لقاء الباب المفتوح [115]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو يوم الخميس الثالث عشر من شهر شعبان عام (1416هـ) وفيه اللقاء الذي يتم كل خميس.

تفسير قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)

في هذا اللقاء سوف نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9].

(طَائِفَتَانِ) مفردها طائفة: وهي جماعة من الناس. وقوله: (اقْتَتَلُوا) جمع؛ وإنما جمع لأن الطائفة تشتمل على أفراد كثيرين؛ فلذلك صح أن يعود الضمير على المثنى بصيغة الجمع مراعاة للمعنى, وإلا لكان مقتضى التثنية أن يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلنا, ليطابق الضمير مرجعه, لكنه عاد إليه المعنى.

والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة: إما دماء تقع بينهم، وإما نعرة قبلية ودعوة جاهلية، وإما خلاف بينهم في حدود، أو غير ذلك, المهم أن أسبابه متعددة, (إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب, ولكنه رضي بالتحريش بينكم) يحرش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً, فإذا حصل الاقتتال فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما, ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) أي: اسعوا للصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال, والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر, لأن الصلح لابد فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه, وإلا لما تم الصلح, ولهذا لما قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [النساء:128] كل إنسان يريد أن يتم قوله فلابد من التنازل.

فإذا أصلحنا بينهما قال: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) يعني: لو فرض أن بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى, فهنا لا صلح, ماذا نصنع معهما؟

نقاتل التي تبغي (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي: ترجع إليه, وأمر الله أي: دينه وشرعه.

فانظر في أول الأمر الإصلاح, فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى وجب أن نساعد المبغي عليها فنقاتل معها من بغت (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) فإذا فاءت فإنه يجب الكف عن قتالها, ولا يجوز أن نجهز على جريح ولا أن نتبع مدبراً, ولا أن نسبي ذرية, ولا أن نغنم مالاً؛ لأن هؤلاء مؤمنون.

(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) إن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب أوزارها وجب أن نصلح بينهما بالعدل.

وهذا غير الإصلاح الأول, الإصلاح الأول بوقف القتال, وهذا الإصلاح بالتضمين, أي: أن ننظر ماذا تلف على كل طائفة ثم نسوي بينهما بالعدل, فمثلاً: إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال, والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال, فحينئذٍ تتعادل الطائفتان وتتساقطا, فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمانمائة ألف ريال, والأخرى أتلفت ما قيمته مليون, فالفرق إذاً مائتا ألف ريال، فمائة ألف ريال نحملها على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون, ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ).

(وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (أقسطوا) هذا أمر بالقسط وهو العدل, وهذا تأكيد لقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ).

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي: يحب العادلين, وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم: (أن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا من أمور المسلمين).

تفسير قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)

ثم قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] هذا كالتعليل لقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) أي: إنما أوجب الله علينا الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين؛ لأن المؤمنين إخوة, الطائفتان المقتتلتان كلهم إخوة, ونحن أيضاً إخوة لهم, حتى مع الاقتتال, فإذا قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) والكافر ليس أخاً للمؤمن؟

فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر, فليس كل ما أطلق الشرع عليه أنه كفر يكون كفراً, فهنا صرح الله عز وجل بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا, مع أن قتال المؤمن كفر, فيقال: هذا كفر دون كفر, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب, والنياحة على الميت) ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائحة على الميت لا يُكفران كفراً أكبر, فدل ذلك على أن الكفر في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفر مخرج عن الملة, وكفر لا يخرج عن الملة.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر لقوله: (إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب فأصلح بين أخويك في الإيمان.

وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10] أي: اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به, وتتركوا ما نهاكم عنه, لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله وهذه هي التقوى, وعلى هذا فكلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه, (لعلكم ترحمون) أي: ليرحمكم الله عز وجل إذا اتقيتموه.

في هذا اللقاء سوف نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9].

(طَائِفَتَانِ) مفردها طائفة: وهي جماعة من الناس. وقوله: (اقْتَتَلُوا) جمع؛ وإنما جمع لأن الطائفة تشتمل على أفراد كثيرين؛ فلذلك صح أن يعود الضمير على المثنى بصيغة الجمع مراعاة للمعنى, وإلا لكان مقتضى التثنية أن يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلنا, ليطابق الضمير مرجعه, لكنه عاد إليه المعنى.

والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة: إما دماء تقع بينهم، وإما نعرة قبلية ودعوة جاهلية، وإما خلاف بينهم في حدود، أو غير ذلك, المهم أن أسبابه متعددة, (إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب, ولكنه رضي بالتحريش بينكم) يحرش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً, فإذا حصل الاقتتال فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما, ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) أي: اسعوا للصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال, والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر, لأن الصلح لابد فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه, وإلا لما تم الصلح, ولهذا لما قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [النساء:128] كل إنسان يريد أن يتم قوله فلابد من التنازل.

فإذا أصلحنا بينهما قال: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) يعني: لو فرض أن بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى, فهنا لا صلح, ماذا نصنع معهما؟

نقاتل التي تبغي (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي: ترجع إليه, وأمر الله أي: دينه وشرعه.

فانظر في أول الأمر الإصلاح, فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى وجب أن نساعد المبغي عليها فنقاتل معها من بغت (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) فإذا فاءت فإنه يجب الكف عن قتالها, ولا يجوز أن نجهز على جريح ولا أن نتبع مدبراً, ولا أن نسبي ذرية, ولا أن نغنم مالاً؛ لأن هؤلاء مؤمنون.

(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) إن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب أوزارها وجب أن نصلح بينهما بالعدل.

وهذا غير الإصلاح الأول, الإصلاح الأول بوقف القتال, وهذا الإصلاح بالتضمين, أي: أن ننظر ماذا تلف على كل طائفة ثم نسوي بينهما بالعدل, فمثلاً: إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال, والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال, فحينئذٍ تتعادل الطائفتان وتتساقطا, فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمانمائة ألف ريال, والأخرى أتلفت ما قيمته مليون, فالفرق إذاً مائتا ألف ريال، فمائة ألف ريال نحملها على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون, ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ).

(وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (أقسطوا) هذا أمر بالقسط وهو العدل, وهذا تأكيد لقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ).

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي: يحب العادلين, وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم: (أن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا من أمور المسلمين).




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3390 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3347 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3271 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3114 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3087 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3034 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3029 استماع