مهرجان غزة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:

فقد جئتم هنا تمثلون هذا البلد بجميع من فيه وما فيه، تمثلونه بعلمائه ومشايخه وأئمته ووزرائه وتجاره ونسائه وشبابه وطلابه، وجميع شرائحه؛ لتعلنوا ولاءكم لله ورسوله وللمؤمنين، وبراءكم من أعداء الله جل جلاله، ومقاطعتكم لهم ولكل من هادى إليهم.

تعلنون أنكم تستنكرون هذا المنكر وهذه الجرائم البشعة التي تحصل في غزة وفي سائر فلسطين، ولا تنسيكم كذلك الجرائم الأخرى التي تقع في العراق وفي باكستان وفي أفغانستان وفي كشمير وفي الصومال وفي السودان، وفي أماكن كثيرة من أرجاء هذا العالم، كلها تتجه للمسلمين الموحدين، وكلها تتكالب فيها قوى الشر على هذه الأمة، لكن لا بأس من إعلان أن اليهود هم العدو الأول.

فالصهاينة الذين يحتلون المسجد الأقصى، ويعيثون في الأرض فساداً، ويدمرون المساجد والمنازل على رءوس أهلها، ويقومون بالأعمال البشعة التي يستنكرها العالم كله بقلوبهم، ولو خرصت ألسنتهم في غزة اليوم هم أعداء الله من خلقه، فهم الذين قالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64]، وهم الذين قالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، وهم أعداء رسل الله فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة:70]، وهم أعداء كتب الله وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:78]، وهم أعداء ملائكة الله، مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98].

وهم أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخصوص، فقد حاولوا قتله خمس مرات، ووضعوا له السم في الشاة، ووضعوا له السحر في بئر أريس، ومالئوا المشركين عليه، ومالئوا المنافقين، وآذوه في نفسه وفي أهله وفيمن حوله، وفي أصحابه.

وهم كذلك أعداء المؤمنين جميعاً، فقد قال الله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ [المائدة:82].

وهم أعداء الاقتصاد، فقد قال الله عنهم: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، وقال: وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [النساء:161].

وهم أعداء البشرية كلها، فقد قال الله تعالى: وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة:64].

وإن ما يقومون به اليوم ليس جديداً عليهم، ولا هو محدث في مسيرة تاريخهم، بل قد عودوا البشرية كلها على النكف والإفساد في الأرض، فموسى بن عمران عليه السلام الذي أنقذهم الله به من فرعون وجنوده مع ذلك آذوه حتى قال: يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف:5].

وعيسى بن مريم عليه السلام الذي كلمه في المهد، ورأوا حمل أمه به من غير أب، ورأوه يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه، فيكون طيراً بإذن الله، مع ذلك حاولوا قتله وصلبه وتمالئوا عليه، فلا يستنكر منهم مثل هذا البطش والتشرد، وإنما يستنكر الخذلان الذي نشاهده اليوم في قادة هذه الأمة الإسلامية.

إننا نهنئ الذي نالوا الشهادة في سبيل الله على أيدي أعداء الله، ونهنئ فضيلة الشيخ ريان رحمة الله عليه، فهو من أئمة أهل الحديث، ومن المحدثين الكبار، وقد عرفناه صامداً، وحدثنا بقصة استشهاد ولده إبراهيم عندما استأذنه على ذلك، وسأل منه، أي: سأله أن يتدخل له بطلب ذلك، وقد حدثنا قبل أيام فيقول: نحن الآن ننتظر الشهادة في غزة، ولعل الله يكتب ذلك لنا، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله شهيداً، وقد خرج من الدنيا مع أهله جميعاً مع أزواجه وأولاده، ولم يبق من أهل بيته إلا ثلاثة لم يكونوا في المنزل الذي كان فيه.

ونهنئ كذلك الذين يقودون المقاومة، ويقفون في وجه هذا الطغيان، فنهنئ إسماعيل هنية، ونهنئ محمود الزهار، وسعيد صيام، ونهنئ الساسة الذين يجاهدون في الميدان الآخر وعلى رأسهم أبو الوليد خالد مشعل ومحمد نزال، وموسى أبو مرزوق، وأسامة حمدان وغيرهم.

ونهنئ شعب الرباط الذين اختارهم الله لهذه المهمة؛ ليقوموا عن هذه الأمة بفرض لا بد منه، وبالوقوف في وجوه الصهاينة، ولاستقبال الرصاص بصدورهم.

ونهنئ الأمهات الصامدات الصابرات، ونهنئ أهل غزة جميعاً على ما آتاهم الله تعالى.

الله تعالى هو أحكم الحاكمين، وفعله كله منزه عن العبث، ولا يمكن أن يصدر عنه إلا ما هو الحكمة والخير، وقد شاء بحكمته البالغة أن يمتحن هذه الأمة بزراعة هذا الكيان الصهيوني فيها، وهو سرطان مضر مهلك للحرث والنسل، ولكنه بحكمته لما شاء زراعته في جسم هذه الأمة لم يجعله في طرف من الأطراف، فلو زرعه هنا في موريتانيا أو في إندونيسيا أو في أي مكان آخر من الأطراف لنسيت الأمة ذلك الطرف، ولم ترعه ولم تقم بحقه، كما نسيت الأمة الأندلس وصقلية وقبرص وسبتة وغيرها من البلاد التي تقع وترزح الآن تحت احتلال الطغيان.

ولكن الله أراد أن يزرع هذا الألم في قلب الأمة في فلسطين مكان هجرة إبراهيم عليه السلام، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقبلة الوسطى بالمسلمين، وثالث المساجد الثلاثة، والأرض المباركة، والمهاجر الأخير للمسلمين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ويوشك أن يكون خير مهاجركم مهاجر أبيكم إبراهيم )، فهناك منزل المسيح ابن مريم عليه السلام، ( لينزلن المسيح ابن مريم حكماً عدلاً وقت صلاة الصبح عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، يمينه على ملك، وشماله على ملك، إذا رفع رأسه تحدر منه مثل الجمان، وإذا طأطأه تقاطر، كأنما خرج من ديماس، لا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه إلا ذاب كما يذوب الملح في الماء، وإن نفسه ليبلغ ما يبلغ بصره ).

وهذه الأرض كتب الله لنا الجهاد فيها بالاستمرار، فقد فتحها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخرج لاستقبال مفاتيح المسجد الأقصى من المدينة وهو يلبس جبةً مرقعة، وله بعير واحد يتناوب عليه هو وغلامه، تارةً يركب عمر ويقود به الغلام، وتارةً يركب الغلام ويقود به عمر، وزاده سويق من شعير، حتى دخل عمر فلسطين، فاستقبله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك، استقبله أبو عبيدة بن الجراح، واستقبله خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعمرو بن سعيد ومن معهم من الأبطال، فأخذ عمر المفاتيح من رهبان بيت المقدس، وأمنهم، وكتب لهم العهدة العمرية الباقية إلى الآن في أيديهم، وهي موجودة في القدس الآن.

وهذه الأرض أيضاً ستكون فيها حربان في آخر الزمان: إحداهما قبل المسيح الدجال، يقاتل المسلمون فيها اليهود كما في حديث نهيك السكوني، ويكون جيش المسلمين شرق نهري الأردن، ويكون اليهود غربيه، قال نهيك: (ولا أدري ما الأردن يومئذٍ).

والحرب الثانية هي حرب المسلمين مع المسيح ابن مريم، فسيقاتلون اليهود (حتى يتكلم الحجر والشجر: يا عبد الله! يا مسلم! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).

وهذه الأرض هي التي سنجتمع فيها بعيسى ابن مريم عليه السلام، وبـالمهدي عليه السلام، وتنطلق إليها عصائب العراق وبدلاء الشام، كما في الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند.

وهي أرض رباط إلى يوم القيامة، فقد اختار الله هذا الشعب لتحمل المشاق، وللصمود والوقوف في وجه العدو، ولذلك قال الله تعالى فيما حكى عن بني إسرائيل: إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ [المائدة:22]، والجبارون معناه الأقوياء، فالجبار جذع النخلة القوي، فهم شعب جبارون.

وكذلك أخرج البزار في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قيل: أين أولئك يا رسول الله؟ قال: هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس )، فلا يزالون هنالك ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.

ونحن نذكر أولياء الأمور من المسلمين بمسئوليتهم عن هؤلاء، ووجوب قيامهم بحقهم ومناصرتهم، فلماذا تدرب الجيوش وتسلح؟ ولماذا تنفق أموال الأمة الإسلامية على الجيوش وعلى الأسلحة الفتاكة؟ لا عطر بعد عروس.

إن هذه الأمة لا بد أن تدفع عن نفسها، وهي كالجسد (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، ولماذا تصان الأسلحة؟ ولماذا يغلق على الصواريخ؟ ولماذا توضع الدبابات داخل المحافل الآن، ودبابات العدو تتحرك على أطراف غزوة؟!

ولماذا لا تتحرك الجيوش الإسلامية من نواكشوط إلى جاكرتا؟ لماذا لا تجر أسلحتها الآن وتدور كما عودتنا من قبل؟

إنه لا يحل خذلان المسلم ولا إسلامه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم لا يخذله، ولا يسلمه، ولا يحقره، ولا يكذبه )، أخرجه مسلم في صحيحه.

بل إن الله يخاطب المسلمين جميعاً ومن ضمنهم ولاة الأمور وقادة الجيوش، فيقول تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:75-76].

إنكم تستطيعون أن تبذلوا الكثير، فنقود يسيرة قليلة وعلى رمزيتها وقد جمعت في دار الشباب قد وصلت إلى غزة، تستطيعون تقديم الكثير، ولكم في المهاجرين والأنصار الأسوة الحسنة.

قدم النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون معه إلى المدينة، فكان الأنصار يستقبلون المهاجرين، فيقتسمون معهم أموالهم، حتى كان الرجل يمسك نعلاً، ويقدم أخرى، وأنتم تعرفون أن النعل التي يمسكها ليست أحب إليه من التي يقدمها، وإنما يفعل ذلك لرمزيته وفائدته القلبية والمعنوية لا لفائدته المادية.

(وجاء رجل من الأنصار يحمل مداً من شعير بطرف ثوبه، فقال المنافقون: وما يغني مد هذا عن الله ورسوله؟ فأنزل الله في ذلك: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79]).

إنكم تستطيعون أن تقدموا أموالكم ودعواتكم وقنوتكم ووقوفكم وتظاهركم وإعلامكم للوقوف مع هذه القضية وتبنيها، والقيام بحقها، والدعاء يصطرع في السماء مع البلاء، (ولا يرد القدر إلا الدعاء)، ومن لا يستطيع إيصال ماله إليهم فليتصدق به عنهم لنجاتهم.

وعلى الأئمة أن يسموا قادتهم في قنوتهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قنوته: ( اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة )، وعلى كل المصلين أن يجعلوا لهم سجدةً من الصلاة يدعون لهم فيها، وعلى النساء أن يقدمن بعض ما لديهن وبعض حليب أولادهن لليتامى والأيامى في فلسطين وفي غزة.

وعلى الموظفين أن يقدموا ولو نصف راتب هذا الشهر الذي نحن فيه فقط، حتى ولو كان يسيراً فإن الله سيخلفه ويعوضه في الدنيا قبل الآخرة، وإن كل شيء تقدمونه مخلوف عليكم ومردود إليكم، وهو من قبل من نعمة الله عليكم، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:53].

إنكم بالوقوف معهم ومساعدتهم ومساندتهم بما تستطيعون ترفعون البلاء عن أنفسكم، وتصرفونه عن أوطانكم، فلستم بمنأىً عن أخذ الله الوبيل، وإن الله يرسل بالآيات تخويفاً كما قال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء:59].

وإن الذين يخافون أن يقدموا عوناً لإخوانهم الآن فيخافون أن يكونوا عرضةً لأذى الأجهزة الحاكمة، أو أن يكونوا عرضةً للمتابعة، قد نقصت ثقتهم بالله جل جلاله، ألا يعلمون أن الله جل جلاله هو الذي يقول في كتابه: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:104].

إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقبل هذه الصدقات، وقد صح في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وما تصدق امرؤ من كسب طيب إلا كان كأنما وضعها في يمين الرحمن، فلا يزال ينميها له، كما ينمي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون كالجبل ).

فساهموا -يرحمكم الله- في نصرة إخوانكم، وأعينوهم بما تستطيعون بالكلمة وبالوقفة وبالمشاركة في كل نشاط، فكل نشاط فيه نصرة لهم فهو فرض عيني على من يستطيع حضوره، وهو ينفعكم ولا يضركم، ويرد البلاء عنكم، فشاركوا فيه بنشاط وانضباط، وقوموا لله بالحق في ذلك.

واعلموا أن وقوفكم هنا واجتماعكم يصل إليهم هنالك في مكانهم فيثبتهم، وهم يعلمون ما أنتم عليه، وقد سمعنا في العربية أحد المشايخ يقول: إنهم علموا بتظاهر إخوانهم في موريتانيا الحبيبة وفي نواكشوط.

إن وقوفكم معهم فيه حياة لضمائركم وإيمانكم، وفيه رد لطغيان العدو؛ لأنه إنما يقوم بهذه الأعمال ليعرف هل أنتم أحياء أو أنتم أموات؟ إنما هي جس للنبض، فإذا وجد فيكم حياةً فإنه سيتراجع فقط، وقد كتبت على اليهود الذلة والمسكنة، وإذا تحركت الشعوب فإنهم لا يتحملون ذلك.

إننا شاهدنا في هذه الأمة كثيراً من الحياة والحركية، فقد شاهدنا في غزة وغيرها من النساء والرجال والصبيان من يذكرنا بالسالفين السابقين، رأينا من المجاهدين من يذكرنا بـضرار بن الأزور وخالد بن الوليد وحمزة بن عبد المطلب، ورأينا من الأغنياء والتجار من يذكرنا بـعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، ورأينا من النساء من تذكرنا بـأم سليم وعائشة وفاطمة.

وقد أخرج مسلم في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: ( لقد رأيت عائشة وفاطمة وأم سليم يوم أحد مشمرات عن أسوقهن؛ يحملن القرب، ويصببن الماء في أفواه الجرحى ).

ورأينا من الشباب من يذكرنا بـشماس بن عثمان وعمير بن الحمام، ورأينا من العلماء من يذكرنا كذلك بـالعز بن عبد السلام وابن تيمية.

ولكن بقيت شريحة واحدة ننتظر منها من يذكرنا بـعمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، ألا وهي القسام، نريد منهم من يقوم لله بالحق الآن فيذكرنا بـالمعتصم؛ عندما سمع أن فتاةً مسلمةً اختطفها أهل عمورية فقالت: وامعتصماه! فقال لها العلج وهو يضربها: يأتيك على أبلق، وكان المعتصم بيده كأس ماء يشرب، فقيل له: إن تلك الفتاة قالت: وامعتصماه! فقال لها العلج: يأتيك على أبلق فختم الكأس، وأقسم ألا يخرج إلا بفرس أبلق، فخرج إلى عمورية في وقت شدة الحر، ولما كلمه المخذلون في ذلك لم يرده ذلك ولم يصرفه، وقد قال في ذلك حبيب بن أوس الطائي:

السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب

إلى أن يقول:

إن كان بين ليالي الدهر من نسب موصولة وذمام غير مقتضب

فبين أيامك اللائي نصرت بها وبين أيام بدر أقرب النسب

نريد أن تتحرك حميته ويقوم بالحق الآن حتى يذكرنا بـالمعتصم، أو بـعمر بن عبد العزيز، أو بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أو غيرهم من الأئمة الأعلام.

فهي دعوة لولاة الأمور أن يترشحوا الآن ليس ترشحاً لأكل المال بالباطل، ولا لحب الرئاسة، وإنما هو ترشح لخلافة عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز.

نريد أن تلامس وامعتصماه أسماعهم، فتصدر ردات الأفعال، ولا نريد أن نتشاءم مع الشاعر محمود أبو ريشة الذي يقول:

رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

نريد منهم أن يقطعوا كل العلاقات الظاهرة والباطنة بالصهاينة.

وهناك واجب شرعي عليهم أجمعين يأثمون بتأخيره ولو لدقيقة واحدة، نريد منهم أن يفتحوا القيود، وأن يفتحوا المعابر، وأن يرسلوا الجيوش ويحركوها، وأن يعالجوا المرضى، وينفقوا على الأيامى واليتامى من مال الله الذي جعلهم مستخلفين فيه قبل أن يعزلهم عنه.

ونريد منهم أن يثبتوا لهذه الشعوب أنهم أهل للوظائف التي تبوءوها، ونريد منهم أن يثبتوا للشعوب أنهم أهل لأن يلقبوا بملوك المسلمين ورؤسائهم وأمرائهم.

ونريد من رجال الإعلام أن يقفوا موقفاً شجاعاً يبينون فيه الحق.

والأزمات كلما جاءت اختلف الناس فيها على أربعة مواقف:

الموقف الأول: موقف أهل الإيمان والصدق، فإنهم يعلمون أن الطريق غير محفوف بالورود، وإنما هو مليء بالأشواك والمكاره، ( حجبت الجنة بالمكاره، وحجبت النار بالشهوات )، وقد قال الله تعالى في تخويل هذا الموقف يوم الأحزاب: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً * مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:22-24].

الموقف الثاني: موقف المنافقين الذين يقولون: يعدكم محمد أنه ستفتح عليكم كنوز كسرى وقيصر، وها أنتم اليوم لا يستطيع أحد منكم أن يخرج لقضاء حاجته، وقد خلد الله موقفهم: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً [الأحزاب:12].

الموقف الثالث: موقف المخذلين الذين يقولون: هل تريدون أن تقاتلوا (F16) بالحصى والعصي؟ هل تريدون أن تواجهوا (B52) بطلقات الرصاص؟ هل تريدون أن تواجهوا إسرائيل بحصيات الرمل؟

نسمع هذا الكلام كثيراً وقد سمعناه من قبل في غزوة الأحزاب، فقد قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب:13]، وقد فضحهم الله فقال: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [الأحزاب:18-19].

الموقف الرابع: موقف الضعفة الذين يهتمون بشئونهم الخاصة، ويتركون أمر العامة، ولا يهتمون به، فيهتمون ببيوتهم حتى إذا دخلت عليهم بيوتهم لم يجدوا إلا الاستسلام، وقد بدءوا مشوار الاستسلام من الآن، فهم مستسلمون الآن، يتراجعون عن الجهاد في سبيل الله، ويتراجعون عن نصرة إخوانهم ودعمهم، هم جبناء عن المواجهة، وهم جبناء عن بذل المال، وهم جبناء عن كلمة الحق، وهم جبناء عن التظاهر والحشد، وهم جبناء عن الوقوف مع إخوانهم في أية كلمة.

وجبنهم وبخلهم بينه الله في كتابه فقال: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ [الأحزاب:18-19] أي: بخلاء عليكم، فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ [الأحزاب:19].

إن الذين يهتمون بشئونهم الخاصة، ولا يهتمون بأمور الأمة العامة يجهلون حقيقة هذه الأمة.

أرأيتم لو كان القصف الآن على مدينة من مدن هذا الوطن، نسأل الله أن يحفظ بلادنا كلها، وأن يحفظ أهل غزة، وأن يحفظ جميع المسلمين، أرأيتم لو كان القصف على هذه المدينة أليس أهل هذا الشعب سيتحركون جميعاً؟ ما الفرق بين غزة وبين أي مدينة من مدن موريتانيا؟ إن هذه الأمة جسد واحد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صدقتموه وآمنتم به، فلا فرق بين النائي والداني منها، فهي أمة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، بل ما الفرق بين بيتي وبيتك وبيت فلان من المسلمين؟ ما الفرق بين بيوتنا والبيوت التي تقصف هنالك؟ ما الفرق بين مدارسنا والمدارس الابتدائية التي دمرت على الأطفال؟ ما الفرق بين مساجدهم التي هدمت ومساجدنا هذه؟ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ [الجن:18]، فلا فرق إذاً، فلذلك لا بد أن نقوم بالحق.

هذا بيان كنت قد كتبته في اليوم الأول من أيام هذه المعركة:

بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم على النبي الكريم. الحمد لله. أما بعد:

فهذا بيان عام إلى كل من يقف عليه من المسلمين في أنحاء العالم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنه لا يخفى عليكم ما يتعرض له إخوانكم في غزة منذ مدة طويلة من الحصار والتجويع والإذلال، وقد سمعت اليوم أن الغاز الذي يعد للطبخ والطهي في غزة قد نفد نهائياً، فلم يعد الناس ينضجون طعامهم إلا على الخشب الذي يلتقطونه من الشوارع.

ثم إنه لا يخفى عليكم ما يتعرض له إخوانكم في غزة منذ مدة طويلة من الحصار والتجويع والإذلال، وما يتعرضون له اليوم من إبادة جماعية، وقصف متواصل، وتحطيم للمساجد والمنازل والمدارس والمستشفيات والمتاجر، وإحراق للمصانع والمزارع، حتى أصبح الخارج من بيته لا يؤمل الرجوع إليه، والباقي في بيته لا يؤمل الخروج منه، مع الترويع والحرب النفسية والإعلامية التي تحملهم مسئولية كل هذا الذي يتعرضون له من العدوان الآثم الغاشم، ولا عقل ولا شرع ولا مروءة يقر هذا الفعل، ويحل السكوت عليه، فهل من حقوق الإنسان أن يباد كما تباد الحشرات؟

فلذلك أذكركم جميعاً بحقوقهم عليكم، وأنه لا يحل لكم خذلانهم وإسلامهم، وقد قال الله تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً [النساء:75].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله ).

فيا حكام المسلمين! تذكروا خروجكم من القصور إلى القبور، ووقوفكم في عرصات القيامة وعرضكم على الجبار، وخصام هؤلاء المساكين عنده، وفيما لهم من الحقوق عليكم في وقت ليس لكم فيه مدافع ولا مناصر، هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [المرسلات:35-36]، فأروا الله من أنفسكم خيراً الآن، وأروا شعوبكم أنكم أهل للقيادة بقرار شجاع، فاقطعوا العلاقات الظاهرة والباطنة مع الصهاينة، وافتحوا المعابر والحدود، وحركوا الجيوش، وعالجوا الجرحى، وأنفقوا على الأيامى واليتامى من مال الله الذي جعله تحت أيديكم قبل أن يعزلكم عنه.

ويا أئمة المسلمين وعلماؤهم وفرسان منابرهم ومحابرهم! أعلنوا الحق ولا تكتموه، فهو أمانة الله لديكم، واقنتوا بإنقاذ إخوانكم، وبطلب النجاة لقياداتهم وعلمائهم، كما قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً بالدعاء على المشركين، والدعاء بنجاة المستضعفين من المؤمنين، وكان يسمي الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة.

ويارجال الإعلام وفرسان الأقلام! هذا وقتكم، ولا عطر بعد عروس، فانقلوا الحقيقة للشعوب، واكتبوا؛ فإن الأقلام تفعل ما لا تفعل السهام.

ويا رجال المال والأعمال! هذه فرصتكم لتكفروا سيئاتكم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قيل: أنفق عثمان ما أنفق، لا يضر عثمان ما فعل بعد اليوم ). وإن لهم والله حقاً في أموالكم، وما جعلكم الله مستخلفين فيه فتذكروا يوم خروجكم منهم، لا يصحبكم منه إلا ما قدمتم، وإنهم الآن أولى من الزكاة الواجبة، ما كان لديه زكاة واجبة الآن فهم أولى بها من غيرهم من الفقراء في أنحاء العالم، وإنهم الآن أولى بالزكاة الواجبة؛ لأنهم يجمعون أكثر مصارفها الثمانية.

ويا أيها الطلاب! يا حياة الشعوب النابضة! قوموا بما ينتظر منكم من المؤازرة والمناصرة بكل الوسائل المشروعة بانضباط ونشاط.

ويا نساء المسلمين! تذكرن أنكن على أثر عائشة وفاطمة وأم سليم رضي الله عنهن، وتذكرن تضحيتهم يوم أحد وما قدمن، وما قدمت نسيبة رضي الله عنها عندما كانت تقاتل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بسيفين، وموعدكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوض المورود.

ويا بقية الشعوب المسلمة! إنكم فئة هؤلاء القوم؛ فلا تبخلوا على أنفسكم بالصدقة عليهم، والصدقة عنهم لنجاتهم، والدعاء والمشاركة بكل نشاط فيه نصرة لهم، وتعريف بقضيتهم.

وليعلم الجميع أن النصر آت لا محالة أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]، وأما الأمر إنما هو ابتلاء من الله تعالى للمسلمين، فإن قاموا بالحق نجحوا في الامتحان ونصروا، وإلا فإن البلاء سيحور عليهم كما قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:4-8].

وليعلم الجميع كذلك أن ما قدموا لن يضيع عند الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وأن ما ينفقونه مخلوف في الدنيا قبل الآخرة، كما قال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]، وكما قال تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272]، وقال تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].

أسأل الله تعالى أن يرفع هذا البلاء، وأن ينتصر لإخواننا المظلومين، وأن ينصرهم نصراً مبيناً عاجلاً، وأن يرحم الشهداء ويتقبلهم، وأن يشفي الجرحى، وأن يحفظ المجاهدين وقادتهم أجمعين بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يوفق قادة المسلمين لنصرتهم والقيام بحقهم، وأن يرد كيد المعتدين في نحورهم، وأن يسلط عليهم البأساء والضراء، وأن ينزل بهم القوارع، وأن يخيب أملهم، وأن يجعل تدبيرهم تدميرهم، وأن يدخلهم في ردغة الخبال، وأن يسل عليهم سيف الذل والوبال، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً [النساء:84]، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، لك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً، لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، لك الحمد أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار، وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم.

نسألك بعزك الذي لا يرام، وبنورك الذي أشرقت له السموات والأرض، أن تحفظ إخواننا في غزة، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ومن فوقهم، ونعيذهم بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وسدد سهامهم، وثبت أقدامهم، اللهم انصرهم نصراً مؤزراً، اللهم سدد سهامهم، وسدد رميهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم ارحم شهداءهم أجمعين، اللهم اشف مرضاهم وجرحاهم يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم الأيامى واليتامى والجرحى والمرضى، اللهم لا راحم لهم إلا أنت وأنت أرحم الراحمين، فأنزل عليهم رحمةً من رحمتك تغنيهم بها عن رحمة من سواك.

اللهم احفظ إسماعيل هنية، ومحمود الزهار، وسعيد صيام، اللهم احفظ المجاهدين أجمعين يا أرحم الراحمين، وانصر بهم دينك، وأعل بهم كلمتك، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم يا أرحم الراحمين، اللهم وفقهم لما يرضيك، وخذ بنواصيهم إلى الخير أجمعين يا أرحم الراحمين.

اللهم أنزل بأسك ورجزك وسخطك وعذابك على كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أوليائك، ويصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، وأخرجهم من بلادنا ومن بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا قوي يا متين.

اللهم لا تحقق للصهاينة غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، وأخرجهم من بلادنا ومن بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا قوي يا متين.

اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس اليهود، اللهم ارزقنا فيه صلاةً قبل الممات يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك أن تجعل هذه الحشود كلها من جند محمد صلى الله عليه وسلم وأنصاره، اللهم أعل بهم كلمتك، وانصر بهم رسولك صلى الله عليه وسلم، واجعلهم في قرة عينه ومرضاتك، واجعل هذه الوجوه جميعاً من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجهك الكريم، وآتهم أجمعين كتبهم بأيمانهم تلقاء وجوههم، وكللهم أجمعين بإكليل الكرامة وإكليل العزة يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من أهل الفردوس الأعلى من الجنة، وأحلل علينا أجمعين رضوانك الأكبر الذي لا سخط بعده، وأنزل السكينة في قلوبنا، وثبتنا بالقول الثابت، واستعملنا في مرضاتك ونصرة دينك وإعلاء كلمتك، وأصلح نياتنا وذرياتنا.

اللهم لا تدع لنا في عشيتنا هذه ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا مجاهداً إلا أيدته ونصرته، ولا عدواً إلا قتلته وخذلته وكفيته، ولا أسيراً إلا رددته، ولا فقيراً إلا أغنيته، ولا جاهلاً إلا علمته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأوهن كيد الكافرين، وانصرنا عليهم أجمعين.

اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونستعيذ بك من شرورهم، ونستعين بك عليهم، اللهم أنزل بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وأدخلهم في ردغة الخبال، وسل عليهم سيف الذل والوبال، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وسريع عقوبتك يا قوي يا متين.

اللهم عليك باليهود ومن هاد إليهم، اللهم عليك باليهود ومن هاد إليهم، اللهم عليك باليهود ومن هاد إليهم، اللهم أنزل بهم النزلات، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وأتهم من حيث لا يحتسبون، وسلط عليهم ما لا يستطيعون دفعه يا قوي يا متين.

اللهم جبار السموات والأرض! يا ديان يا ذا العزة والجبروت والملك والملكوت! اقصم ظهورهم، واقتل كبارهم وصغارهم، وأنزل بهم بأسك، وأنزل بهم البأساء والضراء، وسلط عليهم الذلة والمسكنة، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وسريع عقوبتك، وأخذك الوبيل، إله الحق يا ذا المعارج يا حي يا قيوم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وسريع عقوبتك.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين.

اللهم ول على المسلمين خيارهم، واكفهم شر شرارهم، واجعل المال في أيدي أسخيائهم، اللهم ول أمور المسلمين خيارهم، واكفهم شر شرارهم، واجعل المال في أيدي أسخيائهم، اللهم ول أمور المسلمين خيارهم، واكفهم شر شرارهم، واجعل المال في أيدي أسخيائهم، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً سعةً وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، وأقام منهجك، واجعل المال في أيدي أسخيائنا يا أرحم الراحمين، اللهم وفقنا أجمعين لنصرة إخواننا المرابطين، اللهم انصر دينك، وانصر بنا المجاهدين في سبيلك يا أرحم الراحمين، اللهم أعنا على أداء حقهم علينا يا أرحم الراحمين، اللهم تقبل منا اليسير، ولا تحاسبنا في الكثير يا أرحم الراحمين.

اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واختم بالحسنات آجالنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك، اللهم إنك قلت وقولك الحق: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقلت وقولك الحق: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي [البقرة:186].

وقد صح عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنك قلت: ( يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ).

وصح عن نبيك صلى الله عليه وسلم: ( إن في هذا اليوم ساعةً لا يصادفها عبد مؤمن يسألك حاجةً إلا أعطيته إياها )، وصح عن صاحب نبيك عبد الله بن سلام أنها هذه الساعة، اللهم هذه أيدينا إليك بالضراعة في هذه الساعة نسألك مسألة المساكين، وندعوك دعاء الخائفين الوجلين، نسألك مسألة من ذلت لك رقبته، وخضعت لك ناصيته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عينه أن لا تردنا خائبين، ولا تجعلنا عن رحمتك من المطرودين، وحقق مرادنا فيما يرضيك أجمعين، اللهم حقق مرادنا فيما يرضيك أجمعين.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4132 استماع
المسؤولية في الإسلام 4060 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3907 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع