تفسير سورة الزخرف [61-67]


الحلقة مفرغة

قال تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:61]، وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61] أي: أن عيسى هو علم للساعة، وقرئ: (وإنه لَعلَم للساعة)، أي: أمارة وعلامة، وعيسى رفعه الله إليه كما قال تعالى في آية أخرى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157-158]، وسينزل في آخر الزمان إلى الأرض، وسيكون نزوله علماً وأمارة من علامات وأمارات الساعة، قال تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، وليس أحد من أهل الكتاب يهوداً أو نصارى إلا ليؤمنن بعيسى عليه السلام، أولئك الذين زعموا أنهم قتلوه وصلبوه، وأولئك الذين صدقوا كذب اليهود وآمنوا به، فجعلوا الصليب شعاراً لهم وبدل لا إله إلا الله محمد رسول الله عند المسلمين.

حكم بيع الصليب ولبسه

ومن أكثر ما يوجع القلب أننا نجد بعض الناس من المسلمين يعلقون الصليب على صدروهم ويبيعونه، وتجد شباباً وشابات ورجالاً وآباء يشترون ذلك لهم ويعلقونه على صدورهم، وبيع الصليب أو شراؤه لتعليقه على الصدر ردة وخروج عن الإسلام، ويجب البطش بهؤلاء والقضاء عليهم ويعتبرون من المرتدين؛ لأن معنى تعليق الصليب وشراءه لمن يجعله في عنقه أنه يؤمن بأن عيسى قد قتل وصلب، وجعل شعار صلبه في عنقه، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61]، أي: وإن عيسى لعلم للساعة ونزوله من السماء ومكثه في الأرض أمارة وعلامة على قرب قيام الساعة وهو من العلامات الكبرى، وذاك ما تواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ورواه العشرات من الصحابة، ونص على تواتره جماهير المفسرين والمحدثين والعلماء عن أنه لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم من السماء حكماً عدلاً يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويهدم البيع والكنائس، ويدعو للإسلام، ويقتل اليهود والنصارى إن لم يسلموا، وينشر الإسلام بين جميع الخلق، وينزل في أرض الشام، ويدخل القدس عند صلاة العصر وقد قدم القوم إماماً للصلاة.

ومعناه: أنه إذ ذاك ستكون القدس تحت أيدي المسلمين وتنتهي هذه السحابة الصيفية التي عما قليل ستزول، وهذا يرد بعنف وبأدلة قاطعة على من زعم أن أحد هؤلاء الحضور الأعور الدجال، وأنه لن تنتهي دولة إسرائيل إلا مع نزول عيسى، وهذا جهل وعدم فهم للنصوص، فإن عيسى سينزل وقت العصر إلى القدس فيجد القوم قد قدموا إمامهم للصلاة فيرون عيسى فيلهمون معرفته ويقدمونه إماماً فيمتنع ويقول: بل بعضكم لبعض تبع، ويصلي مؤتماً بإمام المسلمين، وما يصنعه وما يفعله من كسر الصليب وقتل الخنزير ومنع اليهودية والنصرانية ليس ذلك تشريعاً جديداً ولا ديناً جديداً، ولكنه سينزل تابعاً لنبينا عليه الصلاة والسلام مسلماً من المسلمين وهو على دينه وسيصلي صلاة المسلمين ويحج حج المسلمين، ولم يرد أنه يصلي إماماً؛ لأن الإمامة ليست له فقد انتهت إمامته بإمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسره للصليب وقتله للخنزير وهدمه للبيع والكنائس إنما هو بأمر رسول الله.

وقد اجتمع به ليلة الإسراء في السماء الدنيا وصلى به إماماً مع جميع الأنبياء في المسجد الأقصى في القدس ردها الله دار إسلام، وأخرج منها القردة والخنازير وعبد الطاغوت وأتباعهم من المتهودين والمرتدين من أعداء الله.

فنزول عيسى حق، وسينزل والدجال في الأرض وسيذوب الدجال كما يذوب الملح في الماء، وسينتهي موضوع الدجال ، ويكون نزول عيسى العلامة الثالثة أو الرابعة من العلامات الكبرى التي منها المهدي المنتظر والدجال والدابة والدخان والريح الحمراء التي تأتي من عدن فتسوق الناس إلى أرض المحشر، وهي ضمن عشر علامات كبرى.

وفي زمن عيسى سيكون الناس في أرغد العيش من الرخاء وكثرة النعم والخيرات ومن وفرة الأموال حتى إن الزكاة لا يقبلها أحد، فيخرج الرجل بماله فلا يجد من يأخذه فيقال له: لست في حاجة إليها، ويكون الناس جميعاً أغنياء، ثم تتدهور بعد ذلك الحالة إلى أن يصل الأمر كما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة وعلى الأرض من يقول: ربي الله)، أي: لا تقوم الساعة إلا على الكفار، فتقوم الساعة ولا يدرى متى وقوعها إلا بزلزلتها وقد صرع من كان يمشي، ومن كان يأكل تجمد يده على الطعام، وهكذا لا تأتيكم إلا بغتة، ولم يعلمنا الله ورسوله منها إلا بأماراتها الصغرى والكبرى، أما متى وقوعها فذاك علم استأثر به ربنا.

ولذلك لما سأل جبريل نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (متى الساعة؟ قال: ليس المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: ما أماراتها؟ فقال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة الرعاة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)، فهذه علامات صغيرة قد ظهرت جميعها.

وأول علامة صغرى هي مجيء نبينا صلى الله عليه وعلى آله فقد قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى).

وقوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ [الزخرف:61]، يأمر الله جل جلاله نبيه أن يخبر بأن نزول عيسى علم للساعة وعلامة عليها وعلى قربها، فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف:61] أي: فلا تشكوا ولا ترتابوا في أن الساعة قائمة لا محالة، ولا يرتاب فيها مؤمن ولا ينكرها مسلم، ومن أنكرها أو ارتاب فيها فهو كافر.

وقوله: وَاتَّبِعُونِ [الزخرف:61] يأمر الله الخلق أن يتبعوا نبينا عليه الصلاة والسلام في أوامره واجتناب نواهيه، فدين الحق هو الصراط المستقيم، وهو الطريق الموصل للحق لا اعوجاج فيه، فمن سلكه من البداية يستطيع أن يصل به إلى النهاية، من غير بنيات الطرق، وهذا لمن هداه الله، وأرشده للحق بلا بدع وخرافات وأضاليل وأكاذيب، فإن الحق بين وواضح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)، وما جاء العلماء إلا ليبلغوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن كتابه علمها ومعرفتها والتحقق منها، أما ما سوى ذلك من الأمور الضرورية للمسلم يومه وليلته وفي بيته وخارجه فإنه يعلمها، وإن كانت الأمور أخذت تتغير، فقد توارثت أجيال الكفر جيلاً بعد جيل، فتجد الولد لا يصلي والأب لا يصلي، والجد لا يصلي، وتجد الجهل بالإسلام في البيت المسلم إلى ثلاثة أجيال أو أكثر، فينشأ الجيل فاسداً قبيحاً، إلا إذا رزقه الله مدرسة صالحة ومعلماً صالحاً يعلمه دينه ويرشده إلى الصراط المستقيم.

ومن أكثر ما يوجع القلب أننا نجد بعض الناس من المسلمين يعلقون الصليب على صدروهم ويبيعونه، وتجد شباباً وشابات ورجالاً وآباء يشترون ذلك لهم ويعلقونه على صدورهم، وبيع الصليب أو شراؤه لتعليقه على الصدر ردة وخروج عن الإسلام، ويجب البطش بهؤلاء والقضاء عليهم ويعتبرون من المرتدين؛ لأن معنى تعليق الصليب وشراءه لمن يجعله في عنقه أنه يؤمن بأن عيسى قد قتل وصلب، وجعل شعار صلبه في عنقه، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61]، أي: وإن عيسى لعلم للساعة ونزوله من السماء ومكثه في الأرض أمارة وعلامة على قرب قيام الساعة وهو من العلامات الكبرى، وذاك ما تواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ورواه العشرات من الصحابة، ونص على تواتره جماهير المفسرين والمحدثين والعلماء عن أنه لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم من السماء حكماً عدلاً يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويهدم البيع والكنائس، ويدعو للإسلام، ويقتل اليهود والنصارى إن لم يسلموا، وينشر الإسلام بين جميع الخلق، وينزل في أرض الشام، ويدخل القدس عند صلاة العصر وقد قدم القوم إماماً للصلاة.

ومعناه: أنه إذ ذاك ستكون القدس تحت أيدي المسلمين وتنتهي هذه السحابة الصيفية التي عما قليل ستزول، وهذا يرد بعنف وبأدلة قاطعة على من زعم أن أحد هؤلاء الحضور الأعور الدجال، وأنه لن تنتهي دولة إسرائيل إلا مع نزول عيسى، وهذا جهل وعدم فهم للنصوص، فإن عيسى سينزل وقت العصر إلى القدس فيجد القوم قد قدموا إمامهم للصلاة فيرون عيسى فيلهمون معرفته ويقدمونه إماماً فيمتنع ويقول: بل بعضكم لبعض تبع، ويصلي مؤتماً بإمام المسلمين، وما يصنعه وما يفعله من كسر الصليب وقتل الخنزير ومنع اليهودية والنصرانية ليس ذلك تشريعاً جديداً ولا ديناً جديداً، ولكنه سينزل تابعاً لنبينا عليه الصلاة والسلام مسلماً من المسلمين وهو على دينه وسيصلي صلاة المسلمين ويحج حج المسلمين، ولم يرد أنه يصلي إماماً؛ لأن الإمامة ليست له فقد انتهت إمامته بإمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسره للصليب وقتله للخنزير وهدمه للبيع والكنائس إنما هو بأمر رسول الله.

وقد اجتمع به ليلة الإسراء في السماء الدنيا وصلى به إماماً مع جميع الأنبياء في المسجد الأقصى في القدس ردها الله دار إسلام، وأخرج منها القردة والخنازير وعبد الطاغوت وأتباعهم من المتهودين والمرتدين من أعداء الله.

فنزول عيسى حق، وسينزل والدجال في الأرض وسيذوب الدجال كما يذوب الملح في الماء، وسينتهي موضوع الدجال ، ويكون نزول عيسى العلامة الثالثة أو الرابعة من العلامات الكبرى التي منها المهدي المنتظر والدجال والدابة والدخان والريح الحمراء التي تأتي من عدن فتسوق الناس إلى أرض المحشر، وهي ضمن عشر علامات كبرى.

وفي زمن عيسى سيكون الناس في أرغد العيش من الرخاء وكثرة النعم والخيرات ومن وفرة الأموال حتى إن الزكاة لا يقبلها أحد، فيخرج الرجل بماله فلا يجد من يأخذه فيقال له: لست في حاجة إليها، ويكون الناس جميعاً أغنياء، ثم تتدهور بعد ذلك الحالة إلى أن يصل الأمر كما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة وعلى الأرض من يقول: ربي الله)، أي: لا تقوم الساعة إلا على الكفار، فتقوم الساعة ولا يدرى متى وقوعها إلا بزلزلتها وقد صرع من كان يمشي، ومن كان يأكل تجمد يده على الطعام، وهكذا لا تأتيكم إلا بغتة، ولم يعلمنا الله ورسوله منها إلا بأماراتها الصغرى والكبرى، أما متى وقوعها فذاك علم استأثر به ربنا.

ولذلك لما سأل جبريل نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (متى الساعة؟ قال: ليس المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: ما أماراتها؟ فقال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة الرعاة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)، فهذه علامات صغيرة قد ظهرت جميعها.

وأول علامة صغرى هي مجيء نبينا صلى الله عليه وعلى آله فقد قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى).

وقوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ [الزخرف:61]، يأمر الله جل جلاله نبيه أن يخبر بأن نزول عيسى علم للساعة وعلامة عليها وعلى قربها، فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف:61] أي: فلا تشكوا ولا ترتابوا في أن الساعة قائمة لا محالة، ولا يرتاب فيها مؤمن ولا ينكرها مسلم، ومن أنكرها أو ارتاب فيها فهو كافر.

وقوله: وَاتَّبِعُونِ [الزخرف:61] يأمر الله الخلق أن يتبعوا نبينا عليه الصلاة والسلام في أوامره واجتناب نواهيه، فدين الحق هو الصراط المستقيم، وهو الطريق الموصل للحق لا اعوجاج فيه، فمن سلكه من البداية يستطيع أن يصل به إلى النهاية، من غير بنيات الطرق، وهذا لمن هداه الله، وأرشده للحق بلا بدع وخرافات وأضاليل وأكاذيب، فإن الحق بين وواضح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)، وما جاء العلماء إلا ليبلغوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن كتابه علمها ومعرفتها والتحقق منها، أما ما سوى ذلك من الأمور الضرورية للمسلم يومه وليلته وفي بيته وخارجه فإنه يعلمها، وإن كانت الأمور أخذت تتغير، فقد توارثت أجيال الكفر جيلاً بعد جيل، فتجد الولد لا يصلي والأب لا يصلي، والجد لا يصلي، وتجد الجهل بالإسلام في البيت المسلم إلى ثلاثة أجيال أو أكثر، فينشأ الجيل فاسداً قبيحاً، إلا إذا رزقه الله مدرسة صالحة ومعلماً صالحاً يعلمه دينه ويرشده إلى الصراط المستقيم.

قال تعالى: وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [الزخرف:62].

أي: يا أيها الناس! لا يصدنكم، وهذا نهي بـ(لا) الناهية، ومؤكد بالنون المثقلة، والمعنى: لا يصرفنكم الشيطان ولا يضلنكم ولا يبعدنكم عن الحق والطريق المستقيم فإنه لكم عدو مبين، فهو عدو للإنسان، وكان سبب خروجه من الجنة هو حسده للإنسان حيث خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته، ولحسده امتنع من السجود لآدم أبو الإنسانية، فخسئ ولعن، وبقي في الخزي إلى يوم البعث، وسيكون إمام أهل النار، والمقدم في النار فيأتي بعده أتباعه المؤمنون برسالته الكاذبة المزيفة.

فالشيطان لكم عدو ظاهر وواضح، حيث لا يأمركم إلا بالباطل، ولا ينهاكم إلا عن المعروف، ويدعو إلى الشرك والفساد بجميع أنواع التدابير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم)، ولذا علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نتعوذ بالله منه، وأن نقرأ المعوذتين: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وأن نتلو القرآن، فالشيطان يفر من الأذان، ولا يتحمل سماع كلمة الحق: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا سمع ذلك أدبر وله ضراط من الفزع والرعب والهلع، إلا إذا استولى الشيطان على المسلم.

كان هنالك رجل كثير التلاوة للقرآن الكريم بالمسجد النبوي، وحافظاً للقرآن وقبل أن يموت بأشهر كان يشعر بأن الجبال على عواتقه، وكأن أحداً يمسك فمه فلا يستطيع أن يتلو القرآن أو يذكر الله، ولا يستطيع أن يصلي، فهذا قد استولى عليه الشيطان وتمكن منه.

وهذا دليل على أن نية هذا الرجل لم تكن صالحة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من شب على شيء شاب عليه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يرى للناس، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

فنسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ برضاه من غضبه، ونستعيذ بالله من السلب بعد العطاء.

قال تعالى: وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:63-64].

يضرب الله الأمثال للناس بعيسى عليه السلام وبأنبياء بني إسرائيل؛ وذلك لأنهم أقرب الأنبياء إلى نبينا في الزمن والتاريخ، ولأنهم يوجدون معنا في الأرض، وعندما جاء الإسلام كانت الأرض فيها يهود ونصارى ووثنيون، ولكن اليهود والنصارى قد بدلوا وغيروا، وانتقلت ديانتهم من التوحيد إلى الشرك، فاليهود يعبدون العزير والعجل، والنصارى يعبدون عيسى ومريم، واختلفوا في عيسى اختلافاً كبيراً، فمنهم من يقول أنه الإله، ومنهم من يقول أنه ليس ابن أمه، أو هو ابن أمه من زناً، وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ [الزخرف:63]، أي: عندما جاء عيسى بني إسرائيل بالآيات والمعجزات الدالات على صدقه، فقد كان يحيي الموتى بإذن الله، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وإذا ببني إسرائيل قد غلوا وأفرطوا فيه فكفروا، والمسلمون يقولون: هو عبد الله ورسوله.

وقوله تعالى: قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ [الزخرف:63] أي: أنه جاء بالنبوءة وبالرسالة المشتملة على الحكمة، والحكمة هي فعل الأمر واجتناب النهي.

والحكمة هي الصلاح، أي: أنه قد أتى بما يصلح الناس ويهديهم في دنياهم وأخراهم.

وقوله تعالى: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ [الزخرف:63] أي: ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وإنما الذي بين جميع ما اختلفوا فيه هو نبينا عليه الصلاة والسلام في كتاب ربنا المنزل القرآن الكريم، فهو الذي بين لليهود وللنصارى جميع ما اختلفوا فيه في الدنيا والآخرة.

وإنما كانت رسالة عيسى بالإيمان بالتوراة والعمل بما فيها، ونسخ القليل منها، ولبيان بعض ما تنازعوا فيه من الشئون الدينية، ولذلك كانت الرسالة الكاملة إلى الخلق كافة هي الرسالة المحمدية رسالة الإسلام ورسالة القرآن الكريم.

وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الزخرف:63]، أي: اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، وإياكم وأن تختلفوا على نبيكم وعلى كتاب ربكم فيلعنكم الله ويدخلكم النار.

فيأمرهم بأن يطيعوا نبيهم ليوصلهم إلى الحق والنور، ورضا الله ورحمته.

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:64]، ما دعاهم إلى عبادته وعبادة أمه، وما دعوى بني إسرائيل في ذلك إلا كذب وبهتان، وقد كذب بنو إسرائيل بعضهم بعضاً، وهو يقول لهم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الزخرف:63]، فيأمرهم أن يطيعوه: إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [الزخرف:64] أي: إن الله ربي، فلست رباً إنما أنا عبد له، وإنما أنا نبي ورسول له، فأنا وأنتم عبيد له، فالله هو ربي وخالقي ورازقي والمدبر لأمري، والمحيي والمميت لي ولكم.

وقوله تعالى: فَاعْبُدُوهُ [الزخرف:64] أي: أخلصوا العبادة له، ولا تشركوا معه أحداً، فما أمرهم نبيهم إلا بعبادة الله، وما دون ذلك فكذب وزور وباطل، إنما أمر بعضهم بعضاً بالكفر والوثنية، ولم يأمرهم نبيهم بشيء من ذلك.

وقص الله علينا أنه سيقول يوم القيامة لعيسى وأتباعه من النصارى الذين زعموا أنه إله: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116]، فالله جل جلاله في يوم القيامة سيفضح النصارى على رءوس الأشهاد، فيكذبهم نبيهم عيسى، وأنه ما دعاهم يوماً إلى عبادته، ولا إلى ألوهيته، ولا إلى عبادة أمه، ولا إلى ألوهيتها، ما دعاهم إلا إلى عبادة الله الواحد، وهو كما يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:63-64].

والصراط المستقيم هو الطريق السوي الذي لا عوج فيه ولا أمتاً، وهو عبادة الله الواحد، وهو أن الأنبياء جميعاً عبيد الله، وقد أرسلهم الله منذرين ومخبرين ومبلغين رسالات الله أن اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً.

ولم يأتِ نبي إلا وجاء بعبادة الله الواحد، ومن هذا قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد)، كل الأديان دعت إلى عبادة الله، ولكن الشرائع والأحكام والقوانين مختلفة، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48].

وكل طريقة أو حكم أو قانون فقد خص الله به كل قوم وكل ديانة حسب ما يليق بعصرهم، وبزمانهم، وبمقدار فهمهم وإدراكهم وعقلهم، فالسابقون كانت عقولهم صغيرة وضعيفة، وخاطب الأمة المحمدية وقد كانت أعقل الأمم السابقة على الإطلاق؛ ولذلك فقد أزال الله عنهم ما كان فيمن كانوا قبلهم من السلاسل والأغلال والضيق.

وقد دعا عيسى بني إسرائيل، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] أي: يأتي مبشراً بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر، وبزوال الأغلال وما كان عليهم من ثقل في الأوامر والنواهي، وهو تلك الرحمة التي قال الله عنها: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، والتي قال عن نفسه فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا رحمة مهداة).

قال تعالى: فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ [الزخرف:65]، اختلف الأحزاب، أي: أن الرسالة العيسوية دعت النصارى إلى الله الواحد فاختلفوا فيما بينهم من بعد ذلك، فقال قوم عن عيسى: هو الله، وقال قوم: هو ابن الله، وقال قوم: هو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً.

وقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا [الزخرف:65]، والكفر والشرك أعظم الظلم، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ [الزخرف:65]، الويل: نهر من قيح في جهنم، فيا بلاءهم ويا مصيبتهم، ويا ويلهم، ويا ما أخلدهم في هذا النهر من القيح ومن صديد فروج المعذبات وحريق المعذبين في النار.

فعذابهم عذاب أليم شديد مؤلم، وسيعذبونه يوم القيامة نتيجة كفرهم وشركهم واختلافهم على نبيهم.

قال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الزخرف:66]، أي: هل ينتظرون إلا أن يفاجئوا بقيام الساعة وبالعرض على الله بغتة، وإذ ذاك لا ينفعهم إيمان، قال تعالى: لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].

وقوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الزخرف:66] أي: وهم لا يدركون؛ لأنهم كذبوا بقيام الساعة وكفروا بها، أما المؤمنون فقد آمنوا بما جاء من عند ربهم عن طريق أنبيائهم.