أرشيف المقالات

القصص

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
أسطورة من الصين: ملك الموت! للكاتب الإنكليزي فيليب بنيث بقلم الأديب يوسف يعقوب حداد كان يعيش في مدينة (جيستيان) من أعمال الصين، رجل يدعى (يوآن - كوانلو) وكان (يوآن) هذا رجلاً فقيراً معدماً، وكان فقره يحول بينه وبين الزواج من امرأة تقاسمه حلو الحياة ومرها.
وشاءت الظروف أن يعرف ابنة جار له، وأن يحبها وتحبه، وكان والدها من أثرياء البلدة ووجهائها فلم يكد يعرف ما بين ابنته وبين الفقير من حب وهيام، حتى ثار وغضب، ومنع ابنته عن الاتصال بحبيبها.
فقالت الفتاة إنه لا يريدها على حرام، إنما يريد الزواج منها على سنة الله، فلم يزدد الأب إلا غضباً وثورة، إذ لم يكن يرغب في أن يزوج ابنته من رجل فقير ينغص حياتها ويشقيها، ومن كأس البؤس والحرمان يسقيها. وصدمت الفتاة في حبها صدمة عنيفة، وطُعن قلبها الرقيق طعنة قاتلة، فأصابها السقام، ولم تلبث طويلاً حتى قضت نحبها. ولم يكن حبيبها بأقل تأثراً منها بالصدمة، ولكنه كان أكثر احتمالاً لها، فظل هائماً على وجهه، مضطرب المشاعر، شارد اللب، شاخص البصر إلى الأفق كأنه ينتظر أن تعود حبيبته إليه! وفي ساعة متأخرة من بعض الليالي، كان (يوآن) خارج منزله، ينظر بعينين حالمتين إلى بدر التم كأنما يسأله عن حبيبته، وطالت وقفته حتى كلت عيناه من النظر إلى القمر، وتعبت ساقاه من كثرة الوقوف، فدار على عقبيه ليعود إلى منزله.
وبينما هو يدور في منعطف الطريق، رأى رجلاً غريب المنظر، عجيب المظهر يحمل في إحدى يديه منجلاً حاد الشفرة، وفي الأخرى قنينة محكمة السداد، ولأول وهلة عرف فيه يوآن ملك الموت الذي يقبض الأرواح ويحصدها بمنجله.
فارتاع قلبه وارتعدت فرائصه، ولكنه تمالك وتقدم من ملك الموت، وقال له بلهجة الصديق والودود: - أظنك يا صاحب السعادة قد تأخرت في العمل وتعبت، والليلة باردة جداً، وبيتي على خطوات من هنا، فهلا جئت معي إليه؛ لتشرب شراباً ساخناً يعيد الدفء إليك؟ فنظر ملك الموت إلى (يوآن) بعينيه الغائرتين نظرة فاحصة ثم سار معه إلى بيته دون أن ينبس ببنت شفة. وسخن يوآن شيئاً من الخمر، وقدمها إليه، فجرعها ملك الموت في دفعة واحدة، وطلب المزيد، تقدم إليه يوآن كأساً أخرى فشربها دفعة واحدة أيضاً، وهكذا ظل يطلب المزيد، ويوآن لا يستطيع أن يخالف له أمراً، أويرفض له طلباً، حتى ثمل، وأثقل السكر جفنيه، فانطرح على الأرض وغرق في سبات عميق فقام (يوآن) بعد أن تأكد من استغراق ملك الموت في النوم إلى القنينة، وعالج سدادها حتى تمكن من فتحه، وكم كانت دهشته عظيمة وفرحته أعظم، حين خرجت روح حبيبته منها! قالت له روح حبيبته: كبله يا حبيبي بالقيود حتى لا يتمكن منا ويحصد روحينا مرة أخرى. فأسرع يوآن إلى ملك الموت بالسلاسل حتى شله عن كل حركة، وأسرعا بالفرار. وظل العاشقان زمناً يعيشان معاً ويتناجيان، إلا أن يوآن ما كان ليستطيع رؤية حبيبته إلا كما يرى الإنسان ظله على الأرض وما كان ليستطيع أن يضمها إلى صدره إلا كما يضم الإنسان قبضة يده على الهواء.
لهذا لم يستطع أن يطفئ جذوة الحب المتقدة بين جوانحه، أو يروي غليله بالضم والعناق. وفي ذات يوم - قالت له روح حبيبته: - آه لو ملكت جسداً، فأية سعادة كنت أتمتع بها إلى جانبك وبين ذراعيك.

آه لو كنت أملك جسداً، لكنا تزوجنا، فأكون لك نعم الزوجة المخلصة، والحبيبة الوفية. ثم قالت بعد تفكير طويل، والسعادة تملأ نبرات صوتها: - اسمع يا حبيبي.
في المدينة المجاورة بنت جميلة من بنات الأمراء، مطروحة على فراش الموت.
إنني أراها الآن وروحها تحشرج في صدرها وأهلها من حولها وقد ملأ الحزن قلوبهم، ستموت هذه الفتاة الجميلة بعد ساعات.
فلو استطعت أن تأتيني بجسدها لاستطعنا أن نحقق أحلامنا وأمانينا ونقهر ملك الموت، سنتزوج وسنعيش في غنى وجاه وسعادة. أسرع يوآن إلى بيت الفتاة، فوجدها قد ماتت منذ هنيهة.
وأهلها لفرط حزنهم عليها يكادون أن يقتلوا أنفسهم، فانتهز يوآن هذه الفرصة، وتقدم من والد الفتاة، وقال له: - في مقدوري يا سيدي أن أعيد الحياة إلى ابنتك. فصاح الوالد بدهشة: وكيف تستطيع ذلك؟! فقال يوآن: - لا تسألني كيف.

ولكنك إذا رضيت بالشرط الوحيد الذي أشرطه عليك، رددت الحياة إلى ابنتك. فقال الأب متلهفاً: قل بالله عليك، ما هو هذا الشرط؟ فقال يوآن: - هو أن تزوجني منها. فقال الأب بفرح عظيم: هي لك فأحيها. عندئذ نادى يوآن روح حبيبته، فجاءت وانسلت إليها من إحدى أذنيها، ففتحت الفتاة عينيها كأنها مستيقظة من النوم لا من الموت. وزفت إليه في الحال، وانقلب المأتم إلى حفلة عرس بهيجة ويوآن يكاد يطير لشدة فرحه وسعادته بحبيبته وزوجته! (البصرة - العراق) يوسف يعقوب حداد

شارك الخبر

المرئيات-١