ما هي القيمة العليا في السياسة الإسلامية؟؟ - عبد المنعم منيب
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
لكل نظريةٍ سياسية قيمةٌ عليا تعمل لتحقيقها وتطبيقها فى الواقع فالقيمة العليا للنظرية السياسية الغربية الحديثة هي الحرية بينما القيمة العليا للماركسية هي العدالة الاجتماعية بحسب التصور والمفهوم الماركسي، وأنا ظللت حتى هذا العام الهجري الآخير أظن أن القيمة العليا في السياسة الإسلامية هى "العدالة" فقط وذلك لقوله تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].وعندما صدر كتاب "التصور السياسي للحركة الإسلامية" لشيخنا فضيلة الشيخ رفاعي سرور رحمه الله تمحور الكتاب كله حول أن القيمة العليا للسياسة الإسلامية هي وحدة الصف الإسلامي، وظللت لسنوات أظن أن تمحور الكتاب حول هذا الأمر هو خللٍ يضعف الكتاب، ولكن الآن وبعد سنوات من التأمل العميق لتاريخنا الإسلامي من مبدأه وحتى الآن تبين لي عمق النظرة السياسية للشيخ رفاعي سرور بتركيزه على وحدة الصف الإسلامي كقيمةٍ عليا للنظرية السياسية الإسلامية.
ومن هنا ظهر لي أن القيمة العليا في السياسة الإسلامية لا تنحصر في عنوانٍ واحد وإنما تشمل من وجهة نظري ثلاثة عناوين أراها مرتبطة ببعضها البعض، وهذه العناوين أو القيم هي: العدالة، ووحدة الصف الإسلامي، والتعاون مع القوى الراعية للعدل من غير المسلمين، ولهذه الثلاث توضيح أسوقه كالتالي:
- العدالة، وذلك لقوله تعالى بالآية 25 من سورة الحديد المذكورة آنفًا، وما قاله العلماء فى تفسيرها.
- وحدة الصف الإسلامي، لكل الأدلة والأسباب التي ذكرها شيخنا رفاعي سرور بكتابه "التصور السياسي الإسلامي"، ولأنه بدون وحدة الصف فلن تقوم للمسلمين قائمة قال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، كما أن مصداق هذه الآية هو أمرٌ مشاهد بماضي المسلمين وحاضرهم، ففرقة الصف الإسلامي تسببت في سقوط الأندلس رغم تقدم أهلها العلمي ورخائهم الإقتصادي ووفرة عددهم وعدتهم، كما اجتاح " التتار " الإمارات الإسلامية المتعددة بدءًا من الهند شرقًا وحتى الشام غربًا رغم تفوق المسلمين عليهم علمًا وتقنيةً وإقتصادًا وعددًا وعدة، إلا أن المسلمين كانوا حينئذ متفرقين، ونفس الشيء حدث فى مواجهة الحملات الصليبية حيث أدى تفرق قادة المسلمين إلى احتلال الصليبيين لأجزاءٍ كثيرة بالشام واستقروا ببعضها لأكثر من مائة عام بالرغم من تفوق المسلمين عليهم حضاريًا وإقتصاديًا وعسكريًا إلا أن المسلمين كانوا متفرقين ولم يوقعوا هزائم بالصليبيين إلا بعد نجاح عملية توحيد الصف الإسلامي التي بدأها عماد الدين زنكي وأكملها من بعده ابنه نور الدين محمود ومن بعده تلميذه صلاح الدين الأيوبي، كما أن التفرق هو سبب ما يعيشه المسلمون الآن من هزائم وهوان.
التعاون مع القوى الراعية للعدل من غير المسلمين، وذلك لأدلةٍ كثيرة في السنة السياسية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذكرنا أبرزها في كتابات متعددة سابقة، كما أن هذه القيمة لاتثري فقط العقل الإسلامي وتعطى قيادة الأمة الإسلامية مزيدًا من الخيارات الجيدة لتحقيق أهداف الإسلام ولكنها تُمثل أيضًا نوعًا من تحقيق العدل إذ من العدل أن تدعم قيادة أمة الإسلام غير المسلمين الذين يدعمون شيئًا من الفضائل أو شيئًا من العدل رغم وجودهم في محيط لايُجْمِع كلُه على دعم هذه الفضائل أو شؤون العدل فتدعم قيادة الأمة اٌسلامية جهودهم بشأن العدل والفضيلة.
وبالإجمال فالعدل قيمة توجه حركة المسلمين للعالم كله، للإنسان مسلم وغير مسلم وللبيئة كلها بما فيها من ماء وهواء ونبات وحيوان وجماد.
ووحدة الصف الإسلامي توجه أمة الإسلام كي تحافظ على وجودها واستقلالها وسيادتها السياسية.
أما التعاون مع القوى الراعية للعدل أو الفضائل من غير المسلمين فهو أمر موجهٌ لدعم قيمة العدل أيا كان راعيها وهذا أمر يعزز قوة هذه القيمة بالواقع كما يعزز قدرة المسلمين على التعاون مع غير المسلمين لتحقيق قيمة العدل التي تمثل هدفا مركزيًا لحركة الأمة الإسلامية، وهذا التعاون من شأنه تعزيز نضج ومرونة المسلمين في التعامل مع غيرهم تعاملًا صحيحًا وصحيًا.
فلن يسود العدل الإسلامي ما لم يكن للمسلمين السيادة السياسية والاستقلال الحقيقي، ولن يكون للمسلمين هذه السيادة والاستقلال ما لم يتوحد صفهم، ولن يظلل السلام والعدل الإسلامي سماء العالم ما لم تتعاون أمة الإسلام مع القوى غير الإسلامية التي تدعم بعضًا من قيم العدل والفضيلة.