أرشيف المقالات

الغارة على الفطرة - بنداود رضواني

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
 بنداود رضواني.

منذ الوهلة الأولى للرسالة المحمدية والخصومة للإسلام قائمة، ومعاداة المناوئين للمؤمنين بها دائبة إلى اليوم دون كلل أو ملل...
و ذاك أمر بدهي غير مستحدث ولا مبتدع، فما لقيه سيد الرسالة وحامل لوائها الأول من الصدود والأذية إلا شاهد على ذلك، ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: " «سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حِجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟» ".
و تتعاور الوقائع التاريخية، فترة تلو فترة، وعصرا بعد آخر...، لترفع الستار عن الكثير من بواعث العداء ودوافع الكراهية للإسلام، تظل أبرزها كامنة في مخاوف هؤلاء المناوئين على مصالحهم الدينية، وفي التشريعات التي تهدد أطماعهم وامتيازاتهم الدنيوية..
إلى هنا قد تبدو دوافع عداء هؤلاء للإسلام ومُبرَّراتهم
واضحة إلى حد ما....!!!
لكن ما الدافع حتى يصير الإنسان خَصيما لنفسه، عدوا شرسا لكيانه وذاته...؟
و هل من مبرر لهذه الحرب التي يستهدف بها الإنسان إنسانيته؟
و أية ذريعة يمكن أن تسوغ الغارة المستمرة على فطرة الإنسان وصبغته التي جبل عليها أول مرة....؟؟؟!!.
لقد وقفت طوائف شتى وملل تترى في ساحة الحياة سداً بين الإنسان وفطرته، بين ابن آدم وأصله الأول، ففي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله: ‏‏‏"‏ إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم « ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا‏» "‏‏، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» " (متفق عليه).
و حتى اللحظة، لا زال هؤلاء الخُصَماءُ يكَابدون المزيد من المشاق والعنت في سبيل صياغة الشخصية الآدمية وفق معادلة بائسة تتأسس على قاعدة قَرْن الشهوات بالشبهات لتساوي - في نظرهم - حياة مليئة بالسعادة والمسرات....!!!

والحق أن الركض خلف هذه المعادلة لم يفرز إلا أناسا قد كُبْكِبُوا في مستنقع من الكفر بالله والجحود بآياته وإنكار يوم المعاد إليه...
وتبقى أوضح الميزات الفطرية لدى الإنسان هو الإحساس بأن لهذه المصنوعات صانعا واحدا، ولهذه الوجودات موجدا واحدا، وأن هذا الكون متعلق بقدرةٍ غيبية واحدة، إليها يعود الوجود كله، ويرجع إليها الأمر كله.
هذه المشاعر هي التي تستفز الفطرة عند الشدائد والنوائب، فتدفع صاحبها الى الإستنجاد بخالق الأرض والسماء، وتدفعه للإرتداد عن غيره من الآلهة والأنداد، قال جل جلاله ( {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}  )، [العنكبوت/65] .

فلو خَلَّى المرء الأمر بين الفطرة وفاطرها، وتركها على صفائها وصبغتها الأصلية، وأخبى نار الحروب الموقدة لأجلها، ثم جعل كبريائه وراءه ظهريا، لاكتشف المشاعر الدينية المركوزة في فطرته..
و لا نبالغ بالقول: إن الفطرة هي الحصن الأول أمام كل مخططات التشكيك والإلحاد.
الفطرة هي منبع البحث في الأدلة والبراهين الإيمانية ومنطلقه، وأصل الأسئلة المصيرية وبدايتها، من أين جئت؟ ولماذا خلقت؟ وإلى أين المصير؟
وأما العقل فإنما يبرهن ويستدل عليها بإيعاز من الفطرة ووحي منها...
يقول جل جلاله ( { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } ) [الروم/30]

شارك الخبر

المرئيات-١