر الإجراءات والاحترازات، إنما هو لمصلحة الناس أجمعين.

إن الإسلام يهمه أن يمنع المنكر من جميع جهاته، فليست القضية في غض البصر فقط وإنما أيضاً في تغطية العورة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) يعني: زينها في أعين الناظرين، ولذلك كانت عورة كلها من أعلى شيء في رأسها إلى أخمص قدميها.

المرأة عورة بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا احتجبت المرأة وراء الثياب أو الجدران فإلى أي شيء ينظر الناس، ولو كان عند بعضهم رغبة في النظر.

إذاً: فهذه إجراءات متكاملة واحترازات عظيمة من الشارع سبحانه وتعالى، وحتى الرجال لهم عورة يجب عليهم تغطيتها، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة) مما يدل على أن لكل من الجنسين أمام بني جنسه عورة لا يجوز النظر إليها.

وكذلك أمر بالزواج ورغب في الصيام لمن لم يستطعه، وحتى المتزوج إن له إجراءً إذا وقع على شيء مما يثير الشهوة في نفسه ولذلك (كان صلى الله عليه وسلم جالساً في أصحابه فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء؟ قال: أجل مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فكذلك تفعلون فإن من أماكن أعمالكم إتيان الحلال) وللحديث شاهد من حديث أبي الزهير عن جابر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب وهي تمعس منيئة -يعني: تدبغ أديماً أو جلداً فقضى حاجته- وقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه).

ونظره صلى الله عليه وسلم لم يكن عمداً إلى حرام أبداً وإنما حصل فجأة، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أنزه من أن تثور في نفسه شهوة لأمر محرم وإنما فعل ذلك لكمال إعفاف نفسه وتعليم الأمة ماذا يفعل أحدهم إذا وقع بصره فجأة على امرأة فأعجبته أو رأى منظراً فجأة فثارت في نفسه الشهوة، فَعَلَّم الأمة.