شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة العيدين - حديث 510-514


الحلقة مفرغة

اليوم عندنا الدرس رقم (182)، من أمالي شرح بلوغ المرام في هذه الليلة ليلة الإثنين (24) من شهر ربيع الأول لسنة (1426هـ).

والباب الذي عندنا هو باب صلاة العيدين.

والعيدان هما عيد الفطر وعيد الأضحى.

وأصل كلمة العيد مشتقة من العود، وهو كل ما يعود ويتكرر في الحزن أو الفرح، ولكن الغالب عليه أنه في الفرح، ولذلك أمم الأرض كلها لها أعياد، والغالب أن أعيادها تكون أعياداً دينية، فالعيد فيه تذكير بالمعاني الدينية التي تجتمع عليها الأمة.

وكذلك للعيد أحياناً معان وطنية كأعياد توحيد البلاد، أو استقلال البلاد التي كانت محتلة، أو غير ذلك، وفيها معان إنسانية بإرعاء الغني على الفقير والكبير على الصغير، ونفسية بإظهار الفرح والغبطة والسرور، فالعيد أحد تجليات الرحمة الإلهية لأهل هذا الدين وهذه الأمة.

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة عيدين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وأول ما كان من الأعياد هو عيد الفطر، وكان في السنة الثانية من الهجرة، وبعد ذلك الأضحى.

وطبعاً: أحياناً يخترع الناس أو يبتكرون أعياداً أخرى ليس لها أصل، وإنما الأمر كما يقول الشاعر:

عيدان عند أولي النهى لا ثالث لهما لمن يبغي السلامة في غد

الفطر والأضحى وكل زيادة فيها خروج عن سبيل محمد

يوجد أشياء قد تتكرر عند الناس لكن لا على سبيل العيد، وإنما بمعان دنيوية محضة وليس لها صفة العموم، فهذه الأمر فيها مختلف، مثل أن يكون الناس عندهم مناسبة معينة تتكرر في اجتماع العائلة أو في الزواج، يعني: كون الإنسان مثلاً إذا تزوج في يوم معين، إذا جاء مثل هذا اليوم من العام القادم أهدى لزوجته هدية أو خرج بها أو ما أشبه ذلك، هذا لا يسمى عيداً وليس له صفة العموم، وهو قد يكون أحياناً من مكارم العادات والأخلاق التي لا تحمد ولا تذم لذاتها.

عندنا مجموعة أحاديث:

الحديث الأول: حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس )، قال المصنف رحمه الله: رواه الترمذي .

تخريج الحديث

فالحديث في سنن الترمذي كتاب الصوم باب ما جاء في الفطر والأضحى، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، ورواه أيضاً الدارقطني .

هذا الحديث في سنده علتان:

العلة الأولى: أن في إسناده يحيى بن اليماني أبو زكريا العجلي، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، فهو صدوق في نفسه لكن تكلم فيه من قبل حفظه، وأصيب في آخر عمره بالفالج فوقع له ضعف، وإن كانت أقوال علماء الجرح والتعديل فيه مختلفة، لكنه إلى الضعف أقرب أو يقال: هو صدوق يخطئ .

الثاني: أن الحديث من رواية محمد بن المنكدر من عائشة رضي الله عنها، ومحمد بن المنكدر تابعي ثقة، ولكن يقال: إنه لم يسمع من عائشة، البخاري رحمه الله سئل كما ذكر الترمذي في سننه أنه سأل محمد بن إسماعيل، يعني: البخاري، عن سماع محمد بن المنكدر عن عائشة فأثبته، فعلى طريقة البخاري يكون السند هنا متصلاً .

لكن أبا زرعة وابن معين وغيرهم يقولون: إن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، وعائشة رضي الله عنها توفيت قبل أبي هريرة، فإذا كان لم يدرك أبا هريرة فمن باب الأولى أنه لم يدرك عائشة، فتكون روايته عن عائشة وعن أبي هريرة أيضاً مرسلة.

واللافت للنظر أن هذا الحديث جاء حتى في رواية أخرى، جاء الحديث عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة فيكون أيضاً مرسلاً على هذا.

الراجح كما يقول الدارقطني بعدما ساق هذا الحديث: أنه موقوف على عائشة، يعني: كأنه يكون من كلامها رضي الله عنها، وكأن هذا فيه إشارة إلى أن الأئمة يتسامحون في الموقوف ما لا يتسامحون في المرفوع، وإلا فالسند هو هو، ولكن كأن الدارقطني يشير إلى أن الرفع لا يصح وأنه موقوف على عائشة رضي الله عنها من قولها، وقد صححه الترمذي كما ذكرت قبل قليل.

شواهد الحديث

وللحديث شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه كما أسلفت، وهو عند الترمذي أيضاً وأبي داود وابن ماجة، وقال الترمذي حديث حسن، وكذلك الإمام النووي في المجموع قال عنه: إنه حديث حسن، يعني: رواية أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول الشوكاني في نيل الأوطار : رجال إسناده ثقات.

وهذا الحديث حديث أبي هريرة الذي هو شاهد حديث الباب جاء من طرق:

أحدها ابن المنكدر كما ذكرت؛ لكن جاء من طرق أخرى يقوي بعضها بعضاً، وبذلك يتبين أن حديث الباب الذي هو حديث عائشة وإن كان ضعيفاً في نفسه إلا أنه يتعزز بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والراجح أنه موقوف على عائشة كما ذكره الدارقطني، وطبعاً للحديث شواهد عديدة لكن أنا ذكرت أصح هذه الشواهد وأهمها.

معاني ألفاظ الحديث

ما يتعلق بألفاظ الحديث:

قوله صلى الله عليه وسلم: ( الفطر يوم يفطر الناس )، المقصود هنا بالفطر عيد الفطر، كأنه قال: عيد الفطر يوم يفطر الناس.

وأصل الفطر هو الإفطار من الصيام، يقال: صام وأفطر، ولكن المقصود هنا بالفطر العيد وهذا واضح من السياق، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يوم يفطر الناس )، يعني: يوم يعتقد الناس فيه أنه الفطر، فكأنه علق صلى الله عليه وسلم كون هذا اليوم عيداً بأن يعتقد الناس أنه عيد ويأخذون بذلك.

قوله: ( والأضحى يوم يضحي الناس )، الأضحى أيضاً المقصود به عيد الأضحى، والأضحى مأخوذ من الأضحية التي تجمع على أضاح، وقد يقال: أضحاة وتجمع عند بعضهم على أضحى، وقد تسمى التضحية، وهي النسيكة أو الذبيحة التي تذبح في وقت معين معلوم، وعيد الأضحى متى يكون؟

طبعاً عيد الفطر هو اليوم الأول من شهر شوال، عيد الأضحى هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وكلها أعياد شرعية دينية كما أسلفت.

إذاً: المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: ( الأضحى يوم يضحي الناس )، أن عيد الأضحى هو العيد الذي يعتقد الناس أنه العيد، فإذا وقف الحجاج بـعرفة في يوم التاسع، أو ما يعتقدون أنه اليوم التاسع، فاليوم الذي يليه هو العيد في ذلك المكان وفي كل بلد بحسبه.

الشهادة برؤية هلال يوم العيد

مسائل الحديث:

في هذا الحديث مسألة فقهية مهمة، وهي: قضية الشهادة برؤية هلال شوال، أو الشهادة بالعيد، كيف تكون وكيف تعرف؟

أكثر أهل العلم والجمهور يقولون: إنه لابد في رؤية هلال شوال من شاهدين يشهدان أنهما رأيا هلال شوال حتى يعيد المسلمون، وهذا مذهب الجمهور بما فيهم أبو حنيفة .

بماذا يستدل هؤلاء على ضرورة وجود شاهدين؟

استدلوا أولاً: بحديث رواه أمير مكة واسمه الحارث بن حاطب يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك برؤيته -يعني: رؤية الهلال- فإن لم نره وشهدا شاهدا عدل نسكنا لشهادتهما )، فهذا دليل على أنه لابد من شاهدي عدل، وهذا الحديث صحيح رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي وصححوه، فهو دليل على أنه يشترط لقبول الشهادة أن يكونا شاهدين اثنين، وأن يكونا شاهدي عدل، أن يكونا عدولاً معروفين.

وكذلك مما استدل به هؤلاء على اشتراط الاثنين حديث أبي عثمان النهدي : ( أن الصحابة رضي الله عنهم أصبحوا، فجاء رجلان من البادية فشهدا أنهما رأيا الهلال، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: أمسلمان أنتما؟ قالا: نعم، نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن أو يعلم الناس بالفطر )، وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة وهو حديث مرسل ولكن يشهد له ما قبله.

فهذان الحديثان يدلان على أنه لابد في هلال شوال، هلال العيد من شاهدين، وأنا أؤكد على قضية هلال شوال أنه ليس بلازم أن هذا الخلاف بحروفه يقع في هلال رمضان؛ لأن هلال رمضان له حكم يختلف ويأتي في وقته.

ولكن كثير من الفقهاء أشاروا بلطف إلى اختلاف هلال شوال عن هلال رمضان، وقالوا: إن من الفروق الواضحة البينة؛ أن هلال شوال يترتب على رؤيته حقوق مالية، والحقوق المالية مثل صدقة الفطر، ومثل الحقوق المالية عادة لابد فيها من اثنين في الشهادة.

القول الثاني: أنه يكفي رؤية شاهد واحد ثقة، وهذا مذهب الإمام ابن حزم وبعض أهل الحديث، ونقل عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبعض فقهاء السلف، ولكنه ليس مشهوراً عند الأئمة الأربعة، أنه يكفي فيه شاهد واحد.

ولعل مما يستدل به هؤلاء للشاهد الواحد, أولاً: الحديث الذي رواه سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قصة الرجل الذي جاء، في دخول رمضان وقال: ( إنه شهد الهلال، فقال: تشهد أني رسول الله؟ قال: نعم. فأمرهم بالصيام )، فقالوا: إن دخول رمضان وخروجه سواء.

ونحن نقول: إن هذا فيه منازعة، وإن دخول رمضان ليس كخروجه.

أيضاً مما يستدلون به ما نقل عن عمر رضي الله عنه أنه أعلن العيد بشاهد واحد، وكذلك نقل عن علي رضي الله عنه وهو خليفة، فقالوا: إن فعل عمر وعلي دليل على أنه يكتفى بالشاهد الواحد، والذي نرجحه القول الأول وهو قول الجمهور أنه لابد من شهادة عدلين.

فوائد الحديث

في الحديث فوائد كبيرة، والحقيقة أن هذا الحديث عظيم، حديث عائشة وأبي هريرة في أهمية الجماعة: ( الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس ) والصوم يوم يصوم الناس.

بمعنى: أن يد الله مع الجماعة، وأن الله يحب الجماعة ويكره الفرقة والشذوذ، حتى لو أن الناس أخطئوا عن غير عمد في أمر من الأمور فوقع خلاف ما هو عليه فهو مقبول عند الله، يعني: لو أن الناس وقفوا بـعرفة في اليوم العاشر يظنونه التاسع؛ هذا ليس عليهم فيه بأس وحجهم صحيح ولا بأس عليهم في ذلك، والراجح أنهم لو وقفوا أيضاً في اليوم الثامن بـعرفة يظنونه اليوم التاسع أن حجهم صحيح، وهل فيه فرق بين الثامن والعاشر؟

يعني: إذا وقفوا في العاشر فلا إشكال، لكن الثامن، حتى الثامن على القول الراجح أنه لا إشكال، ويوجد فرق بين العاشر والثامن؟

يوجد فرق، مثلما قلنا في الفرق بين دخول رمضان ودخول شوال؛ لأن اليوم العاشر قد يكون أخذوا بالاحتياط في دخول شهر ذي الحجة وأكملوه بينما هو ناقص، أو بمعنى أنهم تحروا وترتب على ذلك تأخير الوقوف بـعرفة، لكن في اليوم الثامن قد يكون لو حصل هذا الخطأ فالغالب أنه بسبب الإهمال وعدم التحري، يعني: هذا الفرق ذكره عدد من الفقهاء.

وفي الواقع أنه فارق غير مؤثر؛ لأن عامة الناس لا يتسنى لهم ترائي الهلال وما أشبه ذلك، وإنما ينظرون إلى ما تقرره السلطة أو الجهة المختصة، فالمقصود: أن الناس لو أخطئوا بـعرفة فوقفوا كلهم في اليوم العاشر أو الثامن يظنونه يوم عرفة أن ذلك يجزئ، وكذلك لو عيدوا في آخر يوم من رمضان -وهو يوم الثلاثين من رمضان- ظنوه عيداً، أو العكس أنهم أتموا رمضان وهو ناقص، أو ما أشبه ذلك، أو كان عيد الأضحى تأخر عندهم أو تقدم بخطأ غير مقصود والناس على هذا؛ أن هذا لا يضر، وأن موافقة الناس فيها خير، ولا يحل لأحد أن يخالف ما عليه إجماع الناس في هذه الأمور، فهذا معنى مهم جداً أن يد الله مع الجماعة، وأن الإنسان عليه أن يحرص على الاجتماع ويكره الفرقة .

الفائدة الثانية: أنه لا يجوز لمسلم أن يشذ عن المسلمين لا بفطر ولا بصوم ولا بعيد ولا بحج ولا بغيرها، بحجة أنه علم ما لم يعلموا، ممكن يحصل أن واحداً واقف بـعرفة لوحده أو فئة قليلة لماذا؟ قالوا: والله جاءنا الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لنا: الناس ما عندهم خبر وقفوا قبل عرفة أو بعدها، فوقفنا حيث أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم.

فنقول: الذي ادعيتم أنكم رأيتموه في المنام قد رآه الناس في اليقظة وقال لهم: ( الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحون، والصوم يوم يصومون ).

الثالث: فيه عصمة الاجتماع، وأن الله تعالى جعل اجتماع هذه الأمة عصمة، وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأن ما اجتمعت عليه فهو الصواب، ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله: إن ما اجتمع الناس عليه من وقوف بـعرفة أو غيرها فهو الصواب عند الله، حتى لو ظن الناس أنهم اليوم العاشر أو اليوم الثامن أو ما أشبه ذلك.

فالحديث في سنن الترمذي كتاب الصوم باب ما جاء في الفطر والأضحى، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، ورواه أيضاً الدارقطني .

هذا الحديث في سنده علتان:

العلة الأولى: أن في إسناده يحيى بن اليماني أبو زكريا العجلي، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، فهو صدوق في نفسه لكن تكلم فيه من قبل حفظه، وأصيب في آخر عمره بالفالج فوقع له ضعف، وإن كانت أقوال علماء الجرح والتعديل فيه مختلفة، لكنه إلى الضعف أقرب أو يقال: هو صدوق يخطئ .

الثاني: أن الحديث من رواية محمد بن المنكدر من عائشة رضي الله عنها، ومحمد بن المنكدر تابعي ثقة، ولكن يقال: إنه لم يسمع من عائشة، البخاري رحمه الله سئل كما ذكر الترمذي في سننه أنه سأل محمد بن إسماعيل، يعني: البخاري، عن سماع محمد بن المنكدر عن عائشة فأثبته، فعلى طريقة البخاري يكون السند هنا متصلاً .

لكن أبا زرعة وابن معين وغيرهم يقولون: إن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، وعائشة رضي الله عنها توفيت قبل أبي هريرة، فإذا كان لم يدرك أبا هريرة فمن باب الأولى أنه لم يدرك عائشة، فتكون روايته عن عائشة وعن أبي هريرة أيضاً مرسلة.

واللافت للنظر أن هذا الحديث جاء حتى في رواية أخرى، جاء الحديث عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة فيكون أيضاً مرسلاً على هذا.

الراجح كما يقول الدارقطني بعدما ساق هذا الحديث: أنه موقوف على عائشة، يعني: كأنه يكون من كلامها رضي الله عنها، وكأن هذا فيه إشارة إلى أن الأئمة يتسامحون في الموقوف ما لا يتسامحون في المرفوع، وإلا فالسند هو هو، ولكن كأن الدارقطني يشير إلى أن الرفع لا يصح وأنه موقوف على عائشة رضي الله عنها من قولها، وقد صححه الترمذي كما ذكرت قبل قليل.

وللحديث شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه كما أسلفت، وهو عند الترمذي أيضاً وأبي داود وابن ماجة، وقال الترمذي حديث حسن، وكذلك الإمام النووي في المجموع قال عنه: إنه حديث حسن، يعني: رواية أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول الشوكاني في نيل الأوطار : رجال إسناده ثقات.

وهذا الحديث حديث أبي هريرة الذي هو شاهد حديث الباب جاء من طرق:

أحدها ابن المنكدر كما ذكرت؛ لكن جاء من طرق أخرى يقوي بعضها بعضاً، وبذلك يتبين أن حديث الباب الذي هو حديث عائشة وإن كان ضعيفاً في نفسه إلا أنه يتعزز بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والراجح أنه موقوف على عائشة كما ذكره الدارقطني، وطبعاً للحديث شواهد عديدة لكن أنا ذكرت أصح هذه الشواهد وأهمها.

ما يتعلق بألفاظ الحديث:

قوله صلى الله عليه وسلم: ( الفطر يوم يفطر الناس )، المقصود هنا بالفطر عيد الفطر، كأنه قال: عيد الفطر يوم يفطر الناس.

وأصل الفطر هو الإفطار من الصيام، يقال: صام وأفطر، ولكن المقصود هنا بالفطر العيد وهذا واضح من السياق، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يوم يفطر الناس )، يعني: يوم يعتقد الناس فيه أنه الفطر، فكأنه علق صلى الله عليه وسلم كون هذا اليوم عيداً بأن يعتقد الناس أنه عيد ويأخذون بذلك.

قوله: ( والأضحى يوم يضحي الناس )، الأضحى أيضاً المقصود به عيد الأضحى، والأضحى مأخوذ من الأضحية التي تجمع على أضاح، وقد يقال: أضحاة وتجمع عند بعضهم على أضحى، وقد تسمى التضحية، وهي النسيكة أو الذبيحة التي تذبح في وقت معين معلوم، وعيد الأضحى متى يكون؟

طبعاً عيد الفطر هو اليوم الأول من شهر شوال، عيد الأضحى هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وكلها أعياد شرعية دينية كما أسلفت.

إذاً: المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: ( الأضحى يوم يضحي الناس )، أن عيد الأضحى هو العيد الذي يعتقد الناس أنه العيد، فإذا وقف الحجاج بـعرفة في يوم التاسع، أو ما يعتقدون أنه اليوم التاسع، فاليوم الذي يليه هو العيد في ذلك المكان وفي كل بلد بحسبه.

مسائل الحديث:

في هذا الحديث مسألة فقهية مهمة، وهي: قضية الشهادة برؤية هلال شوال، أو الشهادة بالعيد، كيف تكون وكيف تعرف؟

أكثر أهل العلم والجمهور يقولون: إنه لابد في رؤية هلال شوال من شاهدين يشهدان أنهما رأيا هلال شوال حتى يعيد المسلمون، وهذا مذهب الجمهور بما فيهم أبو حنيفة .

بماذا يستدل هؤلاء على ضرورة وجود شاهدين؟

استدلوا أولاً: بحديث رواه أمير مكة واسمه الحارث بن حاطب يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك برؤيته -يعني: رؤية الهلال- فإن لم نره وشهدا شاهدا عدل نسكنا لشهادتهما )، فهذا دليل على أنه لابد من شاهدي عدل، وهذا الحديث صحيح رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي وصححوه، فهو دليل على أنه يشترط لقبول الشهادة أن يكونا شاهدين اثنين، وأن يكونا شاهدي عدل، أن يكونا عدولاً معروفين.

وكذلك مما استدل به هؤلاء على اشتراط الاثنين حديث أبي عثمان النهدي : ( أن الصحابة رضي الله عنهم أصبحوا، فجاء رجلان من البادية فشهدا أنهما رأيا الهلال، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: أمسلمان أنتما؟ قالا: نعم، نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن أو يعلم الناس بالفطر )، وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة وهو حديث مرسل ولكن يشهد له ما قبله.

فهذان الحديثان يدلان على أنه لابد في هلال شوال، هلال العيد من شاهدين، وأنا أؤكد على قضية هلال شوال أنه ليس بلازم أن هذا الخلاف بحروفه يقع في هلال رمضان؛ لأن هلال رمضان له حكم يختلف ويأتي في وقته.

ولكن كثير من الفقهاء أشاروا بلطف إلى اختلاف هلال شوال عن هلال رمضان، وقالوا: إن من الفروق الواضحة البينة؛ أن هلال شوال يترتب على رؤيته حقوق مالية، والحقوق المالية مثل صدقة الفطر، ومثل الحقوق المالية عادة لابد فيها من اثنين في الشهادة.

القول الثاني: أنه يكفي رؤية شاهد واحد ثقة، وهذا مذهب الإمام ابن حزم وبعض أهل الحديث، ونقل عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبعض فقهاء السلف، ولكنه ليس مشهوراً عند الأئمة الأربعة، أنه يكفي فيه شاهد واحد.

ولعل مما يستدل به هؤلاء للشاهد الواحد, أولاً: الحديث الذي رواه سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قصة الرجل الذي جاء، في دخول رمضان وقال: ( إنه شهد الهلال، فقال: تشهد أني رسول الله؟ قال: نعم. فأمرهم بالصيام )، فقالوا: إن دخول رمضان وخروجه سواء.

ونحن نقول: إن هذا فيه منازعة، وإن دخول رمضان ليس كخروجه.

أيضاً مما يستدلون به ما نقل عن عمر رضي الله عنه أنه أعلن العيد بشاهد واحد، وكذلك نقل عن علي رضي الله عنه وهو خليفة، فقالوا: إن فعل عمر وعلي دليل على أنه يكتفى بالشاهد الواحد، والذي نرجحه القول الأول وهو قول الجمهور أنه لابد من شهادة عدلين.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4784 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4394 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4213 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4095 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4047 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4021 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3974 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3917 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3900 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3879 استماع