أرشيف المقالات

فلسطين. . .!

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 للأستاذ عمر الدسوقي وإن تعجب فعجب لأمريكا القوية العالمة كيف عمى عليها فلم تتبين الحق الأبلج الوضاء كأنه الصبح المشرق، من الباطل الخبيث المعتم كأنه قطع الليل البهيم: حق فلسطين العربية المجاهدة، وفي يمينها سفر يسطع بالكفاح المجيد، والتاريخ العتيد، والتراث التليد، والحجج الدامغة؛ ومن ورائها جمهرة بنيها تلهج بلسان عربي مبين، وتتقد حماسة، وتشتعل وطنية في الدفاع عن الوطن الغالي، متحدية في شمم وكبرياء مال اليهود وجيش الإنجليز. وباطل الصهيونية المدلسة الغاشمة، ولا تملك من برهان تقنع به بعض الأمم إلا المال تشتري به ضمائر الساسة، وتسخر به أقلام الكتاب، وتفتن به أرباب الصحف، وتسيطر به على الأسواق، وتزخرف به الدعايات المزورة. من كان يظن أن أمريكا تناصر البهتان في ابشع صوره، وقد دوت صرختها في أرجاء المعمورة، يوم أن نزلت إلى ساح الوغى تملأ البر جيوشاً، والبحر أساطيل، والسماء أسراباً، وحشدت العلم والمال، وأرخصت العزيز، والتفتت إلى العالم تنبئه أنها ستصرع الباطل ودولته، والبغي وصولته، وأنها درء الضعيف المهضوم الحق، وكفيلة الحريات بشتى أنواعها، وأنها تنشد للعالم سعادة ورفاهية وحياة مديدة في رخاء وبلهنية. أكان ذلك خداع المحتاج، ونفاق المضطر؟ أضحي بألوف الألوف من الشباب الغض، وروعت الأسر الآمنة، والمدن الوادعة، وضربت الأرض العامرة الممرعة، ودكت المصانع المزدهرة اليانعة، وقوضت أركان المدنية وبلبلت أفكار الإنسانية وزلزلت مبادئها من القواعد، في سبيل قضية ملفقة، ودفاعاً عن النهم، ونصرة للباطل في مسوح الحق؟! يا للعار!! إن هذا الحكم الجائر على فلسطين العربية الذي افتتح به نواب أمريكا وشيوخها عهد السلم، لأكبر وصمة للمدنية الغربية وأنصع دليل على الضمائر المعتلة، والموازين المختلة، والمواثيق الكاذبة، والأيمان الحانثة. ومن عجب أنهم يصدرونه حفاظاً على ضمائرهم أن تلوث وعهودهم أن تدنس! فأي با وأي إفك!! فيم التحكيم، وقد صدر الحكم؟ إنه أمر بُيت بليل، وقد وضحت سرائر القوم وما يضمرونه من سوء، ويدبرونه من مكيدة! ليست فلسطين صنيعة لبعض أرباب الملايين في أمريكا حتى توهب لأفاقي الأرض ومن لفظتهم ديارهم من اليهود. إن العرب وحدهم هم أولو الشأن في فلسطين، مهما ظاهر الباطل من قوي وأيده من جاه، وعاضده من ضغط سياسي وأدبي ومادي. الكلمة في فلسطين للعرب، والحكم لهم دون سواهم، فإن شاءوا تحطمت قوى الباطل وعظموته على صفاة إيمانهم وشجاعتهم وصبرهم، وإن شاءوا استناموا للوعود المعسولة، والمماطلات الكاذبة، والأساليب الملتوية الدنيئة؛ فضاعوا وضاعت ديارهم كلها لا فرق بين فلسطين وغيرها. إن الأمم التي تريد الحياة العزيزة الحرة لا يضيرها ما يبيته لها الأعداء، وما يحكمون به عليها، ما دام الإيمان يملأ جوانح قلوب أبنائها، وما دامت عزائمهم مبرمة، وأمورهم محكمة، وكلمتهم واحدة. أمريكا تريد أن تتخلص من اليهود الذين ينافسون أبناءها ويسدون عليهم سبل العيش، ويسيطرون على تجارتها، وصحافتها ومسارحها، وخيالتها، وشركاتها، شأنهم في هذا شأن إخوانهم في كل بقاع الأرض؛ وتدعي أمريكا أنها حزينة تذوب من الأسى والحسرة لهؤلاء اليهود المشردين في خرائب أوربا؛ وأنها لن تهدأ حتى تجد لهم مأوى - لا في سهول أمريكا الخصبة الغنية، ومدنها العامرة الفتية، ولكن - في أرض فلسطين الجرداء وعلى ضفاف البحر الميت.
فأي إفك وأي زور!! لتقل أمريكا ما تشاء، فالكلمة الأخيرة للعرب، وهم يؤثرون الفناء بالقنابل الذرية أو بغيرها، عن أن يجعلوا من فلسطين أندلساً أخرى تغتصب من بين أيديهم وهم ينظرون.
لو حدث هذا - لا قدر الله - فقل على الجنس العربي العفاء، ولن يكون ذلك ما دام في العرب أنفاس تتردد وقلوب تنبض. أول سلاح للمقاومة هو المقاطعة التجارية، وقد وضع السلاح في أيدي الشعوب العربية، وهو سلاح فعال قتال؛ لأن اليهود من عباد المال، وقديما حينما أغواهم الشيطان، فضلوا عن عبادة الرحمن، اتخذوا لهم عجلا من ذهب يعبدونه من دون الله.
ولا يزالون حتى اليوم يقدسونه ويؤلهونه. ولكن الأمر يتطلب منا جداً، حكومات وشعوبأً، فالسلع الصهيونية قد غمرت الأسواق مدة الحرب، واليهود يسيطرون على التجارة: فهم الوسطاء، وهم كبار المستوردين، وهم أثرياء التجار، ولن ننجح في المقاطعة إلا إذا منعت الحكومات استيراد سلعهم، وتيقظت الشعوب، ورفضت في أنفة وحمية أن تعامل اليهود أو تشتري منهم.
إني لا أخشى على أهل الشام إخفاقهم في المقاطعة فهم رجال ذوو دربة وجرأة في التجارة، وجلد على الأسفار، يستطيعون بما رزقوا من موهبة عملية أن يرحلوا إلى أوربا ويغشوا أسواقها ويجلبوا منها السلع المتباينة، ويقضوا على الوساطة اليهودية، والاستيراد اليهودي، فيربحوا ربحاً مزدوجاً في المال وفي الوطنية، ويضربوا اليهود ضربتين مادية ومعنوية. ولكني أخشى على المصريين، فالوساطة اليهودية في كل السلع تسيطر على أسواقهم، ولم نر منهم من شمَر، وغامر وسافر وأتصل بالمصانع والمتاجر الكبرى في بلاد الغرب؛ فأكتسب تجربة ومالا، وقضى على عدو يمتص دمه ويعرق لحمه، ويلقي له بالفضلات والنفايات بعد أن يشبع ويبشم. إن اليهود بعضهم لبعض ظهير، ونحن إن لم نقاطع السلع اليهودية والوساطة اليهودية نكون قد جرحنا العدو ولم نقتله.
فهل نرى من شبابنا الناهض وتجارنا الذين أثروا مدة الحرب شجاعة وإقداماً؛ فيجددوا في طرق التجارة المصرية؟.
وهل نجد عند الشعوب العربية حماسة ويقظة تجعلهم دائماً حريصين على استعمال سلاح المقاطعة الفتاك حتى تُدحر الصهيونية؟ يستطيع اليهود بأموالهم العظيمة، وبعطف إخوانهم الأثرياء عليهم في كل بقاع الأرض، أن يشيدوا المصانع في فيافي فلسطين إذا عجزوا عن زرعها، وأسسوا المدن التي تزخر ببني جنسهم إذا لم يستطيعوا تأسيس القرى والضياع، فإذا أردنا أن ندك تلك المصانع ونهدم تلك المدن، ونجعل فلسطين عليهم بلقًعاً جديباً يضيق بهم فيأكل بعضهم بعضاً أو يخلونه ويرحلون؛ فعلينا بالمقاطعة وتنظيمها حتى يحسوا بها قريباً، ويعلموا أنا أمم جادة لا هازلة، وأنا نريد الحياة ونتقن الكفاح، وأنا في غنى عنهم، وعما يتشدقون به من إصلاح لأرض فلسطين وزيادة في ثروتها. أيها العرب! الكلمة لكم! والأمر خطير! اذكروا ضحاياكم، وقراكم، وأرضكم، وتاريخكم! اذكروا أنكم إن تقاعستم شرد إخوانكم، ونكبتم في أموالكم، واستولى عليكم اليهود، وصرتم لهم أجراء، وعبيداً أذلاء!! اذكروا أن الجامعة العربية - تلك الأنشودة القوية، والأمنية الحلوة التي طالما ترنمنا بها هي التي تشهر سلاح المقاطعة وهي تخوض تلك المعركة، فإما نصر بعده مجد مؤثل، وإما إخفاق يتبدد به هذا الحلم الجميل - لا قدر الله. عمر الدسوقي

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن