على طريق الدعوة


الحلقة مفرغة

على طريق الدعوة، هذا الطريق الطويل، الذي سلكه الأنبياء والمرسلون، والعلماء والدعاة المصلحون.

طريق الدعوة إلى الله تعالى، هو طريق إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهو طريق السعي الدءوب إلى إصلاح البشرية، بإنقاذها من سيطرة الشهوات والشبهات، ومن تسلط الأهواء والنـزوات.

طريق الدعوة إلى الله بكل ما فيه من متعة مناصرة الحق ونشره، والدعوة إليه، وبكل ما فيه من العناء والعوائق والصعوبات، قد سار عليه عبر الأزمان رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وجرى لهم فيه من المواقف والتجارب والعبر والدروس ما نراه جديراً بالاهتمام والمتابعة، حتى ترى الأجيال نماذج حية للعمل والجد، فتفيد من أخبارها ومواقفها، وتجد القدوة الصالحة التي تدلها على طريق الخير.

وقد بدأنا -أيها الأحبة- رحلتنا مع العلماء والدعاة، من خلال سلسلة على طريق الدعوة، ومضينا سوياً على هذا الطريق، حيث اصطحبناكم في عدد من اللقاءات فيما مضى، وها نحن نكمل الرحلة، وندعوكم لإكمالها معنا، ونواصل خطواتنا في طريق الدعوة من خلال هذا اللقاء الجديد، وهو لقاء نلتقي فيه مع عالم شاب، له دوره البارز في الساحة، وله خطواته الثابتة المتواصلة على طريق الدعوة إلى الله.

نلتقي بالأخ الكريم الداعية الشيخ/ سلمان بن فهد العودة؛ لنرحل معه ومع الإخوة المستمعين في موكب من المحبة والإخاء، نستطلع فيه تجربة الشيخ سلمان منذ أن نشأ في أسرته طفلاً متطلعاً إلى الحياة، وفتىً مغرماً بطلب العلم حريصاً عليه.

إلى أن أصبح محاضراً في الجامعة وداعية إلى الله، تقام له الدروس والندوات التي تحظى بمتابعة شباب الأمة المتطلعين إلى طلب العلم الشرعي، والمتعطشين إلى المعرفة الجادة، والفكر السليم.

على طريق الدعوة نرحب بفضيلة الشيخ سلمان.

السؤال: شيخ سلمان، قد تعودنا في هذا اللقاء الطيب أن يتعرف الإخوة المستمعون على العلماء والدعاة من خلال حياتهم الشخصية، ثم من خلال رحلتهم العلمية، وجهودهم الفكرية والدعوية.

فنود في بداية هذا اللقاء الطيب، أن يتعرف المستمع الكريم على الاسم الكامل للشيخ سلمان، وتاريخ الميلاد والمكان؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

فيما يتعلق بالاسم، فاسمي هو سلمان بن فهد بن عبد الله العودة، من مواليد عام (1375هـ) تقريباً، وكان ميلادي في إحدى ضواحي مدينة بريدة من منطقة القصيم.

السؤال: هل يمكن أن نعرف اسم هذه الضاحية؟

الجواب: هي بجوار قرية صغيرة تسمى قرية البصر، تبعد عن بريدة قرابة خمسة عشر كيلو متر.

السؤال: شيخ سلمان هل يمكن معرفة الحالة الاجتماعية، وعدد الأولاد؟

الجواب: الحالة الاجتماعية متزوج، وعندي -بحمد الله- ستة أولاد ما بين ذكر وأنثى.

وأكبرهم معاذ.

السؤال: إذاً: نرحب مرة أخرى بـأبي معاذ ونسألك -جزاك الله خيراً- عن النشأة التربوية، وأن تذكر أي ذكريات عن الطفولة؟

الجواب: كانت نشأتي في تلك القرية التي أشرت إليها من قبل، ودرست فيها سنتين من سنوات الدراسة الابتدائية، وأتذكر أننا كنا في القرية، ومعروف أجواء القرى وما يكون فيها غالباً من الهدوء، والبعد عن المؤثرات المختلفة.

فكانت طبيعة النشأة -بحمد الله- نشأة في بيئة طيبة، ونتردد -بحمد الله- على المساجد، وقرأنا قدراً لا بأس به من القرآن على إمام الجامع في تلك القرية، وكان من فضلاء الرجال في ذلك الوقت، وقد ظل الرجل على رغم كبر سنه حياً -رحمه الله- إلى أن توفي في العام الماضي، عن سن يقارب الخامسة والثمانين أو يزيد.

وأتذكر أنهم كانوا -في بعض الأحيان- يؤدبوننا على عدم التأخر عن الصلاة ولو لركعة واحدة، فمن فاتته ركعة واحدة في الصلاة، فإنه قد يؤدب على ذلك.

كما أتذكر أننا ظللنا فترة نقرأ القرآن في بيت مجاور للمسجد، وقد نجلس فيه أوقاتاً طويلة نقرأ القرآن، منا من يقرأ لنفسه، ومنا من يقرأ على الشيخ أو الإمام رحمه الله، وجزاه الله خيراً.

وإن كان هناك من ذكريات ما زلت أعجب منها، وهي تجمع بين الماضي والحاضر؛ فإنني في العام قبل الماضي، لمحت في أحد الدروس العلمية في الجامع الكبير شخصاً كأني أعرفه، فلما خرجت قابلني وصافحني وسلم علي، وعرفني بنفسه، فإذا به أحد أساتذتي الذين درسوني في المدرسة الابتدائية في تلك الأيام.

وقد دارت الأيام فإذا به يصبح أحد طلابي في الجامع، ولا يزال يحافظ على الدرس بشكل منتظم، فعجبت من هذه الأخلاق الجبارة، التي جعلت هذا الرجل يتجاوز عامل السن والاعتبارات الأخرى التي يقيم الناس لها وزناً، ويجلس في الحلقة كأحد الطلاب.

السؤال: نحن الآن كأننا بدأنا نتحدث عن بداية طلب العلم، فنريد أن تفصل لنا قليلاً في هذا الموضوع، وتذكر مراحل العلم الأخرى، وأبرز المشايخ الذين تلقيت على أيديهم العلم، وكان لهم أثر في حياتك العلمية؟

الجواب: بعدما انتقلنا من القرية إلى المدينة إلى بريدة، وكنت في آخر السنة الثانية الابتدائية؛ التحقت بمدرسة ابتدائية تسمى مدرسة الأندلس، أو سميت فيما بعد الأندلس، وتخرجت منها.

ثم التحقت بالمعهد العلمي بـبريدة، وفيه قضيت ست سنوات دراسية، وكان المعهد يضم نخبة من فضلاء مشايخ البلد -على سبيل المثال- منهم الشيخ صالح السكيتي رحمه الله، والشيخ علي الضالع رحمه الله، والشيخ صالح البليهي رحمه الله، وأمثالهم كثير.

فكانت دراستي في المعهد قد أتاحت لي فرصة الجلوس بين أيديهم، والأخذ من علمهم وأخلاقهم، واستفدت من ذلك -بحمد الله- فائدة كبيرة.

كما أن التحاقي بالمعهد أتاح لي فرصة الاستفادة من مكتبة المعهد آنذاك، وكانت عامرة بالعديد من الكتب، وهناك مكتبة للإعارة، وتُجدد وقتاً بعد وقت، فتضم عدداً كبيراً من الكتب الجديدة التي يحتاج الناس إليها، فاستفدت منها -بحمد الله- فائدة كبيرة، وكانت بداية طيبة لتنمية العلوم الإسلامية، سواء بالاستفادة من أولئك المشايخ الفضلاء، أم بالاستفادة من تلك الكتب التي كانت موجودة في مكتبة المعهد.

ولا يفوتني أن أقول: إنه قبل ذلك، وفي أواخر المدرسة الابتدائية، كانت هناك بعض القصص الموجودة عند الصغار، والتي قد لا تخدم القضية التربوية بشكل جيد، لكن ربما لضعف الموجه في تلك الفترة، كالقصص الصغيرة التي ما زالت متداولة في أيدي الطلاب الصغار اليوم، وربما قرأت منها قدراً كبيراً، وأذكر أنني كنت وإخواني نتناوب قراءتها، حتى أن الواحد ليقف على رأس الآخر؛ ينتظر أن ينتهي من هذه القصة حتى يأخذها ليقرأها بدوره.

فكنا نقرأ بنهم، لكن لا نجد المادة المفيدة، فلما كتب الله تعالى وصرت إلى المعهد العلمي والتقيت بشيوخ، بل وبطلاب خاصة من يكبرونني في السن، استفدت منهم فائدة كبيرة؛ حيث توجهت إلى قراءة الكتب العلمية المفيدة والاستفادة من المشايخ.

حتى أني أذكر أنني كنت أذهب مع والدي رحمه الله إلى الدكان، حيث كان يبيع، فكنت أحضر معي باستمرار كتاباً أو أكثر، ولأن الأهل كانوا يخوفوننا في تلك الفترة من العين، كنت أخفي الكتاب في وسط دفتر اليومية، فيظن من يأتي أنني أسجل حسابات أو شيئاً من هذا القبيل، وأنا كنت أقرأ، حتى أنني قرأت في أحد الإجازات الصيفية ما يزيد على ستين كتاباً، بعضها يصل إلى مائتين أو إلى ثلاثمائة صفحة، وغالبها كتب مفيدة، وإن كان يغلب عليها طابع التاريخ أو القصص، أو أشياء من هذا القبيل، وفيها ولا شك كتب توجيهية،وكتب في العقيدة،وكتب علمية، وأذكر منها الأصمعيات، الذي جُمعت فيه عيون الشعر العربي القديم، وكنت أحاول أن أتحفظ شيئاً منها.

أما فيما يتعلق بالشيوخ؛ ففضلاً عمن ذكرت من المشايخ، فلعلي أؤكد على فضيلة الشيخ صالح البليهي رحمه الله، فهو من الشيوخ الذين أفتخر بالانتساب إليهم، لأن الرجل كان على سعة علمه رحمه الله وذلك يبرز من خلال كتابه السلسبيل، بالدرجة الأولى، وجهوده العلمية الأخرى.

كان الرجل يتمتع بأخلاق عالية، وكرم السجايا والطباع، وليونة مع الناس، وحسن استقبال للطلاب، وحسن تربيتهم، ولذلك ألفته نفسي وكنت أتردد عليه في منـزله،وأستفيد من علمه ومن خلقه، وأرجو أن يكون الله تعالى نفعني بشيء من ذلك.

وإن كان من شيء يؤسى عليه؛ فهو أن الشيخ رحمه الله توفي في الوقت الذي كنت مسافراً إلى أمريكا لحضور مؤتمر جمعية الكتاب والسنة في عام مضى، فهناك أخبرونا بوفاته رحمه الله وما حصل في جنازته من جمع غفير؛ يذكرنا بما تكلم فيه المؤرخون عن علماء سابقين؛ كما حصل للإمام أحمد، ولـابن تيمية، ولـابن الجوزي، ولغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى.

فضلاً عن علماء آخرين؛ لم يُكتب لي أن أتتلمذ عليهم على مقاعد الدراسة، لكنني استفدت من علمهم بالحضور في مجالسهم العلمية، أو قراءة بعض الكتب عليهم، منهم الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين، حيث كنت أحضر دروسه اليومية في الإجازات الصيفية، وهي دروس طويلة تستمر -أحياناً- إلى أكثر من ساعتين ونصف، أو ثلاث ساعات وزيادة، فكنت أحاول حضورها ما استطعت، وأستفيد منها، وهي دروس منوعة، في التفسير والحديث والفقه والأصول والفرائض، وغيرها من أنواع العلوم.

فضلاً عن مجالساتي للشيخ واستفادتي من علمه بقدر المستطاع، وكذلك شيخنا الشيخ محمد بن صالح المنصور، وهو قاضٍ سابق من علماء بريدة،وأفرح بمجالسته كثيراً، وأستفيد من علمه، وقد قرأت عليه قدراً لا بأس به من كتاب الروض المربع في الفقه الحنبلي، ولا زلت أطمع في تكميل هذا الكتاب على يديه، والاستفادة منه، مهما كثرت المشاغل والصوارف.

ومنهم شيخنا الشيخ حمود بن عبد الله العقل، حيث حضرت عدداً من دروسه في الجامع الكبير، حيث يدرس العقيدة الطحاوية، واستفدت منها، وكان يدرس مع العقيدة الطحاوية النحو في شرح ألفية ابن مالك.

والتحقت بعد المعهد بكلية الشريعة، واستفدت من عدد من الأساتذة من الإخوة السعوديين وغيرهم، في كافة العلوم المدرسة في هذه الكلية.

ومما يفخر به كل طالب علم أو طويلب علم؛ أن يكون التقى أو أخذ ولو نـزراً يسيراً، عن سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فهو تاج العلماء في هذا العصر، وإمامهم وواسطة العقد فيهم.

ولهذا سعيت إلى لقائه كثيراً، وحصل أن استفدت منه -والحمد لله- في بعض المسائل، حيث أستغل الجلوس معه، على أن هذه الجلسات قد لا تكون انفرادية، لكن أحرص على استغلالها في بعض الأسئلة المشكلة لاستيضاح رأي الشيخ فيها، والاستفادة منه، سواء في المسائل الفقهية، أو في رأيه في بعض الأحاديث -درجة بعض الأحاديث النبوية- أو الجمع بين ما يشكل من الأحاديث، أو ما أشبه ذلك، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، إنه على كل شيء قدير.

السؤال: جزاك الله خيراً.. يا شيخ سلمان، بلا شك أن لطالب العلم مشايخ يتلقى منهم العلم مباشرة، وقد ذكرت لنا طرفاً من هذا.

لكن هناك أيضاً المشايخ الذين يتلقى منهم طالب العلم العلم، إما من علماء السلف، أو من بعض المعاصرين الذين لم يلتق بهم، فهل يمكن أن نعرف بعض الأسماء في هذا المجال؟

الجواب: أما فيما يتعلق بعلماء السلف، فإن كل ناشئ في هذه البلاد المباركة في هذه الجزيرة، غالباً ما يكون استفاد وانتفع كثيراً بمؤلفات الشيخ الإمام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم وهكذا كان.

فإنني -بحمد الله- وثيق الصلة بتراث هذين الإمامين الجليلين، ولا زلت أحرص في كل مسألة أبحثها أو تعرض لي، أن أطلع على رأيهما وأعرف اختيارهما فيها، لما لرأيهما من الأهمية والقوة والتميز التي يشهد بها كل منصف.

لهذين الإمامين أثر كبير، ليس علي فحسب؛ بل ربما في عنق كل طالب علم في هذه البلاد، بل وكل طالب علم مخلص باحث عن الحق، ملتزم بالمنهج الصحيح، البعيد عن الانحراف في أرجاء العالم الإسلامي، من أقصاه إلى أقصاه.

فضلاً عن الكتب الأخرى؛ التي تتداول كثيراً في هذا المجتمع، وهي بحمد الله ذات صلة وثيقة بالمنهج السلفي الصحيح، أذكر منها على سبيل المثال: كتاب تفسير ابن كثير، فهذا الكتاب قلما يوجد طالب علم إلا وقرأه، أو قرأ منه، وكان هذا الكتاب يقرأ في المساجد إلى وقت قريب.

وكذلك الإمام النووي، خاصة في كتابه رياض الصالحين، فإننا كنا نقرؤه ونحن صغار في البيت على الوالد رحمه الله، ولا زال يقرأ في المساجد، وهو من أجمع وأحسن ما كتب في مختصر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكذلك كتب الإمام ابن رجب الحنبلي؛ فهي كتب قوية، فيها ترقيق، وتربية، وتهذيب، وفيها جمع، مع بُعدها إلى حد كبير عن لوثات الصوفية التي تكدر هذا المنبع الصافي.

السؤال: جزاك الله خيراً.. يا شيخ سلمان، للدراسة زملاء، فهل يمكن أن نعرف بعض هؤلاء الزملاء البارزين إذا أمكن؟

الجواب: في الواقع هناك زملاء كثير، فهناك زملاء الدراسة، وهناك بعد التخرج من المعهد والدراسة في الجامعة زملاء، قد يختلفون شيئاً ما، لأنني بعد التخرج التحقت بكلية اللغة العربية سنتين، ثم حولت إلى كلية الشريعة في نهاية السنة الثانية.

حتى أني أذكر بالمناسبة؛ أنه كان عندي في تلك السنة بحثان: الأول عن كان وأخواتها -هذا تابع للغة العربية- وقد قدمته، أو كان هذا في السنة الأولى،وفي الثانية كان عن عبد القادر الجرجاني، وكتابه أسرار البلاغة. وفي كلية الشريعة بعدما انتقلت إليها قدمت بحثاً آخر عن صلاة الجماعة وأحكامها، وما يتعلق بها، وهناك زملاء التخرج في الجامعة.

بعدما تخرجت التحقت بالتدريس بالمعهد العلمي بـبريدة، فدرست فيه ما يزيد على أربع سنوات، وكان لي في هذه الفترة زملاء، ربما أن بعضهم من أساتذتي وشيوخي الذين درسوني في المعهد، ثم تخرجت فيه وزاملتهم في التدريس فيه.

ثم انتقلت بعد ذلك إلى الجامعة؛ حيث أعددت فيها رسالة الماجستير، وكان لي فيها زملاء آخرون، ولعلي أكتفي بذكر أقل القليل منهم:

أذكر من الزملاء الذين كانوا معي منذ الدراسة الابتدائية وحتى التخرج من الجامعة، وظل صديقاً طيلة هذه المدة، بل إلى أن قبضه الله تعالى إليه، وهو أخي الشيخ صالح بن إبراهيم الشيبان رحمه الله تعالى، الذي لا زلت أحتفظ بذكريات كثيرة ودقيقة معه، منذ أن كنا طلاباً في المدرسة الابتدائية، فالمتوسطة، فالثانوية، فالمعهد، فالجامعة، وبعد ذلك ظلت علاقة الأخوة والمحبة تربط بيننا، إلى أن قبضه الله تعالى إليه في السابع والعشرين من شهر رمضان، في ليلة الجمعة من هذا العام، على إثر حادث تصادم، أسأل الله تعالى أن يكتبه في الشهداء، وأن يغفر لنا وله، وأن يرفع درجته في المهديين، ويخلفه في عقبه في الغابرين، ويغفر لنا وله أجمعين.

والزملاء كثير بحمد الله، وكلهم أحتفظ معهم بعلاقات الحب والمودة، نحمد الله تعالى على ذلك.

السؤال: في هذه الرحلة العلمية، هل حفظت شيئاً من المتون؟

الجواب: لا بد من ذلك، فإن طبيعة تكوين الطالب في هذه البلاد وفي غيرها من مراكز العلم الشرعي، تهتم بتلقين الطالب عدداً من المتون، وإن كنت لا أستطيع أن أستحضر كثيراً منها، لكنني أذكر من المتون على سبيل المثال فيما يتعلق بالعقيدة: الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية. وأذكر أيضاً فيما يتعلق بالنحو: متن الآجرومية، وقد حفظته وحفظته لطلابي الصغار في المسجد.

وكذلك فيما يتعلق بالفرائض: هناك متن الرحبية، وهو عبارة عن منظومة شيقة وخفيفة في علم الفرائض، وهي مختصرة أيضاً، فضلاً عن كتاب زاد المستقنع في الفقه الحنبلي، ولعله أخصر كتب الحنابلة وأكثرها مسائل، وقد حفظت جزءاً كبيراً منه في المعهد العلمي، وقرأت شرحه -كما أسلفت قبل قليل- على عدد من المشايخ، منهم الشيخ صالح البليهي رحمه الله، ومنهم الشيخ محمد بن صالح المنصور حفظه الله ووفقه.

وهناك في المصطلح أيضاً: مختصر للحافظ ابن حجر وهو: نخبة الفكر، وقد حفظته في زمن الطلب، ودرسته وحفظته لطلابي أيضاً في زمن التعليم، هذه بعض المتون.

وهناك بعض المتون قد حفظت شيئاً منها لكن لم أكملها ولم أضبطها تماماً، منها ألفية ابن مالك في النحو، ومختصرات ومتون أخرى، منها في الأصول وغيرها، لكنني لا أستطيع أن أقول إني حفظتها بشكل صحيح.

السؤال: هل تحقق للشيخ سلمان العودة حفظ القرآن الكريم منذ الصغر؟

الجواب: في الواقع لم يتسن لي هذا الشرف الكبير، الذي هو نعمة، كما قال الله عز وجل: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] فأثنى على الذين يوجد القرآن في صدورهم بأنهم ممن أوتوا العلم.

فلم يتسن لي أن أحفظ كتاب الله تعالى في صغري، وإن كنت بدأت بحفظه بعدما انتقلنا إلى المدينة، فحفظت سورة البقرة، ثم في الجامعة حفظت عدداً من السور، إلى سورة يونس، وبلا شك آخر القرآن هو أصلاً محفوظ من المقررات الدراسية.

وهناك سور متفرقة حفظتها أيضاً بجهدي الشخصي، كسورة الكهف وطه وهود وإبراهيم وغيرها من السور، لكن بقي علي مواضع متعددة وإن لم تكن بالكثيرة، لم يسبق لي أن حفظتها.

كما إنني أقول: إن السور التي حفظتها تحتاج إلى مراجعة دائمة، وبهذه المناسبة يتبين دور الأسرة في محاولة تحفيظ الصبية القرآن الكريم، لأنه من الملحوظ أن الذين حفظوا في طفولتهم، بل في أول طفولتهم، يكون حفظهم مجوداً ولا يحتاج إلى كثير مراجعة، بخلاف الذين حفظوا عن كبر، فإنهم مع كثرة المراجعة يظل في حفظهم خلل كبير.

السؤال: بالنسبة لرسالة الماجستير، عن ماذا كانت؟

الجواب: رسالة الماجستير في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين، وكان موضوع الرسالة: غربة الإسلام وأحكامها في ضوء السنة النبوية.

السؤال: وبالنسبة للدكتوراه، هل سجلت موضوعاً فيها؟

الجواب: نعم، سجلت موضوعاً منذ فترة ليست بقصيرة، وكان عنوان هذا الموضوع هو: أحاديث التشبه جمع وتحقيق ودراسة، وأعتقد أن دلالة الموضوع الذي هو التشبه، يدخل فيه التشبه بالكفار، والتشبه بالفساق، والتشبه بالأعراب، والتشبه بالرجال من قبل النساء، وبالنساء من قبل الرجال، والتشبه بالحيوانات، حتى التشبه بالصالحين، كالتشبيه بالملائكة، والتشبه بالأنبياء، والتشبه بالصالحين،فهو موضوع واسع ذو علاقات اجتماعية وطيدة،وله جوانب متعددة.

ولا شك أنه مهم كموضوع للدراسة،لكن نسأل الله أن يوجد من يتحدث عن هذا الموضوع بشكل علمي جيد.

السؤال: وهل قطعت فيه شوطاً كبيراً؟

الجواب: في الواقع هناك كتاب مخطوط ضخم جداً للغزي اسمه (حسن التنبه لما ورد في التشبه) وهذا المخطوط الذي لا يزال مخطوطاً، ولعل السر في كونه لا يزال مخطوطاً هو ضخامته، واستطرادات المصنف، التي قد لا تكون ذات أهمية علمية كبيرة.

لكنه من جهة أخرى حشد نصوصاً هائلة في هذا الكتاب، وهناك -ولله الحمد- بداية مشروع عندي، في جمع الأحاديث والآثار الموجودة في هذا الكتاب، بحيث أنها يستفاد منها في الرسالة على حدة، بعيداً عن استطرادات المؤلف التي قد لا يكون ثمة حاجة كبيرة إليها.

كما أن الإمام ابن تيمية رحمه الله، كتب كتاباً فذاً بل فريداً في هذا الباب، وهو اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، وكله يدور على هذا الأصل العظيم من أصول الإسلام، وهو تميز المسلمين عن الكافرين في كل شئونهم.

وهذا الموضوع أعتقد أنه في العصر الحاضر ذو أبعاد خطيرة جداً، خاصة مع انفتاح العالم بعضها مع بعض، ووجود تأثيرات عميقة بعيدة المدى على أخلاقيات الناس وحضاراتهم وعاداتهم وتصرفاتهم الفردية والاجتماعية والدولية، ومما يتطلب -فعلاً- لوجود أمة إسلامية متميزة عن غيرها من الأمم الكافرة، وهو زيادة الاهتمام والعناية بالموضوع.

السؤال: جزاكم الله خيراً... الحياة العملية، ما هو العمل الآن حالياً؟

الجواب: محاضر في كلية الشريعة وأصول الدين في القصيم، وعندي في هذا الفصل محاضرات في كلية اللغة العربية، وفي قسم اللغة، وقسم الاجتماع، وقسم الجغرافيا.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع