اللقاء الشهري [37]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء السابع والثلاثون كما ذكر الشيخ/ حمود بن عبد العزيز الصايغ من اللقاءات الشهرية التي تتم في الجامع الكبير في مدينة عنيزة ، وهذه الليلة هي ليلة الأحد العشرين من شهر ربيع الأول عام (1417هـ).

إنه ليس في بالي شيءٌ معين محدد أتكلم فيه، ولكن من المستحسن أن نتكلم على ما سمعناه في تلاوة صلاتنا هذه الليلة ألا وهو سورة العصر التي قال الله تعالى فيها: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

لا يخفى علينا جميعاً أن هذه السورة كان قبلها (بسم الله الرحمن الرحيم) فالبسملة هل هي آية من السورة التي بعدها، أو من السورة التي قبلها، أم هي آية مستقلة؟

الصحيح: أنها آية مستقلة، تفتتح بها السور ما عدا سورة براءة فإن الصحابة لم يكتبوها، ولذلك درجت الأمة الإسلامية على عدم التسمية في سورة براءة، لكن ما سواها فكل السور قبلها (بسم الله الرحمن الرحيم).

أما قوله تعالى: وَالْعَصْرِ [العصر:1] فالمراد بالعصر: الدهر، هذا هو الصحيح، وليس المراد صلاة العصر، وأقسم الله به؛ لأن الدهر هو زمن العمل، ولأن الدهر يتقلب لأهله من حرب إلى سلم، ومن شدة إلى رخاء، ومن مرض إلى صحة، ومن علمٍ إلى جهل يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ [النور:44].. وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] فالعصر هو خزانة الأعمال، ولهذا أقسم الله به فقال: وَالْعَصْرِ [العصر:1].

قوله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2] (الإنسان) أي إنسان هو؟ كل إنسان، ولذلك نقول إن (أل) في قوله: (الإنسان) بمعنى: كل، فهي للاستغراق، كل إنسان في خسر، أي: في خسارة، وقته عليه خسارة، وحياته عليه خسارة، وماله عليه خسارة، وولده عليه خسارة، كما قال الله تعالى عن نوح مع قومه: وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً [نوح:21].

استثنى الله عز وجل من اتصفوا بهذه الصفات الأربع: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] هؤلاء هم الرابحون: (الذين آمنوا) بما يجب الإيمان به، (وعملوا الصالحات) أي: عملوا الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة هي التي جمعت بين شرطين:

1- الإخلاص لله.

2- المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(وتواصوا بالحق) أي: جعل بعضهم يوصي بعضاً بالحق، والحق ما جاءت به الرسل، كما قال تعالى: وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة:213].

(وتواصوا بالصبر) على ما اتصفوا به من هذه الصفات: الإيمان، العمل الصالح، التواصي بالحق، جعل بعضهم يوصي بعضاً بالصبر، يقول: اصبر على دينك، اثبت عليه، اصبر على العمل، اصبر على ما يصيبك، يوصي بعضهم بعضاً بالصبر، والصبر: هو حبس النفس عما يضرها، والصبر بمعنى الحبس، ومنه قولهم: قتل فلانٌ صبراً، أي: حبس وشد ثم قتل.

ذكرنا أن الإنسان في خسر إلا من اتصف بصفات أربع، هي: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.

الإيمان هو: إقرار القلب إقراراً يستلزم القبول والإذعان، تقر بقلبك بما يجب الإقرار به، وقد سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان؟ فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) هذه أصول الإيمان.

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر ركنٌ من أركان الإيمان، فما هو اليوم الآخر؟

اليوم الآخر هو يوم القيامة، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية : يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، وذلك أن الإنسان إذا مات ودفن وتولى عنه أهله وأصحابه أتاه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، كل إنسان يُسأل حتى إن الإنسان يُقعد في قبره، فيقال له: من ربك؟ فيقول المؤمن: ربي الله. ما دينك؟ ديني الإسلام. من نبيك؟ نبيي محمد -فيجيب بالصواب- وحينئذٍ ينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً من الجنة -أسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء- أما الكافر أو المنافق فإذا قيل له: من ربك؟ قال: هاه هاه لا أدري، ما دينك؟ هاه هاه لا أدري، من نبيك؟ هاه هاه لا أدري. وحينئذٍ يقال له: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمرزبة من حديد يصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين، ثم ينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- هذا من الإيمان باليوم الآخر.

ومن الإيمان باليوم الآخر: أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يخلو بعبده المؤمن وحده ويقول له: ألم تعمل كذا؟ ألم تعمل كذا؟ ألم تعمل كذا من الذنوب؟ فيقول: بلى يا رب، ويقرره بذنوبه، فيقول الله له: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، أما غير المؤمن -والعياذ بالله- فإنه لا يحاسب هذا الحساب، ولكن تحصى أعماله فيخزى بها وينادى على رءوس الأشهاد: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18].

الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة، والقدر: هو تقدير الله عز وجل، وذلك أن الله عز وجل كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، خلق الله القلم فقال له: اكتب. قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة، ولكن الله عز وجل خلقنا وجعل لنا إرادة ومشيئة واختياراً نختار الذهاب والرجوع والأكل والشرب والنوم، كل شيء نختاره والحمد لله، أعطانا الله تعالى اختياراً، نختار أيضاً العمل الصالح أو ضده، فلا عذر للإنسان مع أن الله أعطاه الاختيار وأرسل إليه الرسل وأنزل إليه الكتب.

الإيمان باليوم الآخر ركنٌ من أركان الإيمان، فما هو اليوم الآخر؟

اليوم الآخر هو يوم القيامة، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية : يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، وذلك أن الإنسان إذا مات ودفن وتولى عنه أهله وأصحابه أتاه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، كل إنسان يُسأل حتى إن الإنسان يُقعد في قبره، فيقال له: من ربك؟ فيقول المؤمن: ربي الله. ما دينك؟ ديني الإسلام. من نبيك؟ نبيي محمد -فيجيب بالصواب- وحينئذٍ ينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً من الجنة -أسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء- أما الكافر أو المنافق فإذا قيل له: من ربك؟ قال: هاه هاه لا أدري، ما دينك؟ هاه هاه لا أدري، من نبيك؟ هاه هاه لا أدري. وحينئذٍ يقال له: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمرزبة من حديد يصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين، ثم ينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- هذا من الإيمان باليوم الآخر.

ومن الإيمان باليوم الآخر: أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يخلو بعبده المؤمن وحده ويقول له: ألم تعمل كذا؟ ألم تعمل كذا؟ ألم تعمل كذا من الذنوب؟ فيقول: بلى يا رب، ويقرره بذنوبه، فيقول الله له: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، أما غير المؤمن -والعياذ بالله- فإنه لا يحاسب هذا الحساب، ولكن تحصى أعماله فيخزى بها وينادى على رءوس الأشهاد: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18].

الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة، والقدر: هو تقدير الله عز وجل، وذلك أن الله عز وجل كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، خلق الله القلم فقال له: اكتب. قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة، ولكن الله عز وجل خلقنا وجعل لنا إرادة ومشيئة واختياراً نختار الذهاب والرجوع والأكل والشرب والنوم، كل شيء نختاره والحمد لله، أعطانا الله تعالى اختياراً، نختار أيضاً العمل الصالح أو ضده، فلا عذر للإنسان مع أن الله أعطاه الاختيار وأرسل إليه الرسل وأنزل إليه الكتب.

قوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] (وعملوا الصالحات) أي: عملوا الأعمال الصالحات، ويكون العمل صالحاً إذا كان مخلصاً لله، يتعبد لله بلا رياء ولا سمعة ولا طلب جاه ولا طلب مال، إنما يبتغي من الله فضلاً ورضواناً، قال الله تعالى عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً [الفتح:29] ماذا يطلبون؟ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً [الفتح:29] لا بد من الإخلاص، قال الله تعالى: (من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) لأن الله غني عنه.

احذر يا أخي من الرياء! لا تحسن صلاتك لأن الناس يرونك، ولا تتصدق لأن الناس يرونك، ولا تعمل أي عمل من أجل أن يقول الناس: عمل فلان؛ فإن ذلك محبطٌ لعملك، واحذر أيضاً أن يدخل عليك الشيطان هذا، أعني: خوف الرياء، فإن من الناس من يريد العمل الصالح فيأتيه الشيطان ويقول: أنت مراءٍ. يريد أن يحضر إلى مجالس العلم يقول له الشيطان: أنت مرائي. يريد أن يتصدق؛ يقول له الشيطان: أنت مراءٍ. من أجل ألا يعمل العمل الصالح، احذر هذا، لا تبالي به، أعرض عنه، لو قال لك الشيطان: إنك مراءٍ، اتركه وأعرض عنه فأنت مخلص.

كذلك المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام شرط، ولا يكون العمل صالحاً إلا بها، فمن ابتدع في دين الله ما ليس منه فليس عمله عملاً صالحاً، حتى وإن كان الذي حمله على ذلك أمراً محبوباً إلى الله فإن عمله مردودٌ عليه، ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي لفظ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
اللقاء الشهري [24] 3292 استماع
اللقاء الشهري [34] 3026 استماع
اللقاء الشهري [41]رقم2 3002 استماع
اللقاء الشهري [25] 2941 استماع
اللقاء الشهري [29] 2937 استماع
اللقاء الشهري [58] 2837 استماع
اللقاء الشهري [33] 2805 استماع
اللقاء الشهري [60] 2786 استماع
اللقاء الشهري [7]1،2 2672 استماع
اللقاء الشهري [50] 2647 استماع