من مغاني الأزهار
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
إلى (ذات الغدائر الذهبية)
لشاعر العاطفة والوجدان جان ريشبان
للأستاذ عبد العزيز العجيزي
ليلاي! هيا نجول في روض الأحلام، ونطوف
بفردوس الأوهام. هيا ننعم بما يداني قطوف فتنتك وجلالك، وأفاويق سحرك ودلالك. هيا نسبح في أجواء الخيال، ونرفرف في فضاء الآمال، ونسمو إلى عالم الجمال.
واهاً لها من أحلام مغرية! وواهاً لها من أحلام خادعة! هيا نرنو إلى الأشجار الوارفة، والأطيار الصادحة، والمياه الساجية تحت قبة السماء الزاهية تأملي يا حبيبتي! فالشمس بازغة من مخدعها بزوغ الحسناء من خدر عشيقها، شاحبة المحيا، حسيرة الطرف، كسيرة الجناح، في موكب الصباح النضير، وجماله الساذج الغرير، ناثرة في الأفق طاقات الزهور العسجدية، والورود القرمزية، بينما الدجى يسحب غدائره السوداء. زنبقات الفجر! تلك الزنابق البيض تنثر لؤلؤاً وضاء، فتوجي جبينك بهذا الإكليل اللألاء، ليشدو الفجر الفريد، شدو البلابل بالنشيد، فتتفتح حينذاك أوراق الأزهار وتنفض عن أجفانها غلالة النعاس، كما تنفض العيون ع أهدابها كحل الكرى عند انبلاج الصباح الوليد ويترنم سيل الجدول المنساب، حاملاً إليك بين ثناياه المترقرقة جواهر ماسية صافية، ومن صفحته اللألاءة مرآة بلورية زاهية.
وتندفع أحجار الحصى كثمار الجوز المنزلقة على الصراط الضيق، وتفوح أشجار الصندل بالعرف الشذي، والطيب الندي. وتسلب الريح الهائمة أنغام القبل الراقصة على شفتيك، وتنهب الأغاني الشادية على لماك، فتجعل الأشواق المتأججة، والأماني الهائجة، ورعدة الصبوة الجامحة، تهيم في الآفاق، وترقد في منازل الأفلاك، حالمة بسحر لحظك الفتاك! ليلاي! كل شيء يزهر تحت قدميك، وينضر بين يديك؛ فيشرق جماله لعينيك، ويضوع نسمه من عبير ثناياك، في روض السحر والفتنة، وأيك الجمال والروعة.
وينمو العشب وينبت الكلأ حيث تتباين الورود وتتنوع الأزهار.
لحظة يا حبيبتي من لحظات عمري أرشف فيها الهوى صرفاً، وانتشى بالحب خمراً. كل شيء يمتزج في ربيع هوانا بسحر الجمال، ويثمل برحيق الوصال؛ فيعانق شذى الوجود، وخمر الطبيعة، وفيض النور، وصدحات القبلات الساجعات، كشدو ناي مترنم في مجامع الأزهار؛ هذه القبل هي قربان هيامنا القدسي، وزلفى غرامنا السرمدي. ليلاي! ها نحن أولاء غرقى في ثبج هذا الحشد الزاهر؛ فكيف النجاة من عبابه الزاخر؟ عبثاً تحاولين الفرار! فالأزهار تحنو منطوية عليك لشوقها إليك، والرياحين ترنو مطلة إليك لتلهفها عليك. بينما تبعث الزكى من روحها والشذى من ريحانها، لتنهلها الريح بعبيرها ورياها، وتلتهمها بمتعها وجناها؛ كالسلوقي يعدو مسرعاً ويطوي الأرض لاهثاً ليروي ظمأه، ويمسك رمقه! فاطو العمر أيها الزهر المخضب، ومت بفتنتك بين الرياض وجداً وهوى! فقد كتب الموت على الأزهار التي تذوب صبابة وهياماً، لتنفث زفراتها أريجاً وعبيراً لمن جافاه نعيم الصبا ولم يهتد لضوء الهوى. ليلى؛ أواه! حسبنا أن نموت كهذه الأزهار الولهة، لنريق دماء صبوتنا عطراً متيماً، فتسكر الريح بخمر قبلاتنا، وتبوح الأزهار بسر غرامنا! أجل يا حبيبتي! هذا هو الحب العاطر ينشر أريجه ف الأودية والحقول، ويلهم وحيه الصادق الإفهام والعقول، ويرويه للكون في آيتيه الليل والنهار، هوى عذريا، وحباً قدسياً، فيؤمن بالحب بعد جحوده، ويصحو على صوت مؤذنه بعد هموده هنالك، يوحي إلهامه، ويهمس تراتيله في أذن الطبيعة الصماء، فتشدو الريح في يوم عرسنا مرتلة أناشيد غرامنا، وترقص أغاني العمر على الشفاه، مغردة أغاريد الهوى على الثغور، شادية ألحان القبل، ساجعة أنغام الغزل. (المنصورة) عبد العزيز العجيزي