فتاوى نور على الدرب [471]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في لبس الساعة في اليد اليمنى هل فيه حرج؟

الجواب: لبس الساعة باليمين لا حرج فيه، ولا أفضلية فيه، فالإنسان مخير بين أن يلبس ساعته باليمين أو في الشمال، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتختم باليمين تارة وباليسار تارة، ولبس الساعة من جنس التختم، وعلى هذا فنقول: من لبسها باليسار فلا شي عليه، ومن لبسها باليمين فلا شي عليه، ولا أفضلية لأحدهما على الآخر.

السؤال: كيف يكون العزاء على الميت؟

الجواب: العزاء على الميت هو أن يذكر للإنسان المصاب بالميت ما يكون به تقوية له على الصبر وتحمل المصيبة، وأحسن ما يعزى به ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته حين أصيب طفل لها، فقال عليه الصلاة والسلام لرسول أرسلته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، مرها فلتصبر ولتحتسب )، هذا أحسن ما يعزى به المصاب، وإن عزاه بغير ذلك من العبارات التي تفيد تصبير الرجل على المصيبة، وتحميله للصبر عليها فإن ذلك لا بأس به، لكن المحافظة على ما جاءت به السنة أولى من غيرها.

ثم إن العزاء ليس بالأمر الذي يعتبر شيئاً لازماً بحيث تفتح له الأبواب، وتشعل له الأضواء، وتقام له الكراسي، وتصنع له الأطعمة، فإن هذا كله من البدع المحدثة التي ينهى عنها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعدون صنع الطعام والاجتماع عليه عند أهل الميت من النياحة، والنياحة محرمة، بل من كبائر الذنوب؛ لذلك نرى أن التعزية المشروعة أنك متى وجدت المصاب في البيت أو في السوق أو في المسجد إذا كان من أهل السوق أو المسجد ورأيته محزوناً أن تصبره، وأن تقول له: اصبر واحتسب، فلله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وما كان فلن يتغير عما كان، وهذه الدنيا الكل راحل عنها، وما أشبه ذلك من الكلمات التي تجعله يتحمل هذه المصيبة.

وأما ما أشرت إليه مما يفعله بعض الناس في العزاء ويقيمونه كأنما يقيمون ليالي العرس فإن هذا بدعة منكرة، لا سيما أنه يحصل أحياناً اجتماع مختلط، وأحياناً يحصل اجتماع على قارئ يؤاجرونه أن يقرأ على روح الميت زعموا وهو في الحقيقة لا ينتفع الميت بقراءته؛ لأن هذا القارئ غالباً إنما يقرأ بالفلوس، ومن قرأ للفلوس فلا ثواب له؛ لأن ما يراد به وجه الله، إذا أريدت به الدنيا فإنه باطل، قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16].

فنصيحتي لإخواني الذين اعتادوا هذه العادة السيئة أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يغلقوا أبوابهم، وألا يفتحوا لأحد، كما أنصح لإخواني الذين يأتون من بعيد يتوافدون على أهل الميت لإقامة العزاء كما زعموا أنصحهم ألا يحركوا ساكناً، وأن يبقوا في بلادهم، وأن يتصلوا على المصابين بالهاتف، ويعزوهم أو يكتبوا لهم رسائل يعزونهم بها، وأما هذه الوفود الجياشة التي تأتي من كل مكان فهي في الحقيقة تعب بدني ومالي وديني؛ لأنه اجتماع على غير أمر مشروع بل على أمر محدث، فهل كان الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعون له بإحسان هل كانوا يقيمون مثل هذا العزاء؟ هذه سيرهم بين أيدينا لم يكونوا يفعلون ذلك أبداً، وإنما هذا أمر محدث، ولا يبعد أن يكون سببه استعمار النصارى لبعض البلاد الإسلامية، فإن النصارى وغيرهم من الكفار يرون أن هذه المصائب مصائب مادية محضة، فيريدون أن يسلوا أنفسهم بمثل هذه الاجتماعات عن التفكير فيها، لكن المؤمن لا يتسلى بمثل هذه الأمور، المؤمن يتسلى بإيمانه، يتسلى بتوكله على الله واعتماده عليه، يتسلى برضاه بقضائه وقدره، يتسلى بأمور معنوية روحية ليست ماديةً محضة كما يفعل الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، لكن تلقفها بعض الناس، وأخذوا بها ثم صارت عادة، ونسأل الله لنا ولإخواننا أن يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

السؤال: نقوم في شهر رمضان المبارك بقراءة بعض الأذكار والمأثورات وذلك قبل موعد الإفطار وبصورة جماعية، هل يجوز لنا ذلك؟

الجواب: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب يوم الجمعة تحمر عيناه، ويعلو صوته، ويشتد غضبه، ويقول: ( أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار )، ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم عند الإفطار يجتمع إليه الناس حتى يذكروا الله عز وجل، أو يدعوا الله عز وجل بصوت مرتفع جماعي، وإنما كان الإنسان يفطر مع أهله ويدعو كل واحد منهم لنفسه بدعاء خفي بينه وبين ربه، وإذا لم تكن هذه العادة التي أشار إليها السائل معروفةً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تكون من البدع التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين أن كل بدعة ضلالة، وأن كل ضلالة في النار.

فنصيحتي لهؤلاء: أن يكونوا عند الإفطار راجين خائفين، راجين رحمة الله بقبول صيامهم، خائفين من ذنوبهم وما فرطوا في صيامهم، وأن يسألوا الله تعالى أن يتقبل منهم، وأن يغفر لهم ذنوبهم، فإن للصائم عند فطره دعوة حرية بالإجابة.

السؤال: ألاحظ على بعض الأئمة هداهم الله السرعة وأحياناً لا أكمل الفاتحة، فهل أكمل الفاتحة ولو كان راكعاً مع احتمال أن يرفع قبل أن أكملها؟

الجواب: أولاً: أنصح إخواني الأئمة الذين يسرعون هذا الإسراع بحيث لا يتمكن من وراءهم من الإتيان بما ينبغي أن يأتوا به من أذكار وقراءة، وأخبرهم بأنهم أمناء على من وراءهم، وأنهم مسئولون عنهم أمام الله عز وجل، وقد نص أهل العلم على أنه يكره للإمام أن يسرع سرعةً تمنع المأمومين أو بعض المأمومين من فعل ما يسن، فكيف إذا منعت المأمومين أو بعضهم من فعل ما يجب؟ يكون هذا أشد وأشد، فالواجب على الإمام أن يراعي حال من وراءه، وأن يتأنى تأنياً يتمكن من وراءه من الإتيان بما يجب ويستحب؛ لأنه أمين.

ثانياً: أجيب على سؤال هذا السائل فأقول: إذا ركع الإمام قبل أن تتم الفاتحة فأتمها ثم أركع، حتى وإن خفت أن يرفع قبل أن تتمها، فإن رفع قبل أن تتمها فاركع ثم تابعه، وخذ الاحتياط في الركعة الثانية، فأسرع في القراءة قليلاً حتى تدرك الفاتحة قبل أن يركع الإمام.

السؤال: امرأة عليها الدورة الشهرية، فنامت أول الليل، فلما استيقظت فجراً شاهدت الطهر ولا تدري متى حصل هذا الطهر، فهل عليها صلاة العشاء؟ وأيضاً لو استيقظت بعد طلوع الشمس فهل تصلي الفجر أم لا؟

الجواب: إذا نامت المرأة وهي حائض ثم استيقظت وهي طاهر ولا تدري هل حصل الطهر قبل منتصف الليل أو بعده فإنه لا يجب عليها قضاء صلاة العشاء؛ لأن وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل، ولكن عليها أن تبادر وأن تغتسل لتصلي الفجر في وقتها، ولا يحل لها أن تؤخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الشمس كما تفعله بعض الجاهلات من النساء، بل الواجب عليها أن تبادر وتغتسل لتصلي الصلاة في وقتها، وإذا كانت تقول: إني أريد أن أغتسل اغتسالاً يكون منظفاً قلنا: اغتسلي اغتسالاً تقومين فيه بالواجب، وصلي الفجر في وقتها، وإذا أصبحت فلا حرج عليك أن تغتسلي اغتسالاً منظفاً بالصابون أو غيره.

السؤال: رجل عنده أرض كبيرة، واقترح عليه أحد الناس أن يبني عليها قصر أفراح، ولكنه خشي أن يستخدم هذا القصر في بعض المحرمات كالغناء المحرم وغيره، فهل ترون أن يقيم هذا القصر أم لا؟

الجواب: الذي أرى إذا كان هذا الرجل بإمكانه أن يقيم قصراً يمنع فيه ما يحرم من الغناء والعزف وغير ذلك مما يصنعه بعض الناس في ليالي العرس، أن يبني هذه الأرض قصراً؛ لما في ذلك من الخير ودفع الشر، أما إذا كان ليس بقدرته ذلك، وأنه سيؤجر القصر مفلتاً يفعل فيه الناس ما شاءوا فلا يبني هذا القصر، وإني أقول له: إذا بناه على النية الأولى أنه سيمنع المنكرات فيه فليبشر بالخير، وليعلم أن الله سيهيئ له من يسرع إليه ليقيم حفل زواجه به؛ لأن أهل الخير ولله الحمد كثير، فإذا بناه لهذا الغرض وعرف الناس ذلك فإنهم سوف يقبلون إليه سراعاً.

السؤال: أسأل عن عدد ركعات صلاة التراويح؟ وكم أدناها إذا أردنا التخفيف؟

الجواب: صلاة التراويح هي قيام رمضان، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، كما ذكرت ذلك أعلم النساء به عائشة رضي الله عنها حين سئلت: ( كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان؟ فقالت: كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة )، وربما صلى ثلاثة عشرة ركعة، فهذا العدد هو أفضل ما تصلى به صلاة التراويح، ولكن ينبغي أن يلاحظ المصلي ولا سيما الأئمة الطمأنينة في هذه الصلاة؛ لأن بعض الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية ليس لهم هم إلا يكونوا هم الذين يسبقون الناس بالخروج، فتجدهم يسرعون إسراعاً يخل بالطمأنينة، ويتعب من وراءهم في المتابعة، وإن زاد الإنسان عن إحدى عشرة ركعة إلى ثلاث وعشرين ركعة أو أكثر فلا حرج؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحديد الركعات، بل سئل صلى الله عليه وسلم عن قيام الليل فقال: ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدةً فأوترت له ما صلى )، فبين العدد المحدد لكل تسليمة وهو مثنى مثنى، ولم يبين عدد التسليمات، فدل هذا على أن الأمر موكل إلى الإنسان، وأن الأمر واسع، ولكن لا شك أن العدد الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحافظ عليه أولى من غيره.

السؤال: هل يجب التوجه في صلاة النافلة، فمثلاً يقول: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) إلى آخره؟

الجواب: المعروف عند أهل العلم أن الاستفتاح الوارد في الفريضة مشروع فيها وفي النافلة، وعلى هذا فلا بأس أن يستفتح النافلة بقوله: ( سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ). أو بقوله: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ).

السؤال: في صلاة الجنازة هل التسليم يكون عن يمين ويسار أم عن يمين فقط؟

الجواب: التسليم في صلاة الجنازة عن اليمين فقط، ولكنه لو سلم عن اليمين وعن الشمال فلا حرج؛ لأن الأمر في ذلك واسع، وقد روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر أنه كان يسلم عن يساره أيضاً.

السؤال: عندنا عادة وهي: عند وضع الميت في القبر يصيح منادٍ بأعلى صوته كما ينادي المؤذن تماماً، فهل هذا صحيح؟

الجواب: هذا غير صحيح، بل هذا من البدع التي أحدثها الناس عند دفن الميت، بحيث ينزل واحد في القبر أو يكون على حافته ثم يؤذن الأذان كاملاً، أو يقتصر على التكبيرات الأربع الأولى، وكل هذا من البدع، فإن المشروع عند دفن الميت أن يقول من يدفنه ويضعه في لحده: باسم الله، وعلى ملة رسول الله فقط، ولا يزيد على هذا، فإذا دفن الميت وتم دفنه وقف عليه وسأل الله له التثبيت واستغفر له؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل ).




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3902 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3690 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3640 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3493 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3474 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3432 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3431 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3415 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3337 استماع