فتاوى نور على الدرب [715]


الحلقة مفرغة

السؤال: يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن الليل يبدأ من مغيب الشمس إلى طلوع الشمس، وبالتالي يستمر ثلث الليل الآخر حتى طلوع الشمس، هل هذا صحيح؟

الجواب: علماء اللغة اختلفوا متى يبتدئ النهار؛ فمنهم من قال: إنه يبتدئ بطلوع الفجر، لأن أشعة الشمس ونورها يبدأ بطلوع الفجر وينتهي بغروب الشمس، ومنهم من قال: إن النهار يبتدئ من طلوع الشمس، واتفقوا على أنه ينتهي بغروب الشمس، والذي يظهر أن النهار الشرعي يبتدئ بطلوع الفجر؛ لقول الله تبارك وتعالى في الصيام: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، أي: إلى غروب الشمس.

وأما في اللغة العربية -والظاهر أيضاً في الاصطلاح الفلكي- فإن النهار يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، فلا يعتبر الضوء السابق عليها الذي يبتدئ بطلوع الفجر، كما لا يعتبر الضوء المتخلف عنها إذا غابت.

السؤال: ما رأي فضيلتكم في الاستماع إلى الأناشيد التي تعرف بالأناشيد الإسلامية؟

الجواب: لا أستطيع أن أحكم عليها حكماً عاماً؛ لأنها تختلف، فإذا أخرجت مخرج الأغاني الهابطة السافلة كانت حراماً، وإذا كانت من ذوي أصوات جميلة تفتن السامع كانت حراماً، وإذا تضمنت معاني هابطة كانت حراماً، وإذا صحبها طبول أو موسيقى كانت حراماً، ولهذا لا أستطيع أن أحكم عليها على وجه عام بالحل أو بالتحريم حتى أنظر ماذا يتضمنه هذا الشريط، على أن في الاستماع إلى كتاب الله عز وجل والأحاديث النبوية والمواعظ والأحكام الفقهية ما هو خير منها.

السؤال: حدثونا عن الوتر وعن حالاته؟ وما أقل ركعاته؟ وما أكثرها مأجورين؟

الجواب: الوتر سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان تركه، حتى إن بعض أهل العلم قال: إنه واجب لا يجوز تركه، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله قوله فيمن ترك الوتر: إنه رجل سوءٍ لا ينبغي أن تقبل له شهادة.

وأقله ركعة قبل الفجر، وأكثره إحدى عشر ركعة، فمن أوتر بركعة فأمره ظاهر، يصلي ركعة ويتشهد ويسلم وانتهى، ومن أوتر بثلاث فهو بالخيار، إن شاء سلم من ركعتين، وإن شاء سرد الثلاثة جميعاً بتشهدٍ واحد، ومن أوتر بخمس سرد الخمسة جميعاً بتشهدٍ واحد، ومن أوتر بسبعٍ فكذلك، ومن أوتر بتسع فإنه يجلس عقب الثامنة ويتشهد ولا يسلم، ثم يأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم، ومن أوتر بإحدى عشر ركعة سلم من كل ركعتين.

ووقت الوتر من بعد صلاة العشاء وسنتها إن كان يريد أن يصلي السنة إلى طلوع الفجر، وآخر وقته أفضل لمن طمع أن يقوم من آخر الليل، وإلا أوتر قبل أن ينام، ويسن أن يقول بعد التسليم: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ويمد صوته في الثالثة، وليكن آخر صلاته في الليل؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، لكن من خاف أن لا يقوم من آخر الليل وأوتر أوله، ثم قدر له فقام، فإنه لا يعيد الوتر، بل يصلي ركعتين ركعتين إلى أن يطلع الفجر.

السؤال: امرأة لم تصم شهرين من رمضان بسبب شدة الحر، لأنها كانت تعيش في البادية، وتقوم برعي الأغنام طوال العام، وكانت الحرارة شديدة جداً في ذلك الوقت، حتى الكبار لم يستطيعوا الصيام، تقول: كنت أبلغ من العمر خمس عشرة سنة، في حينها أيضاً جهلاً مني كنت أصلي أحياناً وأترك أحياناً، وهذا منذ عشرين عاماً، والآن أنا محتارة، هل أصوم ذلك أم أطعم؟ وماذا علي تجاه الصلوات الفائتة؟

الجواب: يجب عليها أن تقضي ما تركت صيامه من بعد بلوغها، وأما ما كان قبل البلوغ فلا يلزم قضاؤه؛ لأنه ليس بواجب، والصلاة إن قضتها فهو أحسن، وإن لم تقضها فلا حرج، فالتوبة تهدم ما قبلها، وإنما قلت: إن قضت فهو أفضل، لأنها لم تتعمد الترك تهاوناً فيما يظهر ولكن جهلاً، وأما من ترك الصلاة عمداً وتهاوناً، ثم من الله عليه واستقام فإنه لا يقضيها، لا يقضي الصلاة؛ وذلك لعدم الفائدة من قضائها، إذ لو أنه قضاها ألف مرة لم تنفعه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، أي: مردود عليه، ومن تعمد ترك الصلاة عن وقتها بلا عذر فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون مردوداً.

السؤال: امرأة جامعها زوجها في نهار رمضان وهو صائم وهي مفطرة بسبب الحمل، ما الحكم هنا؟

الجواب: بالنسبة للزوج هو آثمٌ وعليه أن يتوب إلى الله، وأن يكفر بعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، أما بالنسبة للمرأة فليس عليها شيء؛ لأنها مفطرة.

السؤال: أرجو منكم أن تجيبوا على سؤالي لعل الله أن يجعل في إجابتكم إنقاذاً لي من حيرتي، يقول: لقد عاهدت الله منذ سنوات أن أترك ذنباً معيناً كنت أقترفه، وكانت نيتي أن أترك هذا الذنب بالفعل، يقول: وفعلاً استمريت فترةً على عهدي، ولكن بعد ذلك اقترفت هذا الذنب، وانقطعت عن الصلاة كسلاً، ثم عدت أصلي، ثم انقطعت وهكذا عدة مرات، والآن أريد أن أتوب توبةً نصوحاً، ولكنني أقرأ في القرآن الكريم آيتين هما: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:75]، إلى آخر الآية من سورة التوبة، والآية الثانية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ [آل عمران:90]، الآية من سورة آل عمران، وعرفت أن تارك الصلاة كافر تبعاً للحديث النبوي، وقرأت في التفاسير هذه الآيات في كتاب تفسير ابن كثير ففهمت أن هاتين الآيتين نزلتا في ناسٍ ليس لهم توبة، وأنهم عرفوا أنهم من أهل جهنم من الدنيا والعياذ بالله، وأنا الآن في حيرةٍ شديدة، فهل التوبة مقبولة في مثل هذا الحالة، أم أنني مثل هؤلاء الناس ليس لي توبة، وجهوني؟

الجواب: أقول: تب إلى الله عز وجل توبةً نصوحاً، واترك ما عاهدت الله على تركه، وعليك كفارة يمين لفعلك إياه، وإنني أنصحك وأنصح غيرك عن النذر حتى لو كان نذر طاعة أو ترك معصية، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن النذر وقال: ( إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل )، وقال: ( إنه لا يرد قضاءً )، وصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن البخيل هو الذي تحاوره نفسه أن لا يتصدق فينذر أن يتصدق، ويقول: لله علي نذر أن أتصدق بكذا، وكذلك المريض يمرض فييأس من الشفاء، فينذر إن شفاه الله تعالى ليفعلن كذا وكذا، وهذا النذر لا يرد قضاءً، لأن الله إن كان قدر شفاءك فستشفى بلا نذر، وإن قدر عدم الشفاء بقي المرض وإن نذرت، وما أكثر الناذرين الذين إذا خالفوا ما نذروا، ذهبوا إلى كل عالم لعلهم يجدون مخرجاً، فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يدعو النذر، وأن يسألوا الله تبارك وتعالى من فضله الشفاء والحياة السعيدة بدون أن يلجئوا إلى النذر، واللاجئ إلى النذر في ترك المعصية يدل فعله على أنه ضعيف العزيمة والهمة، إذ لو كان قوياً ما احتاج إلى النذر، نسأل الله لإخواننا التوفيق لما يحبه ويرضاه.

السؤال: ما حكم من ترك عدة رمضانات تساهلاً وجهلاً، أو عدم مبالاة واتباعاً للهوى والشيطان، هل يقضي الآن بعد هذه السنوات، خصوصاً إذا كان تركه هذا من سنواتٍ مضت؟

الجواب: أكثر أهل العلم على أنه يلزمه القضاء، فإن لم يفعل لم تصح توبته، ولكن القول الراجح أنه لا يلزمه القضاء، نقول: هذا ليس رفقاً به، ولكن تشديداً عليه، لأنه لو قضى لن يقبل منه، فأي فائدةٍ في عملٍ لا يقبل، وإنما قلنا: إنه لا يقبل منه، لأن من تعمد تأخير العبادة المؤقتة عن وقتها بلا عذر ثم أتى بها، فقد أتى بها على غير ما أمر الله به ورسوله، فتكون مردودةً عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، أي: مردودٌ عليه، وعلى هذا الذي ترك هذه السنوات من رمضان عليه أن يتوب إلى الله، ويصلح العمل، ويستقيم، ويسأل الله الثبات.

السؤال: ما حكم صلاة الكثير من الناس الذين يتركون قراءة الفاتحة؟ وما الفرق بين الركن والواجب في الصلاة حينما يتركه المصلي سهواً أو عمداً؟

الجواب: يقول: إن الكثيرين يتركون قراءة الفاتحة! ولا أدري عن صحة هذا القول؛ لأن الناس قد اشتهر عندهم أنه لا بد من قراءة الفاتحة، وقراءة الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، فمن ترك قراءة الفاتحة في أي ركعةٍ من الصلوات بطلت صلاته، يعني: لو ترك قراءة الفاتحة في الركعة الأولى وأتم الصلاة فصلاته باطلة لا تقبل، لأنه لا بد من قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإذا تركها سهواً، فإن ذكر قبل أن يقوم إلى الثانية وجب أن يرجع إلى الأولى ويقرأ الفاتحة ثم يكمل، يعني: يستمر في صلاته، ومن ذكر الفاتحة بعد أن رفع للركعة الثانية صارت الركعة الثانية هي الأولى، ولغيت الركعة الأولى لأنه لم يقرأ فيها الفاتحة.

وأما الفرق بين الركن والواجب في الصلاة فهما يشتركان في أن من تركهما عمداً بطلت صلاته، فلو تعمد الإنسان ترك التشهد الأول بطلت صلاته، كما لو تعمد ترك التشهد الأخير، مع أن التشهد الأخير ركن والتشهد الأول واجب، أما لو تركه سهواً فإن الواجب يسقط بالسهو، ولكن عليه أن يسجد للسهو، مثال هذا: لو قام عن التشهد الأول إلى الركعة الثالثة ولم يجلس في التشهد الأول، فليستمر في صلاته، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم، وهاتان السجدتان تجزئان عن الواجب الذي تركه، وأما الركن فلا يسقط بالسهو، إذا سهى عنه فلا بد أن يأتي به وبما بعده، لأنه ركن لا يقوم البناء إلا به، كأركان البيت، هذا هو الفرق، فلو فرض أن رجلاً ترك السجدة الثانية ثم قام وذكر بعد القيام أنه ترك السجدة الثانية، نقول له: ارجع، واجلس بين السجدتين، واسجد السجدة الثانية ثم أتم الصلاة، وسلم ثم اسجد سجدتين بعد السلام، ولو فرض أنه ترك السجدة الثانية، ولم يتذكر إلا حين وصل إليها من الركعة الثانية؛ فإن الركعة الأولى تلغى، وتكون الثانية بدلاً عنها، ويكمل عليها، ويسجد للسهو بعد السلام.

السؤال: البعض من الناس في صلاة الفجر إذا دخل إلى المسجد قبل إقامة الصلاة يصلي عدداً من الركعات أربعاً أو أكثر، والمعروف أن سنة الفجر ركعتان، فهل يجوز ذلك؟

الجواب: إذا كانت الأربع بسلام متعمداً ذلك فهي باطلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى )، فكما أنه لو صلى الفجر ثلاثاً أو أربعاً متعمداً بطلت صلاته، فكذلك إذا صلى النفل في الليل أو النهار أربعاً بطلت صلاته، وأما إذا كانت الأربع بسلامين فإن هذا خلاف السنة، لأن الأفضل أن لا يصلي بين الأذان والإقامة في الفجر إلا سنة الفجر فقط، لكن لو صلى السنة في بيته، ثم أتى إلى المسجد قلنا له: لا تجلس حتى تصلي ركعتين تحية المسجد.

السؤال: كم عدد الرضعات المحرِّمة؟

الجواب: عدد الرضعات المحرمة خمس رضعات، كل واحدة منفصلة عن الأخرى، بشرط أن تكون في زمن الإرضاع، وزمن الإرضاع سنتان، فلو رضع بعد السنتين فلا عبرة برضاعه، وقيل: إن المعتبر الفطام، سواءٌ قبل السنتين أو بعدهما، فمتى رضع قبل الفطام فالرضاع معتبر، ومتى رضع بعد الفطام فالرضاع غير معتبر، وقولنا: إن عدد الرضعات خمس. هذا هو الذي دل عليه حديث عائشة الذي رواه مسلم قالت: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن، فنسخن بخمسٍ معلومات ).