تفسير سورة الزخرف [2-4]


الحلقة مفرغة

الله تعالى يقسم بالكتاب المبين

وقوله تعالى: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الزخرف:2].

الواو واو القسم، فيقسم ربنا جل جلاله بكتابه الكريم، القرآن العظيم، الذي يزيد في معناه، الظاهر في أحكامه، الواضح في العطاء، الجميل في قصصه، الظاهر في أحكامه وآياته وأخلاقه.

هذا الكتاب الكريم أقسم الله به، فالله يقسم بما شاء كما شاء، ولكنه إذا أقسم بشيء فهو يدل على عظمته ومكانته.

أما المقسم به فقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت)، فاليمين لا تجوز ولا تنعقد إلا بالله أو باسم من أسمائه.

حكم اليمين الزور

فمن أقسم بالله على شيء، وهو يعلم كذب نفسه ستكون يمينه يمين زور، ويمين الزور لا كفارة فيها، ولكن فيها العقاب الشديد الكبير في الدنيا قبل الآخرة، واليمين كذباً وزوراً يدع البيوت خراباً، ويهلك الحرث والنسل والأرزاق، ويقتل من في البيت بعضهم بعضاً رجالاً ونساء، لأن شأن الله عظيم، فالذي يقسم بعظمة الله وبجلاله وهو عالم كذبه فقد أقدم على باطل وبلاء، ويكون جزاؤه في الدنيا قبل الآخرة، واليمين الزور تجعل الدور بلاقع، أي: خراباً.

فضل اللغة العربية

فقوله: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الزخرف:1-2]، أي: قسماً بكتاب الله، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3] هذا هو المقسم عليه، يقسم ربنا جل جلاله بكتابه البين الواضح المشرق النير المدرك، المجهول من أهل الجهل وأهل العلم وممن سعى في ذلك، بأنه جعل القرآن عربياً وأنزله عربياً، وتكلم به عربياً، فأنزله على سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وأوحاه إليه بالعربية التي هي لغة أهل السماء.

وقال علماؤنا: العربية لغة أهل الجنة، والقرآن نزل بأشرف لغة من لغات الأرض، وتكلم بها أشرف نبي على أشرف الأقوام صلى الله على نبينا وعلى آله.

وأول ما نزل القرآن على العرب، ثم تداوله الخلق من العرب والعجم، فالله أمر أول ما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بأن يدعو قومه، فقال: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، ثم بعد ذلك أمره ربه فقال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، فهو رسول الله المرسل بالقرآن وبآخر دين في آخر الزمان، أرسله لكل البشر عربهم وعجمهم، أبيضهم وأحمرهم وأسودهم، وأنزله بلغة العرب، فكان العرب أول من حوسب بهذا الكتاب الكريم، وبهذه الرسالة الشريفة الكريمة فهي لغتهم الرسمية التي عليها نشئوا، وفي ظلالها تربوا، فكانوا يفهمون كتاب الله كما يفهم أحدنا لغته الدارجة الشعبية بحكم تربيته ونشأته.

فكانت لغة القرآن الكريم ليست بالشيء الصعب عليهم، ولا بالشيء العسير، وهكذا فقد بقي عليه الصلاة والسلام بينهم ثلاثاً وعشرين سنة يعلمهم كتاب ربهم، ويبين لهم فصاحته وتفسيره وبيانه وحكمته وأحكامه في سنته المطهرة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، ثم زحف المجاهدون والدعاة إلى الله في مشارق الأرض ومغاربها مذكرين بهذا الكتاب الكريم، وبهذه الرسالة البينة الواضحة، فآمن بها من في المشرق والمغرب، وعلموا أول ما علموا لغة كتاب الله ولغة رسول الله التي بها نزل القرآن وفسر، حتى صارت اللغة العربية لغة الأمم والشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وصار العجم بعد ذلك علماء في التفسير والحديث وعلماء في لغة العرب، فكان إمام التفسير هو محمد بن جرير الطبري ، وهو أعجمي طبري، وكان إمام المحدثين هو الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري ، وكان أعجمياً فارسياً، وكان عالم اللغة والنحو الإمام سيبويه أعجمياً، وهكذا تتابع القوم.

فعلم النبي عليه الصلاة والسلام قومه وعشيرته، ثم زحفوا بكتاب الله وبدين الله إلى مشارق الأرض ومغاربها، بدءاً من خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة آخر الخلفاء الراشدين إلى من جاء بعدهم من بني أمية وبني العباس وبني عثمان، فنشروا الإسلام بلغة العرب، ونشروا القرآن كذلك، فكان رسول الله إلى العرب، ثم العجم والناس كافة، وكان العرب رسل رسول الله إلى العرب والعجم.

الجهل بالعربية جهل بالقرآن والسنة

ثم فسد الناس وضعفوا في دين الله، واتخذوا من الوثنية والقومية أوثاناً وأصناماً، فتعصبوا للغاتهم وأوطانهم وعشائرهم، فأضاعوا لغة العرب؛ لغة كتاب الله، ولغة دين الله، فأصبح كتاب الله مترجماً إلى لغات إسلامية، وإلى لغات فارس والهند، ثم بعد ذلك إلى لغات جميع سكان الأرض.

تلك البدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ونرى اليوم الدعاة فرطوا فيها وتتابعوا فيها وهم يظنون أنهم يدعون إلى خير، وتلك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وما دعا رسول الله العرب والعجم إلا بلغة العرب لغته ولغة القرآن الكريم، ثم تتابع بعد ذلك خلفاؤه الراشدون، فما نصروا الإسلام في كتابه وسنته إلا بلغة العرب، فكانت الدعوة إلى اللغة العربية، وما لغة العرب إلا القرآن والسنة؛ لأن من لم يعلم لغة العرب لا يعلم القرآن ولا يعلم السنة النبوية، إلا إذا نشأ بين أهلها وفي بيئتها وتعلمها طفلاً وتحدث بها صغيراً، أما إذا تعلمها على كبر فيكون تعلماً ناقصاً وقاصراً، فقد رأينا الكثيرين ممن نصبوا أنفسهم دعاة إلى الإسلام، ما تعلموا لغة العرب إلا عن كبر، فأتوا بالمصائب في تفسير كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خرج به بعضهم عن الإسلام، والبعض الآخر قال: إن النبي لا يطاع إلا إذا كان معه آية قرآنية، وفيما عدا ذلك ليست طاعته بواجبة، فهذا قول كافر، فمن قاله بعد تحريره وتبيينه وأصر عليه يعتبر كافراً.

وقال دعاة مشهورون العجائب والغرائب؛ لأنهم جهال باللغة العربية.

وقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ [الزخرف:3] أي: جعلنا القرآن عربياً، وأنزلناه عربياً وأوحينا به إلى محمد صلى الله عليه وسلم بلغة العرب.

وقوله: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3] أي: لعلكم تعقلون وحيه ولغته وفهمه، وقد كان ذلك كما فسره الله وأراده، فكان العجم من السباقين إلى فهم كتاب الله، والمئات من التفاسير وضعها عجم بلغة عربية فصحى وتفاسير فصيحة، فقد فهموا لغة الإسلام وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفهم الصحيح المفيد.

وقوله تعالى: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الزخرف:2].

الواو واو القسم، فيقسم ربنا جل جلاله بكتابه الكريم، القرآن العظيم، الذي يزيد في معناه، الظاهر في أحكامه، الواضح في العطاء، الجميل في قصصه، الظاهر في أحكامه وآياته وأخلاقه.

هذا الكتاب الكريم أقسم الله به، فالله يقسم بما شاء كما شاء، ولكنه إذا أقسم بشيء فهو يدل على عظمته ومكانته.

أما المقسم به فقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت)، فاليمين لا تجوز ولا تنعقد إلا بالله أو باسم من أسمائه.


استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة الزخرف [46-54] 2307 استماع
تفسير سورة الزخرف [54-60] 2272 استماع
تفسير سورة الزخرف [5-12] 1904 استماع
تفسير سورة الزخرف [67-73] 1716 استماع
تفسير سورة الزخرف [61-67] 1565 استماع
تفسير سورة الزخرف [29-32] 1546 استماع
تفسير سورة الزخرف [81-89] 1248 استماع
تفسير سورة الزخرف [74-80] 1232 استماع
تفسير سورة الزخرف [19-28] 1228 استماع
تفسير سورة الزخرف [12-18] 1179 استماع