النجاة في إخلاص العمل لله وترك السمعة والرياء
مدة
قراءة المادة :
44 دقائق
.
النجاة في إخلاص العمل لله وترك السمعة والرياءأولًا: بعض ما جاء في كتاب الله عز وجل من ذلك:
قال الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، قال سعيد بن جبير: ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ لا يرائي[1]، وعن كثير بن زياد قال: قلتُ للحسن البصري قول الله: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ قال: في المؤمن نزلتْ، قلتُ: أشرَكَ بالله؟ قال: لا؛ ولكن أشرَكَ بذلك العمل، عملًا يريدُ اللهَ به والناسَ، فذلك يُرَدُّ عليه[2].
وعن عبدالواحد بن زيد قال: "قلتُ للحسن البصري: أخبرني عن الرياء، أشرك هو؟ قال: نعم يا بني، وما تقرأ: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾"[3].
وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].
وقال عز وجل: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ [الشورى: 20]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
وقال: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 38، 39].
وقال الله تبارك وتعالى في وصف عباده الصالحين: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ [الإنسان: 8 -11].
قال مجاهد: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ وهم يشتهونه، و﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ قال: أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم، ليرغب في ذلك راغب[4].
وقال تعالى: ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى* لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 14 -21].
قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ﴾ [الليل: 19]؛ أي: ليس يتصدَّق ليجازي على نعمة، إنما يبتغي وجه ربه الأعلى، ﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾؛ أي: سوف يعطيه في الجنة ما يرضى، وذلك أنه يعطيه أضعاف ما أنفق[5].
وقال ابن كثير: وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك[6].
وذكر عز وجل عن أنبيائه ورسله أنهم قالوا لأقوامهم: ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ و﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 109].
وأمر سبحانه وتعالى خاتم أنبياءه ورسله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقولها لقومه، وذلك في عدة مواضع من القرآن:
فقال سبحانه: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90]، وقال: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 57]، وقال: ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سبأ: 47]، وقال: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]، وقال: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23].
وعَنْ طَاووس أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿ إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ﴾ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ، إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: ((إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ))[7].
قال الحافظ ابن حجر: عجلتَ؛ أي: أسرعتَ في التفسير، والمعنى - أي: معنى الآية وفقًا لكلام ابن عباس - إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني، والخطاب لقريش خاصة، والقربى: قرابة العصوبة والرحم، فكأنه قال: احفظوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة[8].
وعن أبي الأشهب قال: قرأ الحسن البصري: ﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]، قال: إنما قلَّ؛ لأنه كان لغير الله[9].
ثانيًا: بعض ما جاء حول ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ))[10].
وعَنْ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا جَمَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا، فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ اللهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ))[11].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ، كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ))[12].
وعَنْ جُنْدُبٍ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ))[13].
قال الخطابي: "معناه: من عمل عملًا على غير إخلاص؛ وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جُوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه، ويظهر ما كان يبطنه"[14].
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ؛ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ؛ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ))[15].
وفي رواية أن شُفَيَّ بْن مَاتِعٍ الْأَصْبَحِيَّ سمع هذا الحديث من أبي هريرة رضي الله عنه، ثم دخل على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فَأَخْبَرَهُ به، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: "قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]"[16].
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْرًا فَأَدْرَكَهُ"، قَالَ سِمَاكٌ - أحد رواة هذا الحديث -: يَعْنِي الذِّكْرَ[17].
ومعنى "إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْرًا فَأَدْرَكَهُ"؛ أي: إن أباه أراد بأفعاله هذه أن يذكر بها بين الناس ويشتهر، فأدرك ذلك وأصبح يضرب به المثل عند العرب في الجود والكرم والسخاء، فيقال: أجود من حاتم الطائي، وأسخى من حاتم الطائي، فهذا حظُّه منها؛ ولكن ليس له في الآخرة شيء؛ لأنه لم يرد بها وجه الله ومرضاته.
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))[18].
وعَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُاللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئًا فَهُوَ لَهُ»، قَالَ: "هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ، وَكَانَ يُسَمَّى مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ"[19].
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))[20].
ومعنى (لِلْمَغْنَمِ)؛ أي: من أجل الغنيمة، (لِلذِّكْرِ): الشهرة بين الناس، (لِيُرَى مَكَانُهُ): مرتبته في الشجاعة[21].
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا شَيْءَ لَهُ))، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا شَيْءَ لَهُ))، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ))[22].
وعن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((نَضَّرَ اللهُ امْرأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ[23]عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ)).
وَقَالَ: ((مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا نِيَّتَهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ))[24].
قال ابن القيم: "وَقَوله: ((ثَلَاث لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ...)) إِلَى آخِره؛ أي: لا يحمل الغل، وَلَا يبْقى فِيهِ مَعَ هذِه الثَّلَاثَة، فَإِنَّهَا تنفي الغل والغش؛ وَهُوَ فَسَاد الْقلب وسخائمه، فالمخلص لله إخلاصه يمْنَع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملَة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إِلَى مرضاة ربِّه، فَلم يبْق فِيهِ مَوضِع للغل والغش؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24] [25]، فَلَمَّا أخلص لرَبِّه صرف عَنهُ دواعي السوء والفحشاء؛ فَانْصَرف عَنهُ السوء والفحشاء، وَلِهَذَا لما علم إبليس أنه لَا سَبِيل لَهُ على أهل الإخلاص استثناهم من شُرْطَتِه الَّتِي اشترطها للغواية والإهلاك، فَقَالَ: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82، 83]، وقال: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40]، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42]، فالإخلاص هُوَ سَبِيل الْخَلَاص، وَالْإِسْلَام هُوَ مركب السَّلامَة، والإيمان خَاتم الأمان، وَقَوله: ((ومناصحة أئمة الْمُسلمين)) هَذَا أيضًا منَافٍ للغل والغش، فَإِن النَّصِيحَة لَا تجامع الغل؛ إِذْ هِيَ ضِدُّه، فَمن نصح الأئمة والأمة، فقد برِئ من الغل، وَقَوله: ((وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ))، هَذَا أيضًا مِمَّا يُطهِّر الْقلب من الغل والغش، فَإِن صَاحبه للزومه جمَاعَة الْمُسلمين يحب لَهُم مَا يحب لنَفسِهِ، وَيكرهُ لَهُم مَا يكره لَهَا، ويسوؤه مَا يسوؤهم، ويسرُّه مَا يسرُّهم...
وَقَوله: ((فَإِن دعوتهم تحيط من ورائهم)) هَذَا من أحسن الْكَلَام وأوجزه وأفخمه معنى، شَبَّه دَعْوَةَ الْمُسلمين بالسور والسياج الْمُحِيط بهم، الْمَانِع من دُخُول عدوهم عَلَيْهِم، فَتلك الدعْوَة - الَّتِي هِيَ دَعْوَة الإسلام، وهم داخلوها - لمَّا كَانَت سورًا وسياجًا عَلَيْهِم أخبر أن من لَزِمَ جمَاعَةَ الْمُسلمين أحاطت بِهِ تِلْكَ الدعْوَة - الَّتِي هِيَ دَعْوَة الإسلام - كَمَا أحاطت بهم، فالدعوة تجمع شَمل الأمة وتَلُمُّ شَعَثَها، وتحيط بهَا، فَمن دخل فِي جماعتها أحاطت بِهِ وشَمِلَته"[26].
وقَالَ أَبُو صَخْرٍ: حَدَّثَنِي أَبو حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: ((فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ))، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16، 17].
قَالَ أَبُو صَخْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْقُرَظِيِّ فقَالَ: إِنَّهُمْ أَخْفَوْا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَلًا وَأَخْفَى لَهُمْ ثَوَابًا، قَدِمُوا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَقَرَّ تِلْكَ الْأَعْيُنَ[27].
ثالثًا: ما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم:
عن الضحاك بن قيس رضي الله عنه قال: "يا أيها الناس، أخلصوا أعمالكم لله؛ فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما خَلُصَ، لَا يَعْفُو أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ مَظْلَمَةٍ فَيَقُولُ: هَذَا لِلَّهِ وَلِوُجُوهِكُمْ، فإنما هو لوجوههم وليس لله منه شيء، وَلَا يَصِلُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَحِمَهُ فَيَقُولُ: هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ، إِنَّمَا هُوَ لِلرَّحِمِ، وَلَيْسَ للَّهِ مِنْهَا شَيْءٌ، إن الله يقول يوم القيامة: "أنا خيرُ شريكٍ، من أشركَ معي شريكًا في عملٍ، فعملُه كلُّه لشريكِه، لا أقبلُ اليومَ إلا ما كان خالصًا لي"[28].
وعَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي صَالِحًا، وَاجْعَلْهُ لَكَ خَالِصًا، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا»[29].
وعن إدريس الأَوْدِي قال أخرج إلينا سعيد بن أبي بُرْدَة كتابًا وقال: "هذا كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما، وفيه قال: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ..."، إلى أن قال: "فَإِنَّهُ مَنْ يُخْلِصُ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ شَانَهُ اللَّهُ»[30].
وقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا كَسَاهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ"[31].
عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُاللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً، فَإِذَا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ"، قَالُوا: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ؟ قَالَ: "إِذَا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ، وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ، وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ"[32].
وعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "لِكُلِّ امْرِئٍ جَوَّانِيٌّ وَبَرَّانِيٌّ، فَمَنْ أَصْلَحَ جَوَّانِيَّهُ أَصْلَحَ اللَّهُ بَرَّانِيَّهُ، وَمَنْ أَفْسَدَ جَوَّانِيَّهُ أَفْسَدَ اللَّهُ بَرَّانِيَّهُ"[33].
قال الخطابي: "والمعنى أن من أصلح باطن أمره فيما بينه وبين اللَّه أصلح اللَّه له ظاهره وحسن في أعين الناس أمره، ومن أفسد سره ونيته أفسد اللَّه أمره وقبح في عيون الناس علانيته"[34].
وعَنْ أَبِي بَحْرِيَّةِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ يُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ وَيُؤْجَرَ، فَقَالَ: «لَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ»[35].
وعن محمود بن الربيع أن شداد بن أوس رضي الله عنه قال حين حضرته الوفاة: "يَا نَعَايَا الْعَرَبِ، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرِّيَاءُ، وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ"[36].
وعن قيس بن أبي حازم قال: سمعتُ الزبير بن العوام رضي الله عنه يقول: "مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ"[37].
رابعًا: ما جاء عن التابعين والسلف:
عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: "كَانَ أَبُو وَائِلٍ إِذَا خَلَا بَكَى، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا سَجَدَ: رَبِّ ارْحَمْنِي، رَبِّ اعْفُ عَنِّي، رَبِّ إِنْ تَعْفُ عَنِّي تَعْفُ طَوْلًا[38] مِنْ قِبَلِكَ، وَإِنْ تُعَذِّبْنِي تُعَذِّبْنِي غَيْرَ ظَالِمٍ وَلَا مَسْبُوقٍ"، قَالَ: "ثُمَّ يَنْشِجُ كَأَشَدِّ نَشِيجِ الثَّكْلَى[39]، وَلَوْ جُعِلَتْ لَهُ الدُّنْيَا عَلَى أَنْ يَبْكِيَ وَأَحَدٌ يَرَاهُ لَمْ يَفْعَلْ"[40].
وعَنْ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ عَتَّابٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: أَيُّ الْأَعْمَالِ وَجَدْتَ أَفْضَلَ؟ قَالَ: "مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ"[41].
وعن مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: "مَنْ صَفَا عَمَلُهُ، صَفَا لَهُ اللِّسَانُ الصَّالِحُ، وَمَنْ خَلَطَ خُلِطَ لَهُ"[42].
وعَنْ خَيْثَمَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: "إِذَا أَرَدْتَ أَمْرًا مِنَ الْخَيْرِ فَلَا تُؤَخِّرْهُ لِغَدٍ، وَإِذَا كُنْتَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ فَامْكُثْ مَا اسْتَطَعْتَ، وَإِذَا كُنْتَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا فَتَوَحَّ[43]، وَإِذَا كُنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَكَ الشَّيْطَانُ: إِنَّكَ تُرَائِي، فَزِدْهَا طُولًا"[44].
وعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ قَالَ: «كُلُّ مَا لَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ يَضْمَحِلُّ»[45].
وعن سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ: "أَخْفِ حَسَنَتَكَ كَمَا تُخْفِي سَيِّئَتَكَ، وَلَا تَكُونَنَّ مُعْجَبًا بِعَمَلِكَ؛ فَلَا تَدْرِي أَشَقِيٌّ أَنْتَ أَمْ سَعِيدٌ"[46].
وعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: "لَا تَكُنْ وَلِيًّا لِلَّهِ فِي الْعَلَانِيَةِ، وَعَدُوَّهُ فِي السَّرِيرَةِ"[47].
وعَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: "كَانُوا يَكْرَهُونَ إِذَا اجْتَمَعُوا أَنْ يُظْهِرَ الرَّجُلُ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ"[48].
وعَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الْعَمَلَ الْحَسَنَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، أَوِ الْعَمَلَ لَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَيَقَعُ لَهُ الْمَقْتُ وَالْعَيْبُ عِنْدَ النَّاسِ حَتَّى يَكُونَ عَيْبًا، وَإِنَّهُ لَيَعْمَلُ الْعَمَلَ أَوِ الْأَمْرَ يَكْرَهُهُ النَّاسُ، يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، فَيَقَعُ لَهُ الْمِقَةُ وَالْحُسْنُ عِنْدَ النَّاسِ"[49].
وعَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ: "مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ أَفْضَلَ مِنْ عَلَانِيَتِهِ فَذَلِكَ الْفَضْلُ، وَمَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ مِثْلَ عَلَانِيَتِهِ فَذَلِكَ النَّصَفُ، وَمَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ دُونَ عَلَانِيَتِهِ فَذَلِكَ الْجَوْرُ"[50].
وقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ: «يَسُرُّنِي أَنْ يَكُونَ لِي فِي كُلِّ شَيْءٍ نِيَّةٌ حَتَّى فِي الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ»[51].
عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: تَكَلَّمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَاتَ يَوْمٍ وَعِنْدَهُ رَهْطٌ مِنْ إِخْوَانِهِ، فَصَحَّ لَهُ مَنْطِقٌ وَمَوْعِظَةٌ حَسَنَةٌ، فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ جُلَسَائِهِ وَهُوَ يَخْذِفُ دَمْعَتَهُ[52]، فَقَطَعَ دَمْعَتَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ امْضِ، قَالَ: "إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّ فِي الْقَوْلِ فِتْنَةً، وَالْفِعَالُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِ مِنَ الْقَوْلِ"[53].
وعَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ الْعَيْزَارِ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ بِالشَّامِ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ طِينٍ فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِثَلَاثِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَصْلِحُوا سَرَائِرَكُمْ تَصْلُحْ عَلَانِيَتُكُمْ، وَاعْمَلُوا لِآخِرَتِكُمْ تُكْفوا دُنْيَاكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ أَبٌ حَيٌّ لَمُعْرَقٌ لَهُ فِي الْمَوْتِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ»[54].
وعَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ: "إِذَا أَقْبَلَ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ أَقْبَلَ اللَّهُ بِقُلُوبِ الْعِبَادِ إِلَيْهِ"[55].
وعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، قَالَ: "لَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا، كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ رَأْسُهُ وَرَأْسُ امْرَأَتِهِ عَلَى وِسَادٍ[56]وَاحِدٍ، قَدْ بَلَّ مَا تَحْتَ خَدِّهِ مِنْ دُمُوعِهِ، لَا تَشْعُرُ بِهِ امْرَأَتُهُ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا، كَانَ أَحَدُهُمْ يَقُومُ فِي الصَّفِّ فَتَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ، لَا يَشْعُرُ الَّذِي إِلَى جَنْبِهِ"[57].
وعن الْحَجَّاجِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: "مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى بَكَّاءٍ بِاللَّيْلِ، بَسَّامٍ بِالنَّهَارِ؟"[58].
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الزَّرَّادُ: رُبَّمَا اشْتَرَى حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ أَهْلَ بَيْتِ الرَّجُلِ وَعِيَالَهُ، ثُمَّ يُعْتِقُهُمْ جَمِيعًا، ثُمَّ لَا يَتَعَرَّفُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُعْلِمُهُمْ مَنْ هُوَ[59].
وقَالَ طَالُوتُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ، يَقُولُ: «مَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ»[60].
وقَالَ إِبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: «يَا أَبَا إِسْحَاقَ، اعْبُدِ اللَّهَ سِرًّا، حَتَّى تَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمِينًا»[61].
وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ الْجَزَرِيِّ قَالَ: "كَانَتِ الْعُلَمَاءُ إِذَا الْتَقَوْا تَوَاصَوْا بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَإِذَا غَابُوا كَتَبَ بِهَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ أَنَّهُ: مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنِ اهْتَمَّ بِأَمْرِ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ"[62].
وقال الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ: حدثنا شَيْخٌ مِنَ الْكُتَّابِ أَنَّ صَالِحَ الْمُرِّيَّ، لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمَهْدِيُّ فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أُدْخِلَ عَلَيْهِ، وَدَنَا بِحِمَارِهِ مِنْ بِسَاطِ الْمَهْدِيِّ، أَمَرَ ابْنَيْهِ وَهُمَا وَلِيَّا الْعَهْدِ؛ مُوسَى وَهَارُونَ، فَقَالَ: قُومَا فَأَنْزِلَا عَمَّكُمَا، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَيْهِ أَقْبَلَ صَالِحٌ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: "يَا صَالِحُ، لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَمِلْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ"[63].
وعن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ: "تَرْكُ الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ اللهُ عَنْهُمَا"[64].
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ: "خَيْرُ الْعَمَلِ أَخْفَاهُ؛ أَمْنَعُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَأَبْعَدُهُ مِنَ الرِّيَاءِ"[65].
وعن يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى أنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ لهُ: "يَا أَبَا مُوسَى، لَوْ جَهَدْتَ كُلَّ الْجَهْدِ عَلَى أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَخْلِصْ عَمَلَكَ وَنِيَّتَكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"[66].
وقال أبو بكر المرُّوذي: سمعتُ رجلًا يقول لأبي عبدالله أحمد بن حنبل - وذكر له الصدق والإخلاص - فقال أحمد بن حنبل: بهذا ارتفع القوم[67].
[1] رواه سفيان الثوري في تفسيره (ص: 180)، وهناد بن السري في الزهد (2/ 435)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 172) من طريقين عن سعيد، ورواه الطبري في تفسيره (18/ 136) عن سفيان الثوري.
[2] رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، كما في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (5/ 470).
[3] رواه ابن أبي حاتم في تفسيره أيضًا، كما في الدر المنثور (5/ 470).
[4] رواه الطبري في تفسيره (24/ 96 و98).
[5] تفسير القرطبي (20/ 88).
[6] تفسير ابن كثير (8/ 422).
[7] رواه البخاري في صحيحه (4818).
[8] فتح الباري شرح صحيح البخاري (8/ 564).
[9] رواه الطبري في تفسيره (9/ 332)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1096)، والحسن هو البصري.
[10] رواه مسلم في صحيحه (2985)، وابن ماجه في سننه (4202)، وابن خزيمة في صحيحه (938)، والبيهقي في شعب الإيمان (6396) وغيرهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي رواية مسلم وحده مكان ((فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ))، قال: ((تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ))، وأظنها مروية بالمعنى، والله أعلم.
[11] رواه أحمد في مسنده، ط الرسالة (25/ 161)، والترمذي في سننه، ت: شاكر (3154)، وابن ماجه في سننه (4203)، وقال علي بن المديني: سنده صالح، نقله عنه الحافظ في الإصابة في تمييز الصحابة (7/ 145)، وقال الألباني: حسن، وقال محققو المسند: إسناده حسن، وهو صحيح لغيره.
[12] رواه البخاري (3841)، ومسلم (2256).
[13] رواه البخاري في صحيحه (6499)، ومسلم في صحيحه (2987) من حديث جندب رضي الله عنه، ورواه مسلم أيضًا (2986) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[14] نقله عنه الحافظ في فتح الباري (11/ 336)
[15] رواه مسلم في صحيحه (1905)، وأحمد في مسنده (14/ 29)، والنسائي في سننه (3137)، ونَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ هُوَ نَاتِلُ بْنُ قَيْسٍ الْحِزَامِيُّ الشَّامِيُّ، مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، وَكَانَ أَبُوهُ صَحَابِيًّا، وَكَانَ نَاتِلٌ كَبِيرَ قَوْمِهِ؛ كما قال النووي في شرحه على مسلم.
[16] رواه الترمذي في سننه (2382)، والنسائي في السنن الكبرى (11824)، وابن خزيمة في صحيحه (2482)، وابن حبان في صحيحه (408)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
[17] رواه أحمد في مسنده (30/ 200 و202)، وابن حبان في صحيحه (332)، وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث صحيح، كما في تخريج أحاديث المختصر (1/ 195)، وقال الألباني: حسن، كما في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/ 366).
[18] رواه البخاري في صحيحه (6689)، ومسلم في صحيحه (1907).
[19] رواه سعيد بن منصور في سننه، ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (8540)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الحافظ في الفتح (1/ 10).
[20] رواه البخاري (2810)، ومسلم (1904).
[21] حاشية مصطفى البغا على صحيح البخاري.
[22] رواه النسائي (3140)، وقال الحافظ العراقي: إسناده حسن؛ المغني عن حمل الأسفار (ص: 1754)، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده جيد؛ فتح الباري (6/ 28)، وقال الشيخ الألباني: حسن.
[23] "يَغِل": رويت بفتح الياء وضمها، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الفتح هو المشهور؛ مجموع الفتاوى (35/ 7).
[24] رواه أحمد في مسنده (21590)، وابن حبان في صحيحه (680) بطوله، ورواه ابن ماجه في سننه (4105) مختصرًا، مقتصرًا على الشطر الثالث منه، ورواه ابن أبي عاصم في السنة (94)، وابن حبان في صحيحه (67) على عكسه، كله بدون الفقرة الثالثة، وقال البوصيري: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح رِجَاله ثِقَات.
وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح، كما في ظلال الجنة (1/ 45)، وقال مُحقِّقو المسند: إسناده صحيح.
[25] وكلمة ﴿ الْمُخْلِصِينَ ﴾ بكسر اللام في هذه الآية والآيتين الآتيتين هي قراءة أبي عمرو بن العلاء، وبها قرأ ابن القيم، وبها يستقيم احتجاجه، نقلًا عن عبدالرحمن بن حسن، محقق، ط عالم الفوائد.
[26] مفتاح دار السعادة، صــ 198، ط عالم الفوائد، وسبق ابن القيم إلى تفسير الحديث بقريب من هذا ابن عبدالبر في التمهيد (21/ 277)، وكذلك الخطابي في غريب الحديث (1/ 585)؛ حيث ذكر لهذا الحديث تفسيرين، هذا أحدهما.
[27] رواه مسلم (2825)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 198)، وزاد حِكَايَةَ أَبِي صَخْرٍ عَنِ الْقُرَظِيِّ في آخره.
[28] رواه هناد في الزهد (2/ 434)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 137)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 282) مختصرًا، من طرق عن عبدالعزيز بن رفيع، عن تميم بن طرفة - وسقط ذكر تميم من إسناد هناد - عن الضحاك بن قيس به، موقوفًا عليه، وإسناده صحيح، ورواه البزار كما في كشف الأستار (3567)، والبغوي في معجم الصحابة (1325)، والضياء في المختارة (92) وغيرهم، من طريق عبيدة بن حميد عن عبدالعزيز بن رفيع به، مرفوعًا، والموقوف أصح، إلا أن آخر فقرة منه وهي قوله: "إن الله يقول يوم القيامة ..." لها حكم الرفع، كما أن لها شواهد قد تقدم ذكرها.
[29] رواه أحمد بن حنبل في الزهد (617).
[30] رواه الدارقطني في سننه (4472)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 181)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 70) من طرق عن سفيان بن عيينة عن إدريس الأَوْدِي به.
وقال الألباني: قوله: "هذا كتاب عمر" وِجادة، وهي وِجادة صحيحة من أصح الوجادات، وهي حجة؛ إرواء الغليل (8/ 241).
[31] رواه أحمد بن حنبل في الزهد (667)، وأبو داود في الزهد (99)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 208).
[32] رواه الدارمي في سننه (191)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 452)، والحاكم في المستدرك (8570)، وقال الألباني: سنده صحيح، كما في تحريم آلات الطرب (ص: 16).
[33] رواه أبو داود في الزهد (259)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 203)، و(جَوَّانِي) و(بَرَّانِي) بفتح الجيم والباء كما في تاج العروس (10/ 163).
[34] غريب الحديث؛ للخطابي (2/ 354).
[35] رواه سعيد بن منصور في سننه (2/ 249).
[36] رواه الحسين المروزي في زوائده على الزهد لابن المبارك (1114)، وأبو داود في الزهد (351) و(352)، والبيهقي في شعب الإيمان (6409) و(6410) من طريق الزهري، عن محمود بن الربيع، وإسناده صحيح.
قال الزمخشري في قوله: "يا نعايا العرب"؛ الْمعْنَى: يَا نعايا الْعَرَب جئن، فَهَذَا وقتكنَّ وزمانكنَّ، يُرِيد أَن الْعَرَب قد هَلَكت؛ الفائق في غريب الحديث (4/ 4).
[37] رواه أحمد بن حنبل في الزهد (778) بإسناد صحيح.
[38] (الطَّوْلُ): بفتح الطاء: الْمَنُّ؛ مختار الصحاح (ص: 194).
[39] نَشَجَ الباكِي يَنْشِجُ نَشِيجًا: غُصَّ بالبُكاءِ في حَلْقِهِ من غَيرِ انْتِحاب؛ القاموس المحيط، (ص: 207).
[40] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (32)، ورواه عبدالله بن أحمد في زوائده على الزهد لأبيه (2083)، ومن طريقه أبو نعيم في حلية الأولياء (4/ 101) مختصرًا.
[41] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (13).
[42] رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 203).
[43] في بعض المصادر (فَتَوَحَّ) بالحاء؛ أي: أسْرِعْ؛ كما في القاموس المحيط (ص: 1342)، ولعلها أكثر مناسبة للسياق، وفي أكثر المصادر بالخاء (فَتَوَخَّ) من التَّوَخِّي وهو تحري الحق؛ تهذيب اللغة (7/ 251).
[44] رواه ابن المبارك في الزهد (35)، وأحمد بن حنبل في الزهد (2092)، والنسائي في السنن الكبرى (11856)، وغيرهم.
[45] رواه أحمد بن حنبل في الزهد (1963).
[46] رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 195).
[47] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (26).
[48] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (53).
[49] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (11)، (الْمِقَةُ): الْمَحَبَّةُ؛ مختار الصحاح (ص: 346).
[50] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (24)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 228)، و(النَّصَف): العَدْل؛ القاموس المحيط (ص: 856).
[51] رواه ابن المبارك في الزهد (195).
[52] عَيْنَاهُ تَخَاذَفَتَا بالدَّمْعِ؛ أَي: أَسْرَعَتَا؛ تاج العروس (23/ 185).
[53] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (52).
[54] رواه أحمد بن حنبل في الزهد (1710)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (3/ 1009)، ورواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (54) من وجه آخر عن عمر؛ يقال: رَجُلٌ مُعْرِقٌ (بكسر الراء) فِي الْحَسَبِ وَالْكَرَمِ، أو مُعْرَق (بفتح الراء) لَهُ فِي الْحَسَبِ وَالْكَرَمِ؛ أَي: عَرِيقُ النَّسَبِ أَصيل.
فمعنى "لَمُعْرَق لَهُ فِي الْمَوْتِ"؛ أَي: إِنه أَصيل فِي الْمَوْتِ، يموت لا محالة؛ وانظر: الصحاح (4/ 1524)، ولسان العرب (10/ 241).
[55] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (12).
[56] (الْوِسَادُ) وَ(الْوِسَادَةُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ فِيهِمَا هِيَ الْمِخَدَّةُ؛ مختار الصحاح (ص: 88).
[57] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (36).
[58] رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 227).
[59] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (49).
[60] رواه أحمد بن حنبل في الزهد (2240)، والبيهقي في شعب الإيمان (6576).
[61] رواه البيهقي في الزهد الكبير (496)، وفي شعب الإيمان (6504)، يقال: كَمَنَ فلَان يَكْمُنُ كُمُونًا: إِذا اسْتَخْفَى فِي مَكْمَنٍ لَا يُفْطَنُ لَهُ، وكمينٌ بِمَعْنى كامِن، مثلُ علِيمٍ وعالمٍ، وقديرٍ وقادرٍ؛ تهذيب اللغة (10/ 160).
[62] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (25)، ورواه وكيع في الزهد (525) ومن طريقه هناد بن السري في الزهد (528) عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتَبَةَ مثله.
[63] رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 206).
[64] رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 184).
[65] رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية (30).
[66] رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 201).
[67] مناقب الإمام أحمد؛ لابن الجوزي (ص: 267).