تفسير سورة الزخرف [12-18]


الحلقة مفرغة

قال الله تعالى: وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ [الزخرف:12] هذه الآية ذات صلة بما مضى عندما قال تعالى لنبيه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ.. [الزخرف:9-10]. إلى آخر الآية.

وقوله: وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ [الزخرف:11].

ثم قال: وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ [الزخرف:12] فالله جل جلاله هو الخالق الرازق المحيي المميت، وكانت العرب تؤمن به خالقاً ورازقاً ولكنها كانت تشرك معه غيره، فتجعل له شركاء وأعواناً وذاك كفر وشرك، وجاءت الرسل لتنفيه ولتبين زيفه.

فالله جل جلاله بعدما أمر نبيه في كتابه أن يعلم الخلق دين التوحيد، وأن ينشر بينهم كتابه القرآن الكريم في سلسلة من الآي، فهو الذي جعل الأرض مهداً، والذي نزل الماء بقدر، والذي خلق الأزواج كلها.

والأزواج هي الأصناف مما تنبت الأرض من نبات وأزهار وفواكه، ومما فيها من دواب وحيوان وإنسان وجن، وجميع أصناف خلق الله من ذكر وأنثى.

فالله هو المنفرد بخلق ذلك لا إله معه ولا أحد يعينه، فهو الخالق لكل ما وجد في هذا الكون.

وقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ [الزخرف:12] جعل بمعنى: خلق وأنشأ من السفن في البحار ما تسرحون به بين القارات والأقاليم، وتركبون الدواب إبلاً وخيلاً وبغالاً وحميراً ومما سيخلق الله بعد ذلك، كما أشار إليه في قوله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8].

فالله هو الذي خلق السفن، والدواب، والطائرات، والقطارات، ويخلق ما لا تعلمون كذلك.

وهو الذي سخرها وذللها للتنقل ولقطع الأرض وللسياحة في الأقاليم للتجارة والدراسة وما يريده الإنسان على وجه هذه الأرض.

وهو الذي خلق للإنسان ما يبلغ به غرضه وحاجته من السفن في البحار، ومن الدواب في البراري.

وقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ [الزخرف:12] الأنعام: جمع نعم. والنعم: جمع لا مفرد له من لفظه، وهي الإبل والغنم والبغال والخيل والحمير، فنستفيد من ظهورها وبطونها وألبانها وأصوافها وأوبارها، وأكثر ما خلق الله لنا في ذلك أننا نقطع عليها المسافات الشاسعة في البراري كما أننا نقطع البحار وسائر أقاليم الدنيا بواسطة السفن التي سخرها الله لنا وذللها وأخضعها.

وقوله تعالى: مَا تَرْكَبُونَ [الزخرف:12] أي: الشيء الذي تركبونه وتسافرون عليه.

قال تعالى: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ [الزخرف:16] يقول تعالى راداً على الكافرين ومكذباً لهم فيما قالوه عن الملائكة في صيغة استفهامية استنكارية تقريعية توبيخية: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ [الزخرف:16] أي: هل اتخذ الله من عباده الإناث وجعل لكم الذكور؟ فلو اتخذ غيرهن من الشباب والرجال فإنهم أقوى وأصلح من الإناث، فهو يكلمهم بعقولهم لا بواقع الأمر.

وهيهات هيهات أن يكون ذلك كذلك، فالأنثى أضعف من الرجل، والرجل والأنثى ضعاف، فالله خالقهم وهم عبيد لله.

فقوله: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ [الزخرف:16] أي: أخطر ببالكم أن يتخذ الله مما يخلق البنات فجعلهن أولاداً له وآلهة بألوهية أبيهن، وجعل البنين والذكور خاصين بكم؟ ألكونكم أعظم من الإله؟ أم لكونكم الخالقين؟ فهل يقول هذا عاقل أو مؤمن؟

فجعل البنات له والبنين الذكور أصفياء لكم، فهذا من الأوهام والأكاذيب والضلالات.

ومعاذ الله في ذلك، فقد كان أحدهم إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف:17] هؤلاء الذين نسبوا لله البنات وأنهن ملائكته من خلقه وعباده، فلو قيل لأحدهم: إن زوجتك ولدت لك بنتاً اسود وجهه وكظم غيظه حزناً وألماً ووجعاً، وظل كذلك سائر اليوم، وقد يقتلها بدون أي ذنب.

فهو يجعل لله ما يكرهه، ويختار لنفسه ما يحب، أهذا عمل عاقل له حظ من فهم أو وعي أو إدراك؟

فقوله: بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا [الزخرف:17] أي: بما جعل لله شبيهاً؛ لأن الابن شبيه للأب، فجعلوا الملائكة بنات الله وجعلوا الابن شبيهاً للأب في الألوهية والربوبية لهم، وكل ذلك باطل وضلال وهراء.

أي: بما جعل لله مثلاً وشبيهاً ونظيراً أنه يلد كما تلد الأمهات ولكنه اصطفى البنات لنفسه وترك الأولاد لغيره، وزعموا أن الملائكة بنات لله وآلهة مع الله، وإذا بشر أحدهم وقيل له: ولدت لك بنت اسود وضجر وكظم الغيظ من الألم والحزن والوجع، وهو يفكر ما يصنع بها أيمسكها على هون ويتركها على هوان ومذلة أم يدسها في التراب؟!

وكل ذلك لم يكن خاصاً بالعرب، فالأوروبيون والأمريكان يفعلون ذلك، فإنهم يدفنون أولادهم الذكور والإناث أحياءً، وقد يقتلونهم بعد عذاب، وصور تعذيب الآباء والأمهات لبناتهم قد يكون بالنيران وبالسياط وبالجوع وبالإهمال وبالترك إلى الموت.

وإنما ذكر الله ذلك عن العرب لأنهم وجه الأمم، وأرحمها وأشرفها، فكانوا مثالاً لغيرهم في الخير والشر.

وقوله تعالى: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [الزخرف:17] أي: بقي في ليله ونهاره مسود الوجه حزناً وألماً.

وقوله: وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف:17] أي: يكظم غيظه، ويسكت على ما به من حزن وألم لا تحملاً ولا صبراً ولكن لشدة ما ألم به.

قال تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] أيتخذ الله بنات له ينشأن في الحلية، فالبنات الصغار أو الكبار ناقصات في المظهر والمخبر.

وهنا استفهام إنكاري، أي: هل الله لم يتخذ أولاداً إلا النساء الناقصات في مظاهرهن وفي عقولهن.

فقوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ [الزخرف:18] أي: يربى ويكبر وينبت، فالنساء يشعرن في وجودهن بنقص، هذا النقص يحسنه الزينة من خاتم وعقد وغيرهما لكي يظهرن كاملات في أعين الرجال.

وبهذا النقص تجد البنت التي عمرها ثلاث سنوات تقلد أمها ولا تقلد أباها، فتكحل عينيها، وتحمر وجهها، وتعلق الحلية في عنقها، أما الابن فلا يصنع ذلك ولا يفعله ولا يجبر عليه بخلاف البنت التي تشعر بالنقص الطبيعي، وأن جمالها ناقص لا يتم إلا بشيء من حلية أو طيب أو لبس.

وإذا تخاصمت المرأة مع الرجل كان زوجاً أو أباً أو ولداً فلا تنتصر عليه إلا بأن تبكي وتصيح مولولة، أما الولد فينتصر بالقتل والقتال والضرب والخصام وكل ما يمكن أن يفعله، ولو أن صياح المرأة أكثر من صياح الرجل إلا أنها ناقصة مظهراً، ولذلك يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (النساء ناقصات عقل ودين).

فكل امرأة تبقى في أيام حيضتها بلا صلاة ولا صيام ولا قراءة للقرآن، فالنساء ناقصات عقل ودين وإذا خاصمت فإنها ترفع صوتها وتظن بذلك أن حججها لا ترد، وإذا بالحجج التي أخذت بها تكون عليها وهي لا تدرك ذلك، ولو حاولت إفهامها لا تفهم.

وقوله تعالى: وَهُوَ فِي الْخِصَامِ [الزخرف:18] أي: في النزاع والخصومة.

وقوله: غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] أي: غير واضح ومفهوم، أهذا يصلح لأن يكون إلهاً؟ كما قال الإمام مالك .