اللقاء الشهري [22]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن مقدمة لقائنا هذا الشهر -شهر جمادى الأولى- أن نتكلم عن معاني هذه الخطبة التي تسمى: (خطبة الحاجة) والتي علمها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه أن يبتدئوا بها كل أمر ذي اهتمام.

معنى الحمد

قوله: (الحمد): وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً وإجلالاً، فإذا وصفت ربك بالكمال فهذا هو الحمد، لكن لا بد أن يكون مصحوباً بالمحبة والتعظيم والإجلال؛ لأنه إن لم يكن مصحوباً بذلك سمي مدحاً لا حمداً، ومن ثمَّ نجد بعض الشعراء يمدحون بعض الأمراء مدحاً عظيماً بالغاً، لكنك لو فتشت عن قلبه لوجدت أنه خالٍ من محبة هذا الأمير، ولكنه يمدحه إما لرجاء منفعة أو لدفع مضرة.

أما حمدنا لله عز وجل فإنه حمد محبة وتعظيم وإجلال، إذ أن محبة الله تعالى فوق كل محبة، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق محبة كل مخلوق، ولهذا يجب علينا أن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، ويجب علينا أن تكون محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوق محبة أنفسنا وأهلينا ووالدينا وأولادنا؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أعظم الناس حقاً علينا، به هدانا الله، وبه أرشدنا، وبه دلنا على كل خير، وبه بين لنا كل شر، وبه نقتدي على منهاج ربنا عز وجل الموصل إلى دار كرامته ورضوانه، فلهذا من لم يكن قلبه مملوءاً من محبة الله ورسوله ومن لم يكن مقدماً لمحبة الله ورسوله على من سواهما فليعلم أن في قلبه مرضاً، وليحرص على أن يصحح هذا المرض، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).

إذاً.. الحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم والإجلال، هذا هو الحمد، إذا كررت هذا الوصف سمي ثناءً، وعليه فالثناء تكرار وصف المحمود بالكمال، ويدل على هذا الفرق ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي) تصور يا أخي! يناجيك الله عز وجل وأنت في صلاتك، يسمعك من فوق سبع سماوات، ويرد عليك، (إذا قلت: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قلت: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قلت: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي) والتمجيد: التعظيم، فهل نشعر ونحن نصلي بهذا؟!! الشكوى لله عز وجل، أكثرنا وأكثر أوقاتنا أننا لا نشعر بهذا، نقرأ الفاتحة على أنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها، لكننا لا نشعر بهذه المعاني العظيمة أننا نناجي الله سبحانه تعالى، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] يقول الله عز وجل من فوق سماواته: حمدني عبدي!! من يشعر بهذا يجد لذة عظيمة للصلاة، ويجد أن قلبه استنار بها، وأنه خرج منها بقلب غير القلب الذي دخل فيها به.

قوله: (الحمد لله نحمده) جملة: (نحمده) جملة فعلية، (والحمد لله) جملة اسمية، فجاءت الجملة الفعلية بعد الجملة الاسمية لتأكيد تكرار الحمد، كأننا مستمرون بحمد الله عز وجل.

معنى (ونستعينه)

قوله: (ونستعينه) أي: نطلب منه العون، على أي شيء؟ على كل شيء، وأول وأولى ما يدخل في ذلك ما نحن فيه، تقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] على كل شيء، ومنها: أن نستعينك على أداء الصلاة على الوجه الذي يرضيك عنا، وعندما تتكلم بهذه الخطبة فإنك تستعين الله تعالى على هذه الخطبة التي ستقولها وتسأله العون، وفي الحديث: (ليسأل أحدكم ربه حتى شراك نعله) استعن بالله في كل شيء، إذا أردت أن تُقضى حاجتك فاستعن بالله في كل شيء، لا تحقرن شيئاً، حتى عند الوضوء .. عند الخروج إلى المسجد .. عند أي عمل اجعل قرينك الاستعانة بالله عز وجل.

معنى (ونستغفره)

قوله: (نستغفره) أي: نسأله المغفرة، والمغفرة: هي ستر الذنب مع التجاوز عنه. هذه المغفرة، أن يستر الله عن عباده ذنبك وأن يعفو عنك هذا الذنب، ومعلوم أن الإنسان له ذنوب بينه وبين الله، ذنوب خفية في القلب، وذنوب خفية في الجوارح، لكن لا يعلم بها الناس، أرأيتم لو أن الله كشفها لكانت محنة، ولكن بحمد الله عز وجل أنه سترها عن العباد، فأنت تسأل الله أن يغفر لك، أي: أن يستر عليك الذنوب وأن يتجاوز عنك، فانتبه لهذا المعنى، أنت عندما تقول: أستغفر الله. تسأل الله شيئين هما: الأول: ستر الذنب، والثاني: التجاوز عنه بحيث لا يعاقبك الله عليه، ولهذا إذا كان يوم القيامة فإن الله تعالى يخلو بعبده المؤمن ويقول: (فعلت كذا فعلت كذا حتى يقر، ثم يقول الله عز وجل: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) اللهم اغفر لنا.

نجد أن في كتب العلماء الذين يبدءون بهذه الخطبة (نستغفره ونتوب إليه) ولكن بعد التحري لم نجد في الحديث: (ونتوب إليه) بل (نستغفره) وبعدها (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا).

معنى (نعوذ بالله من شرور أنفسنا)

قوله: (نعوذ بالله من شرور أنفسنا) أي: نعتصم بالله من شرور أنفسنا، وسؤالنا الآن: هل في النفس شر؟

الجواب: نعم. في النفس شر، قال الله تعالى: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53] والنفوس ثلاث: نفس شريرة: وهي الأمارة بالسوء، ونفس خيرة: وهي المطمئنة تأمر بالخير، ونفس لوامة، وكلها مذكورة في القرآن:

النفس الشريرة التي تأمر بالسوء مذكورة في سورة يوسف: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53].

والنفس المطمئنة الخيرة التي تأمر بالخير مذكورة في سورة الفجر: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:28-30].

النفس اللوامة مذكورة في سورة القيامة: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2]، فهل النفس اللوامة غير النفسين: الخيرة والسيئة، أو هي النفسان؟

من العلماء من يقول: إنها نفس ثالثة، ومنهم من يقول: بل هي وصف للنفسين السابقتين. فمثلاً: النفس الخيرة تلومك متى؟ إذا عملت سوءاً أو فرطت في واجب تلومك.

النفس الشريرة تلومك متى؟ إذا فعلت خيراً، أو تجنبت محرماً، لامتك: كيف تحجر على نفسك؟ لماذا لم تتحرر؟ لماذا لا تفعل كل ما تريد؟ تقولها النفس الأمارة بالسوء.

أما النفس الخيرة فتلومك عند فعل الشر وترك الخير، والنفس الأمارة بالعكس.

وأياً كان الأمر سواء كانت نفساً ثالثة، أو هي وصف للنفسين: الأمارة بالسوء والمطمئنة، فإن للنفس الشريرة علامة، ما علامتها؟

علامتها: أنها تأمرك بالشر .. تأمرك بالكذب .. بالغيبة .. بالغش .. بالسرقة .. بالزنا .. بشرب الخمر، أي نفس هذه؟ الشريرة التي تأمر بالسوء.

النفس الخيرة بالعكس، تأمرك: بالخير .. بالصلاة .. بالذكر .. بقراءة القرآن .. بالصدقة .. بغير ذلك مما يقربك إلى الله، ونحن كلنا نجد في نفوسنا مصارعة بين هاتين النفسين، والموفق من عصمه الله ووقاه شر نفسه، ولهذا نحن نقول: (نعوذ بالله من شرور أنفسنا) فأنفسنا فيها شر، إذا لم يعصمك الله عز وجل من شر نفسك هلكت وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53].

معنى (ومن سيئات أعمالنا)

قوله: (ومن سيئات أعمالنا) الأعمال السيئة لها آثار سيئة: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] والسيئة تجلب السيئة، وتقود الإنسان إلى السيئة الأخرى قهراً، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن المعاصي بريد الكفر. أي: إذا هانت المعاصي في نفسك هانت الصغيرة ثم هانت الكبيرة ثم هون الكفر في نفسك، فكفرت والعياذ بالله، ولهذا يجب على الإنسان من حين أن يشعر بالمعصية أن يستغفر الله منها، وأن يلجأ إلى الله عز وجل بالإنابة والتوبة حتى تمحى آثارها، وحتى لا يختم على القلب، وحتى لا يصل الإنسان إلى هذه الدرجة بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14].

نسأل الله أن يصلح لنا ولكم العلانية والسريرة، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

قوله: (الحمد): وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً وإجلالاً، فإذا وصفت ربك بالكمال فهذا هو الحمد، لكن لا بد أن يكون مصحوباً بالمحبة والتعظيم والإجلال؛ لأنه إن لم يكن مصحوباً بذلك سمي مدحاً لا حمداً، ومن ثمَّ نجد بعض الشعراء يمدحون بعض الأمراء مدحاً عظيماً بالغاً، لكنك لو فتشت عن قلبه لوجدت أنه خالٍ من محبة هذا الأمير، ولكنه يمدحه إما لرجاء منفعة أو لدفع مضرة.

أما حمدنا لله عز وجل فإنه حمد محبة وتعظيم وإجلال، إذ أن محبة الله تعالى فوق كل محبة، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق محبة كل مخلوق، ولهذا يجب علينا أن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، ويجب علينا أن تكون محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوق محبة أنفسنا وأهلينا ووالدينا وأولادنا؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أعظم الناس حقاً علينا، به هدانا الله، وبه أرشدنا، وبه دلنا على كل خير، وبه بين لنا كل شر، وبه نقتدي على منهاج ربنا عز وجل الموصل إلى دار كرامته ورضوانه، فلهذا من لم يكن قلبه مملوءاً من محبة الله ورسوله ومن لم يكن مقدماً لمحبة الله ورسوله على من سواهما فليعلم أن في قلبه مرضاً، وليحرص على أن يصحح هذا المرض، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).

إذاً.. الحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم والإجلال، هذا هو الحمد، إذا كررت هذا الوصف سمي ثناءً، وعليه فالثناء تكرار وصف المحمود بالكمال، ويدل على هذا الفرق ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي) تصور يا أخي! يناجيك الله عز وجل وأنت في صلاتك، يسمعك من فوق سبع سماوات، ويرد عليك، (إذا قلت: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قلت: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قلت: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي) والتمجيد: التعظيم، فهل نشعر ونحن نصلي بهذا؟!! الشكوى لله عز وجل، أكثرنا وأكثر أوقاتنا أننا لا نشعر بهذا، نقرأ الفاتحة على أنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها، لكننا لا نشعر بهذه المعاني العظيمة أننا نناجي الله سبحانه تعالى، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] يقول الله عز وجل من فوق سماواته: حمدني عبدي!! من يشعر بهذا يجد لذة عظيمة للصلاة، ويجد أن قلبه استنار بها، وأنه خرج منها بقلب غير القلب الذي دخل فيها به.

قوله: (الحمد لله نحمده) جملة: (نحمده) جملة فعلية، (والحمد لله) جملة اسمية، فجاءت الجملة الفعلية بعد الجملة الاسمية لتأكيد تكرار الحمد، كأننا مستمرون بحمد الله عز وجل.