خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [233]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثالث والثلاثون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني والعشرون من شهر محرم عام (1421هـ).
نفتتح هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير آيات من كتاب الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض...)
(أَلَمْ تَرَ) أي: ألم تعلم؟ والمراد بذلك كل من يتوجه إليه الخطاب، فكل أحد يعلم هذا، إلا من أعمى الله بصيرته، والهمزة هنا للتقرير، وهكذا كلما وجدت همزة الاستفهام داخلة على (لم) فهي للتقرير، مثاله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] المعنى: قد شرحنا لك صدرك أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ [المجادلة:7] المعنى: قد رأيت أن الله.
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ من صغير وكبير، يعلم ذلك قبل وبعد وقوعها عز وجل، فلا يضل الله ولا ينسى سبحانه وتعالى.
واعلم أيها الأخ المسلم! أن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلاً قبل أن يكون، علم متى يكون، وأين يكون، وكيف يكون، ثم كتب في اللوح المحفوظ -وهو لوح عظيم واسع- كتب فيه مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، (لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب. قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، فما كُتب على الإنسان فلا يخطئه، وما لم يكتب عليه لم يصبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف) إذا آمنت بهذا اطمأننت واستقررت ولم تندم على فعل، ولا تحزن على مستقبل؛ لأن الإنسان إذا آمن بالقدر اطمأن، ولا حياة سعيدة إلا بالإيمان بالقدر، لو أن إنساناً سافر وأصابه حادث، وكان مؤمناً تمام الإيمان بالقدر ماذا يصنع؟
نقول: هذا قدر الله، فيرضى ويسلم ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فيطمئن وينشرح صدره، إذا أصيب بمرض يعلم أن هذا مكتوب عليه، ثم إذا ذكر الأجر هان عليه؛ لأن الأمراض والآلام في الدنيا مآلها إلى الزوال، والأجر ثابت، ولهذا قالت بعض النساء العارفات لما أصيبت إصبعها ولم تحزن ولم تتحدث بشيء قيل لها في هذا، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. انظر الإيمان! كتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
ثم هذا الذي يكون أيكون بمشيئة الله أم بغير مشيئة الله؟
الجواب: يكون بمشيئة الله، ما من شيء يحدث إلا بمشيئة الله، هو الذي شاء من قبل وشاءه عند وقوعه، ثم هذا الذي حصل مخلوق لله عز وجل، كل شيء مخلوق لله، حتى حركات الإنسان مخلوقة لله، أفعال الإنسان مخلوقة لله، حركاتي الآن وحركاتكم أنتم مخلوقة لله، كيف هذا؟ لأن هذه الحركة حدثت مني بأمرين: بإرادة وقدرة. لولا أني أردت أن أتحرك ما تحركت، ولو كنت عاجزاً ما تحركت، من خلق هذه الإرادة والقدرة؟ الله عز وجل هو الذي أودع فيك الإرادة وأودع فيك القدرة، فكل شيء مخلوق لله عز وجل، إذا علمت أن الله يعلم ما في السماء والأرض وأن كل شيء مكتوب، أوجب لك ذلك أن تتقي الله في سرك وعلانيتك؛ لأن الله يعلم حتى ما توسوس به نفسك، ما يخفى عليه شيء.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، اخش الله في غيبك وشهادتك؛ لأن الله يعلم ما في قلبك، اللهم أخلص نياتنا وأصلح أعمالنا.
تفسير قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم...)
إذاً.. كيف نُخرِّج قوله: (إلا هو معهم)؟
نخرج هذا: على أن المعية لا تستلزم الحلول والإحالة في المكان، العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا. وأين مكانه؟ في السماء، يقول: ما زلنا نسير وسهيل معنا. وسهيل في السماء، هذا وهي مخلوقات صغيرة في جنب الله عز وجل، ومع ذلك تكون مع الإنسان وهي فوق.
إذاً.. الله معنا وهو فوق كل شيء، لا يخفى عليه شيء من أعمالنا، يجب أن تعتقد هذا الاعتقاد، فإن مت على العقيدة الأولى: إن الله معك في المكان، فلا أدري أتموت كافراً أم مؤمناً؛ لأن هذا تنقص لله تعالى غاية التنقص.
تفسير قوله تعالى: (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة)
فالله سبحانه وتعالى يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويقرره بذنوبه، ثم يقول: (سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) أما الكافر فإنه لا يحاسب هذه المحاسبة ولا ينظر الله إليه، لكن تحصى أعمالهم وتكشف وينادى على رءوس الأشهاد: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] ولهذا لم يقل عز وجل: ثم يعاقبهم بما عملوا، قال: (ينبئهم) والإنباء قد يكون معه عقوبة وقد لا يكون.
تفسير قوله تعالى: (إن الله بكل شيء عليم)
أنت -يا أخي- إذا آمنت أن الله عليم بكل شيء حتى الذي في قلبك لا بد أن تخشى الله.
قال الله عز وجل: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً [النساء:108] فاحذر احذر احذر! أن يعلم الله منك ما يكون مغضباً لله عز جل، واعلم أن لديك رقيب، ما من إنسان إلا لديه رقيب عتيد، رقيب مراقب وعتيد حاضر مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] يكتب كلما يلفظ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ونسألك ألا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وأن تهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
العجيب أن بعض الطوائف انحرفت انحرافاً شديداً في مسألة المعية! بعضهم قال: إن الله معنا حال في الأمكنة! وهذا كما علمت خطير جداً، إذا مات الشخص على هذا الحال فلا ندري أمات كافراً أم مسلماً حتى وإن كان يصلي؛ لأنه تنقص الله عز وجل؟ والعجب أن هؤلاء لو قلت لهم: ادعوا الله، أين يرفعون أيديهم؟ إلى السماء، يقولون: يا الله، لا يحرفونها يميناً ولا يساراً ولا أسفل، إنما إلى السماء، فهم بفطرتهم يقرون بأن الله في السماء ولكن بأهوائهم لا يقرون بهذا، حجتهم يقولون: لو كان فوق لكان محدوداً ولكان جسماً، وما أشبه ذلك من إلهامات الشيطان، فنقول: لا. لا يكون محدوداً، هو فوق وليس شيء يحده، فوق كل شيء، كل شيء تحته، ولا شيء يحده، يقولون: يلزم أن يكون جسماً. نقول: إن كان يلزم من إثبات ما أثبته الله جسماً فليكن، وإذا لزم أن يكون جسماً وهو مما يستلزمه كلام الله ورسوله فليكن، ولكننا نطهر ألسنتنا أن نقول: إنه جسم أو غير جسم، مالنا حق أن نتكلم بهذا، نؤمن بما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله، ولا نقدر جسم غير جسم .. عرض! ليس لنا حق؛ لأن الله تعالى بذاته يفارق كل ذات، فهو ليس من جنس المخلوقات في أي حال من الأحوال، قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
فوصيتي لمن يسمعني: أن يثبت لله ما أثبته لنفسه، ولا يقول: كيف ولا لم؟ لأن الله أعظم مما تحيط به العقول، وأن ينفي ما نفاه الله عن نفسه، وأن يسكت عما سكت الله عنه ورسوله، هذه حقيقة الإيمان، أما الذي يحكم على الله بعقله فهذا ضال متبع لهواه، لا ينفعه إيمانه.
وعكس هذا طائفة أخرى ضالة تقول: لا تقل: إن الله فوق ولا تحت، ولا هو يمين ولا شمال، ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم، أين يذهب؟ ما في شيء! إذا وصفنا الله بهذه الأوصاف السلبية يعني: أن الله لم يكن شيئاً، ولهذا قال محمود بن سبكتكين رحمه الله وهو من أمراء الدولة العباسية العظماء، سأل أحد أئمة الكلام وهو أبو بكر ابن فورك سأله عن الله عز وجل.. فقال: إنه ليس فوق ولا أسفل، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل. فقال له محمود: فرِّق لي بين العدم وبين ما تقول؟ هل صحيح أم غير صحيح؟ صحيح، إذا كان هكذا معناه معدوم، فرِّق لي بين إلهك الذي تدعيه وبين العدم؟ فبهت الذي كفر -عجز على أن يتكلم- فانظر إلى انحرافين باطلين:
الأول: الانحراف الحلولي.
والثاني: الانحراف السلبي.
أما السلف والأئمة فقالوا: نؤمن بأن الله فوق كل شيء، وحاشاه أن يكون في الأسفل، ولكنه مع الخلق محيط بهم عالم سميع بصير .. إلخ.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وإلى هنا ينتهي التفسير.
قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7].
(أَلَمْ تَرَ) أي: ألم تعلم؟ والمراد بذلك كل من يتوجه إليه الخطاب، فكل أحد يعلم هذا، إلا من أعمى الله بصيرته، والهمزة هنا للتقرير، وهكذا كلما وجدت همزة الاستفهام داخلة على (لم) فهي للتقرير، مثاله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] المعنى: قد شرحنا لك صدرك أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ [المجادلة:7] المعنى: قد رأيت أن الله.
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ من صغير وكبير، يعلم ذلك قبل وبعد وقوعها عز وجل، فلا يضل الله ولا ينسى سبحانه وتعالى.
واعلم أيها الأخ المسلم! أن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلاً قبل أن يكون، علم متى يكون، وأين يكون، وكيف يكون، ثم كتب في اللوح المحفوظ -وهو لوح عظيم واسع- كتب فيه مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، (لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب. قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، فما كُتب على الإنسان فلا يخطئه، وما لم يكتب عليه لم يصبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف) إذا آمنت بهذا اطمأننت واستقررت ولم تندم على فعل، ولا تحزن على مستقبل؛ لأن الإنسان إذا آمن بالقدر اطمأن، ولا حياة سعيدة إلا بالإيمان بالقدر، لو أن إنساناً سافر وأصابه حادث، وكان مؤمناً تمام الإيمان بالقدر ماذا يصنع؟
نقول: هذا قدر الله، فيرضى ويسلم ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فيطمئن وينشرح صدره، إذا أصيب بمرض يعلم أن هذا مكتوب عليه، ثم إذا ذكر الأجر هان عليه؛ لأن الأمراض والآلام في الدنيا مآلها إلى الزوال، والأجر ثابت، ولهذا قالت بعض النساء العارفات لما أصيبت إصبعها ولم تحزن ولم تتحدث بشيء قيل لها في هذا، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. انظر الإيمان! كتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
ثم هذا الذي يكون أيكون بمشيئة الله أم بغير مشيئة الله؟
الجواب: يكون بمشيئة الله، ما من شيء يحدث إلا بمشيئة الله، هو الذي شاء من قبل وشاءه عند وقوعه، ثم هذا الذي حصل مخلوق لله عز وجل، كل شيء مخلوق لله، حتى حركات الإنسان مخلوقة لله، أفعال الإنسان مخلوقة لله، حركاتي الآن وحركاتكم أنتم مخلوقة لله، كيف هذا؟ لأن هذه الحركة حدثت مني بأمرين: بإرادة وقدرة. لولا أني أردت أن أتحرك ما تحركت، ولو كنت عاجزاً ما تحركت، من خلق هذه الإرادة والقدرة؟ الله عز وجل هو الذي أودع فيك الإرادة وأودع فيك القدرة، فكل شيء مخلوق لله عز وجل، إذا علمت أن الله يعلم ما في السماء والأرض وأن كل شيء مكتوب، أوجب لك ذلك أن تتقي الله في سرك وعلانيتك؛ لأن الله يعلم حتى ما توسوس به نفسك، ما يخفى عليه شيء.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، اخش الله في غيبك وشهادتك؛ لأن الله يعلم ما في قلبك، اللهم أخلص نياتنا وأصلح أعمالنا.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3033 استماع |