لقاء الباب المفتوح [230]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان

إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء المتمم للثلاثين بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو أول يوم من شهر محرم عام 1421هـ أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله عام خير وبركة ونصر وعز للإسلام والمسلمين.

نتكلم في هذه المناسبة على مرور الزمان والأيام، مرور الزمان والأيام كما تعلمون لحظات ودقائق، وساعات وأيام، وشهور وسنوات، كلها تمر وكأنها ساعة من النهار، لو سألت نفسك: كم سنة مرت عليك .. كم شهراً .. كم يوماً .. كم ساعة .. كم دقيقة .. كم لحظة؟ لوجدتها وإن طالت كأنها ساعة، قال الله عز وجل: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [الأحقاف:35].

وعلينا أن نعتبر المستقبل بالماضي، فسيمر المستقبل إن طالت بنا الحياة، سيمر كأنه ساعة، وهذا يجعل المسلم بل المؤمن الحازم في أتم الاستعداد ليوم المعاد، بحيث لا تمضي عليه ساعة إلا وقد عمرها بطاعة الله، إن كان يريد العمر الحقيقي، لأن عمر الإنسان حقيقة هو ما أمضاه في طاعة الله، وما بقي فهو خسارة عليه، إما عذاب وإما سلامة، وما أقل السلامة.

تأمل في الدنيا كلها تجد أنها إقبال وإدبار، ففي اليوم يطلع الفجر منيراً للأفق ثم يزداد إنارة وقوة، ثم يتراجع إلى النقص والاضمحلال بالكلية، تجد القمر أول ما يبدو هلالاً صغيراً كالعرجون القديم ثم يتزايد نوراً حتى يتم ثم يتراجع إلى النقص، هكذا عمر الإنسان يبدو الإنسان مستقبلاً الحياة بنشاط وحزم ثم يعود فيضعف ثم يزول. قال الله عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54].

أوصيكم -أيها الإخوة- بالمبادرة واغتنام الأوقات، وكثرة التوبة والاستغفار كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس! استغفروا الله وتوبوا إليه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) هذا وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي أخبر الله أنه فتح له فتحاً مبيناً ليغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أكثروا من الذكر، أكثروا من التسبيح والتحميد، وهذا لا يضر، لأنه عمل لسان، وعمل اللسان ليس فيه تعب.

أكثروا من العمل الصالح ما استطعتم، أحسنوا الخلق مع الله عز وجل ومع العباد، ابذلوا ما تستطيعون من الخير والنفع، فإن ذلك من أسباب انشراح الصدر واطمئنان القلب.

وفكر في نفسك ماذا عملت في هذا اليوم؟ إن وجدت نفسك عملت خيراً فاحمد الله، فإنه بتوفيق الله، ولولا توفيق الله لك ما عملت، وإن عملت سوى ذلك فتدارك تدارك بالتوبة، فإن التوبة تهدم ما قبلها، وما أسرع ما نقول: دخل العام ثم خرج. فالعام الذي مضى كأنه ساعة من نهار، وهكذا ما يستقبل، ولا سيما في آخر الدنيا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر: أنه يتقارب الزمان، بينما أنت في أول أسبوع وإذا الجمعة، وفي أول الشهر وإذا الهلال، وفي أول السنة وإذا الهلال، بسرعة فائقة، وهذا مصداق الحديث: (ويتقارب الزمان) وليس المعنى كما ظنه بعض أهل العلم: اتساع البلدان حتى يقرب بعضها من بعض، وتكون المسافة التي بين البلدتين يومين بعد أن كانت أربعة أيام، وليس كذلك أيضاً سرعة الاتصالات أو المواصلات بل أهم شيء أن الله سبحانه وتعالى يجعل الزمن بعضه قريبٌ من بعض، وهذا هو الواقع.

اللهم ارزقنا اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله...)

نعود إلى الدرس في التفسير يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا المراد بهم هذه الأمة. فيكون قوله: اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يعني: اثبتوا على الإيمان لا جددوا الإيمان، لأن الإيمان قد حصل حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فيكون المعنى: يا أيها الذين آمنوا بقلوبكم! اتقوا الله بجوارحكم! وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ أي: حققوا الإيمان واثبتوا عليه، وليس كل من آمن يكون مؤمناً حقاً، وهذا هو ما يعنيه العلماء بقولهم: هذا نفي كمال الإيمان، مثل قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ليس المراد نفي مطلق الإيمان بل نفي الإيمان الكامل.

وقد زعم بعض المفسرين: أن هذه الآية في أهل الكتاب، لأنه قال: وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ولكن هذا قول ضعيف جداً، ولا يمكن أن ينادي الله عز وجل أهل الكتاب وهم كفرة بوصف الإيمان أبداً، يعني: لا يمكن أن يكون المراد بقوله: يا أيها الذين آمنوا، لا يمكن أن يكون اليهود والنصارى، لأنهم حين نزول القرآن إذا بقوا على يهوديتهم ونصرانيتهم فليسوا مؤمنين.

اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ والمراد برسوله هنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتضمن الإيمان بجميع الرسل، كما قال عز وجل: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285] يعني في الإيمان به لا في الاتباع، في الاتباع نفرق بين الرسل، من نتبع منهم؟ محمد صلى الله عليه وسلم لكن الإيمان كلهم على حد سواء، نؤمن بأنهم رسل الله حقاً.

تفسير قوله تعالى: (يؤتكم كفلين من رحمته)

قال تعالى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28] أي: نصيبين من رحمة الله، ولهذا مثل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الأمة بالنسبة لما قبلها كرجل استأجر أجراء، منهم طائفة من أول النهار إلى نصف النهار، وطائفة من نصف النهار إلى العصر، وطائفة من العصر إلى غروب الشمس، فالطائفة الأولى أعطى كل واحد منهما ديناراً، والثانية أعطى كل واحد ديناراً، والثالثة أعطى كل واحد دينارين، فاحتج الأولون: لماذا تعطي هؤلاء دينارين وهم أقل منا عملاً؟ فأجابهم بقوله: هل نقصتكم من أجركم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء -الحمد لله- فهذه الأمة لها مثل أجر الأمم السابقة مرتين.

تفسير قوله تعالى: (ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم...)

قال تعالى: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ [الحديد:28] يعني: أنكم إذا آمنتم وحققتم الإيمان مع التقوى يثيبكم ثوابين ويجعل لكم نوراً تمشون به، أي: علماً تسيرون به إلى الله عز وجل على بصيرة، وفي هذا دليل على أن التقوى من أسباب حصول العلم، وما أكثر الذين ينشدون العلم، ينشدون الحفظ يعني يطلبونه، يطلبون الفهم، فنقول: إن تحصيله يسير وذلك بتقوى الله عز وجل وتحقيق الإيمان الذي هو موجَب العلم، اعمل بما علمت يحصل لك ما لم تعلم، فتقوى الله عز وجل من أسباب زيادة العلم ولا شك، ولهذا قال: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ أي: تسيرون به -أي: بسببه- سيراً صحيحاً يوصلكم إلى الله عز وجل.

وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم أي: يسترها عليكم ويعفو عنكم، فلا عقاب ولا فضيحة وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: ذو مغفرة ورحمة، كما قال الله عز وجل: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ [الرعد:6] وقال عز وجل: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف:58] فالغفور أي: ذو المغفرة، والرحيم أي: ذو الرحمة، وذلك أن الإنسان محتاج إلى مغفرة لذنوب وقعت منه وإلى رحمة تسدده ويتجنب بها المعاصي ويهتدي للتوبة إن عصى.

تفسير قوله تعالى: (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله...)

ثم قال: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الحديد:29] أي: جعل لكم هذا الثواب ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، وأنهم لا يستطيعون أن يحسدوكم على ما آتاكم الله من فضله مع محاولتهم الشديدة أن يحسدوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109].

فيقول عز وجل هنا: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ لا إعطاءً ولا منعاً، وأن الفضل بيد الله هو المدبر لكل ما يريد على حسب ما تقتضيه حكمته وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:29] أي: صاحب الفضل العظيم، وما أعظم فضل الله عز وجل على عباده فقد قال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:53].

نسأل الله تعالى أن يؤتينا وإياكم من فضله، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نعود إلى الدرس في التفسير يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا المراد بهم هذه الأمة. فيكون قوله: اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يعني: اثبتوا على الإيمان لا جددوا الإيمان، لأن الإيمان قد حصل حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فيكون المعنى: يا أيها الذين آمنوا بقلوبكم! اتقوا الله بجوارحكم! وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ أي: حققوا الإيمان واثبتوا عليه، وليس كل من آمن يكون مؤمناً حقاً، وهذا هو ما يعنيه العلماء بقولهم: هذا نفي كمال الإيمان، مثل قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ليس المراد نفي مطلق الإيمان بل نفي الإيمان الكامل.

وقد زعم بعض المفسرين: أن هذه الآية في أهل الكتاب، لأنه قال: وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ولكن هذا قول ضعيف جداً، ولا يمكن أن ينادي الله عز وجل أهل الكتاب وهم كفرة بوصف الإيمان أبداً، يعني: لا يمكن أن يكون المراد بقوله: يا أيها الذين آمنوا، لا يمكن أن يكون اليهود والنصارى، لأنهم حين نزول القرآن إذا بقوا على يهوديتهم ونصرانيتهم فليسوا مؤمنين.

اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ والمراد برسوله هنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتضمن الإيمان بجميع الرسل، كما قال عز وجل: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285] يعني في الإيمان به لا في الاتباع، في الاتباع نفرق بين الرسل، من نتبع منهم؟ محمد صلى الله عليه وسلم لكن الإيمان كلهم على حد سواء، نؤمن بأنهم رسل الله حقاً.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3395 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3350 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3315 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3293 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3275 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3259 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3116 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3090 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3037 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3033 استماع