لقاء الباب المفتوح [217]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

فهذا هو اللقاء السابع عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس وهذا الخميس هو الخامس من شهر رجب عام (1420هـ).

نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ اللقاءات به وهو الكلام اليسير في تفسير القرآن الكريم.

تفسير قوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم ...)

قال الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد:16] أي: ألم يحق لهؤلاء المؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تذل وتنقاد غاية الانقياد لذكر الله تعالى في القلوب واللسان والجوارح.

وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ أي: القرآن الكريم وهو من ذكر الله لكنه ذكره بخصوصه لأهميته.

وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] (الذين أوتوا الكتاب من قبل) هم اليهود والنصارى فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ أي: طال بهم الزمن ونسوا حظاً مما ذكروا به فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ والعياذ بالله وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ وبعضهم مستقيمون.

ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تبارك وتعالى أنه قد حق للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولكتاب الله، وأن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم؛ لبعدهم عن زمن الرسالات، وفي هذا إشارة إلى أن أول الأمة خيرٌ من آخرها، وأخشع قلوباً؛ وذلك لقربهم من عهد الرسالة، وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).

وفي هذا التنديد التام باليهود والنصارى؛ لأنهم قست قلوبهم لما طال عليهم الأمد، وفيه العدالة التامة في حكم الله عز وجل، حيث قال: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]، ولم يعمم، وهذا هو الواجب على من تحدث عن قومه أن يبين الواقع، لأن بعض الناس إذا رأى من قوم زيغاً في بعضهم، عمم الحكم على الجميع والواجب العدل، إن كان الأكثر هم الفاسقون قال: أكثرهم، وإن كان كثير منهم فاسقون دون الأكثر عبر بكثير، على حسب ما يقتضيه الحال، لأن الواجب أن يقول الإنسان بالعدل ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين.

تفسير قوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم)

ثم قال عز وجل: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد:21] أمر بالمسابقة، وقد جاء الأمر في آية أخرى بالمسارعة فيجمع الإنسان بين المسابقة: وهي شدة العدو في حال السير، وبين المسارعة: وهي المبادرة إلى فعل الخير.

إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وذلك بفعل أسباب المغفرة.

ومن أسباب المغفرة: أن تسأل الله المغفرة، فتقول: اللهم اغفر لي، أو تقول: أستغفر الله وأتوب إليه.

ومن أسباب المغفرة: فعل ما تكون به المغفرة، كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنب) وكقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في (من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه). وكقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) والأمثلة على هذا كثيرة، المهم أن المسابقة إلى المغفرة أي: ما تحصل به المغفرة من طلب المغفرة مباشرة، كقولك: اللهم اغفر لي، أو فعل ما تحصل به المغفرة، مثل: صيام رمضان إيماناً واحتساباً، والصدقة أيضاً تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.

تفسير قوله تعالى: (وجنة)

قال تعالى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا [الحديد:21] الجنة: هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها فاكهة ونخل رمان وفرش وعسل ولبن وغير ذلك، لكن هل تظن أن ما فيها يشابه ما في الدنيا؟

الجواب: لا، لا تظن هذا، لأن الله يقول: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط، فهناك فاكهة اسمها الرمان لكنها تختلف عن رمان الدنيا، وهناك فرش لكنها تختلف عن فرش الدنيا، وهلم جراً. فانتبه لهذا ولا تظن أن ما ذكر في الجنة من الأسماء توافق مسمياته ما في الدنيا، فهذا لا يمكن لما سمعت من الآية: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] وفي الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

تفسير قوله تعالى:(عرضها كعرض السماء والأرض)

قال تعالى: كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد:21] وفي سورة آل عمران: عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران:133] ولا منافاة؛ لأن الأول عرضها كعرض السماء تشبيه، والثاني: عرضها السماوات والأرض أيضاً تشبيه؛ لكن يسميه أهل البلاغة تشبيهاً بليغاً.

كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ من يستطيع أن يقدر عرض السماء والأرض؟ لا أحد يستطيع، السماوات بسعتها، فالسماء الدنيا واسعة جداً، كم بينها وبين الأرض من المسافة؟ وهي محيطة بها، والسماء الثانية فوقها وهي أوسع منها، والثالثة أوسع.. وهلم جراً، إلى أن تصل إلى الكرسي، والكرسي يقول عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (ما السماوات السبع، والأرضين السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض) حلقة المغفر ليست هي حلقة الباب الكبيرة، إنما هي حلقة المغفر، وهي صغيرة، أقصد حلقة الدرع صغيرة جداً، ألقها في فلاة من الأرض ماذا تكون بالنسبة للفلاة؟ لا شيء.

وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة) فمن يستطيع أن يدرك عرض السماوات والأرض؟

لا أحد يستطيع، الجنة عرضها كعرض السماء والأرض، ولذلك كان أقل أهل الجنة منـزلة: من ينظر إلى ملكه مسافة ألفين سنة، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، وإنما ذكر الله تعالى أن عرضها عرض السماوات والأرض؛ من أجل أن نحرص على ملء هذه الأرض -أرض الجنة- وفي الحديث أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فاحرص يا أخي على أن تملأ ما تستحقه من هذه الجنة بذكر الله، وتلاوة كتابه، وغير ذلك مما يقرب إلى الله.

لمن هذه الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض؟

تفسير قوله تعالى: (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله)

قال الله عز وجل: أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [الحديد:21] أعدت من أعدها؟ أعدها الله عز وجل، كما قال عز وجل: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:89] ومعنى الإعداد: التهيئة للشيء.

لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ آمنوا بالله وكل ما أوجب الله الإيمان به، فالإيمان إذاً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

وقوله: وَرُسُلِهِ يشمل جميع الرسل الذين أولهم نوح وآخرهم محمد، لكن إيماننا بالرسل يختلف عن إيماننا بمحمد عليه الصلاة والسلام، فإيماننا بالرسل أن نؤمن بأنهم صادقون، ومبلغون عن الله، ونؤمن بكل ما صح من أخبارهم، أما اتباعهم فلا، فالاتباع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقط، فهم يشتركون مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نؤمن بأنهم صادقون، وأن كل ما أخبروا به صدق، وأن كل ما جاءوا به فهو عدل، ومناسب لأحوال أممهم في وقتهم، أما الاتباع فلا نتبع إلا واحداً منهم، وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم..

وقوله: آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ يدل على أن أهل الكتاب اليهود والنصارى ليسوا من أهل الجنة؛ لأنهم لم يؤمنوا برسل الله، والدليل: أنهم كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، والكافر برسول من الرسل كافر بالجميع، كيف وقد جاء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنسخ جميع الشرائع السابقة، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105] هل سبق نوحاً أحد من الرسل؟ كيف يقول: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105] الجواب؟ لأن من كذب رسولاً من الرسل فقد كذب جميع الرسل، فكيف بمن كذب محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي نسخت شريعته جميع الشرائع، والذي قال الله فيه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] أخذ الميثاق من النبيين كلهم وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا [آل عمران:81] من هذا الرسول؟ إنه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الرسل كلهم لابد أن يؤمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا في ليلة الإسراء من كان الإمام؟ كان إمامهم في صلاتهم هو محمد صلى الله عليه وسلم.

إذاً.. اليهود والنصارى ليسوا من أهل الجنة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنهم لم يؤمنوا برسله؛ كفروا بمحمد، بل كفروا برسلهم أيضاً؛ لقوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105].

ولأن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، بشرهم بمحمد، قال الله عز وجل: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] فلما جاءهم هذا الرسول الذي بشر به عيسى قالوا: هذا سحر مبين وكفروا به.

إذاً.. هم كفروا بعيسى وردوا بشارته، وأنكروها، ولا يجوز لنا أبداً أن نقول: إن أديان اليهود والنصارى اليوم أديان صحيحة أبداً، بل هي أديان باطلة غير مقبولة عند الله، كما قال عز وجل: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

تفسير قوله تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)

قال الله عز وجل: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [الحديد:21] (ذلك) -أي: ما أعد الله لهؤلاء المؤمنين بالله ورسله- (فضل الله) في أنهم آمنوا بالله، آمنوا برسله، اتبعوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أثيبوا بهذه الجنات فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ اللهم آتنا من فضلك.

قوله: (يؤتيه من يشاء) هل تظنون أن هذه المشيئة مجرد مشيئة؟ لا. هي مشيئة مقترنة بالحكمة، يعني: من كان أهلاً للفضل آتاه الله الفضل، ومن لم يكن أهلاً له لم يؤته، والدليل قول الله تبارك وتعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124] فلم يجعل رسالته إلا فيمن هو أهل له، وقال الله عز وجل: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] وقال عز وجل: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [المائدة:49] لا تظن أن الله يعطي الفضل من شاء دون سبب، بل لا بد من سبب، فمتى علم الله في قلب الإنسان خيراً -اللهم اجعل قلوبنا ممتلئة بالخير- آتاه الله الخير، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال:70] أصلح قلبك فيما بينك وبين الله تجد الخير كله.

تفسير قوله تعالى: (والله ذو الفضل العظيم)

قال تعالى: وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] أي: صاحب الفضل العظيم عز وجل، فلا أحد أعظم منة من الله تعالى، فإنه أوجدك من العدم، وأعدك وأمدك بالنعم، ويسر لك الهدى، وهداك له، هل هناك أحد أعظم من الله؟ لا أحد، ولهذا قال الله عز وجل: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ [الحجرات:17] ولما جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأنصار في غزوة حنين حين قسم الغنائم بين المؤلفة قلوبهم كان يقرر عليهم ويقول لهم: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟! قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ألم أجدكم متفرقين فألفكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أمن) كلما قال قولاً قالوا: الله ورسوله أمن. يعني أعظم منا.

فالحاصل أن الله تعالى ذو الفضل العظيم، ولكنه يعطي فضله من هو مستحق له، كما قال عز وجل: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود:3] اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم أن تهدي قلوبنا، وتصلح أعمالنا، وتختم لنا بخير إنك على كل شيء قدير.

قال الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد:16] أي: ألم يحق لهؤلاء المؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تذل وتنقاد غاية الانقياد لذكر الله تعالى في القلوب واللسان والجوارح.

وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ أي: القرآن الكريم وهو من ذكر الله لكنه ذكره بخصوصه لأهميته.

وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] (الذين أوتوا الكتاب من قبل) هم اليهود والنصارى فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ أي: طال بهم الزمن ونسوا حظاً مما ذكروا به فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ والعياذ بالله وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ وبعضهم مستقيمون.

ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تبارك وتعالى أنه قد حق للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولكتاب الله، وأن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم؛ لبعدهم عن زمن الرسالات، وفي هذا إشارة إلى أن أول الأمة خيرٌ من آخرها، وأخشع قلوباً؛ وذلك لقربهم من عهد الرسالة، وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).

وفي هذا التنديد التام باليهود والنصارى؛ لأنهم قست قلوبهم لما طال عليهم الأمد، وفيه العدالة التامة في حكم الله عز وجل، حيث قال: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]، ولم يعمم، وهذا هو الواجب على من تحدث عن قومه أن يبين الواقع، لأن بعض الناس إذا رأى من قوم زيغاً في بعضهم، عمم الحكم على الجميع والواجب العدل، إن كان الأكثر هم الفاسقون قال: أكثرهم، وإن كان كثير منهم فاسقون دون الأكثر عبر بكثير، على حسب ما يقتضيه الحال، لأن الواجب أن يقول الإنسان بالعدل ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3395 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3352 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3317 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3297 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3281 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3118 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3092 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3039 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3034 استماع