المعركة الفاصلة مع بني إسرائيل


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد.. هذا الدرس الثاني والأربعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين 28 من شهر ربيع الثاني. من سنة (1412هـ).

عنوان هذا الدرس: المعركة الفاصلة مع بني إسرائيل؛ وأحد الإخوة يقترح أن يكون العنوان: المعركة الفاصلة مع يهود، أو مع اليهود ولا حرج في ذلك.

يتحدث العالم اليوم -أيها الإخوة- عن جهود السلام في أسبانيا... في مدريد، وهذا الحدث العالمي الكبير، هو حديث الصحافة والإعلام في مشارق الأرض ومغاربها، سواء الصحافة الغربية، أو الشرقية العربية، أو اليهودية، أو غيرها، وفيما العالم كله يتحدث عن هذا الأمر الجديد … يتساءل البعض ويقول: ما جدوى طرح هذه الموضوعات في مثل هذه المجالس، ومن قبل الدعاة إلى الله عز وجل؟!

وإنني ليطول بي العجب وأقول في نفسي هل كتب على هذه الأمة المسلمة -التي كان المفترض أن تكون هي الشهيد على الناس قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143].

وفي الحديث الصحيح، أنهم يشهدون على الأمم يوم القيامة -حتى الأمم التي سبقتهم- بشهادة الله عز وجل في كتابه- هذه الأمة هل كُتِبَ عليها في مثل هذا الوقت بالذات، أن تستمرئ ذلك الغياب المذهل عن الساحة، وأن تستحسن عزلتها وتقوقعها… -لا أقول: على الأحداث العالمية، فنحن لا نتكلم الآن عن مؤتمر السلام في يوغسلافيا، وإنما عن عزلة هذه الأمة عن أحداث تتعلق بها هي… لا تتعلق بغيرها، وقضايا تخصها، فالكلام إنما هو عن مؤتمر السلام العربي الإسرائيلي.

وأقول: العربي؛ لأن الإسلام لم يدخل في حقيقة الأمر، لا في حرب، ولا في سلم، فالإسلام معزول عن هذه المعارك؛ وإنما المعركة العسكرية دخلناها باسم العروبة، وفصلنا وعزلنا مئات الملايين من المسلمين المتعاطفين مع قضية الإسلام في فلسطين؛ والسلام ندخله باسم العروبة أيضاً فالإسلام معزول في الحقيقة عن الحرب، كما هو معزول عن السلام، ولهذا لا تتعجب حينما استخدم في أثناء هذه الكلمة أو هذا الدرس لفظ العرب، ولا أستخدم لفظ الإسلام؛ لأننا نريد أن نسمي الأشياء بحقيقتها.

فالإسلام معزول عن المعركة، سواء كانت معركة في ميدان الصراع والقتال، أم كانت معركة من وراء الطاولات وفي مجال المناورات السياسية الدبلوماسية؟!!

الاستغراب لحال هذه الأمة

هل كتب على هذه الأمة أن تستمرئ هذا الغياب المذهل، وأن تتلذذ بهذا الاعتزال الغريب، لا عن قضايا العالم بل عن قضاياها الخاصة.

إنني أستغرب هذه المصادرة الرخيصة لعقل الإنسان المسلم ولتفكيره؛ مما شل فعالية المسلم في هذه الأحداث، فأصبح مستكثراً عليك أيها المسلم أن تبدي رأيك فقط في قضية من القضايا، فضلاً أن يكون لك رأي في حصول هذا الأمر أو عدم حصوله، وأصبح الإنسان العادي من أمة الإسلام في مشرق الأرض ومغربها يستكثر على نفسه أن يتكلم في مثل هذه القضايا ويرى أنها قضايا لا تعنيه في قليل ولا في كثير، وأحسن الناس من يقول: إن حديثي في مثل هذه الأمور، لا يقدم ولا يؤخر، وإنه لا يأتي بجديد.

إن قضيه كقضية السلام تكلم فيها الجميع بدون استثناء، حتى المتطرفون من اليهود في إسرائيل المسمون بالأصوليين -مثل حركة… غوش أمونيم وغيرها من الأحزاب الأصولية المتطرفة- تكلموا بلهجة واضحة صريحة عن رأيهم في السلام، وأنهم يرفضون السلام مع الأمة العربية؛ بل مع العالم كله، لأن هذه أرض اليهود -في نظرهم وزعمهم- ويجب أن تظل أرضهم فهم يطالبون ببسط سلطة اليهود على مزيد من هذه الأراضي، ولم يقتصر تعبيرهم عن السلام على مجرد الكلام أو على مجرد الكتابة، بل تعدى ذلك إلى قيامهم بمظاهرات في شوارع اليهود -في شوارع فلسطين- يتكلمون فيها ويعربون فيها عن اعتراضهم على مشاركة إسرائيل في جهود السلام.

ضرورة طرح قضايا الأمة

قد يستغرب بعض منا أن نطرح هذه القضية أو غيرها، من طلبة العلم والدعاة إلى الله عز وجل من يعتقد أنه لا جدوى من وراء ذلك؟!

إننا ينبغي أن نضع الأمور في إطارها الصحيح، فالذين يتحدثون -مثلاً- عن السلام، أو عن مؤتمر أو مؤامرات مدريد للسلام العربي الإسرائيلي كما يسمونه، ليس بالضرورة أن هذا يعني: أنهم سيوقفون هذه المؤامرات، أو سوف يمنعون استمرارها أو سوف يعرقلون هذه الجهود التي تتبناها زعيمة العالم الحر -كما يسمونها- وزعيمة التنصير وأمريكا التي أصبحت تمسك بخناق العالم بقدر ما تستطيع، فليس بالضرورة أن من يتحدثون سوف يوقفون مثل هذا السيل الكاسح أو مثل هذا التيار الجارف، أنهم سوف يقفون في وجه الشرق والغرب وهم لا يملكون وسائل تمكنهم من ذلك فلا يعني الحديث عن هذا الموضوع الوقوف أمام تلك المؤامرات، وأمام أمريكا، وأمام حلفاء أمريكا من العرب، وأمام إسرائيل، لا! لكننا نعتقد أن من حق الأمة الإسلامية أن تعرف على أقل تقدير أن تعرف ما هو السلاح الذي سوف تقتل به، أن تعرف بأي سكين سوف تذبح؟

فهذا أقل حق لهذه الضحية التي بين أيديهم! فهذه المؤامرات لا بد من معرفتها ومعرفة أبعادها، ومعرفة من هم أطرافها؟

ومعرفة من يكون وراءها؟

وذلك حتى تعرف الأمة بأي سلاح يحاول عدوها قتلها، وحتى تعرف الأمة أيضاً من هو عدوها من صديقها.

فمنهم عدوٌ كاشرٌ عن عدائه     ومنهم عدو في ثياب الأصادقِ

ومنهم قريب أعظم الخطب قربه     له فيكم فعل العدو المفارقِ

لابد من كلمة الحق

إن كلمة الحق الواضحة النيرة -أيها الأحبة- يجب أن تقال في كل مكان وفي كل مجال، فالرسل عليهم صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا بالكلمة: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [الأحقاف:21].

جاء الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يملكون الأسلحة ولا يملكون القوة الضاربة، وإنما كانوا يملكون هذه الكلمة يقولونها للناس، ثم يعتصمون بالله عز وجل الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، والذي إذا أراد شيئاً إنما يقول له: كن فيكون، وبهذه الكلمة: انتصر الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولم يكن يمنع نبياً من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم ألا يستجيب له أحد أن يقول هذه الكلمة، وأن يبعث بهذه الكلمة، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه في صحيح مسلم: {أنه صلى الله عليه وسلم رأى الأمم، ورأى النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد} فالنبي حين يصدع بهذه الكلمة: لا تعبدوا إلا الله، اعبدوا الله ما لكم من إله غيره! هو يحقق هذا الانتصار -بغض النظر عن مدى تجاوب الآخرين معه أو رفضهم لما يدعو إليه- لأن مجرد إعلان كلمة التوحيد، هو انتصار لهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

ومع ذلك فإننا نقول: إن كلمة الحق لن تضيع، ويكفي أن تكون شاهداً تاريخياً، على أن المسلمين والعلماء والدعاة إلى الله عز وجل رفضوا الخيانة على حين استمرأها غيرهم من الزعماء الكبار وأقروها وسعوا إليها وسافروا إليها، وأنهم رفضوا مؤامرات الاستسلام على حين تلطخ غيرهم من الزعماء والقادة والساسة بهذه المؤامرات، وأنهم بذلوا ما يملكون من الوسائل وهم لم يكونوا يملكون إلا الكلمة يطلقونها حرة واضحة صريحة -على حين كان غيرهم يملك أكثر من ذلك، فما بذل منه قليلاً ولا كثيراً إلا الخطب الرنانة، وقد أشبعوا المسلمين من هذه الخطب وحرروا بلاد الإسلام بهذه الخطب الرنانة!

سقوا فلسطين أحلاماً منومةً     وأطعموها سخيف القول والخطبا

عاشوا على هامش الأحداث ما انتفضوا     للأرض منهوبةً والعرض مغتصبا

وخلفوا القدس في الأوحال عارية     تبيح عزة نهديها لمن رغبا

هل كتب على هذه الأمة أن تستمرئ هذا الغياب المذهل، وأن تتلذذ بهذا الاعتزال الغريب، لا عن قضايا العالم بل عن قضاياها الخاصة.

إنني أستغرب هذه المصادرة الرخيصة لعقل الإنسان المسلم ولتفكيره؛ مما شل فعالية المسلم في هذه الأحداث، فأصبح مستكثراً عليك أيها المسلم أن تبدي رأيك فقط في قضية من القضايا، فضلاً أن يكون لك رأي في حصول هذا الأمر أو عدم حصوله، وأصبح الإنسان العادي من أمة الإسلام في مشرق الأرض ومغربها يستكثر على نفسه أن يتكلم في مثل هذه القضايا ويرى أنها قضايا لا تعنيه في قليل ولا في كثير، وأحسن الناس من يقول: إن حديثي في مثل هذه الأمور، لا يقدم ولا يؤخر، وإنه لا يأتي بجديد.

إن قضيه كقضية السلام تكلم فيها الجميع بدون استثناء، حتى المتطرفون من اليهود في إسرائيل المسمون بالأصوليين -مثل حركة… غوش أمونيم وغيرها من الأحزاب الأصولية المتطرفة- تكلموا بلهجة واضحة صريحة عن رأيهم في السلام، وأنهم يرفضون السلام مع الأمة العربية؛ بل مع العالم كله، لأن هذه أرض اليهود -في نظرهم وزعمهم- ويجب أن تظل أرضهم فهم يطالبون ببسط سلطة اليهود على مزيد من هذه الأراضي، ولم يقتصر تعبيرهم عن السلام على مجرد الكلام أو على مجرد الكتابة، بل تعدى ذلك إلى قيامهم بمظاهرات في شوارع اليهود -في شوارع فلسطين- يتكلمون فيها ويعربون فيها عن اعتراضهم على مشاركة إسرائيل في جهود السلام.

قد يستغرب بعض منا أن نطرح هذه القضية أو غيرها، من طلبة العلم والدعاة إلى الله عز وجل من يعتقد أنه لا جدوى من وراء ذلك؟!

إننا ينبغي أن نضع الأمور في إطارها الصحيح، فالذين يتحدثون -مثلاً- عن السلام، أو عن مؤتمر أو مؤامرات مدريد للسلام العربي الإسرائيلي كما يسمونه، ليس بالضرورة أن هذا يعني: أنهم سيوقفون هذه المؤامرات، أو سوف يمنعون استمرارها أو سوف يعرقلون هذه الجهود التي تتبناها زعيمة العالم الحر -كما يسمونها- وزعيمة التنصير وأمريكا التي أصبحت تمسك بخناق العالم بقدر ما تستطيع، فليس بالضرورة أن من يتحدثون سوف يوقفون مثل هذا السيل الكاسح أو مثل هذا التيار الجارف، أنهم سوف يقفون في وجه الشرق والغرب وهم لا يملكون وسائل تمكنهم من ذلك فلا يعني الحديث عن هذا الموضوع الوقوف أمام تلك المؤامرات، وأمام أمريكا، وأمام حلفاء أمريكا من العرب، وأمام إسرائيل، لا! لكننا نعتقد أن من حق الأمة الإسلامية أن تعرف على أقل تقدير أن تعرف ما هو السلاح الذي سوف تقتل به، أن تعرف بأي سكين سوف تذبح؟

فهذا أقل حق لهذه الضحية التي بين أيديهم! فهذه المؤامرات لا بد من معرفتها ومعرفة أبعادها، ومعرفة من هم أطرافها؟

ومعرفة من يكون وراءها؟

وذلك حتى تعرف الأمة بأي سلاح يحاول عدوها قتلها، وحتى تعرف الأمة أيضاً من هو عدوها من صديقها.

فمنهم عدوٌ كاشرٌ عن عدائه     ومنهم عدو في ثياب الأصادقِ

ومنهم قريب أعظم الخطب قربه     له فيكم فعل العدو المفارقِ

إن كلمة الحق الواضحة النيرة -أيها الأحبة- يجب أن تقال في كل مكان وفي كل مجال، فالرسل عليهم صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا بالكلمة: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [الأحقاف:21].

جاء الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يملكون الأسلحة ولا يملكون القوة الضاربة، وإنما كانوا يملكون هذه الكلمة يقولونها للناس، ثم يعتصمون بالله عز وجل الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، والذي إذا أراد شيئاً إنما يقول له: كن فيكون، وبهذه الكلمة: انتصر الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولم يكن يمنع نبياً من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم ألا يستجيب له أحد أن يقول هذه الكلمة، وأن يبعث بهذه الكلمة، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه في صحيح مسلم: {أنه صلى الله عليه وسلم رأى الأمم، ورأى النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد} فالنبي حين يصدع بهذه الكلمة: لا تعبدوا إلا الله، اعبدوا الله ما لكم من إله غيره! هو يحقق هذا الانتصار -بغض النظر عن مدى تجاوب الآخرين معه أو رفضهم لما يدعو إليه- لأن مجرد إعلان كلمة التوحيد، هو انتصار لهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

ومع ذلك فإننا نقول: إن كلمة الحق لن تضيع، ويكفي أن تكون شاهداً تاريخياً، على أن المسلمين والعلماء والدعاة إلى الله عز وجل رفضوا الخيانة على حين استمرأها غيرهم من الزعماء الكبار وأقروها وسعوا إليها وسافروا إليها، وأنهم رفضوا مؤامرات الاستسلام على حين تلطخ غيرهم من الزعماء والقادة والساسة بهذه المؤامرات، وأنهم بذلوا ما يملكون من الوسائل وهم لم يكونوا يملكون إلا الكلمة يطلقونها حرة واضحة صريحة -على حين كان غيرهم يملك أكثر من ذلك، فما بذل منه قليلاً ولا كثيراً إلا الخطب الرنانة، وقد أشبعوا المسلمين من هذه الخطب وحرروا بلاد الإسلام بهذه الخطب الرنانة!

سقوا فلسطين أحلاماً منومةً     وأطعموها سخيف القول والخطبا

عاشوا على هامش الأحداث ما انتفضوا     للأرض منهوبةً والعرض مغتصبا

وخلفوا القدس في الأوحال عارية     تبيح عزة نهديها لمن رغبا

إن هذا العقد الذي نعيش فيه يشهد متغيرات دولية كبيرة جداً، ومن المؤسف جداً أن المسلمين أيضاً معزولون عن هذه المتغيرات، لا يدركونها ولا يتابعونها ولا يقدرون حجمها وخطورتها؛ فإن جهود السلام الأمريكي الآن الذي يديرونه مع العرب وإسرائيل، إنما يكون في ظل انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، بين العالم الرأسمالي والعالم الشيوعي… هذه الحرب التي دامت أكثر من خمسٍ وأربعين سنةً.

انفراد أمريكا بالهيمنة العالمية

وفي ظل هذه الحرب حصلت أمورٌ كثيرة، ولكن كان هناك هدوء شهدته أوروبا وغيرها، بسبب ما يسمى بالردع النووي وتخوف كل طرف من الطرف الآخر، وسقطت الشيوعية الآن كأيديولوجية مناوئة للغرب، واستفردت أمريكا بالهيمنة العالمية، وبالتالي: استخدمت أمريكا المنظمات الدولية لتحقيق مصالحها الذاتية الشخصية كهيئة الأمم المتحدة وغيرها، وأبرزت أمريكا ما يسمونه بالنظام الدولي الجديد -الذي بشر به الزعيم الأمريكي الذي أسمته بعض الصحف: رئيس العالم وزعيم العالم- بشر بما يسميه بالنظام الدولي الجديد منذ زمن ليس بالقليل، في السابق كان هناك سباق على التسلح بين روسيا وأمريكا على حساب التنمية الاقتصادية وعلى حساب التنمية الاجتماعية

وعلى حساب توفير المعيشة للناس؛ وكان السلام -كما ذكرت قبل قليل- قائم على توازن الرعب بين القوة الشرقية والقوة الغربية، فإن ما يسمى بالردع النووي؛ جعل كلاً من الطرفين أمريكا وروسيا في السابق تدركان في حال حصول حرب نووية فلن يكون فيها رابح وخاسر، بل سوف يكون كلاهما خاسراً.

وهذا تقديرهم وظنهم على كل حال.

وجود تحالفات جديدة

نقطة ثالثة: أن العالم الثالث، والعالم الرابع -أيضاً- وهما العالم الإسلامي والعالم العربي، وما حولهما من الدول الفقيرة، ممن يسمونه بالعالم الثالث -لم تكن تشمله- مظلة الحلفين العالميين آنذاك، ولذلك كانا مجالاً للتنافس الشديد بين روسيا وأمريكا، وكان فيه مناطق كثيرة ملتهبة تكون نتيجة الصراع ونتيجة حروب تدار بالوكالة بين أمريكا وروسيا وضحية هذه الحروب هم من شعوب المسلمين ومن شعوب العرب الذين يقاتلون بالوكالة عن أمريكا أو يقاتلون بالوكالة عن روسيا.

وقد أدى ذلك الصراع أو الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا في السابق إلى شل ما يسمى بهيئة الأمم المتحدة عن فعاليتها وتأثيرها؛ بسبب أنه نشأ في أثنائها تحالفات بين روسيا ودول عدم الانحياز من جهة وبين أمريكا وحلفائها من جهة أخرى، أما الآن فبعدما سقطت الشيوعية وتفككت الإمبراطورية الروسية فإننا أمام قوة عالمية الآن واحدة هي التي تهيمن على معظم العالم الموجود الآن وهو قطب عالمي واحد، وهذا بلا شك لفترة معينة، وإلا فنحن نعلم ونجزم بأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: {حق على الله ألا يرتفع شيء إلا وضعه}.

إذا تم شيءٌ بدا نقصه     ترقب زوالاً إذا قيل تم

كما أننا نعلم أن الله عز وجل جعل قوام هذه الدنيا على أساس وجود المداولة قال سبحانه: وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].

وعلى أساس مبدأ الصراع، أو كما سماه الله تعالى في القرآن الكريم الدفع:وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251].

فمبدأ الدفع أو مبدأ الصراع بين القوى المختلفة، فيه بقاء للحياة؛ حتى الحرب نفسها فيها بقاء للحياة:

والناس إن تركوا البرهان واعتسفوا     فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

فالحروب الإسلامية التي شنها المسلمون أيام العز وأيام النصر وأيام التمكين، كانت ظلاً ينبت الخضرة وينبت النماء والخير والإيمان وينبت الطاعة لله عز وجل -في ظل تلك الحروب- فكانت حروباً لفتح القلوب قبل فتح البلاد.

فالمقصود أن الله تعالى وضع من سنن هذا الكون مبدأ الدفع، أي دفع الناس بعضهم ببعض ومبدأ مداولة الناس فيما بينهم وتلك الأيام نداولها بين الناس ينال هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء؛ فلا نتصور أبداً أن الغرب الرأسمالي أو أن أمريكا أو غيرها سوف تتفرد بالهيمنة على العالم إلا خلال سنوات يسيرة أو عقود قليلة، وهذا أمر لا يعتبر بالمقياس العام شيئاً، فإن الإنسان وإن كان ينظر إلى الأيام والساعات والشهور والسنوات، إلا أن الأمر أبعد من ذلك، فعشر أو عشرون أو ثلاثون سنة في حياة الأمم والشعوب؛ لا تعد شيئاً وأنت الآن تنظر إلى روسيا وقد عاشت عشرات السنين وتجد أنها أصبحت حطاماً متفتتاً فلا تعد هذه السنين؛ الطويلة التي عاشتها في ظل قهرها للإيمان وقهرها للعقول، وللقلوب، وللفطرة لا تعد هذه الأيام وهذه السنوات بل عشرات السنين، لا تكاد تعدها شيئاً يذكر، وهذه من طبيعة الإنسان، فيرى الواقعة القائمة عليه سرمداً لا يزول.

وفي ظل هذه الحرب حصلت أمورٌ كثيرة، ولكن كان هناك هدوء شهدته أوروبا وغيرها، بسبب ما يسمى بالردع النووي وتخوف كل طرف من الطرف الآخر، وسقطت الشيوعية الآن كأيديولوجية مناوئة للغرب، واستفردت أمريكا بالهيمنة العالمية، وبالتالي: استخدمت أمريكا المنظمات الدولية لتحقيق مصالحها الذاتية الشخصية كهيئة الأمم المتحدة وغيرها، وأبرزت أمريكا ما يسمونه بالنظام الدولي الجديد -الذي بشر به الزعيم الأمريكي الذي أسمته بعض الصحف: رئيس العالم وزعيم العالم- بشر بما يسميه بالنظام الدولي الجديد منذ زمن ليس بالقليل، في السابق كان هناك سباق على التسلح بين روسيا وأمريكا على حساب التنمية الاقتصادية وعلى حساب التنمية الاجتماعية

وعلى حساب توفير المعيشة للناس؛ وكان السلام -كما ذكرت قبل قليل- قائم على توازن الرعب بين القوة الشرقية والقوة الغربية، فإن ما يسمى بالردع النووي؛ جعل كلاً من الطرفين أمريكا وروسيا في السابق تدركان في حال حصول حرب نووية فلن يكون فيها رابح وخاسر، بل سوف يكون كلاهما خاسراً.

وهذا تقديرهم وظنهم على كل حال.

نقطة ثالثة: أن العالم الثالث، والعالم الرابع -أيضاً- وهما العالم الإسلامي والعالم العربي، وما حولهما من الدول الفقيرة، ممن يسمونه بالعالم الثالث -لم تكن تشمله- مظلة الحلفين العالميين آنذاك، ولذلك كانا مجالاً للتنافس الشديد بين روسيا وأمريكا، وكان فيه مناطق كثيرة ملتهبة تكون نتيجة الصراع ونتيجة حروب تدار بالوكالة بين أمريكا وروسيا وضحية هذه الحروب هم من شعوب المسلمين ومن شعوب العرب الذين يقاتلون بالوكالة عن أمريكا أو يقاتلون بالوكالة عن روسيا.

وقد أدى ذلك الصراع أو الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا في السابق إلى شل ما يسمى بهيئة الأمم المتحدة عن فعاليتها وتأثيرها؛ بسبب أنه نشأ في أثنائها تحالفات بين روسيا ودول عدم الانحياز من جهة وبين أمريكا وحلفائها من جهة أخرى، أما الآن فبعدما سقطت الشيوعية وتفككت الإمبراطورية الروسية فإننا أمام قوة عالمية الآن واحدة هي التي تهيمن على معظم العالم الموجود الآن وهو قطب عالمي واحد، وهذا بلا شك لفترة معينة، وإلا فنحن نعلم ونجزم بأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: {حق على الله ألا يرتفع شيء إلا وضعه}.

إذا تم شيءٌ بدا نقصه     ترقب زوالاً إذا قيل تم

كما أننا نعلم أن الله عز وجل جعل قوام هذه الدنيا على أساس وجود المداولة قال سبحانه: وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].

وعلى أساس مبدأ الصراع، أو كما سماه الله تعالى في القرآن الكريم الدفع:وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251].

فمبدأ الدفع أو مبدأ الصراع بين القوى المختلفة، فيه بقاء للحياة؛ حتى الحرب نفسها فيها بقاء للحياة:

والناس إن تركوا البرهان واعتسفوا     فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

فالحروب الإسلامية التي شنها المسلمون أيام العز وأيام النصر وأيام التمكين، كانت ظلاً ينبت الخضرة وينبت النماء والخير والإيمان وينبت الطاعة لله عز وجل -في ظل تلك الحروب- فكانت حروباً لفتح القلوب قبل فتح البلاد.

فالمقصود أن الله تعالى وضع من سنن هذا الكون مبدأ الدفع، أي دفع الناس بعضهم ببعض ومبدأ مداولة الناس فيما بينهم وتلك الأيام نداولها بين الناس ينال هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء؛ فلا نتصور أبداً أن الغرب الرأسمالي أو أن أمريكا أو غيرها سوف تتفرد بالهيمنة على العالم إلا خلال سنوات يسيرة أو عقود قليلة، وهذا أمر لا يعتبر بالمقياس العام شيئاً، فإن الإنسان وإن كان ينظر إلى الأيام والساعات والشهور والسنوات، إلا أن الأمر أبعد من ذلك، فعشر أو عشرون أو ثلاثون سنة في حياة الأمم والشعوب؛ لا تعد شيئاً وأنت الآن تنظر إلى روسيا وقد عاشت عشرات السنين وتجد أنها أصبحت حطاماً متفتتاً فلا تعد هذه السنين؛ الطويلة التي عاشتها في ظل قهرها للإيمان وقهرها للعقول، وللقلوب، وللفطرة لا تعد هذه الأيام وهذه السنوات بل عشرات السنين، لا تكاد تعدها شيئاً يذكر، وهذه من طبيعة الإنسان، فيرى الواقعة القائمة عليه سرمداً لا يزول.

يقول ابن برجنسكي -وهو مستشار للأمن القومي سابقاً في أمريكا-: "إن أفول نجم الاتحاد السوفيتي معناه تفرد الولايات المتحدة بمركز الدولة العظمى ذات المسئوليات العالمية، وإن أوروبا ستكون في أحسن الأحوال قوةً اقتصادية، ولن تتحول اليابان إلى قوة سياسية عسكرية إلا بعد مضي بعد الوقت وهكذا ستبقى الولايات المتحدة القوة العالمية الوحيدة".

يبرز تساؤل بعد هذا كله، وبعد غياب الاتحاد السوفيتي كقوة معطلة أو معادلة لدفاعات أمريكا… كيف سيكون الوضع الدولي في مثل هذا النظام الدولي الجديد، كما يسمونه؟

هناك تخوف جديد أن يتحول الصراع الذي كان قائماً بين أمريكا وروسيا إلى مجابهة بين الشمال والجنوب، بين الأغنياء والفقراء، أو قل بلهجة أخرى بين العالم الثالث الذي غالبه من المسلمين، وبين العالم الغني الغربي القوي، الذي غالبه أيضاً عالم نصراني أو عالم يهودي؛ وبذلك سينظم السوفيت إذا حصل هذا إلى -عالم الأغنياء- إلى عالم الغرب، وأذكر بالتقرير الذي سبق أن تلوته عليكم في درس بعنوان " خلل في التفكير " والذي سطر أن هناك تخوفاً في بعض الدول الغربية، فإنهم كانوا في الماضي يقولون: الروس قادمون! أما الآن فقد عدلوا هذا الشعار وصاروا يقولون: المسلمون قادمون، ويجب أن نتوحد -نحن- مع الروس في مواجهة المد الإسلامي أو المد الأصولي المتعاظم والمتزايد يوماً بعد يوم!

إن الإسلام -أيها الإخوة- على رغم أنه يبدوا لنا أنه ليس له قوه تدعمه وتحميه … إلا أنه في نظر الغربيين الآن قوة هائلة مذهلة، وكأنهم اكتشفوا الإسلام من جديد فأصبحت الدوائر الغربية تعقد الجلسات والمؤتمرات، والمناقشات الطويلة، لمعرفة مدى تأثير الإسلام في المسلمين وكيفية مواجهته، وذلك لأنهم أدركوا أن الإسلام قوة متمكنة.. ليس في العالم الإسلامي فقط، وليس عن طريق بعض الجماعات الإسلامية التي قد يرتضون منهجها أو لا يرتضونه، ويعتبرونها جماعات متطرفة في نظرهم؛ ليس هذا فقط- بل حتى من خلال الأعداد الكبيرة من المسلمين الذين يعيشون في الغرب، وقد يكون كثير منهم من العمال أو غير المثقفين؛ ومع ذلك تجدهم متمسكين بدينهم -إلى حد ما- فحرصهم على تربية أولادهم على هذا الدين، وحرصهم على نشر دينهم في أوساط الآخرين؛ يُعدُّ أمراً مذهلاً في نظر الغرب.

نظام الأمن الجماعي

إن من أبرز الملامح التي سوف يشهدها النظام الدولي الجديد؛ ما يسمى بنظام الأمن الجماعي، وذلك بقيادة الولايات المتحدة فقد صارت ذات دور فعال، حيث أرادت الدول الكبرى لها ذلك؛ فـأمريكا مصممة -مثلاً- على حسم قضايا الصراع الدولي، خاصة تلك القضايا التي يهمها أن تحسم؛ وإلا فمن المعلوم أن أمريكا ذات ميزانين ومكيالين فهي تستطيع أن تتدخل -مثلاً- كما تدخلت في بنما أو غرينادا أو غيرها بدون أن يعترض عليها أحد، أو يحتج عليها أحد؛ لكنها في نفس الوقت تستخدم قوتها وتستخدم وسائلها -ومنها الأمم المتحدة- في منع أي تشابك أو تماس أو اضطراب تعتقد هي أنه ليس في مصلحتها، إنها تخشى من ولادة دول ذات طابع إسلامي، هذا أشد ما يخيف أمريكا.

ولهذا كان من أكثر الأشياء عناية الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي ومنطقة فلسطين وأفغانستان، فهذه المنطقة تعتبر في أولويات الاهتمامات الغربية؛ فأما فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي: فهاهو مؤتمر مدريد قد انعقدت المرحلة الأولى من جلساته، وفي انتظار مراحل تالية، هاهو الآن قد تبلور من خلال جولات طويلة متكررة لوزير الخارجية الأمريكي.

وأما فيما يتعلق بقضية أفغانستان؛ فإني أود أن أشير إليها ولو إشارة عابرة، لأن أمريكا مصممة على حل قضية أفغانستان بحلٍ سلمي، وعلى نـزع البندقية من أيدي المجاهدين.. وبدون شك وبكل تأكيد فإنها سوف تحرص على منع كل صور الدعم للمجاهدين الأفغان، وسوف تحرص على وضع العراقيل والعقبات أمامهم وسوف تفوض بعض الدول الغربية والإسلامية والعربية أيضاً للقيام بهذا الدور ولا تستبعد أن يكون لـإيران -مثلاً- دور كبير في قضية أفغانستان، خاصة مع وجود بعض المنظمات الشيعية التي ليس لها تأثير في الجهاد فتحرص على إبراز هذه المنظمات وعلى وجود حلول سلمية.

وقد انعقد في إيران مؤتمرٌ للقضية الأفغانية وتكلموا عن أحد قادة المجاهدين الذي يتميز بالقوة ويعتبرون أنه يعتبر متشدداً أو أصولياً، ودعوا إلى محاولة اغتياله كما سيروا وفداً إلى موسكو للمفاوضة، وقد صرح مسئول كبير في دولة مجاورة لـأفغانستان بأن المجاهدين الأفغان عليهم أن يوقفوا القتال، وأن يفكروا جدياً في الجلوس على مائدة المفاوضات مع الحكومة الشيوعية العميلة في أفغانستان.

إذاً ضع في اعتبارك أن في قضية أفغانستان هناك مؤامرة دولية لحلها وإنهائها، وسرقة جهود أكثر من اثنتي عشرة سنة بذلها المسلمون، وإهداراً لهذه الدماء الغزيرة التي ضحى بها المسلمون على مدى هذا الزمن الطويل، وإهداراً لهذه الأموال الطائلة التي ذهبت إلى هناك، لماذا؟!

لأن الهدف الذي تريده أمريكا لـأفغانستان هو: أن تتحول إلى دولة علمانية، ولا تقبل -بحال من الأحوال- أن يستولي المجاهدون المسلمون عليها مهما كانت الأحوال، ومهما كان بينهم من التناقضات، ومهما كان فيهم من الضعف؛ بل ومهما كان عندهم من الخطأ لا يمكن أن تقبل بوجود حكومة إسلامية في أفغانستان.

فقضية أفغانستان من القضايا التي ينبغي أن نتوقع ونتتبع ونظن أنها ستكون في طريقها إلى الحل السلمي وسيكون هناك ضغوط كثيرة من دول مجاورة لـأفغانستان وغير مجاورة، وغربية أيضاً لإنهاء هذا الوضع.

فالقضية الأولى في النظام الدولي الجديد -كما يسمونه- بقضية النظام الأمن الجماعي، وتهدئه المناطق الملتهبة والقضاء على مثل تلك الخلافات التي لا تطمئن لها أمريكا أو لا ترتاح إليها، ولا تعتقد أنها مثمرة بالنسبة لمصالحها.

الحد من التسلح العربي والإسلامي

ومن ملامح ذلك النظام: الحد من التسلح وخاصة التسلح العربي والإسلامي، ولذلك جاء الحصار على السلاح لدى المسلمين فقط والمضايقة والضغوط، أما إسرائيل فلا ضير عليها ولا تثريب، فليس سراً أن إسرائيل تمتلك الآن أكثر من مائة قنبلة نووية -وهذا وفقاً لعددٍ من التقارير وبعض التقارير، تقول -إنها أكثر من مائتي قنبلة نووية- وتملك من مراكز الدراسة والتخطيط والإعداد الشيء الكثير وليس هناك أي تحفظ واضح من أمريكا على مثل هذه النشاطات الغريبة في مجال التسلح النووي لدى إسرائيل، وليس سراً أن إسرائيل تملك ثالث سلاح طيران في العالم؛ فهي تحتل المرتبة الثالثة في سلاح الطيران في العالم، ولديها قوة غريبة جداً -وسيأتي ذكر شيءٍ منها بعد قليل، ونجد أن الغرب يساهم في دعم إسرائيل في هذه المجالات، وهناك جهود مشتركة إسرائيلية أمريكية لتطوير عدد من الطائرات، وعدد من الصواريخ ومنها صواريخ مضادة للصواريخ.

الديمقراطية

ومن ملامح النظام الدولي الجديد: الديمقراطية، وذلك أنهم يريدون أن يصوروا هذا النظام على أن الصراع فيه هو صراع بين الديمقراطيات الغنية الشمالية الغربية، وبين الديكتاتوريات الجنوبية الفقيرة.

ومن مظاهر الديمقراطيات بطبيعة الحال: السماح للأحزاب السياسية أن توجد وتمارس حرياتها، وتقدم برامجها في كل مكان -بغض النظر عن أديان هذه الأحزاب ومعتقداتها- وهذا أمرٌ تحمله أمريكا على عاتقها وتحاول أن تفرضه بكل ما تستطيع من قوة على بلاد المسلمين.

ومن ديمقراطيتها: السماح بالاتجاهات الفكرية المختلفة وألا يُضَايَق أحدٌ في فكره؛ فـأمريكا ومَنْ وراءها -حلفاءها في النظام الدولي الجديد- يسعون إلى إعطاء أصحاب الاتجاهات الفكرية المنحرفة كـالعلمانيين والملحدين، وأنواع الفلسفات المادية المنحرفة، إعطائها الحرية لأن تقول وتعبر عن نفسها من خلال الكتاب والمجلة والمقال والمحاضرة والدرس والمناقشة وغير ذلك في أي بلد -من غير تحفظ- وتعتبر هذا جزءاً من حقوق الإنسان في حرية التعبير؛ وينبغي أن يلاحظ أنهم حين يتكلمون عن قضية حرية التعبير وحرية التفكير أيضاً: أنهم قد يدخلون فيها أحياناً الدفاع عن بعض الحقوق الإسلامية؛ فأنت تجد بعض المؤسسات الغربية تدافع عن حقوق المسلمين فتدافع -مثلاً- عن العلماء، وتدافع عن الدعاة تدافع عما تسميهم رجال الدين، لكن هذا كله جزء قليل، بالقياس على العمل الكثير الذي تقوم به هي في الدفاع عن أصحاب الاتجاهات التي توافق الغرب وتلبي مطامحه ومطامعه.

فإننا نجد أن أمريكا والغرب يبارك ضرب التيارات الإسلامية في كل البلاد العربية والإسلامية، ويعتبر هذا عربوناً على قوة تلك الدول وصدقها في ولائها، وقد حصل هذا في مصر، وحصل في سوريا، والجزائر، وتونس، وحصل في العديد من البلاد، لا أقول بصمت من الغرب! بل بتأييد ودعم، وإن الغرب يعتبر هذا هو آية صدق تلك الحكومات في ولائها وإخلاصها وقوتها، كما أن الغرب يسعى من خلال فرض ما يسمى بـالديمقراطية: إلى حرية التدين -يعني: أن يتدين الإنسان بأي دين، الإسلام، أو اليهودية، أو النصرانية، أو اللادينية.

حرية التدين! وهم بطبيعة الحال لا يقبلون بالإسلام ديناً بالمعنى الصحيح! لكنهم قد يتظاهرون فيقبلون بعض العبادات وبعض الأشياء التي لا تضربهم ولا تؤثر على مصالحهم؛ لكنهم يريدون من وراء ذلك إتاحة الفرصة لأي إنسان أن يتنصر أو يلحد، دون أن يكون عليه ضغوط معينة؛ بل إن هناك محاولات لتغيير أنظمة بعض الدول؛ لتسمح لمواطنيها أن يتدينوا بأي دين شاءوا.

الآثار السلبية لهذا النظام

لاشك أن هذا النظام الدولي الجديد له آثار سلبية، لعلي أكتفي بالإشارة -لضيق الوقت- إلى قضية واحدة من آثار هذا النظام الدولي الجديد وهي: قضية الهجرة اليهودية إلى إسرائيل.

فإن سقوط الشيوعية في روسيا، وتفكك الإمبراطورية الروسية؛ أعطى فرصة ذهبية لهجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل. فصاروا يهاجرون بأعداد هائلة إليها، -طبعاً بمباركة من روسيا وبدعم من أمريكا اللتان توافقان على مساعدة إسرائيل مساعدات كبيرة جداً؛ لاستيعاب هؤلاء المهاجرين وفق شروط معينة، مع ذلك لا يزال الغموض والالتباس الذي يهيمن ويدخل في كثير من جوانب هذا النظام؛ لكنني أبرزت بعض ملامحه.

وهناك ملامح اقتصادية أيضاً، تتمثل في النظام الاقتصادي الحر الذي يقوم عليه الغرب (النظام الرأسمالي).

إن من أبرز الملامح التي سوف يشهدها النظام الدولي الجديد؛ ما يسمى بنظام الأمن الجماعي، وذلك بقيادة الولايات المتحدة فقد صارت ذات دور فعال، حيث أرادت الدول الكبرى لها ذلك؛ فـأمريكا مصممة -مثلاً- على حسم قضايا الصراع الدولي، خاصة تلك القضايا التي يهمها أن تحسم؛ وإلا فمن المعلوم أن أمريكا ذات ميزانين ومكيالين فهي تستطيع أن تتدخل -مثلاً- كما تدخلت في بنما أو غرينادا أو غيرها بدون أن يعترض عليها أحد، أو يحتج عليها أحد؛ لكنها في نفس الوقت تستخدم قوتها وتستخدم وسائلها -ومنها الأمم المتحدة- في منع أي تشابك أو تماس أو اضطراب تعتقد هي أنه ليس في مصلحتها، إنها تخشى من ولادة دول ذات طابع إسلامي، هذا أشد ما يخيف أمريكا.

ولهذا كان من أكثر الأشياء عناية الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي ومنطقة فلسطين وأفغانستان، فهذه المنطقة تعتبر في أولويات الاهتمامات الغربية؛ فأما فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي: فهاهو مؤتمر مدريد قد انعقدت المرحلة الأولى من جلساته، وفي انتظار مراحل تالية، هاهو الآن قد تبلور من خلال جولات طويلة متكررة لوزير الخارجية الأمريكي.

وأما فيما يتعلق بقضية أفغانستان؛ فإني أود أن أشير إليها ولو إشارة عابرة، لأن أمريكا مصممة على حل قضية أفغانستان بحلٍ سلمي، وعلى نـزع البندقية من أيدي المجاهدين.. وبدون شك وبكل تأكيد فإنها سوف تحرص على منع كل صور الدعم للمجاهدين الأفغان، وسوف تحرص على وضع العراقيل والعقبات أمامهم وسوف تفوض بعض الدول الغربية والإسلامية والعربية أيضاً للقيام بهذا الدور ولا تستبعد أن يكون لـإيران -مثلاً- دور كبير في قضية أفغانستان، خاصة مع وجود بعض المنظمات الشيعية التي ليس لها تأثير في الجهاد فتحرص على إبراز هذه المنظمات وعلى وجود حلول سلمية.

وقد انعقد في إيران مؤتمرٌ للقضية الأفغانية وتكلموا عن أحد قادة المجاهدين الذي يتميز بالقوة ويعتبرون أنه يعتبر متشدداً أو أصولياً، ودعوا إلى محاولة اغتياله كما سيروا وفداً إلى موسكو للمفاوضة، وقد صرح مسئول كبير في دولة مجاورة لـأفغانستان بأن المجاهدين الأفغان عليهم أن يوقفوا القتال، وأن يفكروا جدياً في الجلوس على مائدة المفاوضات مع الحكومة الشيوعية العميلة في أفغانستان.

إذاً ضع في اعتبارك أن في قضية أفغانستان هناك مؤامرة دولية لحلها وإنهائها، وسرقة جهود أكثر من اثنتي عشرة سنة بذلها المسلمون، وإهداراً لهذه الدماء الغزيرة التي ضحى بها المسلمون على مدى هذا الزمن الطويل، وإهداراً لهذه الأموال الطائلة التي ذهبت إلى هناك، لماذا؟!

لأن الهدف الذي تريده أمريكا لـأفغانستان هو: أن تتحول إلى دولة علمانية، ولا تقبل -بحال من الأحوال- أن يستولي المجاهدون المسلمون عليها مهما كانت الأحوال، ومهما كان بينهم من التناقضات، ومهما كان فيهم من الضعف؛ بل ومهما كان عندهم من الخطأ لا يمكن أن تقبل بوجود حكومة إسلامية في أفغانستان.

فقضية أفغانستان من القضايا التي ينبغي أن نتوقع ونتتبع ونظن أنها ستكون في طريقها إلى الحل السلمي وسيكون هناك ضغوط كثيرة من دول مجاورة لـأفغانستان وغير مجاورة، وغربية أيضاً لإنهاء هذا الوضع.

فالقضية الأولى في النظام الدولي الجديد -كما يسمونه- بقضية النظام الأمن الجماعي، وتهدئه المناطق الملتهبة والقضاء على مثل تلك الخلافات التي لا تطمئن لها أمريكا أو لا ترتاح إليها، ولا تعتقد أنها مثمرة بالنسبة لمصالحها.

ومن ملامح ذلك النظام: الحد من التسلح وخاصة التسلح العربي والإسلامي، ولذلك جاء الحصار على السلاح لدى المسلمين فقط والمضايقة والضغوط، أما إسرائيل فلا ضير عليها ولا تثريب، فليس سراً أن إسرائيل تمتلك الآن أكثر من مائة قنبلة نووية -وهذا وفقاً لعددٍ من التقارير وبعض التقارير، تقول -إنها أكثر من مائتي قنبلة نووية- وتملك من مراكز الدراسة والتخطيط والإعداد الشيء الكثير وليس هناك أي تحفظ واضح من أمريكا على مثل هذه النشاطات الغريبة في مجال التسلح النووي لدى إسرائيل، وليس سراً أن إسرائيل تملك ثالث سلاح طيران في العالم؛ فهي تحتل المرتبة الثالثة في سلاح الطيران في العالم، ولديها قوة غريبة جداً -وسيأتي ذكر شيءٍ منها بعد قليل، ونجد أن الغرب يساهم في دعم إسرائيل في هذه المجالات، وهناك جهود مشتركة إسرائيلية أمريكية لتطوير عدد من الطائرات، وعدد من الصواريخ ومنها صواريخ مضادة للصواريخ.