آداب الوليمة


الحلقة مفرغة

ثبت في السنة أن الحمد لله تملأ الميزان، و(أل) في الحمد لله لاستغراق معاني الحمد لله وحده، فلا يستحق الحمد على الحقيقة غيره، وما كل محمدة في الإنسان إلا من الله سبحانه، والمراد بالميزان ميزان الأعمال يوم القيامة، ولهذا يستحب حمد الله على كل نعمة، والإكثار منه، ومع هذا يجوز حمد الناس بعضهم بعضاً، ولكن باقتصاد فيه؛ لأن الإفراط يؤدي إلى الغلو، وبلا مدح في الوجه؛ لأنه قد يولد الغرور، وبلا مدح بالزور والكذب.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

سنتحدث -أيها الإخوة- في هذه الليلة في سلسلة الآداب الشرعية عن آداب الوليمة.

ومعنى الوليمة في اللغة هو مشتقٌ من الجمع والضم، فيقولون: الولم: هو الجمع والضم، ويقال: أولم الرجل إذا اجتمع عقله وخلقه، وسمي القيد في الرجل ولماً لأنه يجمع الرجلين، واشتهر إطلاق الوليمة على الطعام الذي يُصنع للعرس لأن فيه اجتماع الزوجين، وكذلك فإن فيه اجتماع الناس للطعام، فالوليمة طعام العُرس، وقيل: هي كل طعام، والجمع ولائم.

ولكن اشتهر إطلاقها واختصاصها بطعام العرس، وكذلك قالوا: إن الوليمة تقع على كل دعوة تتخذ لسرورٍ حادث من نكاح أو ختان أو غيره، لكن الأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح، وتقيد في غيره، فإذا قيل وليمة يُفهم أنها وليمة النكاح، هذا إذا أطلقوا، إذا أردنا غيرها نقول: وليمة الختان، وليمة السفر، وليمة النقيع ونحو ذلك من الأسماء، والدعوة أعم من الوليمة، فالدعوة ما دعوت إليه من طعامٍ وشراب.

فالدعوة أعم من الوليمة والوليمة أخص منها، والولائم أنواع، ذكرها الناظم في قوله:

أسامي الطعام اثنان من بعد عشرةٍ     سأسردها مقرونة ببيانِ

وليمة عرسٍ ثم خـرس ولادة     عقيقة مولودٍ وكيرة بان

وضيمة ذي موتٍ نقيعة قـادمٍ     عذيرٌ أو اعذارٌ ليوم ختانِ

ومأدبة الخلان لا سببٌ لها     حذاقة يوم الختم للقرآنِ

وعاشرها في النظم تحفة زائـرٍ     قرى الضيف مع نزلٍ له بأمانِ

وسنأتي على شرحها بسرعة، ثم نتوسع في مسألة وليمة الزواج أو النكاح، وبعض التفاصيل المتعلقة بها.

الوليمة والخرس والعقيقة

أما بالنسبة لوليمة النكاح فهي ما يُصنع من الطعام بسبب النكاح، أما وليمة الخُرس فهو الطعام الذي يُصنع لسلامة المرأة من الطلق في النفاس، وكذلك فإن هناك العقيقة وهو الطعام الذي يُصنع بسبب ولادة المولود، وقيل: إن العقيقة أصلها من الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وسميت بذلك لأنه يحلق عنه في يوم سابعه، وهو اليوم التي تذبح فيه العقيقة، وقال بعض أهل العلم: إن العق هو القطع، والعقيقة هي الذبح نفسه، وهي اسمٌ للشاة المذبوحة عن المولود يوم السابع من ولادته.

وقد اختلف أهل العلم فيها بين الوجوب والاستحباب، وجمهورهم على الاستحباب، ومن أدلة أهل الوجوب: (كل غلامٍ رهينة بعقيقته) أي: مرتهنٌ بها، والسُنة شاتانِ عن الغلام الذكر وشاة عن الأنثى، ويجوز أن يذبح شاة عن الذكر لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عق عن الحسن والحسين شاةً شاةً، والمسألة فيها تفاصيل أخرى.

الوكيرة والوضيمة والنقيعة

وبالنسبة لوليمة الوكيرة: هي ما ذبح لإحداث بناء السكن، مأخوذٌ من الوكر، وهو المأوى والمسكن، فيُصنع بسبب البيت الجديد وليمة يدعى إليها الناس.

وأما الوضيمة: فهي ما يصنع من الطعام -بسبب المصيبة- لأهل الميت، وهي سنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد جاءهم ما يشغلهم).

أما إذا كان اجتماع على طعام يصنعه أهل الميت، فهو من النياحة المحرمة، وقد جاء النص بذلك عن الصحابي جرير بن عبد الله رضي الله عنه: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة].

أما ما يفعله أهل البيت من صنع طعام، وجمع الناس عليه أول يوم وثاني يوم وثالث يوم فهو من النياحة، وهو حرام، ولا يجوز الأكل منه مطلقاً.

فإذا صنعوا طعاماً لأنه أتاهم ما يشغلهم، أو صنعوا للضيوف الذين جاءوا من بعيد، فناموا عندهم وأكلوا معهم، فهذا لا بأس به، أما أن يصنعوا طعاماً يدعى إليه الناس والجيران والمعزون، فهذا من البدع المحدثة وهو حرام.

أما بالنسبة لوليمة النقيعة فهي الدعوة التي تُصنع بسبب قدوم المسافر سالماً من سفره، مأخوذة من النقع وهو الغبار، قال الله تعالى: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً [العاديات:4].

ويصنعها المسافر أو يصنعها أهله، وقيل: تُصنع للمسافر فرحاً بسلامة وصوله، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزوراً أو بقرة، فهذا الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله يدل على مشروعية عمل الطعام بعد القدوم سالماً من سفره.

العذيرة والمأدبة

وأما بالنسبة للعذيرة فهي الوليمة التي تُصنع بسبب الختان، وتُسمى أيضاً الإعذار، والإعذار هو الختان، وهو الطعام الذي يُطعم بمناسبة الختان، وقد جاء عن بعض السلف فعل هذه الوليمة، وهل هي للذكر فقط أم تشمل الأنثى؟ للعلماء أقوالٌ في المسألة، ومما قاله ابن الحاج المالكي رحمه الله في كتابه المدخل: إن السنة في الختان للذكور إظهاره، وفي ختان النساء إخفاؤه فإذا كان ذكراً خُتن، فإنه يُصنع له هذه الوليمة إذا جرت العادة بذلك، فلا بأس في فعلها، وقد جاء فعلها عن بعض السلف رحمهم الله تعالى.

فإذا صار ختانه وحلق شعره في اليوم السابع فالعقيقة تغني عن هذا.

وأما وليمة المأدبة فهي الضيافة التي تعمل بدون سببٍ معين، فإذا أراد أحد الناس أن يجمعهم على طعام من أجل أن يكسب أجراً في إطعام الناس، فدعاهم للطعام، كالأصدقاء والأحباب والإخوان والأقارب والجيران.

أراد أن يصنع المعروف من باب أن إطعام الطعام وإفشاء السلام من أسباب دخول الجنة، وليس لوليمته سبب معين، فلا بأس بذلك.

وقد جاء في الحديث أن ملائكة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا: (إن لصاحبكم هذا مثلاً، مثله كمثل رجلٍ بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فالدار الجنة، والداعي محمد، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله، ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم فرّق بين الناس) صار الناس فريقين: مؤمنون وكفار، وهذه المأدبة التي تصنع بلا سبب، إذا كانت عامة فتسمى الجَفَلَى (بالألف المقصورة)، بأن قال: يا أيها الناس هلموا، وليأت من يريد من الناس، فهذه دعوة عامة يجوز لكل واحد أن يأتيها، أو فعلها في مكان عام على الشارع مثلاً أو في أرضٍ مفتوحة، ودعا إليها من شاء من الناس أن يأتيها، فتسمى جَفَلَى، يجوز لكل واحد أن يأتيها.

وإذا كانت خاصة فتسمى النَقَرى، فهي خاصة بمن يدعى إليها، فإذاً لا يجوز لغيرهم أن يأتي، وإطعام الأصحاب على أية حال من القُرب، ودعوة الإخوان أيضاً من الطاعات.

الحذاقة والقرى

أما الوليمة التي يسمونها الحذاقة فهي الإطعام عند ختم الصبي للقرآن إذا حفظه، فإن حفظ ولد الرجل القرآن وصنع والده وليمة للناس فرحاً بمناسبة ختم ولده للقرآن، وربما صنعت أيضاً إذا نبتت أسنان الصغير ونحو ذلك، وهي مأخوذة من قولهم: (حَذِقَ الصبيُّ يَحْذَقُ حِذْقاً، إذا مهر في الشيء) ويقال لليوم الذي يختم فيه الصبي القرآن: يوم حذاقة، ويقال: فلانٌ حاذقٌ في صنعته، وجاء عن بعضهم أنهم كانوا يصنعون هذا لغلمانهم.

ويروى عن الحسن أنه قال: "كانوا إذا حذق الغلام قبل اليوم نحروا جزوراً واتخذوا طعاماً" ويُروى كذلك عن حميد أنه قال: "كانوا يستحبون إذا جمع الصبي القرآن أن يذبح الرجل الشاة ويدعو أصحابه".

فهذه الشاة على أية حال هي شكر على نعمة حفظ الولد للقرآن، فإذا ذبح شاة على أية نعمة فلا بأس بذلك، لكن عندما تكون القضية واردة في السنة كالأضحية والعقيقة فإنها تتأكد، لأن لها مستنداً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو من قوله، فهي لا شك أقوى وأقوى.

أما أشياء جرت من عادات الناس، قد لا تكون واردة في السنة فهي بمنزلة أدنى، وإن كانت من عادات الناس ولم يقصدوا بها السنة، ولم يقصدوا بها التعبد فلا بأس بذلك، وذبح الشاة لأجل النعمة يدل عليه مجموع أحاديث وردت في الشريعة، فنعمة القدوم من السفر ذبحت فيها شاة، ونعمة المولود ذبحت فيها شاة، ونعمة الزواج ذبحت فيها شاة: (أولم ولو بشاة) إذاً ذبح شاة أو ذبيحة أو عمل طعام لمناسبة سارة أو لنعمة أنعم الله بها على الشخص لا بأس به ولا حرج فيه شرعاً، لكن فرق أن يعتقد الإنسان أنه سنة، فهذا لا بد له من دليل، أو أنه لم يعتقد أنه سنة، وإنما هو سنة على وجه العموم فإن في الشريعة ما يدل على ذبح شيء أو دعوة الناس إلى طعام بمناسبة حدوث شيءٍ سار.

مثل لو أن إنساناً ترقى في وظيفته، أو تبوأ وظيفة ونحو ذلك أو تخرج من الجامعة، فعمل طعاماً فلا بأس بذلك، ليس بدعة ولا حراماً ولا مكروهاً ما لم يتضمن منكراً أو محظوراً من المحظورات الشرعية، وأيضاً وليمة القرى وهي الطعام الذي يصنع للضيف، وإكرام الضيف لا شك أنه قد ورد في السنة، ولعلنا نأتي إن شاء الله في هذه السلسلة على آداب الضيافة.

الفرع والعتيرة

وكذلك فإن من أنواع الولائم التي ذكرت وليمة الفرع، والفرع هو أول نتاج الناقة، كان أهل الجاهلية يذبحونه لطواغيتهم، فأبطله الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا فرع).

وأما العتيرة: فهي الشاة التي كانوا يذبحونها في رجب، وتسمى الرجبية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عتيرة) وهنا اختلف العلماء هل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عتيرة) إبطال لذبيحة رجب بالكلية، أو لا عتيرة بمفهوم أهل الجاهلية، كأن يكون هناك اعتقادٌ معين عند الجاهليين، كما أنهم كانوا يذبحون لأصنامهم في رجب مثلاً ويسمونها عتيرة، فتكون مشروعة إذا كانت لله؟

قال بعض العلماء: يشرع ذبح شاة في رجب لله عز وجل، وأجابوا عن حديث: (لا عتيرة) أن المقصود ذبحها بمفهوم أهل الجاهلية، أو كما كان أهل الجاهلية يذبحون.

أما بالنسبة لوليمة النكاح فهي ما يُصنع من الطعام بسبب النكاح، أما وليمة الخُرس فهو الطعام الذي يُصنع لسلامة المرأة من الطلق في النفاس، وكذلك فإن هناك العقيقة وهو الطعام الذي يُصنع بسبب ولادة المولود، وقيل: إن العقيقة أصلها من الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وسميت بذلك لأنه يحلق عنه في يوم سابعه، وهو اليوم التي تذبح فيه العقيقة، وقال بعض أهل العلم: إن العق هو القطع، والعقيقة هي الذبح نفسه، وهي اسمٌ للشاة المذبوحة عن المولود يوم السابع من ولادته.

وقد اختلف أهل العلم فيها بين الوجوب والاستحباب، وجمهورهم على الاستحباب، ومن أدلة أهل الوجوب: (كل غلامٍ رهينة بعقيقته) أي: مرتهنٌ بها، والسُنة شاتانِ عن الغلام الذكر وشاة عن الأنثى، ويجوز أن يذبح شاة عن الذكر لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عق عن الحسن والحسين شاةً شاةً، والمسألة فيها تفاصيل أخرى.

وبالنسبة لوليمة الوكيرة: هي ما ذبح لإحداث بناء السكن، مأخوذٌ من الوكر، وهو المأوى والمسكن، فيُصنع بسبب البيت الجديد وليمة يدعى إليها الناس.

وأما الوضيمة: فهي ما يصنع من الطعام -بسبب المصيبة- لأهل الميت، وهي سنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد جاءهم ما يشغلهم).

أما إذا كان اجتماع على طعام يصنعه أهل الميت، فهو من النياحة المحرمة، وقد جاء النص بذلك عن الصحابي جرير بن عبد الله رضي الله عنه: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة].

أما ما يفعله أهل البيت من صنع طعام، وجمع الناس عليه أول يوم وثاني يوم وثالث يوم فهو من النياحة، وهو حرام، ولا يجوز الأكل منه مطلقاً.

فإذا صنعوا طعاماً لأنه أتاهم ما يشغلهم، أو صنعوا للضيوف الذين جاءوا من بعيد، فناموا عندهم وأكلوا معهم، فهذا لا بأس به، أما أن يصنعوا طعاماً يدعى إليه الناس والجيران والمعزون، فهذا من البدع المحدثة وهو حرام.

أما بالنسبة لوليمة النقيعة فهي الدعوة التي تُصنع بسبب قدوم المسافر سالماً من سفره، مأخوذة من النقع وهو الغبار، قال الله تعالى: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً [العاديات:4].

ويصنعها المسافر أو يصنعها أهله، وقيل: تُصنع للمسافر فرحاً بسلامة وصوله، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزوراً أو بقرة، فهذا الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله يدل على مشروعية عمل الطعام بعد القدوم سالماً من سفره.

وأما بالنسبة للعذيرة فهي الوليمة التي تُصنع بسبب الختان، وتُسمى أيضاً الإعذار، والإعذار هو الختان، وهو الطعام الذي يُطعم بمناسبة الختان، وقد جاء عن بعض السلف فعل هذه الوليمة، وهل هي للذكر فقط أم تشمل الأنثى؟ للعلماء أقوالٌ في المسألة، ومما قاله ابن الحاج المالكي رحمه الله في كتابه المدخل: إن السنة في الختان للذكور إظهاره، وفي ختان النساء إخفاؤه فإذا كان ذكراً خُتن، فإنه يُصنع له هذه الوليمة إذا جرت العادة بذلك، فلا بأس في فعلها، وقد جاء فعلها عن بعض السلف رحمهم الله تعالى.

فإذا صار ختانه وحلق شعره في اليوم السابع فالعقيقة تغني عن هذا.

وأما وليمة المأدبة فهي الضيافة التي تعمل بدون سببٍ معين، فإذا أراد أحد الناس أن يجمعهم على طعام من أجل أن يكسب أجراً في إطعام الناس، فدعاهم للطعام، كالأصدقاء والأحباب والإخوان والأقارب والجيران.

أراد أن يصنع المعروف من باب أن إطعام الطعام وإفشاء السلام من أسباب دخول الجنة، وليس لوليمته سبب معين، فلا بأس بذلك.

وقد جاء في الحديث أن ملائكة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا: (إن لصاحبكم هذا مثلاً، مثله كمثل رجلٍ بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فالدار الجنة، والداعي محمد، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله، ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم فرّق بين الناس) صار الناس فريقين: مؤمنون وكفار، وهذه المأدبة التي تصنع بلا سبب، إذا كانت عامة فتسمى الجَفَلَى (بالألف المقصورة)، بأن قال: يا أيها الناس هلموا، وليأت من يريد من الناس، فهذه دعوة عامة يجوز لكل واحد أن يأتيها، أو فعلها في مكان عام على الشارع مثلاً أو في أرضٍ مفتوحة، ودعا إليها من شاء من الناس أن يأتيها، فتسمى جَفَلَى، يجوز لكل واحد أن يأتيها.

وإذا كانت خاصة فتسمى النَقَرى، فهي خاصة بمن يدعى إليها، فإذاً لا يجوز لغيرهم أن يأتي، وإطعام الأصحاب على أية حال من القُرب، ودعوة الإخوان أيضاً من الطاعات.

أما الوليمة التي يسمونها الحذاقة فهي الإطعام عند ختم الصبي للقرآن إذا حفظه، فإن حفظ ولد الرجل القرآن وصنع والده وليمة للناس فرحاً بمناسبة ختم ولده للقرآن، وربما صنعت أيضاً إذا نبتت أسنان الصغير ونحو ذلك، وهي مأخوذة من قولهم: (حَذِقَ الصبيُّ يَحْذَقُ حِذْقاً، إذا مهر في الشيء) ويقال لليوم الذي يختم فيه الصبي القرآن: يوم حذاقة، ويقال: فلانٌ حاذقٌ في صنعته، وجاء عن بعضهم أنهم كانوا يصنعون هذا لغلمانهم.

ويروى عن الحسن أنه قال: "كانوا إذا حذق الغلام قبل اليوم نحروا جزوراً واتخذوا طعاماً" ويُروى كذلك عن حميد أنه قال: "كانوا يستحبون إذا جمع الصبي القرآن أن يذبح الرجل الشاة ويدعو أصحابه".

فهذه الشاة على أية حال هي شكر على نعمة حفظ الولد للقرآن، فإذا ذبح شاة على أية نعمة فلا بأس بذلك، لكن عندما تكون القضية واردة في السنة كالأضحية والعقيقة فإنها تتأكد، لأن لها مستنداً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو من قوله، فهي لا شك أقوى وأقوى.

أما أشياء جرت من عادات الناس، قد لا تكون واردة في السنة فهي بمنزلة أدنى، وإن كانت من عادات الناس ولم يقصدوا بها السنة، ولم يقصدوا بها التعبد فلا بأس بذلك، وذبح الشاة لأجل النعمة يدل عليه مجموع أحاديث وردت في الشريعة، فنعمة القدوم من السفر ذبحت فيها شاة، ونعمة المولود ذبحت فيها شاة، ونعمة الزواج ذبحت فيها شاة: (أولم ولو بشاة) إذاً ذبح شاة أو ذبيحة أو عمل طعام لمناسبة سارة أو لنعمة أنعم الله بها على الشخص لا بأس به ولا حرج فيه شرعاً، لكن فرق أن يعتقد الإنسان أنه سنة، فهذا لا بد له من دليل، أو أنه لم يعتقد أنه سنة، وإنما هو سنة على وجه العموم فإن في الشريعة ما يدل على ذبح شيء أو دعوة الناس إلى طعام بمناسبة حدوث شيءٍ سار.

مثل لو أن إنساناً ترقى في وظيفته، أو تبوأ وظيفة ونحو ذلك أو تخرج من الجامعة، فعمل طعاماً فلا بأس بذلك، ليس بدعة ولا حراماً ولا مكروهاً ما لم يتضمن منكراً أو محظوراً من المحظورات الشرعية، وأيضاً وليمة القرى وهي الطعام الذي يصنع للضيف، وإكرام الضيف لا شك أنه قد ورد في السنة، ولعلنا نأتي إن شاء الله في هذه السلسلة على آداب الضيافة.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
آداب عيادة المريض 3004 استماع
آداب الدرس والحلقة 2227 استماع
آداب الضحك 2209 استماع
أدب الإستفتاء 2119 استماع
آداب السلام في الإسلام 2100 استماع
آداب زيارة الإخوان 1822 استماع
آداب الهدية 1656 استماع
أدب الكلام والمحادثة 1625 استماع