خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [21]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإننا قد وقفنا في تفسير جزء عم على سورة التكوير, وها نحن نبدأ بها إن شاء الله في هذا اللقاء الموافق (يوم الخميس) الأول من شهر ذي القعدة عام (1413هـ).
فنقول: قال الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [التكوير:1-3] إلى أن قال: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ[التكوير:14].
تفسير قوله تعالى: (إذا الشمس كورت)
و(الشمس) كتلة عظيمة كبيرة واسعة، يكوِّرها الله عز وجل يوم القيامة، فيلفها جميعاً ويطوي بعضها على بعض، فيذهب نورُها، ويلقيها عز وجل في النار إغاظةً للذين يعبدونها من دون الله، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء:98] أي: تحصبون في جهنم، أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98] ويستثنى من ذلك من عُبِد من دون الله تعالى من أولياء الله، فإنه لا يلقى في النار، كما قال الله تعالى بعد هذه الآية بآيتين: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء:101-102].
تفسير قوله تعالى: (وإذا النجوم انكدرت)
تفسير قوله تعالى: (وإذا الجبال سيرت)
تفسير قوله تعالى: (وإذا العشار عطلت)
تفسير قوله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت)
تفسير قوله تعالى: (وإذا البحار سجرت)
تفسير قوله تعالى: (وإذا النفوس زوجت)
وقال تعالى: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [ص:58] أي: أصناف، وقال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22] أي: أصنافهم وأشكالهم.
فيوم القيامة يُضَمُّ كلُّ شكل إلى مثله، أهلِ الخير إلى أهل الخير، وأهلِ الشر إلى أهل الشر، وهذه الأمة يُضَمُّ بعضها إلى بعض وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً [الجاثية:28] لوحدها: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:28].
إذاً .. معنى وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7] أي: شُكِّلت وضُمَّ بعضُها إلى بعض، كلُّ صنف إلى صنفه، وكلُّ أُمَّة إلى أُمَّتها.
تفسير قوله تعالى: (وإذا الموءودة سئلت)
تفسير قوله تعالى: (بأي ذنب قتلت)
فإذا قال إنسان: كيف تُسْأل وهي المظلومة، وهي المدفونة، ثم إنها قد تُدْفَن وهي لا تُمَيِّز ولم يَجْر عليها قلم التكليف فكيف تسأل؟!
قيل: إنها تُسأل توبيخاً للذي وَأَدَها؛ لأنها تُسأل أمامه، فيقال: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:9]؟!
نظير ذلك: لو أن شخصاً اعتدى على آخر في الدنيا، فأتوا إلى السلطان أو الأمير، فقال للمظلوم: بأي ذَنْبٍ ضَرَبَك هذا الرجل؟! وهو يعرف أنه معتدٍ عليه وليس له ذنب؛ لكن من أجل التوبيخ للظالم.
فالموءودة تسأل: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:9] توبيخاً لظالمها وقاتلها ودافنها، نسأل الله العافية.
تفسير قوله تعالى: (وإذا الصحف نشرت)
واعلم أيها الإنسان أن كل عمل تعمله من قول أو فعل، فإنه يُكْتَب ويُسَجَّل في صحائف على أيدي أمناء كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:11-12]، فيسجلون كل شيء تعمله، فإذا كان يوم القيامة فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء:13] أي: عَمَلَه في عنقه وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً [الإسراء:13]، أي: مفتوحاً، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14].
كلامنا الآن ونحن نتكلم يُكْتَب، كلام بعضِكم مع بعض يُكْتَب، كلُّ كلامٍ يُكْتَب، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت)؛ لأن كل شيء سيُكْتَب عليه، ومَن كَثُر كَلِمُه كَثُر سَقَطُه، أي: أن الذي يُكْثِرُ الكلامَ يَكْثُرُ سَقَطُه وزلاتُه.
فاحفظ لسانك، فإن الصحف سوف يُكْتَب فيها كل ما تقول، وسوف تُنْشَر لك يوم القيامة.
تفسير قوله تعالى: (وإذا السماء كشطت)
ففي يوم القيامة تُكْشَط، أي: تُزال عن مكانها كما يُكْشَط الجلد عند سلخ البعير عن اللحم، فيكشِطها الله عز وجل، ثم يطويها جل وعلا بيمينه، كما قال تعالى: وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].
وقال تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء:104] أي: كما يطوي السجلُّ الكتبَ، بمعنى: أن الكاتب إذا فرغ من كتابته طَوَى الورقة حفظاً لها عن التمزق وعن المحو.
فالسماوات تُكْشَط يوم القيامة، ويبقى الأمر فضاءً، إلا أن الله تعالى يقول: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، فتكون السماء التي فوقنا يكون بدلاً عنها العرش؛ لأن السماء تُطْوَى بيمين الله عز وجل، يطويها بيمينه ويهزها، وكذلك الأرض باليد الأخرى، ويقول: أنا الملك أين ملوك الدنيا؟!
تفسير قوله تعالى: (وإذا الجحيم سعرت)
تُسَعَّر أي: تُوْقَد، وما وَقُودُها الذي توقَد به؟
الجواب: وَقُودُها الذي توقَد به قال الله تعالى عنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] بدلاً من أن يؤتَى بالحطب والورق، يكون الوقودَ الناسُ -أي: الكفار-، والحجارة: حجارةٌ من نار عظيمة شديدة الاشتعال والحرارة، هذا تسعير جهنم.
تفسير قوله تعالى: (وإذا الجنة أزلفت)
أُزْلِفَتْ أي: قُرِّبت وزُيِّنَت للمؤمنين.
وانظر الفرق بين هذا وهذا!
دار الكفار ماذا يُفْعَل بها؟!
تُسَعَّر وتوقد!
ودار المؤمنين؟!
تُزَيَّن وتُقَرَّب، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ .
كل هذا يكون يوم القيامة.
فإذا قرأنا هذه الآيات: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ [التكوير:1-13] نجد أنها اثنتا عشرة جملة؛ ولكن إلى الآن لم يأت الجواب؛ لأنها كلها في ضمن الشرط، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ... إلخ، فالجواب لم يأت بعد، ماذا يكون إذا كانت هذه الأشياء؟
تفسير قوله تعالى: (علمت نفس ما أحضرت)
إننا نسينا الشيء الكثير، فلا نتذكر من الطاعات ولا من المعاصي شيئاً؛ لكن هل تظنون أن هذا ذهب سُدَىً كما نسيناه؟ لا. هو باقٍ، فإذا كان يوم القيامة أحْضَرْتَه أنتَ بإقرارك على نفسك بأنك عملته، ولهذا قال تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:14].
فينبغي بل يجب على الإنسان أن يتأمل في هذه الآيات العظيمة، وأن يتعظ بما فيها من المواعظ، وأن يؤمن بها كأنه يراها رأي عين؛ لأن ما أخبر الله به وعَلِمْنا مدلوله، فإنه أشد يقيناً عندنا مما شاهدناه بأعيننا، أو سمعناه بآذاننا؛ لأن خبر الله تعالى صدق لا يخلف؛ لكن ما نراه أو نسمعه كثيراً ما يقع فيه الوهم، فقد ترى الشيء البعيد شبحاً تعيِّنُه في تصورك وهو خلاف الواقع، وقد تسمع الصوت فتظنه شيئاً معيناً في ذهنك وهو خلاف الواقع، فالوهم يَرِد على الحواس؛ لكن خبر الله عز وجل إذا عُلِم مدلولُه لا يمكن أن يَرِد عليه شيء من الوهم؛ لأنه خبرُ صدق.
فهذه الأمور التي ذكرها الله تعالى في هذه الآيات أمورٌ حقيقية، يجب أن تؤمن بها كأنك تراها رأي عين، ثم بعد الإيمان بها يجب أن تعمل بمقتضى ما تدل عليه من الاتعاظ والانزجار، والقيام بالواجبات وترك المنهيات، حتى تكون من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته، جعلنا الله وإياكم منهم بِمَنِّه وكرمه، إنه على كل شيء قدير.
قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ التكوير:1] هذا يكون يوم القيامة، والتكوير: جمعُ الشيء بعضِه إلى بعض، ولفُّه كما تُكَوَّر العمامة على الرأس.
و(الشمس) كتلة عظيمة كبيرة واسعة، يكوِّرها الله عز وجل يوم القيامة، فيلفها جميعاً ويطوي بعضها على بعض، فيذهب نورُها، ويلقيها عز وجل في النار إغاظةً للذين يعبدونها من دون الله، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء:98] أي: تحصبون في جهنم، أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98] ويستثنى من ذلك من عُبِد من دون الله تعالى من أولياء الله، فإنه لا يلقى في النار، كما قال الله تعالى بعد هذه الآية بآيتين: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء:101-102].
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3032 استماع |